أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رستم محمد حسن - الساميون (دراسة عامة)















المزيد.....



الساميون (دراسة عامة)


رستم محمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6485 - 2020 / 2 / 7 - 15:13
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الساميون
دراسة عامة:

كان الاستاذ الالماني( د. شلوتزر ) ( Schlazer ) هو أول من صاغ كلمة « سامي » كصفة للتعريف بمجموعة من اللغات الوثيقة الصلة ببعضها وذلك عام ( ۱۷۸۱ م ) وبالنتيجة فقد سمي العرق الذي يتحدث بهذه اللغات بـ « الساميين » .
وقد اشتقت كلتا هاتين الكلمتين من « سام بن نوح » والد « آشور » و « آرام » و « عبران » ( سفر التكوين الاصحاح العاشر) والذي يدعي انه جد الأشوريين والاراميين والعبرانيين وغيرهم.
والمفردات « سامي » و سامية هي تسميات مقبولة ومناسبة طالما استخدمناها لاغراض لغوية، ولكن ، ولان اللغات السامية كانت شائعة في منطقة محدودة قبل الفتح الإسلامي الكبير ، فان هذا قد دفع بالعديد من الكتاب إلى اعتبار الساميين جنسا خاصا ، أو بالأحرى مجموعة بشرية متناغمة ( يرفض علماء الأنثروبولوجيا الحديثون مفهوم الجنس السامي) الافراد يشتركون ليس في اللغة نفسها فقط ، بل وكذلك في الخلفية السايكولوجية ، وفي العادات والتقاليد ، وفي المعتقدات الدينية ايضا، أي أن هؤلاء الكتاب يعتبرون الساميين شعبا كبيرا واحدا

الاصل التوراتي للكلمة :
كما رأينا اعلاه فإن التسمية قد جاءت من التوراة والتي صنفت اولاد نوح الى ثلاثة فروع رئيسية هم حام وتشمل الشعوب الافريقية ويافث وتشمل الاريين وسام وتشمل مجموعة من الشعوب الشرق الاوسطية القديمة.
فيقول سفر التكوين الاصحاح العاشر :
1 وهذه مواليد بني نوح : سام وحام ويافث. وولد لهم بنون بعد الطوفان
2 بنو يافث: جومر وماجوج وماداي وياوان وتوبال وماشك وتيراس
6 وبنو حام: كوش ومصرايم وفوط وكنعان
21 وسام أبو كل بني عابر، أخو يافث الكبير، ولد له أيضا بنون
22 بنو سام: عيلام وأشور وأرفكشاد ولود وأرام
23 وبنو أرام: عوص وحول وجاثر وماش
24 وأرفكشاد ولد شالح، وشالح ولد عابر
25 ولعابر ولد ابنان: اسم الواحد فالج لأن في أيامه قسمت الأرض. واسم أخيه يقطان
26 ويقطان ولد: ألموداد وشالف وحضرموت ويارح
27 وهدورام وأوزال ودقلة
28 وعوبال وأبيمايل وشبا
29 وأوفير وحويلة ويوباب. جميع هؤلاء بنو يقطان
30 وكان مسكنهم من ميشا حينما تجيء نحو سفار جبل المشرق
31 هؤلاء بنو سام حسب قبائلهم كألسنتهم بأراضيهم حسب أممهم
32 هؤلاء قبائل بني نوح حسب مواليدهم بأممهم، ومن هؤلاء تفرقت الأمم في الأرض بعد الطوفان.

