أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - في مديح الوقت -مرزوق الحلبي-















المزيد.....

في مديح الوقت -مرزوق الحلبي-


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6479 - 2020 / 2 / 1 - 23:47
المحور: الادب والفن
    


في مديح الوقت
"مرزوق حبي"
يعد هذا الكتاب من الكتب الفريدة، فنكاد لا نجد له مثيل أو شبيه، وهو يتلاقى في مضمونه مع أفكار جبران خليل جبران، فالبعد الفلسفي حاضر في الكتاب، وأيضا طريقة تقديم الفكرة، التي تدعو لتحرر الإنسان من كل شيء، بحيث يكون حرا ليصل/ليحصل على أفكاره بطريقته واسلوبه هو وليس من خلال التلقين، أو من خلال ما يقدم له من أفكار جاهزة، وما يميز الكتاب أبوابه السبعة، "جدل، لغة لم يدخلها أحد، وجع الأماكن، عودة الحلاج، جنة التأويل، ورد الشام، خاتمة تليق بك" لن أدخل في قدسية رقم سبعة، لكن "في مديح الوقت" يمكننا القول أنه كتاب استثنائي، لطريقة وشكل تقديمه والأفكار التي جاء بها ، فالبعد الفكري الذي يسبر أغور النفس الإنسانية ويحرر الفرد من كل شيء، ويعيده إلى ذاته المطلقة، النقية، يعد طرح إنساني يتجاوز المألوف والأفكار الرائجة والسائدة.
إذن نحن أمام مؤلف إنساني يتجاوز فلسطين، في الباب الأول "جدل" هناك مجموعة مواضيع، متعلقة بالفكر، بالاجتماع، بالسياسي، بفلسطين/ بالدين، والشاعر يبتعد عن الصوات العالي معتمدا على محاورة ومخاطبة العقل، ففي قصيدة "ممالك النمل" يقدم المدينة الفاضة، مدينة الحلم:
" ...
كل ممالك النمل موحدة في موقفها من الدين،
تحظر الشعائر كلها والطقوس
مكتفية بالحث على العل
كل ممرات النمل متعرجة
لكن السير فيها سوي
كل ممالك النمل بغير دستور
وما من نملة يضيع حقها
ليس في ممالك النمل شرطة
أو سلطة
أو محاكم
ممالك النمل غي معنية بقصص الأنبياء
ولا القديسين
وما من نملة تأـكل من لحم أختها" ص22-24، ما يحسب للشاعر، أنه استخدم "النمل" ليشير إلى الطبقة/المجتمع العامل، وهذا يأخذنا غلى الفكر الاشتراكي، إلى المرحلة الأخيرة في (الصراع الطبقي) والتي يتشكل فيها المجتمع الشيوعي، المدينة الفاضلة/المثلى، حيث تسود العدالة وما من مواطن إلا ويأخذ حقه، وأيضا يقدم ما هو مطلوب منه، فلا يستغل ولا يسُتغل، ونجد في هذه المدينة العزوف عن المظاهر والطقوس الدينية، مما يجعل المدينة، مدينة ماركس وليس مدينة أفلاطون.
والجميل في هذه التقديم أنه جاء عن ممالك النمل، وهذا يعطي المتلقي فسحة من التفكر، وهذا الرمز ـ رغم أنه مكشوف ـ إلا أنه ابعد القصيدة عن المباشرة، وأعطاها لمسة جمالية.
تقديم الأفكار مهم، لكن الأهم طريقة وشكل هذا التقديم، ففي لأدب من الضروري أن يخرج الكاتب/الشاعر أفكار بصورة أدبية/شعرية، في قصيدة "إذا أحببت" هناك مجموعة أفكار:
"...
إذا أحببت
فلا تصدق أن الحب
وردة حمراء تخبئها وراء ظهرك
إذا فعلت
كان حبك ذابلا كوردهم" ص38، الدعوة لإظهار وإشهار هذا الحب، هو اللافت في المقطع السابق، كما أن الإيحاء بالوردة وعلاقتها بالحب، أضفى لمسة جمالية على المقطع، ورغم استخدام فعل الأمر القاسي " فلا تصدق" والمباشرة، إلا أن الفكرة محت وأزالت تلك القسوة من المقطع، فلفظ الحب الذي تكرر أربع مرات محى ألفاظ القسوة والفعل الأمر.
وفي قصيدة "ادعاء" تستوقفنا طريقة الحث على الفعل:
" سجد على ركبتيه كتمثال عند قاعدة الجسر
ضم كفيه المتوسلتين بإحكام
وتقدمت منه طفلة تفهم الإشارات
وضعت في قبعته المثقوبة سرا
فأنطلق عليها كل السائرين على الجسر
