أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثالث















المزيد.....

حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثالث


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6476 - 2020 / 1 / 29 - 23:11
المحور: الادب والفن
    


1
شيخي، كان قد مرّ اتفاقاً بمنزليّ عشيقتيه، البدوية والدرزية، الواحد تلو الآخر، وهوَ في طريقه إلى المغارة السوداء. حصل الأمرُ عقبَ ليلته الأولى، الشاهدة على عودته من حوران. بعد رفض الزعيم وجود الصهر في داره، انطلق هذا مع أسرته باتجاه الجبل وفكرة شيطانية تداعب ذهنه: " سأمكث مع عائلتي في المغارة السوداء، لدفع الحاج حسن على تأمين بيت لنا درءاً للفضيحة! ". آنذاك، وبينما زَري تضم طفليها إلى جسدها تحت السماء المنجمة، كان زوجها يستعيدُ ذكريات علاقته السرية بالمرأة البدوية، " هديّة "، المهيمن ظلُ منزلها على الخرابة. لكن لم يصل لعلمه، في المقابل، خبرُ وفاة عشيقة أيام زمان؛ ولا الخبر الآخر، المتعلق بسوق زوجها مؤخراً إلى جبهة الحرب. ولو أن أحداً أعلمه برحيل المرأة البدوية عن الدنيا، لما اكترث على الأرجح. ذلك لاحتفاظه عنها بفكرةٍ سيئة، طغت على الذكريات الجميلة، الملتهبة: كانت تريده أداةً لخطة إجرامية، تتخلص بموجبها من القرين الكريه بوساطة السم. لم يكتفِ هو برفض فكرتها، وإنما بادرَ إلى هجرها دونما عودة أو ندم. فيما معين الذكريات يروي جفاف روح الرجل المنبوذ، في ليل الخرابة، انبثقت صورةُ الابنة البكر للبدوية، ما جعله يبتسم.
كانت " فاتي " في العاشرة من عُمرها، حينَ مر شيخي من أمام منزل أسرتها. إذاك، فاجأته بإبداء الرغبة في إظهار فخذيها أمام عينيه. ضاحكاً، سألها عندئذٍ لِمَ ترغب بذلك، فأجابته: " ثمة راعي أغنام في كل مرةٍ مر من هنا، يطلب مني أن أرفع ثوبي! ". شيخي، لم يلتقِ بالصغيرة بعد ذلك، كونه أضحى عشيق أمها ودأبَ على التسلل إلى منزلهم في ساعة متأخرة ليلاً. إلا أنه سأل عشيقته في ليلته الأولى معها، ما لو كانت ابنتها سليمة الإدراك. فأجابت الأم، " عقلها يزنُ بلداً، لكنها طائشة وخالعة العذار. في البادية لدينا، يعمدون إلى تزويج الفتاة في سنّها حالما يُنبئ سلوكها عن الانحراف ". خاطبها العشيق في سرّه ساخراً: " آه، لذلك زوجك أهلك وأنت بسنّ الثالثة عشرة! ".
أزاحَ صهرُ الزعيم ذكرياته جانباً، ملقياً نظرةً على امرأته المستلقية مع طفليهما على الأرض المتربة وسط العراء: هيَ أيضاً، عُرفت بخفة عقلها. هذا برغم أن سلوكها كان متزناً، حدّ التحفّظ. كانت تكبر امرأته الأولى، الراحلة، بنحو عشرين عاماً. زواجه بزَري، والحالة تلك، كان عن مصلحة. ربما الأمر نفسه، ينطبق على زيجته الأولى: " مع أنّ نازو أحبتني بجنون قبل اقتراننا، فإنها طلبت الطلاق أثناء وجودي في السجن. النساءُ ملّةٌ واحدة، شيمتهن الغدرُ! "، زفرَ هذه الجملة مع دخان الكيف.
منزل حمّوكي، الذي أوت أسرةُ شيخي في خرابةٍ إلى أسفل منه، لم يكن في واقع الحال خالٍ تماماً من ساكنيه: انتشرت الأقاويلُ في الحارة مؤخراً، بكون المنزل " مسكوناً "، بعدما أكّد عددٌ من الأشخاص رؤيتهم لطيف امرأة، يتهادى فوق سطحه. قيل في تفسير ذلك، أنها هديّة؛ مَن استحالت إلى طيفٍ، بالنظر لما عانته من العذاب مع قرينها حتى أنها ماتت في ريعان شبابها. مع أن حمّوكي نال جزاءه، بالسوق إلى مهلكة الحرب، ظل أولاد الحارة يخشون المرور من أمام منزله، مفضلين سلكَ طريقٍ آخر.