الجغرافيا والتاريخ:
تشتمل المنطقة التي كان يقطنها اناس يتكلمون السامية في الأزمنة التاريخية القديمة على شبه الجزيرة العربية وما حولها : بادية الشام ، سوريا ، فلسطين والهلال الخصيب، وطبقا الى النظرية القديمة ، كان كل الساميين قبائل بدوية تعيش وسط هذه المنطقة, وفي فترات مختلفة ، هاجرت مجموعات كبيرة منهم من الصحراء السورية - العربية للاستيطان - سلميا أو بالقوة - في الأقاليم المجاورة كوادي الرافدين وسوريا وفلسطين - والهجرات السامية هذه هي :
أ - هجرة الأكديين الى وادي الرافدين خلال الألف الرابع قبل الميلاد
ب ـ هجرة الساميين الغربيين ( الكنعانيين - الفينيقيين والآموريين ) إلى وادي الرافدين وسوريا وفلسطين في الالفين الثاني والثالث قبل الميلاد
ح ـ هجرة الآراميين حول كامل الهلال الخصيب في القرن الثاني عشر قبل الميلاد
د - هجرة النبطيين وغيرهم من العرب قبل الاسلام منذ القرن الثاني ق . م حتى القرن السادس الميلادي
هـ - واخيرا ، هجرة العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي .
وتبقى هذه النظرية جيدة، طالما يتعلق الأمر بوصف تتابع معين لاحداث في اطار شمولي عام ، ولكن من غير الممكن قبولها من الناحية التفصيلية دون ترميمها بشكل جاد .
ان اعتبار الصحراء السورية - العربية مركزا انطلقت منه هجرات الساميين أمر غير وارد اطلاقا اذ لا تقدم اية بقعة فيها ، عدا اليمن وأجزاء من حضرموت وعمان وبعض الواحات في شبه الجزيرة العربية ، ظروف عيش ملائمة لمجاميع بشرية كبيرة, وهناك شك كبير في أن تكون الصحراء الكبرى وسط شبه الجزيرة العربية ( صحراء الربع الخالي ) قد سكنت اطلاقا بين العصر الحجري القديم ( عندما لم تكن صحراء بل أحراش سفانا ) والالف الأول قبل الميلاد ، فالحياة في مناطق صحراوية شاسعة مثل هذه تفترض مسبقا القيام بهجرات موسمية بعيدة المدى بحثا عن المراعي ، بيد اننا نجد أن الهجرات من النوع القصير المدى كانت وحدها الممكنة قبل انتشار استعمال الجمال في الشرق الأدنى منذ القرن الثاني عشر ق . م فصاعدا, اما قبل هذا الوقت ، عندما كان البدو يمتطون الحمير ويمارسون رعي الأغنام ، فقد كانوا محددين في حركتهم اكثر من البدو الحاليين ؛ وما كان بمقدورهم الترحال بعيدا عن حدود حشائش الاستبس الممتدة بين دجلة والفرات ، وفي اقدام جبال زاكروس وطوروس ولبنان, وهناك كانوا على اتصال دائم وقريب مع سكان الريف الذين كانوا يشترون اغنامهم ويجهزونهم بالحبوب والتمور والادوات والأسلحة وبسلع اخرى ايضا, ويمكن للعلاقة بين الفلاحين والبدو ان تأخذ أشكالا متنوعة .
وعموما ، فقد كانت هاتان المجموعتان تلتقيان على الدوام في القرى أو في الأسواق خارج ابواب المدن فتتبادلان البضائع ، اضافة الى الأفكار بالتأكيد, ثم يعود البدو مرة اخرى الى السهب الذي ربما كان يبعد اميالا قليلة فحسب، وفي بعض الأحيان ، كان يترك بعض افراد القبيلة رهطهم كي يحصلوا على عمل في المدينة كمرتزقة أو حرفيين أو تجار، وفي أحيان أخرى ، تقوم عائلة أو فخذ أو حتى عشيرة ما بأكملها بامتلاك ارض ( أو قد تمنح اياها ) فتكرس نشاطها اليومي في الزراعة ، اضافة الى تربية الأغنام .
