أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - قراءة نقدية في مفاهيم فلسفية















المزيد.....


قراءة نقدية في مفاهيم فلسفية


علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)


الحوار المتمدن-العدد: 6484 - 2020 / 2 / 6 - 10:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جدل الفكروالواقع
نجد في التضاد الجدلي الهيجلي (أن حركة الافكار هي نفسها حركة الاشياء, وصراع التضاد هو قانون النمو التطوري)(1) قصة الفلسفة ص 379
فموجودات الطبيعة ومكوناتها, والوجود والحياة والتاريخ بمجملها, تتداخل معها علاقة الفكر الانساني وأرادة التغيير القائمة على رصد الفكر لحركة الاشياء في تضادهما المستمر,ويرتبط الفكر والواقع بعلاقة جدلية متخارجة في التأثير لكليهما.. فالواقع لا يتطور بمعزل عن الفكر ولا الفكر يتطور بمعزل عن الواقع....ومعرفة حقيقة الاشياء تكون بمرجعية مقارنة خصائصها المدركة بما تختزنه الذاكرة في معرفة غيرها من الاشياء بالتجربة والتكرار..فمعرفة الشيء لا تكون من غير مخزون تجريبي في الذهن يساعد على فهمه وتفسيره بالمقارنة المغايرة بغيره...بمعنى معرفة الشيء لا تدرك من غير ذخيرة ذهنية مكتسبة ومختزنة بالذاكرة تخص غيره من الاشياء ليجد حضوره المعرفي الخاص به في تلك المقارنة المعرفية..ولا يكون الدماغ خلوّا من المعارف القبلية الفطرية والمكتسبة في معرفته مواضيع الوعي والادراك.. .
التضاد الجدلي ليس قانونا يحكم الوجود والطبيعة في وجودهما المستقل وحسب.. وأنما هو ناتج تضاد الفكر الانساني وتقاطعه مع تلك القوانين كعامل موضوعي خارجي يعمل على أنضاج الجدل الذاتي داخل الاشياء في تحقيق طفرات تغيراتها الكمية وتحوّلاتها الكيفية على السواء..والواقع في كل تمظهراته هو مواضيع الفكروالوعي, لكن لا يكون الفكر موضوعا مدركا من الواقع..الواقع بجميع مكوناته واشتمالاته لا يدرك الفكر كما يدرك الفكر الواقع...
الفكر يستمد فاعليته وحيويته الجدلية في التغيير من أسبقية أنطولوجيا الموجودات في العالم الخارجي عليه,التي يدخل معها الفكر في تضاد جدلي متخارج كعامل موضوعي مساعد لتطورها الذاتي,والموجودات التي يرصدها الفكر خارجيا أنما هي تحمل جدلها الخاص بها في التناقض الذاتي الداخلي الذي يحدد صفاتها الخارجية مع ماهياتها الذاتية أو جواهرها المحتجبة خلف صفاتها الخارجية البائنة.... مواضيع الادراك الفكري تحمل تناقضين من الجدل ,الاول هو الجدل الذي يعتمل داخل الاشياء ذاتيا ولا يقوى على تغييرها, الثاني هو التناقض الجدلي مع الفكر الخارجي الموضوعي الذي به ومن خلاله وناتجه يحصل التطور والانتقالات التغييرية في الاشياء..
الاشياء والموجودات الواقعية المادية تدخل في علاقة تضاد خارجي مع الفكر الانساني وأرادة التغيير المستمر وبذلك تمتلك قدراتها التطورية التي تكون معطلة ذاتيا في الاشياء قبل تداخل الجدل الفكري معها....ويكون ناتج هذه العلاقة الجدلية المتخارجة تطور كل من موجودات الواقع والفكر الانساني المتعالق معها كليهما,, أي أن الفكر في الوقت الذي يستهدف الاشياء في التغيير هو الآخر يتغير أيضا في موازاة تغييره الاشياء....كما أن الموجودات والاشياء في العالم الخارجي والطبيعة لا تتغير ذاتيا بفعل التناقض الذي يعتمل داخلها من غير ما دخولها مع تناقض جدلي مع الفكر الانساني الذي هو العامل الموضوعي الخارجي في أحداث التطور المطلوب في واقع الاشياء والموجودات كما اشرنا له سابقا....الفكريقود الموجودات الى حالات ومراحل متغيرة تطورية مستمرة..والفكر يقود الواقع ولا يقود الواقع الفكر, ومهمة الفكر تحفيز الجدل الذاتي داخل الاشياء في تحقيقه قفزات من حالة تطورية الى حالة جديدة تطورية أخرى أكثر تقدما وهكذا..
