أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2














المزيد.....

حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6482 - 2020 / 2 / 4 - 03:04
المحور: الادب والفن
    


شق على عيشو مفارقةَ منزل أبويها، وكانت قد ألفته هوَ وساكنيه؛ بالأخص الجدّة. في هذا المنزل، ولدت ابنتيها بمساعدة الأم القابلة، وقبل ذلك شهدَ حكاية حبها الأول، المظفّر. كذلك عاشت فيه لحظات من الرعب لا تنسى، حينَ كانت تتناهى من الجبل أصواتُ الأعيرة النارية؛ ما يُنبئ عن معركةٍ، أحدُ طرفيها خلّو وعصابته. كم كانت آنذاك تفرح، وفي الآن نفسه يفرخ روعها، عندما كان يأتي بنفسه فيما بعد كي يطمئنها أنه بخير ويقص عليها من ثم أعماله الجسورة، الأخيرة. لكنها لم تكن سلبية في تلك الأعوام المنقضية، بل دأبت على مساعدة والديها وأخوتها في الإشراف على توزيع المؤن للمحتاجين وبالأخص في زمن المجاعة العامة، غير المساهمة في حياكة الجوارب الشتوية لرجلها ورفاقه.
السيدة أديبة، من ناحيتها، كانت في خلال أعوام الحرب تخفف عن نفسها ألم الابتعاد عن الزبداني، وذلك برواية سيرة حياتها على مسمع كبرى الحفيدتين دونَ أن يخالطها، في المقابل، أشياءٌ حميمة؛ من قبيل حادثة الخطف، المؤدية لزواجها بمن أحبته ومن ثم أضحى عدواً لدوداً. هكذا كانت كلتاهما، الحفيدة والجدة، تعدان جنباً لجنب أمورَ مغادرة المنزل المضياف في جو أشبه بالكرنفال، نتيجة الفرحة الغامرة عند الناس بانقضاء العهد العثمانيّ المقيت. ذخيرة الغذاء، وأغلبها زيتون ومكدوس ولبنة داخل مطرباناتٍ مغموسة بزيت الزيتون، والتي جهزتها عيشو لنقلها إلى منزل زوجها، كانت في حقيقة الأمر فكرةَ الجدّة. لقد أسهمت هذه أيضاً بأفكار وابتكارات جديدة في ذلك المضمار، ما جعل مطبخ منزل الزعيم غنياً بغرائب الأطعمة والحلوى والمربيات والمحفوظات.

***
في ذلك الوقت، مرّ بالحي يوماً مصوّرٌ أرمنيّ متوسط العمر، مرفقاً بكاميرا تنتج صوراً شمسية. كان شأن الكثير من مواطنيه، الذين نزحوا إلى الشام في فترة الحرب، يجيد اللغة الكردية. جاء ليقترح على الرجال الميسورين الحال الخلودَ، وكانت مهنته ما تزال مجهولة عند العامّة. خلّو، كان يومئذٍ يشرفُ على عمل الفاعل، المتعهّد إشادة حجرة لضيفة الدار، وقد قاربت على الانتهاء. انتبه للرجل الغريب، المعتمر قبعة إفرنجية، وكان هذا يحدق فيه بنظرة ملؤها الإعجاب: اتفاقاً، كان الشاب ذو الملامح الوسيمة والرجولية آتياً من مركز المدينة عقبَ شهوده عرضاً عسكرياً للفرق المساهمة بدحر العثمانيين. وكان هوَ بكامل قيافته التقليدية؛ العمامة السوداء وسترة قصيرة فوق القميص والميتان، والزنار العريض الذي يشد السروال الواسع والمعلق به السيف إلى جانب.
" أيها السيد، ما رأيك بصورة شخصية ستبقى للأحفاد، أطال الله بعمرك؟ "، خاطبه الأرمنيّ بنبرة احترام وود. ابتسم خلّو، وأشارَ للرجل بالاقتراب في حركة مماثلة. بعدما جلسَ هذا على الكرسيّ الوحيد، المتُروك للفاعل، قال له الشاب: " عندي فكرة أخرى، وهيَ أن أستضيفك على قدح شاي! ". ثم استدرك، كيلا يحدث سوء تفاهم مع الرجل الساعي إلى رزقه: " وفي مرة أخرى، نستفيدُ من آلة الخلود هذه ". في حقيقة الحال، أنه لم يكن في جيوب سترته المهيبة أي مبلغ من المال، وإلى ذلك، كان يخجل من التطفّل على والدته من أجل صورة. شرب الأرمنيّ الشايَ، ثم ما عتم أن تمخط من خطمه الكبير في محرمة: " أعتبرُ أنني نلتُ سلفاً أجري، وما عليك إلا أن تأخذني إلى أرض الديار في منزلكم الكريم "، قالها ملوّحاً بالقدح الفارغ وكأنه يعني قبضه لثمن الصورة. بعد قليل، كان الشابُ يقف بقيافته المعلومة قدام المصور، ومن خلفه تُرك بابُ حجرة الضيوف مفتوحاً كي تشكل العتمة نوعاً من السجف، المساعدة على كمال المشهد: هذه الصورة، بقيت في منزل المرحومة عمتي، عيشو، معلقة على جدار حجرة الضيوف المستحدثة، وكنتُ في صغري أقف بمقابلها لأنظر بإعجاب للرجل صاحب السيف والعينين البراقتين والبسمة الغامضة.

