أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - النحلة والدبور … إهداء المايسترو لحبيبته نيڤين














المزيد.....

النحلة والدبور … إهداء المايسترو لحبيبته نيڤين


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6487 - 2020 / 2 / 9 - 10:05
المحور: الادب والفن
    


هذا الرجلُ العظيم لم يتوقّف يومًا عن محاربة القبح في كل صوره. لهذا أسمّيه "المايسترو". فهو يحمل عصا رفيعة في يمينه ليضربَ بها وجه القبح، ويضبطُ إيقاعَ الجمال في الكون. فإن غاب الجمالُ برهةً؛ لاحقه وطارده حتى يقبض عليه، ويُعيده إلى عرشه. فإن راوغَ الجمالُ وفرَّ واختفى، دخل المايسترو إلى محرابه ليصنعه وينحته ويعيدُ تشكيله، ثم يقدّمه إلى الناس خالصًا نقيًّا من غير سوء. يقود المايسترو فريقَه بدقّة لا تسمحُ بالخطأ أو النشاز؛ ليقدّموا معًا معزوفاتٍ أخلاقيةً فائقة الجمال بالغة الإتقان. ثم يجعلنا نتورّط معه في المعزوفة، بعدما تشتبكُ أفكارُه مع أفكارنا؛ فنخرج من بين يديه ليس كما دخلنا ننشدُ البهجة والمتعة، بل مشغولين بكيف سنغيّر من أنفسنا ونعلو حتى ننجو بسفينة الوطن من السقوط.
مهمومٌ بظاهرة الانفلات الأخلاقي التي تفشّت في المجتمع المصري منذ عقود. يصوّب نحوها عصاه الموسيقية ليُعلَّم القبحَ أن يغدو جميلا. فإن لم يرعوِ القبحُ، شحذَ المايسترو قوسَه، وصوَّبَ نحو قلب القبح سهامَه مُحمّلةً بكامل غضبه الفنيّ الرفيع. وأبدًا لا تخطئ سهامُه هدفَها. تلك هي رسالةُ ذلك الرجل النبيل منذ أربعين عامًا وحتى اليوم والغد. لهذا وضع ابني المهندس "مازن نبيل" صورتَه مع المايسترو على صفحته قائلا: (هذا هو الرجلُ الذي ربّى جيلنا على الأخلاق والقيم والمبادئ.) وصدق نجلي الجميل. فهذا الرجل منشغلٌ بفكرة الجمال. الجمالُ هو طريدته التي يلاحقها ويحاول القبض عليها في جميع أعماله المسرحية والسينمائية والتليفزيونة. عن الفنان الكبير مايسترو المسرح، محمد صبحي، أتحدّث.
فُجع المايسترو النبيلُ حين غدرته حبيبتُه، وغادرتْ هذا العالم. طافَ بها العالمَ أعوامًا طوالا كأنها الدهر، لينقذها من المرض الشرس لئلا يخطفها منه ومن طفليه. لكنها غابت. فبكى دموعًا مُرَّة لا تشبه دموعَه في هاملت وأوديب وروميو. دموعَ الفقد والترمّل والثكل واليُتم. لأن حبيبته "نيڤين رامز" كانت له زوجةً وابنةً وأمًّا وزميلة دراسة وعمل، ورفيقة كفاح طويل. في مراسم جنازها، شاهدتُ دموعَه الحقيقية لأول مرة. فكتبتُ قصيدة عنوانها: “دموع الفارس"، قلتُ فيها: (اِبكِ الآن يا حبيبي/ ومُعلّمي/ ما طابَ لك البكاءُ/ وما شاءَ لك الحَزَن/ فالفُرسانُ أيضًا يعرفون البكاءَ/…/ ثمّ كفكفِ الآنَ دمعَكَ/ وعُد إلينا فارسًا نبيلا/ عاشَ يُعلِّمُنا/ أن الفُرسانَ يبكون/ ولا ينكسرون. )
