أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - جدتي














المزيد.....

جدتي


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 6477 - 2020 / 1 / 30 - 18:29
المحور: الادب والفن
    


يوم عطلتي ، هو يوم جدتي ، هكذا اسميه ..
فعن زيارتها لا أتأخر ، اقضي معها يومي من الصباح والى الزوال ،
اذا ما تأخرت مرة عن موعد الوصول اليها ،أجدها تترقبني بالباب الكبيرة لبيتها ، تتوكأ على عكازتها ،و تدير رأسها يمينا ويسارا ، تتلهف
على وصولي .. اعانقها ،واطبع قبلة على خدها ، ثم انط الى داخل المنزل العتيق كقطة تلهو ..
ادلف الى المائدة الصغيرة التي تعدها جدتي قبل وصولي :
حليب وألبان ،زبد بلدي ،عسل وزيت الزيتون والأركان ، رغائف ، ورقائق خبز محمر،جبن ،وزيتون اسود وأخضر، مملح بالحامض وقطع الليمون ، بيض مسلوق ، شاي بالنعناع ،تعبق رائحته المنزل ..
قبل ان تصل جدتي الى المائدة ،أكون قد التهمت بيضة مسلوقة وقطعة جبن .وزيتونة سوداء في فمي ...
تجلس بجانبي وهي تقول : تمهلي ، الاكل بسرعة ينفخ بطنك ..
منذ مات جدي ،وجدتي لا تغادر بيتها ،وحين أسالها : ألا تخافين ياجدتي وحدك ؟:
تضحك وتقول : من له آباء كآبائكم ، وأمهات كأمهاتكم، وأحفاد وحفيدات مثلكم، يحبونني ولا يتغيبون عني ،ابدا لن أخاف ..
لست وحدي من يداوم على زيارة جدتي ، فلجدتي ثلاث بنات وثلاثة أولاد، كلهم متزوجون ولهم أبناء ، وكلهم يزورونها حسب موعد مضبوط لا يتخلفون عنه ،منهم من يأتي صباحا ،ومنهم من يأتي بعد الزوال ، ومنهم من لا يأتي الا في العطل والاعياد ، فنحن وجدتي حب متبادل ، فهي عندنا خزينة توفيرنا ، وجديد لعبنا ، و صندوقة اسرارنا .. وأكثر من ذلك ، فهي حمايتنا اذا أخطأنا في بيوتنا ..جدتي هي بدلاتنا الجديدة في اعيادنا ، هي هدايانا في أعياد ميلادنا .. بل جدتي هي من علمتنا كيف نتهادى ،نحن احفادها وحفيداتها فيما بيننا ،هي من علمتنا أن حبها لنا مرهون بحبنا لبعضنا ولآبائنا وأمهاتنا ..
حين تمرض جدتي ، فكلنا نتحلق حولها ، لا نفارقها ، من يمسك بيدها ، ومن يدعو لها ، ومن يضع يده على جبهتها يتلو آيات من القرآن ، ومن يبادر لتقديم صندوقة ادويتها ، في صينية نحاسية ،ومعها كاس ماء خاص بها كما توصينا دائما ....
حين تفتح عينيها وتجد أحدنا يبكي ، تغضب وتقول بصوت متقطع :
لماذا البكاء ؟ ، لا تجزعوا عني ، أنا بخير ، اعرف أنكم اشتقتم الى مائدة الصباح ، وشهيوات المساء .. تفرقوا عني .. هاتوا حجرة تيممي ودعوني اصلي أولا ..
نوسع الدائرة عن جدتي ، ونحن سعداء بكلماتها ، نتابعها بعيوننا وهي تصلي ، فجدتي حين تبتسم وتضحك فمعناه أن السعادة قد عادت لحياتنا ، وأن جيوبنا ستمتلئ بكل ما لذ من شوكولاطة ومكسرات لذيذة ..
كثيرا ما كنا نتساءل نحن أحفادها :من أين تجلب جدتي المال الذي تنفقه علينا وعلى نفسها ؟
وحين يسألها أحدنا تقول : منكم واليكم .. الكل من آبائكم وأمهاتكم
ستكبرون ، وتشتغلون ،وتصيرون ملزمين بالبر بأمهاتكم وآبائكم ،
فابنائي اليوم يبرون بي لتبروا بهم حين يشيخون مثلي ، أليس كذلك يا أولاد؟ كنا نوافق على كلامها فمن بر آباءه بره أبناؤه ..
وكانت عبارتها التي تتكرر دوما :
غدا تكبرون يا أحفادي ، وتفهمون ،أن مشاغل آبائكم وأمهاتكم قد أبعدتهم عنكم قليلا ، لكنهم سلموا المهمة لجدتكم ،فأنتم " الكبدة المعاودة " كما يقال ، ولا أحد يمكن أن يكون أحن مني عليكم ، أمهاتكم وآباؤكم أغدقوا علي مما وهبهم الله ،وتركوكم في عهدتي ؛أليس أحسن بكثير من أن يضعوني في دار للعجزة ، كما يفعل بعض الناس بآبائهم وأمهاتهم حين يشيخون ؟ فأنتم أنسي وتجديد حركتي ، و نشاط جسمي ، أنتم شبابي الدائم ،اسعد بوجودكم وتسعدون برفقتي ..



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهواك
- أرض خصبة لم تكن موعودة
- احزاب...ولكن
- لبيته لن أعود
- نملة
- جف في بيتكم زمزم
- العدة وقلة القبض
- قلب المحارة درة
- شوك صبار
- قهوتي
- ليلة ليلاء
- أعطيني نفسك
- تفاحة
- انزعي عنك غلالة فكر
- فجرت سوق الثرثرة
- وحيدة بين الوجوه
- غلالة ( الجزء الثاني من لهاة مكتوم )
- أحزابنا
- لهاة مكتوم
- المعنى هو الانسان


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - جدتي