***
جاء الفرجُ تلقائياً لخلّو، عندما صادف وجودَهُ حضورُ وفد من المزارعين الصوالحة إلى مضافة الزعيم. أتوا كي يشكون لهذا الأخير ما عانوه في فترة الحرب من تعديات على أرزاقهم، بالرغم من دفعهم الجراية للنواطير. أعتبر الحاج حسن كلامهم غمزاً لمقامه، بالنظر لأن أحد أبنائه يُشارك في نوبات الحراسة الليلية للبساتين. لولا أن كبير الوفد، انتبه لتغيّر ملامح المضيف وقال معتذراً: " معاذ الله أن يكون التقصير منهم، بل إنها الحرب اللعينة من كانت تدفع الناس لأي وسيلة تؤمن اللقمة لهم ولأولادهم "
" لكن الحرب انتهت الآنَ، أليسَ كذلك؟ "، تساءل الزعيمُ وهوَ ينقل بصره فيهم. عاد ذلك الرجلُ الوجيه للكلام، معبراً عن استمرار الوضع بسبب تزايد أعداد الشباب في الحي، الخارجين عن القانون. هنا، انبرى خلّو للرد، وقد عد بدَوره كلامَ الرجل بمثابة النيل من شخصه ومن عصابته: " أغلب أولئك الشباب لزموا الجبلَ وعانوا ما عانوه من أجل ألا يساقوا كالخراف إلى مجزرة الحرب، وليسَ مقبولاً الطعن في أخلاقهم ومسلكهم ". في أثناء حديثه، طفقَ الوجيهُ يتأمله بإعجاب. لقد أثّر فيه ما لاح من سحنة الشاب المفعمة بالرجولة، وطرف العمامة السوداء متدلٍ على جانبها. عند ذلك بادرَ الزعيمُ لتعريفهم بصهره، ومن ثم التخفيف من الجو المحتقن بتقديم القهوة المرة مع الحلوى.
في ليلة اليوم نفسه، توجه خلّو إلى البستان كي يبدأ عمله كملاحظ للنواطير بعدما كانت الوظيفة شاغرة منذ مستهل الحرب بسوق حمّوكي إلى الجبهة. حسينو، ابن الزعيم، استقبله بحرارة وقام بجولة معه على حدود إقطاعات أولئك المزارعين الصوالحة. عامان على الأثر، حينَ التحق صهره بالثوار في الغوطة، المصممين على إخراج الفرنسيين من البلد، تولى حسينو مكانه في الوظيفة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 4
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الرابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الأول
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الأول
- سارة في توراة السفح: الخاتمة
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع عشر
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ الحلقة 3


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2