وليست قليلة المرات التي مارست فيها الحكومات المدينية سلطة ما على البدو ۔ مستخدمة اياهم كجنود مساعدين بشكل خاص كلما اقتضت الضرورة، ولكن ، وفي أوقات عدم الثبات السياسي ، كان يمكن لهذا الموقف أن ينعكس تماما ، فتعلن قبائل ، او مجاميع قبلية مؤتلفة ، الحرب على المجتمع المدني المستقر ، فتجتاح المدن وتحتل المنطقة المجاورة ، صغيرة كانت ام كبيرة ، وتستوطنها في النهاية، وكانت عملية تمدين البدو عملية بطيئة شبه مستمرة تخللها تداخلات مسلحة فهي لم تتخذ شكل حركة خارجية من وسط الصحراء الى المناطق الخصبة المجاورة ، بل كانت مجموعة من تحركات ذات مدى قصير ( او متوسط ) ضمن المنطقة المحاذية نفسها ، أي من مناطق السهوب إلى الأرض المروية المجاورة، وهكذا يبدو ان الهلال الخصيب ، وربما ايضا اجزاء من المناطق المحاذية لشبه الجزيرة العربية ، كانت هي الموطن الأصلي للشعوب المتحدثة بالسامية حيث سكنت هناك ، على ما يبدو ، منذ عصور ما قبل التاريخ . ولكنهم كانوا « يعلنون » لنا عن أنفسهم في فترات مختلفة اما لانهم يتبنون شكلا جديدا من الكتابة او لانهم يصبحون ، في وقت ما ، نشيطين عسكريا و مؤثرين سياسيا بما يكفي لان يجري ذكرهم في التقارير المكتوبة للمجتمع المديني المتحضر .
ان كون معظم القبائل البدوية في الشرق الأدنى القديم قد تكلمت اللغة السامية لا يعني بالضرورة أن كل متكلمي اللغة السامية كانوا من البدو، وقد أدى عدم ادراك هذه المسألة الى كثير من الارتباك، فالصفات التي تطلق صوابا او خطأ على الساميين عموما ۔ ( ذهنيتهم المتميزة بنفاد الصبر ، الشجاعة ، العاطفية ، التقلب )، و ( معتقداتهم الدينية التوحيدية ، غير الاسطورية ، المناهضة للطقوسية ) و ( انغلاق مفاهيمهم الاجتماعية - السياسية على القبيلة ) - لا تصح في الحقيقة الا علي الساميين من البدو فقط وقد تطورت ، إلى حد بعيد ، بفعل نمط حياتهم الخاص داخل القبيلة .
واذا كان بعض العرب والآراميين والساميين الغربيين يقعون ضمن هذا التصنيف ، فاننا لا نمتلك أي دليل يؤكد أن أصل الأكدين في وادي الرافدين والكنعانيين - الفينيقيين في سوريا - فلسطين انما هو بدوي قطعا، وبالنسبة إلى وادي الرافدين ، فاه لا يعرف متى دخل الساميون البلد لاول مرة (هذا اذا كنا نصدق انهم قد دخلوه فعلا من مناطق اخرى) .
وقد جرت محاولات لربط واحدة أو أكثر من الهجرات العرقية التي جرت في العصور الشبيهة بالتاريخية مع اجتياح سامي ما، ولكن الاختلافات الكبيرة في آراء العلماء بهذا الصدد تعني ما يشبه الاعتراف بالفشل .
وتظهر أسماء الأشخاص السامية وبعض النصوص المدونة باللغة السامية خلال عصر فجر السلالات ، ويظهر توزيعها الجغرافي أن الساميين كانوا أقلية بين السومرين في الجنوب ، ولكنهم كانوا أقوياء ونشيطين - ان لم يكونوا مسيطرين - في منطقة كيش .
واستنادا إلى مخطوطات مدينة ماري ، وبالاضافة الى وثائق متأخرة اخرى ، يبدو انهم كانوا قد اصبحوا يشكلون بالتأكيد الجزء الأعظم من سكان شمال العراق، ومنذ العصر السرجوني فصاعدا ، أصبح يطلق على الجزء الأوسط من وادي الرافدين ، الممتد من نفر في الجنوب حتى هيت وسامراء - وبضمنه وادي ديالى الاسفل - اسم (بلد أكد) .
ويكتب هذا الاسم عادة بالمقطع السومري المنفصل « اوري »، ولهذا فأن بوسعنا تسمية أول الساميين القاطنين وادي الرافدين بـ الاكديين، وتعتبر لغتهم - الأكدية - فرعا خاصا من لغات العائلة السامية ، وكانوا يكتبونها بالخط المسماري الذي اخترعه السومريون للتعبير عن لغتهم، ويبدو ان هذا التبني للخط المسماري امرغريب اذ تختلف هاتان اللغتان عن بعضهما اختلاف اللغة الصينية عن اللاتينية، وفي الوقت الذي انتقلت فيه أعداد من المفردات السومرية الى اللغة الاكدية ، فاننا نجد أن السومريين قد اكتفوا باستعارة عدد محدود من الكلمات الأكدية نحو لفظة ( هازي ) وتعني « الفأس » ، و ( شام ) ومعناها « سعر » ، أو كلمة « سوم ، وتعني « ثوم » .
