أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد السعدنى - إن السفينة لا تجرى على اليبس














المزيد.....

إن السفينة لا تجرى على اليبس


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 6488 - 2020 / 2 / 10 - 17:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ترجو النجَاة وَلم تسلك مسالكها ...
إِن السَّفِينَة لَا تجْرِي على اليبس
-أبو العتاهية –

مشي الفتى أربعين يوماً حتى وصل إلى قصر جميل علي قمة جبل فيه يسكن الحكيم الذي يسعى إليه. وجد في قصر الحكيم جمعاً كبيرا من الناس. انتظر الشاب حتى جاء دوره. أنصت الحكيم بانتباه إلى الشاب وهو يطلب أن يصاحبه ليتعلم منه حكمة الحياة فى مقابل أن يساعده فى القيام بأعباء القصر الكبير. تذرع الحكيم بأن الوقت لا يتسع للاستفاضة فى الكلام والتفاصيل وسط كل هذا الزحام، وطلب من الفتى أن يقوم بجولة داخل القصر وحوله، ثم يعود لمقابلته بعد ساعتين.
أضاف الحكيم وهو يقدم للفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتين من الزيت: إمسك بهذه الملعقة في يدك طوال جولتك وحاذر أن ينسكب منها الزيت. أخذ الفتى يصعد سلالم القصر ويهبط ويدور فى أروقته وباحاته وحجراته مثبتاً عينيه على الملعقة، ثم رجع لمقابلة الحكيم الذي سأله: هل رأيت السجاد الفارسي في غرفة الطعام؟ والحديقة الجميلة بأشجارها الوارفة النادرة؟ وأى من المجلدات والكتب استوقفتك في مكتبتي؟ ارتبك الفتى وتلعثم وبدت إجاباته كما لو أنه لم يرى شيئاً، إذ كان همه الأول ألا يسكب نقطتي الزيت من الملعقة. فقال الحكيم: سأعطيك فرصة أخيرة، إرجع وتعرف على معالم القصر جيداً ولا تفوت شيئاً، فشخص لا يعرف البيت الذي يسكن فيه، كيف يمكننى أن اعتمد عليه فى إدارة شئونه؟
عاد الفتى يتجول في أرجاء القصر بعيون مفتوحة، منتبها إلي اللوحات الفنية على الجدران، والتماثيل فى الأركان، شاهد الحديقة والأشجار الوارفة، والمكتبة وغرفة الموسيقى، وآنية الزهور الفريدة، ومتحف المقتنيات النادرة وغيرها، وعندما رجع إلي الحكيم قص عليه بالتفصيل ما رأى، فسأله الحكيم: وماذا عن قطرتي الزيت اللتان عهدت بهما إليك؟ نظر الفتى إلى الملعقة فلاحظ أنهما انسكبتا، فوقف فى حيرة كمن على رأسه الطير ولم يحر جواباً. هنا تبسم الحكيم فى نظرة ذات مغزى قائلاً: يا بنى لا حاجة لك بمصاحبتى أكثر من ذلك، فقد انتهى وقتك ونفدت فرصتك، وعليك مغادرة القصر، لقد انتهى الدرس وعليك وحدك تدبر حكمته وسبر أغواره.
وإذا سألتنى ماذا حدث؟ وما هو مغزى الحكاية؟ سأحيلك إلى مقالينا السابقين فى هذه الزاوية "فى مديح مايكفى" و "الطموح وحده لايصنع الفارق"، ففى ضوئهما يمكنك فهم ماذا حدث لصاحبنا، ذلك الفتى الغرير الذى أخذه طموحه إلى أبعد مما تمكنه موهبته واستعداده وقدراته، ولم يستطيع الموازنة بين مايطلبه، وما يتوجب عليه عمله للوصول لمبتغاه وأهدافه. لقد ذهب يطلب الحكمة وسكنى القصر وإدارة شئونه، لكنه لم يستطع فى فرصته الأولى أن يرى شيئاً مما حواه قصر الحكيم وردهاته ومكوناته، كل شاغله كان الحفاظ على قطرات الزيت التى لم تكن ذات القيمة الأهم فى مهمته.
أما فى فرصته الثانية فقد أضاع الزيت ولم ينتبه له، إذ انصرف بكليته إلى ماكان عليه انجازه بكفاءة فى المرة الأولى. لكأنه فى كل مرة كان عليه أن يفتقد شيئاً ليقيم آخر. هنا كان رسوبه حتمياً فى الاختبار، إذ حكمة الحياة التى راح ينشدها قائمة على التوازن بين ماتريد ومايمكن أن تعطى. فالطموح فيما تريد ليس كافياً وحده ليصنع الفارق، إذ الفارق تصنعه القيمة، قيمة ما لديك قياساً إلى قيمة ما رحت تطلبه وتهفو لتحقيقه.
ثم صاحبنا فى هذه الحكاية كان مفتقداً بالكلية لكل معنى أو أثر من القدرة على ترتيب أولوياته، إذ راح فى المرة الأولى ليجعل كل هدفه الحفاظ على قطرتى الزيت، وعندما أرشده الحكيم لخطأ مسعاه، راح فى الثانية بهمة يرجو النجاة، لكنه لم يسلك مسالكها، إذ أضاع فى طريقه ما كان قد حافظ عليه فى مرته الأولى. افتقد صاحبنا فقه الأولويات وقاده طموحه إلى حيث مالايمكن أن تدعمه إمكاناته.
حكمة الحياة ياصديقى وضروراتها هى القدرة على صنع التوازن وترتيب الأولويات. فالسفينة مهما تفننت فى تجويد صنعتها، لا تجرى على اليبس.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنوير ومؤسساتنا الثقافية الغائبة
- تناقضات عالم أضحى غابة: حكاية الدب الذى صار أرنباً
- صناعة الوعى فى مقابل التجريف الثقافى
- الأحزاب وصناعة الوعى والتغيير
- ضربة هيكلية أسقطت الهيبة الأمريكية
- السيد محافظ القاهرة: هل تسمعنا؟
- مساحة للأحزاب والسياسة
- باغت الأشياء ودع الأسباب تأتى لاحقاً
- زهراء المعادى: هل من نهاية للفوضى والمخالفات؟
- الهيئة الإنجيلية: نحو مجتمع عابر للصيغ التقليدية
- -بول آردن-.. هذه هى الفكرة والطريق
- -بول آردن-.. هذه هى الفكرة والطريق
- إيكهارت تول و-قوة اللحظة - الآن-
- إفتح صندوقك يغمرك النور
- أنت وحدك من يصنع الفارق
- الطموح وحده لا يصنع الفارق
- فى مديح -مايكفى-- لا تقرءوا القشور
- الصيد والطموح: قصة مخاتلة
- صدمة الأفكار فى عالم الأعمال
- عن كاتب لايموت: من ثقافة اللفظ إلى معرفة الأداء


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد السعدنى - إن السفينة لا تجرى على اليبس