أن من المهم الاشارة له الى أن الواقع لا يتغير ذاتيا ولا يغير الافكار بقدر أمكانية وقدرات الافكار تغييرها واقع الاشياء في سيرورتها التطورية....لكن يبقى الفكر ملزما أن يتغير هو أيضا في مواكبته التطور الحاصل في متغيرات الواقع ويكون تطوره سابقا على تطور واقع الاشياء بأستمرار دائما.. وحركة التغيير في الواقع لا تستبق حركة التغيير بالفكر والا أنعدم حضور تأثير وأهمية الفكر في قيادة تغييره الواقع .. وفي الوقت الذي يكون الفكر عاملا موضوعيا في تسريعه الجدل الذاتي التطوري المعتمل داخل الاشياء فهو يستمد من حركة الواقع المتغيرة تطوره هو الآخر في استباقه وتقدمه على حركة التغيير بالاشياء....الفكر يكون على الدوام سابقا حركة الاشياء ويكون في وضع قيادي في سحبه الموجودات وراءه في تطورها الحركي المتغير على الدوام, والفكر ليس أنعكاس الواقع على وفق آلية ميكانيكية تفتقد الجدل التنموي بين الاشياء من جهة وتعالق الفكر تنمويا بها من جهة أخرى..
عليه يمكننا القول أن الواقع بكل مكوناته وموجوداته المادية المستقلة أنما هي تحمل عوامل التضاد والتناقض داخليا لكنها تعجز عن أحداث التغيير المطلوب بقواها الذاتية المجردة عن قيادة الفكر لهذا التناقض بل في وجوب دخول تناقض الاشياء الذاتية مع الفكر الذي يمثل العامل الموضوعي المحرك لجدل التناقض الداخلي واكسابه التطور المتلاحق على الدوام معه في تخارج يحقق أرادة التغيير والتطورعلى مراحل من التجديد المستمر..الفكر الجدلي التطوري في جوهره أرادة ملزمة في نشدانها تغيير الواقع, والفكر الذي لا تقوده قصدية أرادة تحقيق الهدف يكون فكرا أعزلا من أمكانية قيادة تناقضات الواقع وفي تحقيق التطورات المستمرة فيه..
تعالق الواقع والفكروبينهما العقل
( العقل هو جوهر الكون, وتصميم الكون عقلي خالص ومطلق )(2) المصدر نفسه ص 379, الفكر نتاج عقلي لا يعمل في غياب الواقع المادي للاشياء أو في غياب الموضوع المتخيل من الذاكرة, بمعنى الفكر لا فاعلية له تذكر في غياب مواضيع تفكيره المادية والخيالية, والفكر قوة مادية يكتسب ماديته من علاقته الجدلية بالواقع في تخارجه مع مواضيعه المدركة..والفكر من غير مدركات مواضيعه لا قيمة له وغير موجود اذ بالموضوع المدرك وحده في تعالقه الجدلي به هو وحده الذي يحدد قيمة الفكر وأهميته..الواقع والفكر وجهين لعملة واحدة لا يكتسب احدهما قيمته بمعزل عن الاخر أوفي غياب حضور أحدهما المتعالق مع الآخر..وحضور فاعلية العقل تكون الى جانب الفكر بعّلة الفكر أنه نتاج عقلي بخلاف الواقع الذي هو وجود مستقل لا علاقة للعقل في أيجاده بل علاقة العقل به في وجوب تغييره.. العقل يكسب الفكر ماديته في تعالقه الجدلي مع الواقع, ويبقى الفكر والواقع وسيلتي أدراك العقل يؤثر بهما ويصوغهما حسب مقولاته العقلية لكنه يحتفظ بمسافة رصد وتخليق تجعل من أستقلالية العقل حقيقة مطلقة على العكس من نسبيتي الواقع والفكر, فهما موضوعي ادراك عقلي وليسا حقائق مطلقة خارج وصاية العقل عليهما..