هذا هو في واقع الحال كل ما تحمله لنا المصادر المتوفرة في الوقت الحاضر، ومما يستوجب الذكر هنا أنه لم يكتشف ولا حتى مجرد نص سومري وأحد يشير الى الأكدين كاعداء مهاجمين أو البدو رحل، ومع انه امر لم يثبت بعد ، فان من الممكن أن يكون التنظيم الاجتماعي والنظام السياسي الخاص بالاكاديين مختلفا عن ذلك الذي ارتكزت على أساسه دويلات المدن السومرية ، الا ان الذي يظهر بوضوح هو ان الأكدين قد مارسوا النشاط الزراعي وعاشوا في القرى والمدن السومرية مشاركين في نمط الحياة والديانة والحضارة العائدة لجيرانهم السومريين وكل ما نعرفه لحد الان يشير الى أن الاختلاف الجلي الوحيد بين الاكديين والسومرين انما هو اختلاف لغوي ، اذ لايمكن تمييز هاتين المجموعتين عن بعضهما في أي مجال آخر .
ولقد غيرت السيطرة الأكدية على وادي الرافدين في العصر السرجوني مجريات التاريخ ، ولكنها لم تغير ، من حيث المبدأ ، الشخصية السومرية المهيمنة على حضارة وادي الرافدين

الفكر الديني للساميين :
كانت لظروف الحياة الاجتماعية اثر كبير في مظاهر الحياة الدينية ، وليس من اليسير بيان هذه الآثار ، فهو ينقلنا وراء حدود الدين السامي الى المشاكل الضخمة المتعلقة بأصل النظم الدينية الانسانية وتطورها .
ويمكن أن نعتبر أن عرب العصور السابقة للاسلام حافظوا في حياتهم الدينية والاجتماعية على الأحوال السامية القديمة أكثر من أي شعب آخر ، كما أحتفظوا دون تغيير يذكر بالأحوال المادية لحياة الصحراء . فايمانهم بالهة محلية كثيرة تسكن الأشجار والنباتات والصخور والمياه لا بد أنه بالغ القدم مميز لحياة البداوة، ويمكن أن يقال هذا أيضا عن آلهة القبائل ، أي الآلهة الخاصة بجماعة أو أكثر ، فقد كانت عبادتها لاتكاد تستطيع الانتشار أو مد جذورها خارج حدود ضيقة وذلك لانعزال عبادها، ولم يكن لهذه الآلهة مسكن ثابت ، كما أن عبادتها كانت تنقصها ولا بد مراكز وهياكل ثابتة ، وانما كانت تعبد في أماكن مختلفة حسب تجوال القبائل ، و كان ينظر إلى كل منها على أنه مرتبط بقومه ، بصلات من قرابة الدم أحيانا ، ويقوم منهم مقام الزعيم الأعلى والقاضي الأكبر، وفي بعض الأحوال كان بعض الآلهة القبلية يكتسب أهمية كبيرة لعلو شأن القبيلة التي ينتمي اليها ؛ ولكن عظم مكانته كان كذلك يتوقف دائما على ظروف سياسية .
وهناك آلهة كثيرة تشترك فيها عدة شعوب سامية ، ولكن ليس من المؤكد دائما امكان الرجوع بها إلى المرحلة الأولى للدين السامي، ويكفي هنا أن نذكر بعض الآلهة التي لقيت أوسع انتشار ، وهي ال ، ولعله في الأصل اله السماء ، وبعل ، ولعله في الأصل اله المطر المخصب ، وعشترت ، ولعلها في الأصل نجم الصباح ( كوكب الزهرة ) ، ولكنها اعتبرت فيما بعد الأرض الأم ، وهي الهة قديمة في الشرق الأدنى، ولابد أن جرمين آخرين من أجرام السماء ، هما الشمس والقمر ، كان لهما عبادة منتشرة قديمة .
