أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - غريبان . قصة قصيرة . أحمد الخميسي














المزيد.....

غريبان . قصة قصيرة . أحمد الخميسي


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6485 - 2020 / 2 / 7 - 01:37
المحور: الادب والفن
    


تجمد في مكانه حين رآها. لم يكن ليتخيل أنها قد تظهر له هكذا ببساطة، واقفة في سوبر ماركت. بدا له أن ظهورها المفاجيء يشبه انزلاق لون من السماء إلى الأرض، في غير مكانه أو زمانه. ولم يكن يدري، قبل أن يراها الآن، في هذه اللحظة، أن عينيها واسعتان تشعان بالحنان والتوسل الوديع، ولا أنها تتفادى ما حولها بحذر واحتراس مثل رسالة مغلقة لا ينبغي أن تصل لأحد. هي. نعم هي، التي طالما فتش عنها، كأن حياته كلها كانت سيرا بدون وعي إليها، يمشى نحوها ولا يدري من تكون. كان يقول لنفسه إنه سيعرف ما يفتش عنه حين يراه أمامه. تأملها. حدق بها. واقفة تتطلع إلى زجاجات عطر، في فستان صيفي يهفهف مثل كبرياء رقيقة، وقد أحاطت صدرها بساعدين مضمومين. ربتت بمنديل على زاوية فمها، ثم استدارت بجنبها وهبطت بيديها إلى عربة التسوق الصغيرة ومضت للأمام. مشى خلفها وحافظ على مسافة بينهما. كانت تسير وهي تحمي عالمها الخاص من الظهور. راحت تتنقل بين أقسام سوبر ماركت كأنها تدق بقدميها نغمة على الأرض. تلكأ بالقرب منها في ركن العصائر. تناول زجاجة جوافة متظاهرا بأنه يفحص تاريخ صلاحيتها. وضعها بين مشترياته. راح يتملى وجهها المنحوت بدقة، ويتوه فيه. هي. نعم هي. وقد ظهرت له الآن ولن تلوح له بعد ذلك أبدا.
هي أيضا أحست وجوده المتوقد كما يشعر الغصن بدفء الجو. أحست بخطواته التي تتبعها، بتنهده المكتوم، بنظرته التي نفذت إليها فاخترقتها وارتفعت بها وهوت ترج كل ما فيها. انعطفت إلى قسم الحلويات لتهرب من حضوره المفاجيء في شعورها. دار فستانها حول ساقيها دورة، وصارت تطلق أنفاسها بحساب وتمد يدها إلى الأرفف محاذرة أن ينثني عودها فيبرز منها شيء، ثم تساءلت:" لماذا أتجنبه؟ أم لعلني بحاجة إلى وقت لكي أعتاد حضوره؟". أبطأت خطواتها شاردة أمام صناديق الفاكهة، وتوقف هو بالقرب منها. ولم يكن من أحد سواهما الآن في مساحة صغيرة، يفصل بينهما متران لا أكثر. راقبها وهي تنحني لتجذب ربطة برتقال، وارتبكت، وكادت الربطة أن تفلت من بين أصابعها. قال لنفسه بأمل : " هل تلتفت إليه وتمنحه النظرة التي فتش عنها في مئات العيون ليعرف كيف تكون؟ ". أحست به الآن بقوة، فلم تستطع أن تكبح نفسها أكثر مما فعلت، فالتفتت إليه خطفا، ووجدت في عينيه النظرة التي لم ترها في آلاف النظرات المنفلتة من كيمياء الروح والعقل. وطرأ لهما بكلمات مختلفة أن تلك اللحظة تشبه الأبد، تشبه ما قبل ذلك، وما بعد ذلك.
مضت نحو خزانة الحساب بعربة التسوق. وقف خلفها. رفعت بكلتا يديها شعرها المنسدل إلى الخلف ترتبه. أخرجت النقود من حقيبة يدها. سبح ما بينهما شعور هشمه الارتباك. وبدا لهما في اللحظة ذاتها أن عاطفة في الجو تهيمن على عاطفة، تنزلق إليها، تنسل منها، وتعود تحكم كل شيء. استدارت نحوه. أمعنت النظر إليه، وكان مأخوذا بوجهها الذي تجلى، وبالعينين المشعتين بالحنان والتوسل الوديع، بينما استقرت عيناها عند ارتجافة شفتيه التي سرت إلى عنقها وجلدها تجتاح كل شيء. لحظة واحدة ثبت كل منهما بصره في الآخر، وأحسا بحرارة الحريق.
عادت ببصرها إلى المحاسب تتسلم منه بقية النقود. جمعت ما تسوقته في كيس وقبضت عليه بيدها اليسرى. تحركت صوب باب المحل. هبطت الدرجات الثلاث التي تفصل عتبه المحل عن الرصيف. هبطت ببطء وهي تحصن نفسها بصورة المرأة القوية التي لم يرهقها حنين. فتحت باب السيارة. دخلت وجلست أمام المقود. رفعت بصرها إلى عتبة المحل. إنه مازال واقفا هناك عند أعلى درجة، يرمقها بعين تتشبث بالأمل. غطت وجهها بكفيها. شعرت بأنفاسها تتردد دافئة بين كفيها وعينيها. تساءلت : " ألم يعتصرنا الحب حتى النهاية؟ فلم نقف متباعدين كأننا غريبان؟" .
وأجهشت بالبكاء.

***



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القاهرة تحتفل بمئوية الشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الخميسي
- ضوء أبيض . قصة قصيرة
- العراق .. رمح الله في الأرض
- الرواية - لايت - .. لا صلصة ولا ثوم !
- إبراهيم فتحي .. الاخلاص للحقيقة وحدها .
- الـثـقـافـة في مـواجـهـة الـعـربـدة الـتـركـيـة
- 2020 عام جديد مع الأمل
- صلاح عيسى .. بهجة الأمل في الزنازين
- لماذا يقال ل - إسماعيل - يا أبو السباع ؟
- الست موزة .. نظام عالمي
- مهلن .. ولا كن .. إلى متأ ؟
- وزيرة الثقافة .. نوم العوافي في الشأن الثقافي
- كل هذا المرار .. في بني مزار
- الشيف - شارب - .. طريقة اعداد الثورة
- اسمع مني الكلام .. يا مستر .. يا مـدام
- اللغة لا تعرف الحياد
- هيئة الأمر بالملبوس والذوق العام
- الانتفاضات العربية .. الأزمة والطريق
- خلود اللحظات العابرة
- لا أكتب الرواية لأنها تحتاج إلى نفس طويل


المزيد.....




- الأدب الروسي يحضر بمعرض الكتاب في تونس
- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - غريبان . قصة قصيرة . أحمد الخميسي