مدعين أنها ابنتهم" ص37، الصور الشعرية مهمة كالفكرة تماما، في المشهد ثلاثة مجموعات، المتسول، الطفلة، الجموع، المتسول ورغم أنه أبدى صورة الطالب/المحتاج إلا أن لا أحد من السائرين التفت إليه، فكأن "المتسول والسائرين" صورة فتوغرافية جامدة، وبحاجة إلى من يجعل/يحول الصورة الجامدة إلى صورة حية ناطقة، فكانت الطفلة التي أحدث هذا الحركة وجعل الصورة تنطق، واللافت أن الكلام "مدعين" جاء بعد فعل الطفلة "وضعت".
المؤلف الشعري فيه كم هائل من الأفكار، والشاعر يعمل على تقديم تلك الأفكار بأشكال وطرق فنية أدبية، بعيدا عما هو سائد، في قصيدة "إلى صبي يموت الآن" يقدم دعوة للحياة بها الشكل:
"...
من سيقفز فوق الجدار
كلما مرت صبية في الجوار؟
فلا تمت الآن نيابة عنا
نيابة عن أحد
ولا باسم إله واحد فرد صمد!
كن طيبا مع أمك
ولا تضطرها إلى مساومة على المفردات
كن طيبا معها
ولا تمت موتا غير مقنع" ص43، تكمن أهمية هذا المقطع في أنه يتحدث عن صبي، من حقه أن يحيى كحال أقرانه، فالشاعر يحفزه على التقدم من الحياة، من خلال "الصبية" التي يقفز فوق الجدار ليراها، فهو هنا يرغبه بالتمتع بالحياة، بعدها يوضح له أن حياته "لا تمت" أهم من أي أحد في الكون، لهذا طلب من المحافظة على حياته، مؤكدا على حق الصبي في الحياة، من خلال عدم الانصياع لطلب الاقدام على الموت حتى لو طلب باسم عن إله، ويختم الدعوة باستحضار الأم، واعتقد أن الشاعر عندما أقرن دعوته للتقدم من الحياة، وربطها أولا بالصبية/الأنثى، ثم بأمه ثانيا، كان موفق، حيث أن المرأة تعتبر مصدر من مصادر الفرح، وبحضورها في القصيدة، يكون الشاعر قد قدم دعوة غير مباشرة لتقدم الصبي من الحياة، فهناك صبية تحبه ويحبها، وهناك أمه التي تحن وتعطف عليه.
يقدم الشاعر مجموعة من الأفكار في قصيدة "من كتاب كشف الحقائق!":
"الشهيد
التفاف اللغة على موت ُسدى
المقدس
قطع طريق الحياة بالخرافة
الوطن
قدرة الخيال على ابتلاع الأمكنة
الممانعة
إفناء الذات
نكاية بالعدو
المقاومة
موت الناس
على مذبح العقيدة
المستنير هو الذي خلص روحه من سطوة العقائد
من الغيب
واختار السؤال يكنس به بؤس الأجوبة
على أرض الوقت" ص57، بهذا التكثيف والاختزال يقدم الشاعر رؤيته على مجموعة من المسائل/القضايا، ورغم أن هذا التقديم الذي يبدو (مطلق)، إلا أنه في الخاتمة أكد على أهمية الأسئلة (سفاهة الأجوبة) وهذا دعوة ـ غير مباشرة ـ للتفكير والتوقف عند ما قدمه من أفكار.
واللافت أن الشاعر ربط القضايا "الكلمة الأولى": "الشهيد، "المقدس، الوطن، الممانعة، المقاومة، المستنير" بكلمة أخرى، "الشهيد بالموت"، "المقدس بالخرافة"، "الوطن بالأمكنة"، "الممانعة بالنكاية/العدو"، "المقاومة بالعقيدة"، وهذا الاختزال والتكثيف يؤكد على أن الشاعر يحسن تقديم أفكاره، ويتقن فن تقديم شكل تلك الأفكار، فيختار ألفاظ مترابطة تخدم الفكرة التي يريدها.
والشاعر يحثنا من خلال عنوان القصيدة على التفكير بما يجري على أرض الواقع، في قصيدة "الحرية!" يقول:
"للسجين حرية الاستلقاء على جانبه الإيسر
له حرية أن يضحك قليلا
أو يبتسم
له حرية لا هذا ولا ذاك
له ، أحيانا، حرية أن يغفو
له أن يكتب مذكراته
أو أن يقرأ
للسجين حرية تمتد أفعالها مترين أو ثلاثة
ثم تنكفئ
للعامل حريته في أن يأخذ زاده مع
أولا
أن يختار وجبته البسيطة
نوع الجبنة مثلا
له أن يعود إلى بيته في الحافلة
أو أن يقطع نصف المسافة ماشيا
للعمل حرية
مسجلة بالأرقام في اسفل بطاقة الدوام" ص62، التناقض بين العنوان والمضمون شاسع، وهذا الشكل من التقديم يثير القارئ ويستفزه ليكون فاعلا مؤثرا وليس متلقي فقط، وهنا يمكن ابداع الشاعر، وعندما اختار السجين، قصد به الأسير/المعتقل السياسي الذي يسعى ليحرر وطنه من الاحتلال أو شعبه من الاضطهاد، وتأكيدا على الفكر الاشتراكي وأهمية العادلة الاقتصادية، تحدث عن العامل، وهنا يربط الشاعر بين الهم الوطني التحرري، وبين الهم الاجتماعي الاقتصادي.
