أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - هالة .. قصة قصيرة














المزيد.....

هالة .. قصة قصيرة


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 6488 - 2020 / 2 / 10 - 20:37
المحور: الادب والفن
    


كنت قد قررت مع نفسي من وقت بعيد أن أقتله حتى لو تبقى لي من العمر يوما واحدا, واحدا فقط.
هكذا خاطبت الفتاة هالة ذات الخامسة والعشرين من عمرها هيئة المحكمة الجنائية والمتهمة بجريمة قتل عمدٍ عن سبق إصرار وترصد.
لكنها لم تقتله هو إنما قتلت ابنه كي تحرق قلبه كما حرق قلبها اليافع قبل خمسة عشر سنة حسب روايتها أثناء سير مجريات المحاكمة.
هالة روت حكايتها بكل وضوح وجرأة في المحكمة رافضة توكيل محامي عن قضيتها التي أسمتها بقضية انتقام الضحية من الجلاد والتي كسبت تعاطف الرأي العام.
بدأت كلامها وكأنها تمثل دورا في فلم سينمائي :
- يا سادة يا كرام يا أرباب الحكمة والعدل والنظام .. أنا ضحية مجرم قاتل شرير وحانت الفرصة التي اخترتها بعناية لكي أنتقم منه بطريقتي الخاصة رغم اعترافي أن المجنى عليه لم يكن طرفا في الجناية.
ثم أردفت بهدوء ورباطة جأش.
- هل تسمحون لي أن أحكي لكم الحكاية من بدايتها الى نهايتها ولكم ما تشاؤون من فرض عقوبات على جنايتي أو جريمتي كما يحلو لكم.
تفوه القاضي قائلا .
- تفضلي يا بنيتي .. لكن باختصار رجاء.
أجابت واثقة.
- وهو كذلك سيدي القاضي.
وأضافت.
- كلكم تعرفون السيد خزعل الملقب بخزعل السفاح أحد رموز الحكومة الحالية .. لا أحتاج إجابة منكم أنا على يقين أنكم تعرفوه جيدا .. لكن ما لا تعرفوه أن السيد خزعل دهم بيتنا في ليلة ظلماء مع ثلة من الرجال المرتدين ثيابا سود والمدججين بالبنادق والمسدسات, وهم يشتمون أبي بأقذع الألفاظ النابية, ويجرجروه من غرفة نومه, قاذفين به على أرضية الصالة يدوسون عليه بأحذيتهم, وأنا أرتجف مذعورة باكية بين أحضان أمي المتوسلة بهم أن أرحموه يا ناس.
في هذه اللحظة أجهشت في البكاء وأردفت ماسحة دموعها.
- كنت في العاشرة من عمري لا أفقه شيئا من الحياة سوى أن أبي أجمل رجل في الدنيا وأحن إنسان في الكون, وأرق وأعذب أب بين الآباء أجمعين .. لماذا يبطشون به هؤلاء الأغراب المتوحشون .. لماذا يكرهونه كل هذه الكراهية؟
- لم يصرخ أبي كما كانت تفعل أمي .. لم يتوسلهم كما توسلتهم أمي .. لكنه كان يشعر بالمهانة .. هل تعرفون مذاق المهانة .. المهانة المرة من أناس جائرين بلا رحمة بلا أخلاق بلا ضمير بلا شرف .. يهينون رجلا أبيا مثل أبي أمام زوجته المنكسرة وأبنته الصغيرة المرتعبة بكل قسوة وعنجهية.
بكت ثانية وأضافت.
- صعب عليّ أن أصف وأختزل لكم تلك اللحظات الرهيبة المشوبة بالخوف والذعر والهلع .. لكنني سأختصر لكم النهاية .. أفرغوا بضع أطلاقات في رأسه مباشرة .. عفوا يجب أن أنوه أفرغ السيد خزعل السفاح ثلاث رصاصات من مسدسه في رأس أبي.