ولم ينكسرِ الفارسُ. إنما حوّل حَزَنَه ودموعَه إلى فنٍّ رفيع. كان أحدثُها تلك المسرحية البديعة التي انتصر فيها للمرأة؛ ذلك الكائنُ الجميل الذي لا يعرفُ قدرَه إلا الفرسانُ النبلاء. على مسرحه المحترم في مدينة "سما سنبل"، قدّم صبحي أحدث عروضه المسرحية: “أنا والنحلة والدبور"، مع مجموعة لامعة من نجوم المسرح الذين ينتخبهم صبحي بعين "الجواهرجي" الحذِر؛ الذي ينتخبُ من الجواهر أنقاها وأصقلَها وأثمنها. المسرحية من تأليف الكاتب "أيمن فتيحة"، وإخراج صبحي. وبطولة الجميلتين: سماح السعيد، وميرنا زكري، والفنان الكبير عبد الرحيم حسن، والفنان حازم القاضي، والطفلين الرائعين: بيلار أحمد، وعبد الرحمن محمود.
وأنا أشاهدُ المسرحية الأسبوع الماضي، كانت تجلسُ إلى جواري الفنانة الجميلة "نيڤين رامز"، زوجته الراحلة. لأول مرة لم تكن على خشبة المسرح إلى جوار زوجها ممثلةً أو مساعدة مخرج، بل كانت من الجمهور. التفتُّ إليها وقلتُ: (صبحي يُهديكِ هذه المسرحية يا نيڤين. فأنتِ لم ترحلي كما يظنُّ الناسُ. بل تعيشين في قلبه وعقله وفنّه. صبحي يقول لكِ: نامي ملء جفونك وانعمي بفردوس السماء، فهو بخير ولن ينكسر مادامتِ تعيشين فيه. يقدّم هذا العمل ليقول لكِ إنه يعرفُ كم ضحيتِ من أجله ومن أجل مريم وكريم. كم ساندتِه ليغدو على هذا المستوى الفني الرفيع أستاذًا في المسرح وفي الحياة. يحاربُ القبحَ لكيلا يخدشَ عينيك الجميلتين. يصنعُ الجمالَ ليهديه إلى أولادكما وأولادنا وأولاد مصر. ارقدي في سلام أيتها الجميلة لأن حبيبك مازال يحيا ويتنفّسُ فنًّا.) أنصتت نيڤين إلى كلماتي، وابتسمت وأومأت، ثم التفتت إلى زوجها على خشبة المسرح وقالت له: (عِشْ يا حبيبي ألفَ عام. لأن مصر تحتاجُ إليك.)
تحية احترام للمصري العظيم صاحب المسرح الرسولي الذي يُعلّمنا ما فاتنا أن نتعلّمه على مقاعد الدرس. ودائمًا “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هنا الإمارات … ومصرُ تصنعُ الحياة
- وسام القديس جورج … لقاهر الإرهاب الأسود
- معرض القاهرة الدولي للكتاب 2020
- معرض القاهرة الدولي للدواء 2020
- أوسكار فاروق حسني
- صحنُ قلقاس أخضر … على مائدة قبطية
- الرئيس والبابا … وباقةُ زهور بيضاء
- الحَجُّ العالميُّ إلى أرض مصر
- أطرق باب بيت ... لا يعرف الحزن
- لا أملكُ إلا ابتسامتي!
- على عتبة الطفل الصامتٍ
- قُبلةُ حبيبي … بألفِ عام
- جيشُ مصر العظيم ... هو جيش العرب
- 100 مليون مقاتل مصري ... في وجه الغزو العثماني
- ميري كريسماس … بأمرِ الحُبِّ وحِمى القانون
- 51 بحبّه!
- العشبُ الداعشيُّ … والأراضي البور
- الجميلةُ ... المَنسيّة!
- الغرابُ الجميلُ … المجنيُّ عليه!
- مصرُ الطريق … في باريس


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - النحلة والدبور … إهداء المايسترو لحبيبته نيڤين