أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - كل البشر كاذبون















المزيد.....

كل البشر كاذبون


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 6478 - 2020 / 1 / 31 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


رواية، كل البشر كاذبون، للروائي ألبيرتو مانغويل، يشعر فيها المرء أن الرواية الحديثة مفككة، مقسمة إلى جزر، ويمكن إعادة إنتاجها من قبل الناقد أو المتفرج أو المراقب أو القارئ لهذا العمل الأدبي أو غيره، فالمطلوب من كل واحد أن يبقى متيقظًا يتابع الخيوط المتناثرة، وان يكون مشاركًا في كل لحظات القراءة للنص.
هذه النصوص، الرواية، صعبة القراءة للقارئ العادي، تشبه إلى حد كبير رواية ساراماغو، سنة موت ريكاردو ريس أو رواية في ظل الريح لكارلوس ثافون، نستطيع أن نسميها الروايات الفوق حداثية.
" وقد أوضحت له كيتا، تبريرًا لحضوري، أنني كاتب ومواطن، ولكي أفرش الحديث، سألته بحماقة ما هي الكتب التي نشرها. ابتسم لي بيفيلاكا للمرة الأولى، وذهب يجتر ذكرياته بالطريقة التي يراها، ثم أجابني:
ـ لا يا أخي، أنا لا أكتب الكتب. فأنا أكسب رزقي من كتابة روايات مصورة.
يعود المتحدث الذي ورد ذكره في النص أعلاه، واسمه تيراديلوس، الذي كلم بيفيلاكا، ليكلم تيراديلوس:
ربما يجب علي يا تيراديلوس أن أبين لك ما هي الروايات المصورة. إذ يبدو لي أنكم في فرنسا نادرًا ما تهتمون بهذا النوع من الأدب.
ثمة عبقري جمع في العام، ثلاثون وتسعمائة وألف، بين السينما، والرسوم المتحركة، والقصص الرومانسية، وزاوج بين التصوير والحكاية الحوارية. وكان هذا النوع من القصة هو الذي يعلق عليه بيفيلاكا.
هي نصوص مفتوحة على أفق مفتوح، لأنها دون نهاية، وبدايتها مخاتلة، تنحو إلى الانفتاح رويدا رويدا لتتسع دون أن يكون لها نهاية. نهاياتها كنوع من التواطأ بين الكاتب والنص، ليقول لنا في النهاية:
لقد سئمت من هذا الطريق الطويل، وعلي أن أتوقف هنا لأنني تعبت وتعب معي أبطالي في مغامراتهم.
ونعود للنص على لسان تيراديلوس: " ومثل أي شخص يأسره ميله إلى الكتب، فإن فكرة إضافة مجلد إلى المكتبة العالمية قد أغوتني وكأنها الخطيئة. فتخيلت شخصية، مبدعًا، فنانًا أخفق في حياته بسبب كذبة واحدة. وتقع أحداث الرواية في بوينس آيرس. ولأنني أثق بمخيلتي أقل مما أثق بذاكرتي، فقد قلت لنفسي إن مسارت بيفيلاكا تغذي شخصيتي المتخيلة. وسرعان ما تبينت أن ذكريات بيفيلاكا ينقصها الانفعال، واللون، وهي تخلو من سبق الإصرار".
هل نحن أمام عبث؟ أما أمام رموز غريبة متداخلة، يحتاج الناقد إلى معاول للهدم وإعادة بناء البناء الروائي وفق أسس فنية مغايرة أو مخالفة لما هو قائم؟
إن قدرة الأدب الحديث تجعل المرء، النخب، القارئ، شريكًا في صياغة الرواية وفق منظوره، وكأننا نرى أن المؤلف يترك فراغات تحتاج إلى إملاء، وكأنه كائن عاجز يريد أن يبعثر الكلمات في فضاء الورق، ويترك للقارئ مهمة إعادة ترتيب الأحداث وفق ثقافته أو قناعاته، وكأنه يريد إعادة تأويل النص، وكأن النص عاجز أو غير متماسك أو غير قادر على طرح ذاته.
البعد الثالث في الرواية هو كائن أخر يعيش في الخفاء، يتم تحريكه من خارجه، كائن أعزل، مراقب صامت، مهزوم من الداخل، يخرج إلى الضوء بعض المرات ثم يعود ليقبع في الظلمة التي خرج منها مؤقتًا. هل هذا البعد ميت ويجري أحياءه ليساعدنا على تنفيذ المهمات التي يعجز عنها الواقع، واقع الرواية والحقيقة، هذا يصعب علينا قوله.
عندما نكتب نحن إنسان أخر، ننفصل عن الواقع الملموس ونتحول تحولات نوعية في رسم الصور على الظلال التي نراها في الثقافة والفكر، لأن الحياة لا معقولة، نعقلنها للضرورة، لنصعد على أكتافها
الرواية الحداثية، أو الفوق حداثية، تجعلني في حالة اندهاش، تعب، قلق، ترقب، ألم، وجع، نشوة كونية، نيرفانا مطلقة، أذهب مع الكلمات إلى الكلمات وأسرح حيث لا حدود للرواية ولا سقف ولا أطراف. إنها كالعنكبوت لها نسيج رقيق متداخل، ثم يسمك ثم يعود ليصبح رقيقًا، يتداخل فيه الخارج مع الداخل ولا يوجد أطراف إلا في لحظات مؤقتة سرعان ما يصبح الحديث قديمًا والقديم حديثًا، وبالتناوب، والعكس هو الصحيح.