***
صاحب المنزل، من ناحيته، هجرَ أسرته في المرة الأولى طوعاً. تحيّنَ فرصةَ سفر صديقه، والد نازو، كي يقود عربته المشدودة بالخيل في الطريق إلى الوطن. عاد حموكي بعد نحو أربع سنين، مرافقاً هذه المرة جيشاً لجباً من الفرسان، غالبيتهم من أبناء عشيرته. لقد قاد فرسانَ " الحميدية " أولئك، زعيمُهم إبراهيم باشا الملي، في حملةٍ عاصفة على دمشق، بهدف إجبار الاتحاديين في الآستانة على ترك السلطة. على أثر فشل الحملة، بقيَ حمّوكي في الحارة وذلك لكون ابنتيه يتيمتي الأم. إلى أن فاجأته دورية جندرمة، في عامٍ تلا نشوب الحرب العظمى، لتسوقه إلى إحدى جبهاتها. في ذلك اليوم، كانت الدورية قد أمسكت أيضاً بخال الابنتين، " حمّاد "، للهدف ذاته. عندئذٍ، ضغطت " نورا " على زوجة هذا الأخير ( وهيَ ابنة عمها )، كي تضع البنتين في رعايتها. تم الأمرُ بطلبٍ مُلح من امرأة الزعيم، وكانت صديقة مقربة لكريمة محمد آغا ديركي، وأيضاً لشقيقتها الراحلة.
مع انسحاب حمّوكي من المشهد للمرة الثانية، كانت صغرى الابنتين، " خاني "، قد تجاوزت العشرين. هذه الفتاة، أخذت منذئذٍ تزعج زوجة خالها، سواءً بطبعها العنيد أو بمسلكها المنحرف. لم يكن ممكناً أن تبقى سراً في الحارة، فضيحةُ اختلاء فتاة مع فتى في المكان المعروف ب " رَزّي آني "، الكائن على ضفة نهر يزيد؛ وهوَ كرم كبير، يمتد على المساحة الفاصلة بين زقاقيّ الحاج حسين والآله رشي. امرأة الخال، صاحب الكرم، وبمجرد أخذها العلم بالفضيحة، اتجهت رأساً إلى ابن عمها، زوج نورا: " مهما يكن رأينا في والدها، إلا أنها قريبتنا بنظر الناس "، قالت له. ثم تابعت، " شقيقتها اختفت أيضاً، ويتحدثون عن هربها مع أحد الجندرمة ممن كبسوا يوماً منزلَ أم حسين للقبض على ابنها ".
عقبَ نيلها لسعات سوط الآغا، حُبست خاني في حجرة الإسطبل مع زوج من الخيل. ثمة وبينما رائحة الروث الحريفة تخدش أنفها، كانت تستعيد ذكرياتها مع الحبيب. إلى ذلك، كانت تأمل أن يأتي ليخلصها من الأسر. هذا، مع علمها بأنه هوَ نفسه مطاردٌ من لدُن الجندرمة، وبوصفه من أخطر المطلوبين بين قطاع الطرق، الذين ملأت عصاباتهم بر الشام على إثر نشوب الحرب العظمى؛ بالأخص مع فرض التجنيد الإجباريّ وانتشار المجاعة.