التاريخ والفكر
يبقى التاريخ في النهاية مسارا عشوائيا لمختلف الوقائع والاحداث لا تحكمه الضرورة الحتمية في الزامها تطوره ذاتيا, التاريخ لا يتطور تصاعديا بقوى خفية تلهمه التقدم الى أمام من غير أرادة انسانية تقود حوادثه نحو الافضل أو الاسوأ على السواء تبعا لنوعية الارادة في تغيير ورسم مساراته الفوضوية التي تدخل عليه الصدف العفوية والصدف المصّنعة..ولو كان التاريخ حتمية تطورية تحكمها الضرورة لما كانت ولادة العولمة لقيطا بعد انهيار منظومة الاتحاد السوفييتي, فالعولمة لم تكن حتمية تحكمها الضرورة بل هي انبجاس تاريخي لقيط ولد من العشوائية والصدفة المصنّعة التي تحكم التاريخ أكثرمنها حصيلة وثمرة روحية التاريخ التي كما تذهب له التنظيرات الفلسفية يسير بقوى خفيّة تقود مساره الى مراحل متقدمة متصاعدة,.. التاريخ تحقيب زمني بعدي لا قبلي لا سيطرة للانسان عليه قبل وقوعه وحدوثه ويبقى الاستدلال عليه في التحقيب الزمني له فقط وليس في تحقيبه الانثروبولوجي الذي هو متحفية التاريخ وليس حيوية التاريخ.. التاريخ ملهم.. نعم ملهم.. التاريخ يقود نفسه نحو غايات مرسوم بلوغها له سلفا... لا .. معرفتنا التاريخ هي معرفة الفكر للزمن..أدراك لأحداث أنثروبولوجية ماضية من العبث أن تحكم الاحياء في قانون كان الاجدر أن يحدث هذا ولم يحدث ذاك.. وهذا دليل قاطع أن التاريخ أخطاء قاتلة نتيجة فوضوية مساراته المتعثرة بالصدف العشوائية على الدوام..والمسكوت عنه في التاريخ هو نبش في الوقوف على فوضوية وعشوائية المسار التاريخي..
يبقى فهمنا التاريخ أنه قراءة فكرية في النهاية, التاريخ يبقى حضوره كنتاج الفكر الذي يقود وقائع وأحداث التاريخ المتحفية الانثروبولوجية, وتورخة التاريخ في جوهرها عملية فكرية في تنظيم مسارالتاريخ, والفكر هو أرادة التغيير الانساني الهادف بعيدا وبمعزل عن أمكانية التاريخ أن يصنع تطوراته الخطيّة ذاتيا, ومن غير تنظيم الفكر الانساني لعشوائية مسار التاريخ لا يخرج هذا الاخير من مطبّات الأعاقة والصدف الطارئة على تشكيل أحداثه ووقائعه,, وقائع وأحداث التاريخ هي نظام الافكار المحكومة بأرادة التغيير المستمر الدائم نحو الافضل..
المادة والفكر
علاقة المادة بالفكر تعتبر أهم مبحث فلسفي أستحدث لاحقا بعد مبحثي الانطولوجيا والميتافيزيقا ,منذ نشأة الفلسفة في القرن السادس قبل الميلاد, وعلى أمتداد قرون طويلة من تاريخ الفلسفات المثالية وصل مبحث علاقة الفكر بالمادة الى تمفصّل جوهري متمايز كبير بمجيء كلا من هيجل وفيورباخ وماركس في القرن التاسع عشر.. وقبل هذا التاريخ كانت الفلسفة بمجمل مباحثها نزعات مثالية صرفة أشتملت على أرهاصات مادية متناثرة لا يعّول عليها كثيرا تمّثلت في نزعات مادية بدئية لدى كل من ديمقريطس في الذرات الذي أخذها عنه لايبتنز في الموناداة وهيرقليطس في الحركة والتغيير المستمرين اللذين يحكمان المادة وظواهر الحياة التي أخذها عنه هيجل في الحركة والديالكتيك..