عندما يتعلق الأمر بذكريات الطفولة، يشعر المرء بدفئ الكلمات التي تنساب على لسان بيفيلاكا أو ألبيرتو مانغويل:
كان يحن إلى زمن مضى وليس إلى مكان، وإلى جغرافية مصنوعة من ساعات مختفية في شوارع لم يعد لها وجود، ينتظر على عتبات بيوت متهدمة منذ سنوات، أو ينتظر في مقاهي منذ زمن طويل مجارة جدرانها ومرمرها مقابل جدران تكسوها المرايا والفورميكا. أنا أتفهم حنينه بكل تأكيد، بيد أني لا أشاركه فيه.
النص مبعثر لا ترابط في الشخصيات أو الأحداث، وكل شيء يتحرك دون ضوابط، يقول النص عن أدب الرفض وأظنه يقصد الأدب الحديث:
" في أدب الرفض، ثمة آمال لم تكتب، بيد أننا نجهل عنها كل شيء، العنوان، والموضوع، والطول والأسلوب. وإنه ليقال لنا أن هذا الشخص، وهذا الكاتب مؤلف معروف، ولكنه مؤلف ماذا؟ هو نفسه ينكر أبوته، من غير أن ينسبه لنفسه، وذلك كما سلفه الشهير، دور الحمى"
القارئ يقع في حيرة، وتأخذه القراءة لعدة زوايا أو اتجاهات لمعرفة ما يدور في كواليس النص، هذا التوهان يدخل المرء في دائرة الشك بنفسه وبالنص المرسوم أمامه، سؤاله يقول له:
إلى أين أنا راحل في هذا الرحيل المجهول؟
الشخصية الرئيسية في الرواية هو بيفيلاكا: " فهو منخور من الرعب، ومخوف، ونازف، أجل، ومتورم بالشكوك والحذر، هذا، أجل. كان الخوف محزنًا في السنوات الأخيرة في الأرجنتين"
هذا الوصف للأرجنتين موطن الروائي ألبيرتو مانغويل، دقيق للغاية على لسانه المطابق للسان بيفيلاكا، الضائع، بيد أنه " لم يختف تمامًا حين وصل إلى اسبانيا، الموطن الثاني له، وأنه مقتنع بأنه لا يندم على منفاه في مدريد. على العكس من ذلك، كانت تعميه الفكرة التي صنعها لنفسه عن أسبانيا"
كانت هذه الأرجنتين، كما يرى بيفيلاكا، ألبيرتو مانغويل أن زوجته غراسييلا كانت تقول له:
ولكني لا أحب سواك. وكان بيفيلاكا يصدقها بالرغم من أنه يعيد" بناء مغامراتها المحتملة بالتفاصيل الأكثر دقة. ويكون عاشقها في بعض الأحيان مكرشًا ومشوربًا، وفي أحيان أخرى، يكون يافعًا ابتدأ لتوه بحلاقة ذقنه، وعشاقها من مدن وبلدان كثيرة..."
كما قلنا في النص أعلاه تتداخل الأسماء مع الأحداث، تيراديلوس الذي يكلم بيفيلاكا، كأنه يبثه كل العذابات والأفراح والغراميات التي مر بها ألبيرتو مانغويل، السجن، الزنزازنة في الأرجنتين أيام الديكتاتورية، العيش تحت ظل العسكر والمظاهرات، وتتحرك الرواية بين أسبانيا أيام فرانكو والأرجنتين المأسورة:
ـ لقد كانوا وهم في بطون أمهاتهم، وأنهم سيكونون كذلك بعد نفسهم الأخير، أي عندما يكونون غبارًا مستعادًا، وعناصر بناء في مناخنا، على نحو ما. وكنا يا صديقي يومًا بعد يوم نستنشق الرماد العسكري المطبب للأرجل، وللمشائين، ولما لا، فقد كنّا نستنشق رماد النشر لكاميلو أوركييتا، والذي ذهب سريعًا لكي يقيم في مدريد. في البداية، تحت حكم فرانكو.
الكتابة هي علاقة حميمية من نوع خاص بين الكاتب والقارئ أو المتلقي، وواجب على الكاتب أن لا يشعر قارئه بالغربة أو الضياع، أن يبقى متلاصقًا مع الكلمات والأسطر حتى يصل إلى الهدف. لهذا نقول أن الرواية الحديثة تهمش القارئ، تكسر معنوياته وتجعله في حالة ضياع ونفور، لأنها تغيبه لمصلحة القراءة النخبوية.
على الرواية الحديثة أن تنزل إلى مستوى القارئ.
أدب الرواية تحديدًا يجب أن يكون الأقرب إلى قلوب الناس وعقولهم، وإذا استمرت في علياءها ستجف مع الأيام.
الرواية متوسطة الحجم، لا يتجاوز عدد صفحاتها أكثر من 216 صفحة من القطع الكبير



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المكتبة في الليل
- الساعة الخامسة والعشرون
- اعترافات خارجة عن الحياء
- اللهب المزدوج
- عزلة صاخبة جدًا
- مذكرات نعيم أفندي
- الراقدة على الصليب
- في البادية السورية
- التمرد 5
- التمرد 4
- ذكريات من القامشلي 2
- التمرد 3
- لماذا الغرب متسامح مع الإسلام؟
- التمرد 2
- من ذاكرتي في القامشلي
- إعادة هيكلة الدولة
- التمرد
- استانبول
- من ذاكرة الجزيرة السورية 3
- الخروج من الذاكرة 2


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - كل البشر كاذبون