وقد دار جدل بين كثير من العلماء حول رأي يفترض وجود اتجاه الى التوحيد بالله ، وحول العلاقة بين مثل هذا الاتجاه واحوال الحياة في الصحراء، وهذا فرض يدعو إلى الاهتمام ، ولكن ليس من اليسير تكوين حكم واضح عن مدى صحته.
وأشكال الطقوس المستعملة بين الساميين ، حتى بعد اقامتهم بين شعوب مستقرة ، تنم غالبا عن أصولهم البدوية، مثال ذلك أن عيد الفصح العبري ، الذي صار بقيام المسيح من القبر أهم عيد مسيحي ( عيد القيامة ) ، يميزه ذبح حمل قربانا وأكل الخبز دون خمير ، وهما خصلتان ترجمان الى ظروف الحياة في البادية حيث فرض التنقل الدائم اكل الخبز دون خمير ، كما أن الحمل يرمز إلى ما كان يفعله الرعاة من تقديم باكورة ما تلد قطعانهم قرابين للآلهة، ولم تكن هناك حاجة إلى هياكل أو مذابح ؛ فعبادة الآلهة كان يجب بحكم الضرورة أن تكون مما يمكن مزاولته دون الاستعانة بتلك الملحقات التي لا تسمع بها أحوال المعيشة في البادية ، وبسبب الهجرة التاريخية اخذ الساميون يتحولون الى الحياة المستقرة، وأغرت خصوبة الأراضي المجاورة جماعات من البدو مرة بعد أخرى على ترك الصحراء بحثا عن حظ وافر من الرخاء، وهكذا اتصلوا بصور منظمة من المجتمعات المستقرة ، ولكن تكيفهم بأسباب الحياة الجديدة لم يتم دون مصادمات وردود أفعال تعكس الروح البدوية المستقلة القديمة، فقد وجد المهاجرون البدو أنفسهم بين شعوب تعيش منذ قرون في ظل نظام سياسي من الحكم المطلق ، تحت حكام مستبدين يختلفون اختلافا تاما عن زعمائهم القبليين ، الذين كان الشيوخ يختارونهم وقد يعزلونهم ، والذين كانت سلطتهم تتوقف من كل الوجوه على ارادة القبيلة، فبينما كانت الأحوال الاقتصادية في المجتمعات الزراعية تشتمل على مزايا تستطيع اغراء البدو بتغيير طريقتهم في الحياة ، لم تكن النظم السياسية تدعو أيضا إلى القبول ؛ فلم يكن بد من أن ينظروا اليها على أنها انتقال إلى حال اسوا ، وعلى أنها غرم وثمن روحي باهظ يدفعونه لقاء التحسن المادي، ولهذا كان هؤلاء القادمون الجدد في كثير من الأحيان قوة مدمرة هدامة في مجتمعات الشرق القديم، وقد اختلف مدى اندماج المهاجرين البدو في المجتمعات المستقرة من شعب إلى شعب، فبعضهم كالبابليين والأشوريين تركوا اساسا اساليبهم الأولى في التفكير والحياة ، ولكن آخرين كالعرب والعبريين احتفظوا طوال تاريخهم في اصرار بأثار من العداء القديم لكل صورة من صور الحكم المطلق.

ميزات اللغات السامية :
تتميز اللغات السامية بجملة من المشتركات فيما بينها ومن هذه الامور المشتركة :
1_ تعنى اللغات السامية في كتابتها بالحروف الصحيحة أكثر من اعتمادها على حروف العلة ، مع أنها تتميز على اللغات الأخرى بثروتها الكبرى من الاشتقاق والتصريف المستندين إلى تغيير حركات الكلمات بدرجة كبيرة .