فالأفكار التي جاءت في القصيدة، لو أنها لم تأتي بهذا التضاد بين مفهوم الحرية وواقع الأسير/العامل لما أثارة القارئ وجعلته يتفكر بما قدم له، فالثورة/التمرد الذي يدعو له جاء بطريقة هادئة وناعمة، لكن أثرها هائل وكبير، ولا مجال أمام القارئ إلا لينخرط فيها وبفاعلية.
وهناك مجموعة من الحكم نثرها الشاعر في "مديح الوقت، منها:
"كلما ارتفع صوتك خف وزنك" ص64، لماذا كلما انشأت نصا في مديح السلاطين تموت
وردة في الحديقة!" ص65 وهنا يكون عنوان الباب "جدل" خدم وقدم صورة موجزة عما أراده الشاعر في "جدل".
وهذه الوحدة بين عنوان الباب والفكرة نجدها في الأبواب السبعة، مثلا في "لغة لم يدخلها أحد" نجد الشاعر يقدم رؤيته عن الكتابة والكتاب، يقول في "استعارة!":
" إن استعرت لغة غيرك
لوصف حلمك أنت،
لن تصل أبعد من
ظلك عنك
وإن استعرت مجاز غيرك
في وصف حنينك
قد يستوي الوصف
ويموت شغفك
وإن استعرت قصائد غيرك
لوصف حبك لها
سيخونك صوتك
وينتهي العشق عند العتبة" ص69، الجميل في هذا التقديم أنه ربط بين الابداع الأدبي مع الإخلاص، مع أن يكون أديب/الكاتب ذاته، واعتقد أن الأفكار الثلاثة التي قدمها الشاعر هي أكثر من هذا العدد، حيث يمكن أن نسقطها على أي أبداع يمكن أن يقوم به القارئ، فالإبداع مقرون بالذات ومرتبط بها، والتقليد، مهما كان يقتل ويميت الاديب وابداعه.
والابداع والتألق قدمه في قصيدة "رغبة في الحضور رغبة في الغياب":
"... أسير مع القصائد وحدي وأمكث فيها ما أذنت لي
أعود منها كما أعود من سهرة أصدقاء
لا شيدا ور نبيا
ولا بطر
لو طلب إلي قراءة قصيدة لاحمر وجهي
فأنا شاعر يفضحني الشعر كالحب
سيرتعش قلبي
ويخفت صوتي" ص70، عندما استخدم الشاعر ياء المتكلم أراد بها أن يرشد الأخرين، الذي بالتأكيد سيندهشون بهذا المؤلف المتألق، فيكتبوا كما هم يريدون، كما تريد القصيدة، بعيدا عن التقليد أو لي عنق الكلام ليعجب به هذا أو ذاك.
وفي الباب الأخير "خاتمة تلق بك" يتناول الشاعر مجمل القضايا والأفكار التي جاءت في الأبواب السابقة، جاء في قصيدة "العقل الكلي":
" ...لا شيء خلف الزمن سوى عقل كلي مبدع كلي
لا يحد مداه" ص304،
وجاء في قصيدة "العدل":
"لو أن العدل من طبيعة الأشياء لما انكسرت سروة درويش من قامتها" ص305،
وفي قصيدة السر":
"مثلكم خبأت وردة في كتاب
كلما أعرته لها
مت من الأمنيات" ص306، الجمع بين الفكر وجمال التقديم يؤكد على أن الشاعر مفكر، فيلسوف، حكيم، فهو يقدم افكار ضمن قصائد، وهنا يحصل القارئ على جمال مزدوج، جمال الفكرة، وجمال التقديم.
الكتاب من منشورات جدل ـ دار نشر، دالية الكرمل، الطبعة الأولى 2018.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنثى في -مدينتنا- نزهة الرملاوي
- سورية والدين
- الشاعر والمرأة والواقع كميل أبو حنيش -صفا فؤادي-
- التقديم الناعم في رواية -قلب الذئب- ماجد أبو غوش
- ياسين محمد الباكي -أين هم-
- مناقشة رواية أوراق خريفة
- رمال على الطريق مفيد نحلة
- جريمة الشرف في الرواية -شرفة العار- إبراهيم نصر الله
- قصائد الأندلس
- مجلة شذى الكرم السنة الخامسة،
- ديوان زفير سعادة أبو عراق
- ومضة -هكذا هم الفقراء أحمد خلف نشمي
- المعتقل الفلسطيني في كتاب -الصدور العارية- خالد رشيد الزبدة
- مناقشة كتاب اقتفاء اثر الفرشة
- رحلة إلى جوهانسبرغ بيفيرلي نايدو
- حازم يعود هذا المساء نبيل عودة
- حنان طه -لعلك تدري-
- اقتفاء أثر الفراشة نبيل طنوس
- الواقعية الفلسطينية في رواية -العناب المر- أسامة المغربي
- قراءة في ديوان -على ضفاف الأيام -لنائلة أبو طاحون


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - في مديح الوقت -مرزوق الحلبي-