نستطيع الجزم أن الفلسفات جميعها الى ماقبل القرن التاسع عشر وقبل مجيء ماركس, كانت فلسفات مثالية محورها الارتكازي هو الفكر التجريدي المحض الذي يعالج الواقع المادي بتصورات عقلية ذهنية تكتفي بتفسير بعض مظاهر الحياة ولا تمت بصلة لمحاولة تغييرها وتبديلها.. وقد ورثت النزعات الفلسفية المثالية الحديثة التي رافقت نشوء الماركسية المادية, أهمية أسبقية وأولوية الفكر على المادة معتبرة الفكر المجرد جوهر مستقل قائم بذاته يستطيع تفسير العالم ولا وجود لشيء أسمه مادة أو واقع خارجي يحتوي مكونات لا حصر لها, ولا وجود حتى لعقل خارج تصورات الذهن الواصلة عبر الحواس..فقد أنكر بيركلي المادة في وجودها المتموضع واقعيا في عالم الاشياء معتبرا اياها صورا في الذهن, وذهب ديفيد هيوم في نفس المنحى في أنكاره العقل ومبدأ العليّة السببية, معتبرا العلاقات التي تربط العلة بالمعلول هي تجربة تتكرس في الذاكرة بحكم التكرار والتجربة حتى تصبح العادة في حكمنا على الاشياء.. وفي نفس المنحى المثالي ذهبت التجريبية الانكليزية الحديثة والتحليلية عند جورج مور وبيراتراندرسل مستفيدة من أرث كانط المثالي وبيكون التجريبي الى أفشاء التفكير المثالي الفلسفي المناويء للماركسية, كما عمدت الفلسفة البراجماتية الامريكية في نفس المنحى لدى أقطابها ريتشارد بيرس, وليم جيمس, وجون ديوي..الذين رفعوا شعارهم المعروف بالمنفعة العملانية للافكار,والافكار صحيحة ليس باتساقها المنطقي بل بما تحمله من أمكانية تحقيق المنفعة الواقعية في الحياة..
وبمجيء أقطاب المادية الماركسية الثلاثة هيجل ,فيورباخ, وماركس , ظهرت الفلسفة المادية منتصف القرن التاسع عشر وبداية العشرين بأجلى صور التمايز عن المثالية, فقد بعث هيجل مبدأ الديالكتيك أو الجدل في تأكيده أهمية الحركة والتناقض, وذهب معاصره المنشق عنه فيورباخ الى تبني نزعة مادية أراد تطبيقها تحديدا على نشأة الاديان في ثلاث من أهم مؤلفاته الفلسفية, ليأتي من بعدهما كلا من ماركس وأنجلز ليكملا المسيرة في وضع قوانين المادية الديالكتيكية على صعيد المادة , والمادية التاريخية على صعيد التطور الانثروبولوجي والسيوسيولوجي الطبقي.. ومن الجدير الاشارة له في دراسة علاقة الفكر بالمادة التي أشبعت تناولا فكريا وفلسفيا لدى أقطاب فلاسفة المادية الماركسية بدءا من لينين وستالين وتروتسكي وروزا لوكسمبورغ ولوكاتش وغرامشي وعشرات وأكثر غيرهم..أن علاقة الفكر بالمادة تفرض فرز وتشخيص نوعية الفكرالذي هو حركة دائبة متغيّرة على الدوام في علاقته بالمادة التي تكون في حال من الحركة غير المدركة التي توهم بالسكون والثبات.. من جنبة أخرى المادة ليست هي الفكر ولا الفكر هو المادة, فالمادة باعث للفكر وحافز له على تناول مواضيع أدراكاته بالتفسير والتحليل والتأويل والعّلة, والفكر الذي هو في سمته الاساس المميزة له أنه عقلاني مصدره العقل تقابله المادة في لا عقلانيتها أنها لا تعي ذاتها ولا تدرك ما حولها ولا تفهم علاقاتها بغيرها, فهي وجود انطولوجي لا عقلاني مجرد من الفاعلية الادراكية..والمادة وجود لا يمتلك الادراك لكنها تمثل موضوع الادراك للفكر, المادة وجود سلبي لاقيمة حقيقية له من غير معالجة الفكر لها,..
أخيرا ما الذي يجعل أي من المذهبين الفلسفيين المادي أم المثالي قادرا على خدمة الانسان ومواكبة تطور الحياة ؟ طبعا هنا يبرز دور العلم في كلمة الفصل, فالعلم بمنجزاته الهائلة لم يعتمد الفلسفات المثالية التي لا تجد في الحياة غير تصورات الذهن المجردة المعزولة, وانما يعتمد العلم التجربة التي تقوم على أسبقية المادة التي هي الركن الاساس في التفكير المادي والمثالي والعلمي على السواء..
الفكر واللغة
اللغة والفكر لا يحضران سوّية ألا في محاولة تنفيذ أيعازات مصنع الحيوية العقلية في الاخبار الادراكي العقلي عن موضوع جرى التفكير به عقليا وأكتملت مهمة أعادته من العقل الى عالم الاشياء كفكرجديد بلغة جديدة وليس كوجود سابق مستقل في عالم الاشياء.
التساؤل الآن كيف تكون اللغة هي الفكرحسب ما تذهب له جميع نظريات علم اللغة واللسانيات المعاصرة, ولماذا يعجز أدراك العقل للاشياء التفريق بينهما أي بين الفكر واللغة أذا كانا يحملان مدلولين متباينين مختلفين في تعبيرهما عن الموضوع الواحد بأكثر من أدراك وتأويل واحد؟ وهل التفريق بين الفكر واللغة هو لغرض مصطلحي مجازي غير حقيقي ولا واقعي في التطبيق؟؟.
هنا اللغة والفكر الملازم لها في التعبيرليس بمقدورهما تفسير وجود الاشياء بمعزل أحدهما عن الاخر أي بمعزل اللغة عن الفكر, أو الفكر عن اللغة لأن في ذلك أستحالة أدراكية تعجيزية للعقل في أمتناع الفكر واللغة التعبير عما يرغب العقل التعبير عنه وجودا مدركا.
أن في عجز الفلسفة الخروج عن نظرياتها المفترضة شبه الثابتة أن الفكر هو اللغة المعبّرة عنه, أو أن اللغة هي وعاء الفكرحسب دي سوسير, أو أن اللغة هي بيت الوجود كما عند هيدجر...وأن اللغة مبتدأ ومنتهى أدراك وجود الاشياء في العالم الخارجي...جميع هذه التعبيرات الفلسفية تفهم اللغة على انها فعالية ادراكية عقلية في تحديد الفكرة أو الموضوع في تموضعهما خارجيا كي يتم أدراك الشيء ومعرفته من قبل الآخرين من الذوات العقلية المدركة وهو صحيح الى حد كبيرولا يتوفر مجال أدحاضه في الاحتكام للعقل وأدراكه الوجود.
في هذه الحالة حين تكون اللغة هي تعبير عن فكرة متموضعة داخل أو خارج العقل,يستحيل الفصل بين اللغة والفكرة أو الموضوع المعّبرعنه بهما. فبهما(الفكر واللغة) أصبح التفكير الذهني العقلي موضوعا و متعيّنا وجودا في العالم الخارجي بعد تخليقه بمقولات العقل, وفي هذا يكون تفكير العقل خارجيا أو بالاحرى من أجل فهم الوجود الخارجي في مكوناته المستقلة.
حين نقول تفكير العقل الداخلي المقصود به هو التفكير الصامت, أما تفكير العقل خارجيا فهو عندما يجري تعبير اللغة عن موضوع تفكيرالعقل واقعيا ماديا...وفي الواقع أن هذا التفريق في تفكير العقل داخليا صمتا وخارجيا بوسيلة اللغة, أنما هما في الاصل تفكير واحد للعقل في موضوع محدد مشترك يتميّز به بمعزل عن كل موجود مادي أو متخيّل مصدره الذاكرة ...أي أن العقل واللغة والفكر يجمعهم (وحدة الموضوع ) المدرك في زمن واحد...وهكذا هي الحال في تناول أي موضوع أو شيء من العالم الخارجي.
نذّكر أن علم اللغة واللسانيات تعتبر اللغة والفكر هما وجهين لعملة واحدة ولا تفريق بينهما كما ذكرنا سابقا, فاللغة هي الفكر المعبّر عنه حسب ريكور وفنجشتين ودي سوسيروجومسكي وجميع فلاسفة وعلماء اللغة...باعتبار اللغة هي فعالية العقل في تعيين أدركاته للموجودات والاشياء الخارجية.
نأتي الآن الى معالجة أصل امكانية فصل الفكر عن اللغة, على أنها أستحالة أدراكية في فهم الاشياء والمواضيع في حال وجودها في العالم الخارجي في أستقلالية عن الانسان سواء كانت مواضيع تناولها العقل بالادراك وأعادها باللغة والفكر ثانية الى عالم الواقع من جديد بعد تخليقها غقليا, أو لم يدركها في وجودها المستقل التي أيضا تستطيع الحواس و اللغة التعبير عنها.
وطالما كانت اللغة والتفكير معطّلان كوظيفة نقل ما يقترحه العقل عليهما نقله الى العالم الخارجي, أي بقاء العقل يفكر ذاتيا صمتا بمعزل عن نقل ما يفكر به لغويا, فأن العقل وسيلة تفكيره هو الفكر ذاته فقط ولا يحتاج اللغة الا على أنها جزء من الفكر وملازمة له خارج الدماغ أو العقل في وجود الاشياء, وتفكير العقل وتخليقه لموضوعه, فلا يدرك خارجيا من غيره الا بواسطة اللغة فقط الناقلة للفكر من داخل العقل(الدماغ) الى واقع الوجود في عالم الاشياء.
وعندما يتجسد ويتعين الموضوع في عالم الاشياء الخارجي بالتعبير عنه لغويا أو بأية وسيلة تعبير غير اللغة الصوتية أو المكتوبة, فهنا لا يصبح فصل الفكرعن اللغة ذات أهمية كبيرة, ولكن تبقى اللغة في أثناء عملية تفكير العقل (صمتا) في مرتبة ثانوية بعد الفكر في مقارنتها باولويتها في التعبير عن الموجودات الخارجية في العالم الخارجي والطبيعة خارج هيمنة أدراك الحس والعقل لها بعد تخليقها, عندما تكون اللغة جزءا لا ينفصل عن موضوعها الذي عبّرت عنه في عالم الاشياء والموجودات في العالم الخارجي.
وحتى في هذه الحالة فالفكر وتعبير اللغة يبقيان قاصرين عن التعبير عن الموجودات المستقلة من دون أدراك العقل لها وتحديده نوعية الفكر ونوعية اللغة المعبّرةعنها. ويكون وعي الذات هي كينونة متشّكلة من الوجود المدرك, بالمحسوسات, ومن العقل, وأيضا من الفكر واللغة.
لذا عندما يكون تفكير العقل صمتا جوّانيا, يصبح التفكير بالشيء سابق على لغة التعبير عنه خارجيا... فالموضوع المفكّر به صمتا من غير تعبير لغوي يبقى حبيس ووصاية العقل في التفكير به قبل أهمية أنشغال العقل في التعبير اللغوي عنه.
أن اللغة أثناء زمانية تفكير العقل بموضوعه صمتا داخليا, تكون ملازمة لعملية تفكير العقل ذاتيا, لكنها لا تتقدم تفكير العقل... فليس كل تفكير داخل العقل صمتا يلزم حضور اللغة معه لكنه يلزم حضور الفكر وحده , ولكن التفكير داخل العقل الصامت لا يستطيع التفكير من غير صور لغوية وهذه أشكالية تؤكد أستحالة فصل الفكر عن اللغة بالمطلق والاستحالة القطعية لا في تعبير العقل عن موضوعات أدراكه الخارجية ولا في تعبيره عنها بالفكر داخله...

هوامش :1و2 ويل ديورانت , قصة الفلسفة ص 379



#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)       Ali_M.alyousif#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكر واللغة و التعبير عن الواقع
- الوعي القصدي في فلسفة جون سيرل
- الوجود مفهوم ميتافيزيقي وليس موجودا انطولوجيا
- فيورباخ والمادية الصوفية
- الاسلام السياسي العربي ومأزق النهوض الحضاري المعاصر
- وعي الذات اشكالية فلسفية في الوجودية واللغة
- الشذرات الفلسفية ومحمولات المعنى
- الادب والجنون في الفلسفة وعلم النفس
- الصوفية ومذهب وحدة الوجود
- تعالق الوجود والموجود بالعدم
- المنهج الطبيعي في الفلسفة الامريكية المعاصرة
- الماهية في المنهج الفينامينالوجي
- تيارات فلسفية امريكية متداخلة مع الذرائعية
- الواقعية الجديدة وريثة الفلسفة الذرائعية
- توليدية جومسكي في فلسفة اللغة
- قضية فلسفية بعيدا عن المتن قريبا من الهامش
- شذرات فلسفية مداخلة وتعقيب
- كلمات فلسفية في الوجود والحياة ج6
- عالم الانسان المصنوع والطبيعة
- كانط وقالبي الزمان والمكان في الادراك العقلي


المزيد.....




- إسبانيا: رئيس الوزراء بيدرو سانشيز يفكر في الاستقالة بعد تحق ...
- السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟
- كأس الاتحاد الأفريقي: كاف يقرر هزم اتحاد الجزائر 3-صفر بعد - ...
- كتائب القسام تعلن إيقاع قوتين إسرائيليتين في كمينيْن بالمغرا ...
- خبير عسكري: عودة العمليات في النصيرات تهدف لتأمين ممر نتساري ...
- شاهد.. قناص قسامي يصيب ضابطا إسرائيليا ويفر رفاقه هاربين
- أبرز تطورات اليوم الـ201 من الحرب الإسرائيلية على غزة
- أساتذة قانون تونسيون يطالبون بإطلاق سراح موقوفين
- الإفراج عن 18 موقوفا إثر وقفة تضامنية بالقاهرة مع غزة والسود ...
- الى الأمام العدد 206


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - قراءة نقدية في مفاهيم فلسفية