2 - ترجع الغالبية الكبرى من المفردات في اللغات السامية إلى أصل أو جذر ذي ثلاثة حروف ، وتشتق من هذا الأصل صيغ وأبنية مختلفة كثيرة فيها معنى الأصل وزيادة ، بتحوير حركات ذلك الأصل الثلاثي أو بإضافة زوائد إلى أوله أو وسطه أو آخره، وبهذه الوسيلة من الاشتقاق صارت في اللغات السامية ثروة كبيرة من المفردات لا تكاد تضاهي في اللغات الأخرى ، وكان هذا مصدر نمو وحيوية فيها، وإلى الأصول الثلاثية الغالبة في اللغات السامية لا يندر وجود الأصول الثنائية ، ومن الباحثين من يرى الأصل الثنائي، وتتشابه اللغات السامية في عدد أصواتها أي حروفها وبوجود أصوات خاصة بها كحروف الحلق والضاد والظاء .
3 ـ الفعل في اللغات السامية بوجه عام محدود الزمن في أصل ما وضع له ، فالأصل في أزمانه الماضي والحاضر ، ولكن الكثير من اللغات السامية ومنها الأكدية والعربية يستعمل أدوات خاصة أو يحدث تحويرات في صيغ الفعل لمد هذين الزمنين إلى المستقبل وإلى الماضي البعيد أو القريب ، وللدلالة على تمام الحدث ( Perfect ) كما في اللغة الأكدية بوجه خاص .
4 - ليس في اللغات السامية سوى جنسين هما المذكر والمؤنث .
5 . وتتميز اللغات السامية بظاهرة غريبة في العلاقة العكسية بين العدد والمعدود من حيث التذكير والتأنيث من الثلاثة إلى العشرة ، وشمول ذلك الأعداد المركبة بشيء من التحوير على نحو ما هو معرف في اللغة العربية ، وتسمى هذه الظاهرة بالاستقطاب الجنسي ( Polarity ) .
6 - وتندر في اللغات السامية ظاهرة التركيب في الكلمات أي دمج كلمة مع أخرى لتصبح كلمة واحدة على غرار الإلصاق كما في اللغة السومرية، ويستثنى من ذلك التركيب الخاص بأسماء الأعلام في كثير من اللغات السامية حيث الغالب فيها ، كما في البابلية والآشورية ، أنها تتألف من عبارة أو جملة مفيدة من مسند ومسند إليه .

الاحرف السامية الخاصة :
يتميز النطق لدى اللغات السامية بوجود احرف لا يمكن ان نجدها بسهولة في مجموعات لغوية اخرى وهي :
1_ حروف الحلق ولا سيما الحاء والعين : وهي حروف نجدها بنطقها السليم في اللغة العربية والعبرية والآرامية والحبشية ، ولكنها تضيع في اللغة البابلية الآشورية وتحل محلها الهمزة ، وذلك بتأثير السومرية التي لم تكن تعرف حروف الحلق، فكلمة « عين » للدلالة على عضو الإبصار موجودة هكذا في جميع هذه اللغات : أما في البابلية الآشورية فإنها تصبح « إينو » . وكلمة « حمار » موجودة بشكلها هذا في الآرامية ، وهي في العبرية « مور » وتصير في البابلية الآشورية "إميرو".
وهناك حرفان هما الغين والخاء ، قريبان جداً من العين والحاء ، موجودان في العربية ولكنها اختفيا من كثير من اللغات السامية الأخرى ، فكلمة "صغير" ، والفعل "صغر" ، توجد المادة الأصلية لاشتقاقها بالعين في العبرية والأرامية والحبشية ، وبالغين في العربية والسبئية ، بينما نجدها بالخاء في البابلية الآشورية حيث يقال للصغير « صخيرو » .
وكلمة "غرب" في العربية للجهة التي تقابل الشرق وردت بالعين في العبرية والأرامية والحبشية ، ووردت بالهمزة إربوه في البابلية الآشورية .
والعدد خمسة ينطق بالحاء في العبرية والآرامية ، وبالخاء في الحبشية والبابلية الآشورية، وهكذا استنتج الباحثون عن اللغة السامية الأم ، وفي مقدمتهم بروكلمان ورايت وبورشتاين وغيرهم ، أن العربية في هذا ناطقة بما كان في نطق السامية الأم، أي بالهمزة والعين والغين والخاء والهاء ، وأن اختفاء هذا في بعض اللغات السامية طارىء عليها .
