أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد السعدنى - تناقضات عالم أضحى غابة: حكاية الدب الذى صار أرنباً














المزيد.....

تناقضات عالم أضحى غابة: حكاية الدب الذى صار أرنباً


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 6480 - 2020 / 2 / 2 - 16:06
المحور: الادب والفن
    


ولأنه عالم بات فارغاً من كل معنى وقيمة، فقد استهلكت معظم الروايات القديمة، واجهضت الحكايات الجديدة، ولانزال فى انتظار ما لايجيء، يحدونا أمل فى حكايا تشف عن إحساس بالمسئولية والحكمة والعدالة، تزودنا بالقدرة على الاحتمال والفهم وتسكت أصوات البلاهة والعشوائية والغفلة.
وحكايتنا اليوم مشوقة بقدر ماهى ملهمة وقاسية، أحياها جمهور التواصل الاجتماعى على منصاته، وقد استخرجها من مكامنها ناقدة زاعقة فى وجه الحمق والفوضى والارتجال. تقول الحكاية: "ذات يوم غائم لم تطلع له شمس، أُعلن فى إحدى الغابات عن وظيفة "أرنب" شاغرة، تقدم لها دب عاطل فتم قبوله على الفور وصدر له قرار التعيين. بعد فترة لاحظ الدب أن في الغابة أرنب حقيقى لكنه معيّن بوظيفية دب، يحصل بمقتضاها على راتب ومخصصات الدب وهى كبيرة ومميزة، بينما هو فكل ما يحصل عليه مخصصات أرنب صغيرة لا تفى بحاجته ولا تناسب واقعه وماهيته وحقيقته. لذا تقدم بشكوى إلى مديره المباشر، وحُوِّلت الشكوى إلى الإدارة العامة التى شكلت لجنة من "النمور" قامت باستدعاء الدب والأرنب للنظر في القضية. طلبت اللجنة من الأرنب أن يقدم أوراقه ووثائقه الثبوتية. كل الوثائق تؤكد أن الأرنب دب. ثمّ طلبت اللجنة من الدب أن يقدم أوراقه ووثائقه الثبوتية فكانت كل الوثائق تؤكد أنّ الدب أرنب. وهنا جاء قرار اللجنة برفض الدعوى وعدم إحداث أي تغيير لأن الأرنب دب، والدب أرنب كما هو ثابت فى ظاهر الأوراق. ورغم غرابة القرار وقصور التحقيق وفساد الاستدلال وهزلية الوقائع والملابسات، لم يستأنف الدب قرار اللجنة ولم يعترض عليه. وعندما سؤل عن سبب استسلامه وموافقته على قرار اللجنة، أجاب: وكيف أعترض على قرار لجنة "النمور" التي تشكلت من مجموعة من "الحمير"، وكل أوراقهم تقول أنهم "نمور".
ويالها من قصة ساخرة تمثل مأساة عالمنا المعاصر، تُشرح الواقع بمشرط مدبب، وتغوص فى لحم الواقع تنكأ جراحه وتصب عليها الملح الأجاج. ورغم أن كثيرين ممن أحتفوا بها نسبوها إلى الأديب التشيكى الشهير "فرانس كافكا، 1833 - 1924" لإقترابها الشديد من كتاباته السريالية التى تفيض بالسوداوية والعبثية فى نقد الاغتراب الاجتماعى والقلق الانسانى والسخرية من واقع البشر فى عالم يفتقد العدالة واليقين، فقد نسبها آخرون للكاتب "فاتسلاف هافيل، 1936-2011" وهو كاتب مسرحى وأحد أبطال الثورة المخملية التى أسقطت الشيوعية فى تشيكوسلوفاكيا، وقد رأس دولة التشيك، وأدار منظمة حقوق الإنسان فى نيويورك بعدها.
وسواء كانت لهذا أو لذاك أو ربما كانت قصة من الفلكلور التشيكى بعنوان "قصة الدب" فإنها قامت بالاحتجاج على كل الأوضاع المأساوية والتصرفات العبثية للسلطة والمجتمع حين تختل القيم ويسود اللامعقول وتنضح الممارسات العامة بالتخبط والخبل والجنون. وهى تشير من طرف غير خاف بأن احتكام العدالة لغير المؤهلين لا تأتى إلا بانهيار وفساد، فلجنة النمور شغل مقاعدها الحمير، والدب شغل موقع الأرنب، إذ لم يكن متاحاً أمامه حل آخر للحصول على وظيفة، بينما الأرنب يعتلى مقعد الدب بأوراق ثبوتية مزورة، كما أوراق الدب نفسه واللجنة العدلية المشكلة للتحقيق. وفى هذا تشريح عنيف لمجتمع استسلم للغواية واحتكم للباطل واستمرأ التعامل مع واقع مختل. وهى قصة تعدت جغرافيا المكان التشيكى، وراحت تلخص مقولة شهيرة عما عداها من مجتمعات الفساد والفوضى، تقول: "كلنا مذنبون، كلنا ضحايا". وهكذا سنظل دوماً فى انتظار حكايا جديدة، فوحدها الدليل على تجدد الفكر الإنسانى، وقدرته على مواجهة التناقضات التى تصنعها كل حيوانات الغابة التى نعيشها اليوم بصبر شارف على النفاد.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة الوعى فى مقابل التجريف الثقافى
- الأحزاب وصناعة الوعى والتغيير
- ضربة هيكلية أسقطت الهيبة الأمريكية
- السيد محافظ القاهرة: هل تسمعنا؟
- مساحة للأحزاب والسياسة
- باغت الأشياء ودع الأسباب تأتى لاحقاً
- زهراء المعادى: هل من نهاية للفوضى والمخالفات؟
- الهيئة الإنجيلية: نحو مجتمع عابر للصيغ التقليدية
- -بول آردن-.. هذه هى الفكرة والطريق
- -بول آردن-.. هذه هى الفكرة والطريق
- إيكهارت تول و-قوة اللحظة - الآن-
- إفتح صندوقك يغمرك النور
- أنت وحدك من يصنع الفارق
- الطموح وحده لا يصنع الفارق
- فى مديح -مايكفى-- لا تقرءوا القشور
- الصيد والطموح: قصة مخاتلة
- صدمة الأفكار فى عالم الأعمال
- عن كاتب لايموت: من ثقافة اللفظ إلى معرفة الأداء
- ثورة يوليو: فكرة استعصت على الاغتيال
- لا تسرقوا فرحة أحد


المزيد.....




- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد السعدنى - تناقضات عالم أضحى غابة: حكاية الدب الذى صار أرنباً