2
حسين، المُعرّف اسمه اختصاراً ب " حُسّو "، كان قد تعرّفَ على فاتي في ليلةٍ ربيعية من العام الثاني للحرب. كانت ليلة مستطيرة وملتبسة، حفلت بالمفاجأة تلو الأخرى. لقد استهلها الشابُ، المطلوب للعدالة، بتنفيذ فكرةٍ مجنونة دأبت على استفزاز أعصابه في الفترة الأخيرة: أن يزورَ منزل أسرته، بهدف لقاء الوالدة والاطمئنان على أحوالها. كما ود الظهورَ أمامها بمظهر الرجل المُعيل، المنتزع لقمته بفضل قوته وجسارته ـ كما اعتادت هيَ أن تلقاه بمزيد من الزهو والفخر، قبل أن يُضحي المطلوب الأول للسلطات؛ ما أجبره على التواري عن الأنظار وعدم التفكير بالعودة إلى الحارة.
وصل بمفرده إلى منزل الأسرة، تاركاً العصابة في مقرها على طرف إحدى قرى وادي بردى. سلك أولاً الشعابَ الجبلية، المتصلة مع قاسيون من جهته الغربية، إلى أن انبسط تحت بصره منظرُ دمشق وكانت غافيةً مبكراً بمعدة خاوية. لكنه كان محمّلَ الظهر بكيس خيش متخم بالمؤن، بحيث اضطر لترك بندقيته والاكتفاء بوضع طبنجة في وسطه. انحدرَ بعدئذٍ في أغوار وادي الشياح، المنفتح على محلة الشيخ محي الدين، وكان يستطيع اجتيازه مغمض العينين لطول عهده به مذ فترة مغامرات الطفولة والصبا. غير أنه الآنَ، في اقترابه من الحي، كان مفتحاً عينيه على وسعهما لإدراكه مدى خطورة الحال، واحتمال ظهور الجندرمة في أي لحظة ووراء أي صخرة: ظنه كان في محله، بيد أن أولئك الجند كانوا في مقرهم بالقشلة، الكائنة على ضفة يزيد وراء مسجد سعيد باشا مباشرةً. كانوا ثمة، لما أتت إليهم معلومة من أحد المخبرين، ( العواينية )، تفيد برؤيته للمطلوب الأول وهوَ في طريقه لمنزل الأسرة.

***
كانت الأم أرملة جَلِدة، شديدة المراس والبأس، قليلة الشكوى مع لوعتها بسبب ملاحقة السلطات لولديها، الوحيدين لها في الدنيا. أقامت في حياة زوجها بمنزل في طلعة وادي صفيرة، وكان منعزلاً نوعاً، لا يؤانسها غالباً سوى امرأة من آل لحّو ( زوجة المدعو هِرّك )، قريبة لِحَمي الابن الأصغر. لكن نظراً لمشكلة المياه ـ حيث استحالة وصولها عن طريق بئر متصل مع مسارب الحارة ـ باع الزوجُ المنزلَ، قبل وفاته بفترة قصيرة. ثم اشترى منزلاً آخرَ يقوم على الجادة الرئيسة للحي، يبعد خطوات قليلة عن مدخل زقاق الحاج حسين. فصل الربيع، كان قد أضاء سماء تلك الليلة الصافية بقمر في كامل صورته البهية، لما فتحت " ديا حسين " البابَ على هيئة الابن البكر. ناولها في صمت جوال المؤن، ثم سار خلفها بخطى مترنحة من التعب. عانقته مرة أخرى في مجلسها بالإيوان، غبَّ معاينتها ما حواه الجوال. مذعنةً لنداءٍ داخليّ، طلبت من الابن العونَ في إنزال كيس المؤن إلى البئر بربطه بحبل. على ضوء القمر، تم التثبت من عدم مس الماء للكيس: هذه الطريقة، كانت معروفة منذ القدم، تتيح للطعام البقاء طازجاً في الأيام الحارة.
أدركَ حسّو دافعَ الأم لإخفاء المؤن، لكنه لم يُشر إلى ذلك بكلمة. بقيَ يتكلم معها لحين أن تناهت إليهما أصواتٌ غريبة، آتية من جهة الجادة. أشار لها بضرورة الصمت، واضعاً إصبع الشاهدة على فمه. أسرع بالقفز نحو البئر، ليستعمل الحبل نفسه في النزول إلى الأعماق. لحظات على الأثر، وكان باب الدار الخشبيّ يُفتح بضربة واحدة من قدم أحد الجندرمة. ثم تدفق آخرون من الجند شاكي السلاح، بينما آمرهم سار بأثرهم في خطى بطيئة. فور انتهاء تفتيش غرف المنزل الثلاث، أطل الآمرُ على الأم وهيَ ما تفتأ في جلستها بالإيوان وإلى جانبها زوجٌ من الجوارب كانت غير منتهية من حياكتها. سألها بالكردية عن ابنها المطلوب، فأجابت متكلّفةً السذاجة: " وما أدراني؟ اسألوا زعيمَ الحي، لأنه صهره "
" يا امرأة، أنا أتكلم عن ابنك حسين "
" حسين؟ حسرتي على حسين وأبي حسين! "
" لقد كان هنا منذ هنيهة، فلا تحاولي الإنكار "، قال لها الرجلُ عابساً بنبرة منذرة. ردت بعد وهلة صمت، " لو كان هنا، لكنتُ رأيته. ولكنتَ أيضاً رأيته، بما أنك تملك عينين ".
لحُسن الحظ، أنّ الآمر لم يكن سوى عمر ابن كرّي عيشة. وكان قد ألقى نظرة عابرة على البئر، قبل أن يأمر عناصره بالانسحاب من المنزل.
الغريب، أنه بعد بضعة أشهر سيقوم عمر بإبلاغ الزعيم سراً عن مداهمة قريبة للمغارة السوداء، وهذه المرة للقبض على عصابة يقودها الشقيق الأصغر لحسين: كان واضحاً أن آمر الدرك يُقدّر هذا الأخير، بينما يعد شقيقَهُ الكبير مجرد قاطع طريق يلحق الأذى بالقرويين بشكل خاص. برغم ذلك، لم يشأ أن تُنكبَ الأم المسكينة بمقتل الابن.