2_ حروف التفخيم أو الإطباق : وهي الطاء والصاد والقاف والظاء والضاد ، وقد أجمع الباحثون في مقارنة اللغات على أن القاف والطاء والصاد شائعة في كل اللغات السامية ، وبالتالي فهي بلا شك كانت موجودة في السامية الأم ، ومثال ذلك كلمة « قرن » التي لا تتغير قافها بين لغة سامية وأخرى ، وكلمة طل ، لرذاذ المطر ، بل كلمة « مطر » نفسها ، لا تتغير فيها الطاء بتغير اللغات السامية ؛ وكلمة "إصبع" ، تحتفظ بالصاد كما هي أيضاً . أما الظاء فالظاهر أنها من مستحدثات العربية الفصحى في بعض ما كان في الأصل صاداً ، فكلمة الظل بالعربية كانت بالصاد في البابلية الآشورية والعبرية والحبشية ، ولكنها صارت طاء في الآرامية والسريانية ، ووردت بالصاد أحياناً وبالظاء أحياناً في النقوش اليمنية القديمة ، ولذلك يرجح اللغويون أنها لم تكن حرفاً قائماً بذاته في اللغة السامية الأم . وأما الضاد فهذه بلا شك من خصوصيات العربية الفصحى ، ولذلك شاعت تسمية العربية بلغة الضاد .
3_ الحروف بين السنانية ، وهي باستثناء الظاء ، التي فرغنا من الكلام عنها ، تصبح حرفين : الثاء والذال ، وهما شائعان في العربية ، والمقارنة تثبت أنها حافظت عليها من اللغة السامية الأم ، بينما أضاعتهما اللغات السامية الأخرى ؛ فكلمة أذن ، في اللغة العربية ، تأتي في البابلية الآشورية وفي العبرية والحبشية بالزاي ، بينما تأتي بالدال في الآرامية والسريانية ، وفي عربية اليمن القديمة ورد أذنه بالذال كما في العربية الفصحى .
وأما حرف الثاء فإنه يتأرجح في غير العربية من اللغات السامية بين الشين أو السين أو التاء ، فالعبرية تنطق " شور" عندما تريد الحيوان الذي يقال له في العربية ثور ، وهو في البابلية الآشورية "شورو" ، وفي الآرامية والسريانية "تورا" ، ولم ترد الثاء إلا في الفينيقية إلى جانب العربية .
ونستخلص مما تقدم أن مخارج الحروف في اللغة السامية الأم هي : الهمزة والهاء والحاء والخاء والعين والغين والباء والفاء ( التي يظن بعض اللغويين أنها كانت انفجارية مثل حرف P الأوروبي) ، والدال والذال والتاء والثاء والجيم التي يظنون أنها كانت غير معطشة ، كالجيم المصرية ) ، والكاف واللام والميم والنون والراء والواو والياء والطاء والقاف والصاد ، - ويُظن أنه بجانب الصاد البسيطة كان هناك صوتان آخران للصاد أحدهما « تصاد ، والثاني « فساد » - والسين والشين - ويظن أنه كان هناك حرف آخر نطقه بين السين والشين - وأخيراً حرف الزاي . فمجموع المخارج الأساسية لحروفها ستة وعشرون . ولو أننا عرضنا على هذه الأصوات مجموعة مخارج الحروف الموجودة في كل لغة من اللغات السامية ، لوجدنا أن أوف هذه الأبجديات ، وأشدها انطباقاً على مخارج الساميين الأول ، هي الابجدية العربية الفصحى التي تحتوي على كل ما جاء هنا ما عدا السين التي بين بين ، والصادين الفرعيتين ؛ وقد حدث في العربية نطقان جديدان هما الضاد والظاء، وهكذا تصبح مخارج الحروف في العربية ثمانية وعشرين ، وفي السامية الأم على أوسع الافتراضات تسعة وعشرين . بينما هي تنقص عن ذلك كثيراً في العبرية والأرامية والحبشية والبابلية الآشورية ، مع ملاحظة أننا نتكلم هنا عن المخارج الأصلية للحروف ، التي تؤخذ في الاعتبار عند المقارنة اللغوية والبحث عن أصول الألفاظ .

