أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - السلطة الدينية وغسل الدماغ















المزيد.....

السلطة الدينية وغسل الدماغ


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6480 - 2020 / 2 / 2 - 14:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تعبر الأساطير اليونانية عادة عن جوانب غامضة وجزر مهجورة من النفسية البشرية وتلقي نورا خفيفا يضيء بعض جوانب الإنسان المظلمة. ولكن في أغلب الأحيان عندما نعيد قراءة هذه الأساطير ونحاول شرحها وتأويلها في الأوقات اللاحقة، عادة ما نجعل هذه القصص تتكلم بلساننا وتقول ما نريدها أن تقول، دون التمكن من الوصول إلى المعنى الحقيقي، والذي يمكن إدراكه منطقيا وبوسائل البحث العلمي الموضوعي البعيد عن استغلال هذه الأساطير والإنتفاع بها للوصول إلى أهدافنا المباشرة. والأمثلة عديدة ومتنوعة، من بروميثيوس سارق النار من الآلهة والذي أعطاها للإنسان ليصبح صديقا ومنقذا للبشرية، ونرسيس رمزا لحب الذات، وسيزيف حامل الصخرة إلى أعلى الجبل رمزا للعبث الوجودي، وأشهرها ولا شك أوديب وإلكترا التي بنى عليهما فرويد أسطورة جديدة، أسطورة التحليل النفسي وجذور العقد الجنسية. أما أسطورة بروكست وسريره المشهور فإنها عادة ما تستعمل في المجال السياسي للتعبير عن فكرة الرقابة والإمتثالية والمطابقة ورفض الإختلافات البشرية في التفكير أو في الممارسات وفرض نظام تعسفي يسعى لتحويل أفراد المجتمع إلى نسخ متشابهة ومطابقة لنموذج وهمي وأسطوري هو الآخر او لنموذج تاريخي بعيد.
إسم بروكست Procuste هو إختصار لـ Procrustus ، في اليونانية القديمة / Προκρούστης، والتي تعني حرفيًا "الشخص الذي يدق أو يطرق للتمديد أو الإطالة" هو لقب أحد قطاع الطرق من مقاطعة Ἀττική / Attikḗ يدعى بوليبيمون Πολυπήμων - Polypemon المضر أو المؤذي للغاية. وله اسم مستعار آخر هو داماستيس Damastès - Δαμαστής أي المروض. بروكست، هو قاطع طريق يتسم بالقوة والشراسة وحبه للتعذيب كما يبدو، وهو إبن لبوسيدون إله البحر والعواصف والبراكين، يسكن بمحاداة الطريق بين أثينا وإيلوسيس، وكان يستدرج المسافرين بعد غروب الشمس إلى بيته لإستضافتهم ولقضاء الليل في مكان آمن بعيدا عن مخاطر قطاع الطرق. غير أنه سرعان ما يكتشف هؤلاء المسافرون أن مضيفهم هو قاطع الطريق وأنهم أصبحوا سجناءه وليسوا ضيوفا. ثم يتولى بروكست لعبته المفضلة، فيضع ضحيته على سرير معد لهذا الغرض، فإذا كان المسافر أطول من السرير فإنه يقوم بقطع الأطراف الزائدة، أما إذا كان أقصر من السرير فإنه يقوم بتمطيط الضحية وتمديد مفاصله وأطرافه حتى يتناسب مع السرير، ومن هنا أتت تسميته بالضار والمروض. القراءة السريعة لهذه الأسطورة، تدفعنا مباشرة إلى التفكير في السلطات الإجتماعية والدينية والسياسية في عالمنا المتخلف والتي لا تطيق أية زوائد أو إختلافات بين المواطنين، وتريد بناء مجتمع موحد يخلو من "الشوائب" والشذوذ، مجتمع "متوسط" لا يقبل التطرف ولا الأطراف الزائدة، فإن كنت سلفيا فستقلم لحيتك وإن كنت ملحدا سيقطع رأسك. وها هو مثال للقراءات السريعة لهذه الأسطورة لكاتب يندد بالسلفيين والإسلاميين في تونس: تهمة "الإساءة إلى المقدسات" كسرير "بروكست" تشتغل وفق مبدأ لولبي لتنتج آلة عمياء من الرقابة : في منطق شعاره أن الأصل في الأشياء التحريم لا الإباحة، يصير كل شيء مسيئا للإسلام. ولما كان الجهد التأويلي لهذا الرهط