3
في أثناء قيام الجند بتفتيش منزله، غاص حسّو في المياه حتى وسطه، وكان يتجه إلى مدخل السرب مستعيناً بقداحة الغليون. بعد قليل، حينَ ظهرَ بصيصُ نورٍ عن بعد، عرفَ أنه يسير بالاتجاه الصحيح؛ لأن المنزل الوحيد، على الطرف الآخر من الجادة، كان يخص صهرَ محمد آغا ديركي. خشيةً أن يكون الجندرمة في انتظاره عند الفتحة الرئيسة للسرب، المتصلة بنهر يزيد، ارتأى حسّو ارتقاءَ بئر منزل ذلك الصهر ومن ثم الاختباء في الكرم الكبير، ريثما يتأكد من عدم وجود الجند. كان ثمة تجاويفٌ في جدار البئر من أسفل إلى أعلى، للمساعدة في النزول والارتقاء لدى قيام أصحابه بعمليات التنظيف والترميم. أطفأ حسين القداحة، وراح يرتقي إلى أعلى مستنداً بيديه على الجدران.
فاتي، كانت للمصادفة قد خرجت من بيت الخلاء ( المرحاض )، حينَ بوغتت بشخص يخرج من فوهة البئر. كون طريقها إلى داخل المنزل يمر بالبئر، لبثت في مكانها وقد لجمها خوفٌ، دخيل بالعادة على خلقها. على حين فجأة، أيضاً، أدركت مَن يكون هذا الشبح، المتسمّر بدَوره على مبعدة خطوات من موقفها: " آه، إنه حسّو! "، هتفت في سرّها زافرةً مخاوفها. قبل قليل، ضجت الحارة بخبر كبسة الجندرمة على دار هذا الشاب، الأقرب إلى دار خال الفتاة، أين تقيم مع شقيقتها الأصغر منذ سوق أبيهما إلى جبهة الحرب. وهيَ ذي تشير إلى حسّو أن يبقى في مكانه، وكان قد لحظ قبلاً خروجها من حجرة المرحاض.