ماهي السامية الام :
على أنه رغم اندثار السامية « الأم » وزوالها من الوجود في زمن موغل في القدم فقد يثار التساؤل التالي : ترى كيف كانت تلك السامية « الأم » ؟ وهل بمكننا أن نكون عنها صورة ولو تقريبية ؟وللإجابة على مثل هذه التساؤلات يمكن القول إننا نستطيع تأليف صورة ولكنها صورة عامة الملامح عن تلك السامية الأم بطريقة تجريد العناصر اللغوية القديمة المشتركة المستخلصة من أفراد هذه العائلة اللغوية ، ولا سيما الأفراد الواضح تطورها اللغوي .
وعلى أن إعادة تركيب هذه الصورة لا تعني أننا نقف منها على شخصية تلك الأم ، يوم كانت لغة حية محكية ، بل إن ذلك مجرد إعادة تركيب هيكلها العظمي، ويمكن القول بهذا الصدد إن تصور الملامح العامة للسامية الأم أمر أسهل بالمقارنة مع بعض العوائل اللغوية التاريخية المشهورة ، مثل عائلة اللغات الهندية ـ الأوروبية ، التي انتشرت افرادها إلى بقاع جغرافية شاسعة البعد بعضها عن بعض ، في حين أن انتشار افراد العائلة السامية انحصر بالمقارنة في بقاع جغرافية غير متباعدة ، الأمر الذي قلل من مدى التباعد اللغوي ما بين هذه الأفراد ، وإلى هذا تضاف وفرة التراث التاريخي المدون لمعظم أفراد هذه العائلة وكون التشابه فيما بينها أكثر منه في أفراد العوائل اللغوية الأخرى، وان كنا قد اشرنا الى ان العربية هي الاقرب اليها بحسب جمهور الباحثين ولكن لا بد ان نشير ان هناك بعض اللغات اصبحت تزاحم العربية في مثل « الأوغاريتية » واللغات العربية الجنوبية والأكدية.
ويرى جماعة من الباحثين أن عائلة اللغات السامية ليست ظاهرة لغوية منعزلة بل إنها تؤلف مع ما يسمى باللغات السامية ( ومن أفرادها اللغة المصرية القديمة واللغات البربرية والكوشية ) عائلة لغوية كبرى أطلق عليها اسم عائلة اللغات السامية - الحامية » ، بالاستناد إلى التشابه الملحوظ ما بين أفراد هاتين العائلتين.
ومن بين اللغات السامية الأوسع انتشارا الان هي اللغة العربية ، تليها الأثيوبية ( الحبشية ) والعبرية، أما اللغات السامية الأخرى ، كالاكدية ( البابلية والاشورية ) ، واللهجات الكنعانية ، فقد اندثرت، بينما بقيت اللغة الآرامية ، بعد أن طرا عليها تطور كبير، تستخدم من قبل الكنائس الشرقية ( السريانية ) وكذلك في لهجات تتحدث بها اقليات في لبنان وكوردستان العراق .

المصادر :
تم الاعتماد في هذه المقالة على عدة كتب وهي :
الكتاب المقدس (سفر التكوين)
العراق القديم ل جورج رو
الحضارات السامية القديمة ل سبتينو موسكاتي
مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ل طه باقر
الساميون ولغاتهم للدكتور حسن ظاظا



#رستم_محمد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف رسمت الحدود التركية _ السورية واثر ذلك على الكورد
- قدري جان
- الخلق والتكوين لدى اليارسانيين
- مملكة كوما جين
- أحمد كايا
- الشاعر الكوردي رضا الطالباني
- الاختام الحورية
- اللغة الهورية
- يلماز غويني
- الكيميائي الكوردي الحاصل على نوبل الكيمياء (عزيز سنجار)
- الحوريون وثقافة كورا _ اراكس
- السوباريين
- تل حموكار
- شيركوه بيكه س
- دير سمعان
- الشيخ سعيد وثورته
- تل حسونة
- الملكة الكوتية (كوبابا)
- قصاصات من الذاكرة (3)
- طقوس الدفن لدى الزرداشتيين


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رستم محمد حسن - الساميون (دراسة عامة)