- وقد تسألون وتتساءلون كيف عرفتِ أن السيد خزعل هو قاتل أبيك وليس غيره؟
- أقول لكم مستحيل أنسى صوته وصراخه .. ولا قسمات وجهه .. ولا قسوة عينيه الجاحظتين .. ولا مسدسه اللعين.
- كبرت وكبرت المأساة معي .. مأساة فقد الأب بطريقة وحشية همجية بربرية.
- وشاهدت السيد خزعل قاتل أبي مرات ومرات على شاشات التلفاز وهو يتحدث عن الوطن واللحمة الوطنية والعدالة الاجتماعية والكثير من الخزعبلات مما أصابني بالقرف والاحتقار لهذا المجرم المحترف الذي قتل المئات غير أبي .. وقررت مع نفسي أن أقتله مثلما قتل أبي وحرمني من أمانه وحنانه.
طلبت قنينة ماء بعد سادت حالة من الصمت والذهول على المجتمعين في أرجاء قاعة المحكمة, شربت قليلا من الماء وأكملت حكايتها المرة الصادمة.
- بالمصادفة المحضة اكتشفت على موقع الفيس بوك أن للسيد خزعل ابنا في عمري, وبحسي الأنثوي خاطبت نفسي إنه المراد, هنا تكمن الضربة القاسية لهذا الباغي الجلاد, طلبت صداقته على الفور فاستجاب, وهكذا نسجت حوله خيوط أنوثتي حتى أوقعته في الشرك.
- أقسم لكم بتراب أبي .. كان بإمكاني قتل هذا الوغد المسمى خزعل السفاح بعد أن أطمئن لعلاقتي مع ابنه المدلل الذي جعلني واحدة من أهل البيت من دون تزكية .. لكن الجرح الذي تركه في وجداني جعل مني مجرمة محترفة تدرك كيف تصوب طعنتها النجلاء صوب المجرم المحترف.
قاطعها القاضي لأول مرة.
- نحن نؤمن يا بنيتي بالحديث الذي يقول وبشر القاتل بالقتل, لماذا لم تقتلي القاتل الذي قتل أباك ؟ لماذا قتلتِ شخصا بريئا لم يقترف جناية قتل أبيك ؟
قالت ببرود أعصاب.
- لكي يشرب من ذات الكأس التي شربتها .. لكي يذوق مرارة الفقد .. لكي يتجرع الألم والوجع والذل .. لكي يموت وهو حي .. هذا ما فعلته بقصد انتقام متعمد .. لكنني أعترف بجريمتي وأنا بغاية السعادة كوني استطعت أن أزرع التعاسة في قلب كائن شرير حرمني من السعادة وتوجني بتعاسة أبدية تكللت بكم من الكراهية, الكراهية تدوس دائما على قيم الحياة العليا ولا تأبه أبدا لغير سمومها.
- السيد خزعل جعلني أفعى مسمومة .. أفرغت سمي في جسد ابنه وارتحت, ولكم أن تعدموني بعد أن أعدم المجرم أبي وأعدم طفولتي وبراءتي وأنوثتي.
نقر القاضي بمطرقته الخشبية نقرتين على المنصة وأعلن :
- تؤجل الجلسة إلى يوم غد.



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تغريدات ساخنة 4
- تصريحات صحفية
- حانة الأحلام السعيدة
- تغريدات ساخنة 3
- تغريدات ساخنة 2
- سماحيات 6
- الدين وأفيون الوهم
- مقاولة ... اقصوصة
- سماحيات 5
- تغريدات ساخنة
- سماحيات 4
- سماحيات 3
- ومضات خاطفة
- رؤوس أقلام
- شذرات مما رواه عتاة الرواة عن النبي محمد
- خواطر آنية جدا
- سماحيات 2
- سماحيات ...
- وجهة نظر خاصة
- رأيان في الشعر والرواية


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - هالة .. قصة قصيرة