يتحرك ضمن دائرة السرير لا يعدوها، فإن المبادرة تكون إلى عرض كل شيء على محكه سواء بالتمطيط ) بما يتضمنه من لي أعناق الحقيقة وأطرافها ( أو بالتقصير ( ما يستدعيه من بتر للأعضاء وإنزلاق من معنى إلى معنى حتى يصبح مسيئا للإسلام بالتمام والكمال )، ويحكم بكفر صانعه أو فاعله أو قائله ". ولا نشك لحظة واحدة في صحة هذا التشخيص لظاهرة الإسلام السياسي في تونس وغيرها من المجتمعات، وإنما نثير الإنتباه إلى عدم ضرورة اللجوء إلى "لي عنق الأسطورة" لإيصال الرسالة وإقناع القارئ بوجهة نظر معينة. فاليونانيون نادرا ما يبسطون الأمور وإنما يذهبون في الغالب إلى إثراء نصوصهم وتحميلها أقصى ما يمكن من الرموز والمعاني. ذلك أنه في رواية سابقة، بروكست يستعمل سريرين وليس سريرا واحدا لتعذيب ضيوفه، سرير صغير مخصص لطوال القامة، وسرير كبير لقصار القامة، ولكن قصة السرير الواحد تبدو أكثر ملائمة وإقناعا لمعنى الأسطورة ورمزيتها كما يتخيلها المفسرون والشراح الذين يستعملونها للأغراض التوضيحية. ولكن للأسف حتى في حالة السرير الواحد، ينقصنا جانب آخر من الأسطورة، وهو أن هذا السرير العجيب لا يتطابق مع أي من ضحايا بروكست ولا حتى مع بروكست نفسه، حيث يبدو السرير بطريقة سحرية على الدوام إما أطول وإما أقصر من الضحية بحيث يسمح لبروكست بممارسة عملية التعديل القسري مستعملا في ذلك آلة معقدة، مكونة من كماشات حديدية ومناشير صنعها له الإله الأعرج هيفايستوس، إله الصناعة والحدادة والبرونز والذي شج رأس زيوس بالفأس بعد أن اعتراه الصداع لتخرج آثينا من رأسه. فالفكرة الرئيسية التي يمكن إستنتاجها من قراءة هذه القصة، ليست فكرة التقليم ومنشرة الزوائد ولا التمديد والتمطيط للنواقص حتى تتلائم مع السرير- المقياس والنموذج، ذلك أن سرير بروكست ليس مقياسا وليس نموذجا وإنما وسيلة يستخدمها للوصول إلى هدف آخر أكثر تعقيدا مما يبدو. بروكست ينفذ برنامجا عبثيا بمعنى الكلمة، معاقبة كل ضحاياه لأنهم لا يتطابقون ولا يتلائمون مع النموذج المعد سلفا لئلا يلائم أي ضحية. فالذي يظهر بوضوح هو عبثية النموذج وليس عبثية القياس أو التعديل، لأن النموذج متغير وينقصه الثبات والموضوعية. فالذي يجب الإشارة إليه فيما يخص الإسلام السياسي أو أي نظام سلطوي آخر، ليس إستعمال القوة والترهيب والتعسف لترويض المواطنين ليلبسوا الجلابيب ويضربون عن الحلاقة، وإنما عبثية وجود هذا النموذج مهما كان نوعه متطرفا كان أم وسيطا، لأن الوسط ذاته يعتمد حتما على موقع طرفي المعادلة وعلى من يتحكم في المسطرة. فالذي نرفضه، ليس سرير بروكست ولا ما يقوم به وإنما وجود بروكست ذاته والذي يرمز إلى "السلطة" بكل أنواعها، دينية واجتماعية وسياسية وإقتصادية، لأن السلطة هي التي تجسم وتفرض النموذج والمسطرة وضرورة الإستلقاء على المشرحة.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة بروميثيوس
- عن الرفض والتمرد
- وتفقد الوردة حمرتها خجلا
- الإرهاب والثورة
- عودة إلى فكرة الحرية
- غزة .. ترفض أن تموت
- ثقافة التوكل
- سريالية الأشكال
- الأدب والمخدرات
- فاغنر وسيمفونية الكلاشنكوف
- محمد البوعزيزي
- رموش الحجر
- بؤس الكلمات
- بؤس الكامات
- مباراة الشطرنج الخاسرة
- الهروب في الليالي الممطرة
- جنون الوحي
- فاغنر وحفتر وطباخ بوتين
- نهاية اللعبة
- الحرب القذرة في ليبيا


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - السلطة الدينية وغسل الدماغ