***
" سأدلكَ على منزلٍ خالٍ، في وسعك الاختباء فيه ما شاءت لك ظروفك "، قالت له عقبَ إفاقتها من هذيان القبلة الأولى. كانت تعني منزلَ أبيها، المنبسط فوق التل المشرف على أعالي أزقة الحارة: كانت إذاً هيَ ذلك الطيف، الذي تراءى لبعض المارين بالقرب من المنزل، وذلك حينَ وقفت مرةً في إحدى الليالي بثوب نومها الأبيض، تلقي نظرةً من على السطح إلى الأسفل كي تتيقن من خلو الدرب لحبيبها، المنتظر في حجرة النوم. لقد فرت مع حسّو في الليلة نفسها، الشاهدة على مداهمة الجند لمنزل أسرته بهدف إلقاء القبض عليه.
لكن الفضل الأساس في نجاة حسّو، يعود لابن حارته؛ الآمر عمر. كان هذا، كما أسلفنا، يحترم خلّو، فيما يعد شقيقَهُ الكبير مجرد قاطع طريق. مع ذلك، كان تصرف الآمر شهماً في تلك المداهمة. إذ كان شبهَ متيقنٍ من أن حسّو استخدم البئر للفرار، وكان في الوسع ملاحقته والقبض عليه، أو قتله، لو أنه أمر الجند بذلك. هذه الحقيقة، علِمَ بها الزعيمُ عن طريق حماة ابنته عيشو، والتي لم يفتها أيضاً شهامة ابن كرّي عيشة. منذ ذلك الحين، صارت الأم تزور زوجة هذا الأخير وبالأخص لما انتقلت إلى العيش تحت سقف زعيم الحي. كما وانفتح للزوجة بيتُ الزعيم نفسه، وأضحت هكذا صديقة لجميع نسائه.

***
ولكن، كيفَ توصل حسّو لإقامة علاقة سرية مع شقيقة عشيقته؟
كنا قد عرفنا قبلاً، أنّ خاني حُبست في إسطبل الخيول بعدما نالها سوط الآغا، زوج نورا. ما لم يتوقعه أحد ( بما فيهم الشقيقة فاتي نفسها )، أن يكون الطرفَ الآخر في العلاقة السرية، هوَ حسّو، الفار من وجه العدالة. وإنها فاتي، مَن ربطت دونَ قصد بين شقيقتها وعشيقها: طلبت من هذا الأخير، في إحدى الليالي، أن يحاول الاتصال مع فاتي، لنقل رسالة شفهية منها كي تطمئن على أحوالها. أمضى حسّو ردحاً من الليلة التالية بين جدعات صبّار الكرم، يترقب ظهور فاتي في طريقها إلى بيت الخلاء. إلى أن ظهرت أخيراً، وكانت أعصابه الجليدية قد كادت تذوب. دونَ أن تدري بجليّة الأمر، شدها أحدهم من الخلف واضعاً يده على فمها: " لا تخشي شيئاً، يا فتاة "، همس في أذنها. ثم ما لبثَ أن أطلق يده عنها، غبَّ إخبارها أنه قادمٌ من جهة شقيقتها.
عادت خاني إلى حجرة نومٍ، كانت تتقاسمها مع شقيقتها الكبيرة قبل اختفاء هذه، المفاجئ. ألقت بنفسها على السرير، ثم راحت تتقلّب وقد شعرت باشتداد حرارة الحجرة. لكنه في الحقيقة جسدُها، مَن صار ملتهباً مذ أن لمستْ يدَ حبيب شقيقتها. لقد أراها خاتمَ شقيقتها كي تتأكد من صدق قوله. وهيَ ذي تلمس مواضعَ سرانية في ذلك الجسد، متأوهة مع صوَرٍ مُتخيّلة للحبيب نفسه، تجمعه تارةً معها وتارةً أخرى مع شقيقتها. لما نامت في ساعةٍ متأخرة، جاء إلى أحلامها الواحد تلو الآخر، وفي كل منها كان يجعل بدنها ينتفضُ وصولاً إلى الرعشة القصوى. في تالي الأيام، راحت تنتظره مع حدسٍ داخليّ بأنه لا بد سيأتي كي يهصر جسدها بيديه الجبارتين.
هذا ما حصل فعلاً، لما أقبل عليها ذات ليلة مثلَ طيفٍ خارج من السرب؛ مثلما كان يعتقد به عامةُ الحارة بشأن طيف زوجة خالها الأولى، المرحومة فاتي: سميّة هذه الأخيرة، لم تكن في هذه المرة على علمٍ بذهابه إلى الكرم، بغيَة إغواء الشقيقة الأصغر!

* مستهل الفصل الثالث/ الكتاب الرابع، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام "



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الأول
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الأول
- سارة في توراة السفح: الخاتمة
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع عشر
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث عشر
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ الحلقة 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني عشر/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 2


المزيد.....




- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثالث