أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد بقوح - دشيريات (١)














المزيد.....

دشيريات (١)


محمد بقوح

الحوار المتمدن-العدد: 6484 - 2020 / 2 / 6 - 01:17
المحور: سيرة ذاتية
    


خرجت بقامتي القصيرة، وبجسدي النحيف باكرا، حاملا على ظهري محفظتي الجلدية. لابد من الخروج مبكرا لأصل إلى مدرستي في وقت الدخول المناسب. لأن المدرسة تقع على بعد كيلومترين تقريبا من بيتنا مشيا على الأقدام. وهي المسافة التي كنت أقطعها يوميا إلى مدرستي، السعديين في شكلها المفكك القديم.
في البدء، أفتح باب منزلنا على الحقول الزراعية ل"دا الحسن" رحمة الله عليه. كان رجلا شيخا عندما عرفته كطفل صغير، ربما كنت في سن التاسعة فما فوق. كانت لي معه الكثير من الحوادث الجميلة و الطريفة. كان شخصا وإنسانا شهما، يحب محادثة الأطفال وخاصة الخفيفي الظل مثلي. حين تلتقي الشيخوخة بالطفولة لابد أن يتحقق فعل البراءة.
أذكر أن أعوان "دا الحسن" العديدين، الزراعيين و الرعاة كانوا جميعهم يشتغلون تنفيذا لأوامره. كان الرجل صارما في مواقفه. منهم من يهتم بالنشاط الرعوي الذي يتمثل في رعي قطيع الجمال والأبقار والأغنام. كان قطيعا كبيرا وربما أكبر وأهم قطيع في الدشيرة بكاملها. كما يهتم بتربية ورعاية الحمير والأحصنة. كانت له حظيرة واسعة جدا تضم كل أنواع الحيوانات الأليفة. تجذبني أصواتها المثيرة التي تحدث موسيقى عجيبة، خاصة في المساء حين تلتقي كلها في أمكنة الحظيرة. إضافة طبعا إلى انشغال "دا الحسن" العظيم بقامته الطويلة وابتسامته الدائمة، بإنتاج كل أنماط المزروعات الغذائية المحلية، كالفصة والجزر واللفت والبطاطس و البصل و الكرعة و النعناع والقزبور والباربا..إلخ. أذكر الخدمات الجليلة التي قدمتها تلك المساحات الخضراء الممتدة، من حدود منزلنا المبني بالحجارة والطين، عبر الأفق البعيد شمالا وشرقا، إلى عيوننا الصغيرة الظمأى لتحرر النظر، نحن أطفال المنطقة. ذلك الإخضرار الدائم الذي كان نتيجة للسقي المستمر، ولوفرة المياه الجوفية القريبة من السطح، تلك المياه الصافية الطالعة من البئر غير العميقة من خلال المحرك الذي ما أزال أذكر طقطقاته إلى حد الساعة. حين تجد نفسك بالقرب من تفاصيل أجزاء ذلك المحرك، إلى جانب بناية "الشاريج" المملوء بالماء دائما والذي نحوله قسرا في الصيف إلى مسبح لأطرافنا الصغيرة، تسرقك الدهشة، وتتعجب كيف لهذه الأشرطة البلاستيكية المتداخلة، ولتلك القطع الفولاذية المركبة المفحمة، كتفحم شكل الرجل المسؤول عنها، أن تصنع كل ذلك الإخضرار المتدفق المنعش للروح والمفعم بالحياة..
ذلك اللون الأخضر الذي يترجم بعد أسابيع أو شهور إلى خضروات صالحة للإستهلاك المحلي، كثيرا ما كنا سباقين لأكلها قبل أن يصل إليها العون المزارع، وهي ما تزال طازجة محشوة داخل قشرتها الترابية، خاصة الجزر واللفت. نغسلها في مياه الساقية ثم نأكلها في الحين، و عيوننا تراقب بوابة المزرعة.. يا لذوقها الرفيع وهي تستهلك، خارجة على توها من جوف التراب..!!
كانت تلك المزروعات في أرض واسعة تمتد من حدود ديبو دا العربي جنوبا، إلى عمق دوار إمزيلن شمالا، في اتجاه سور المطار المدني القصير، قبل أن يحول إلى مطار عسكري. من تلك المزروعات الغذائية الطبيعية ما يباع في المحل التجاري الصغير (تحانوت) الذي يملكه "دا الحسن" ، ومنها طبعا ما يحمل على ظهور دوابه ليباع في الأسواق القروية المجاورة، كسوق ثلاثاء إنزكان بطابعه الغارق في بدويته، وسوق تكوين البسيط أيضا..



#محمد_بقوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكبش مسعود
- سيرة إنسان : الأديب حسن العيساوي
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : نظرية الإنسان (7)
- مأزق الدين والسياسة من منظور سبينوزا - جدلية القوة والضعف - ...
- مآزق الدين والسياسة من منظور سبينوزا
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : الوعي والجسد (6)
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : الدين والأخلاق (5)
- من دفاتر نيتشه الفلسفية : نظرية المعرفة (4)
- تأملات فلسفية - العدالة
- جيل دولوز قارئا لنيتشه : مفهوم التراجيديا
- جيل دولوز قارئا لنيتشه : مفهوم الجسد
- جيل دولوز قارئا لنيتشه
- نشاط إبداعي وفكري يسرق الأنفاس في مدينة أيت ملول السوسية بجن ...
- نيتشه قارئا لسقراط
- نص : التلفاز الأخضر
- قصة : الديك البلدي
- قصة : غيلم زفزاف
- مملكة الذباب الموحش
- التعليم كمحرر للشعوب
- الوعي الديني والوعي الفلسفي


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد بقوح - دشيريات (١)