أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الشاعر والمرأة والواقع كميل أبو حنيش -صفا فؤادي-















المزيد.....

الشاعر والمرأة والواقع كميل أبو حنيش -صفا فؤادي-


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6476 - 2020 / 1 / 29 - 18:08
المحور: الادب والفن
    


الشاعر والمرأة والواقع
كميل أبو حنيش
"صفا فؤادي"
لا شك أن الواقع العربي في أسوء ما يكون، وهنا يتعاظم دور الانبياء والمصلحين/الثوريين، لكنهم أيضا بشر مثلنا، يتعبون، يتألمون، يعانون، لهذا، من حقهم على أنفسهم أن يحصلوا على استراحة، أو يستعينوا بما يساعدهم، لإكمال الدرب وإيصال رسالتهم، وبما أن الشعراء هم انبياء هذا العصر، نراهم حاضرين في المشهد، يحدثوننا عن الإيمان، عن القهر الذي نعانيه، وعن طرق الخلاص، كاشفين المفسد من المصلح، ومقدمين الأمل على اليأس، والإيمان على الكفر.
الشاعر "كميل أبو حنيش" يبين حقيقة الواقع، ولكنه لا يكتفي بهذا، بل يضع الحلول، لكنه لا يقدمها جاهزة، بل على القارئ/المتلقي ان يكتشفها، وإلا فقدت أثرها وفاعليتها، يبدأ الشاعر القصيدة مخاطبا المرأة:
"
مَرحى لِرَسمِكِ يا فَتاة
يَرِقُ قَلبي حينَ أَرْنو في عُيُونِ غَزالَتي
فَأَرَى الجَمالَ وَقَدْ تَأَلَقَ في الفُؤَاد
رَخى سَكِينَتَهُ عَلَيّ
مَعْ أَنَّهُ ينسابُ مُكتَسِياً
بِحُزنٍ قَدْ تَقاطَعَ مَعْ ظِلاَلِ الكِبرِياء
في القَلبِ مُتَسَعٌ لهذا الحُبْ،
قَلبي تَسَمَّرَ لحظةً
ثُمَ انحَنى لِتَحِيَةِ الآتي الجِدِيدْ
فَعِمِيْ صَباحاً يا ابْنَتي
لا شَيءَ يَحجُبُ عَنْ فُؤادي سِحرَ عَينَيّكِ
اللتَينِ أَطَلَتا مِنْ خَلْفِ هذا الغَيبِ
فَانْقَشَعَ السَدِيمُ عَنِ السِنينْ
يا ظَبْيَةً شَرِبَتْ نَقِيَ الماءِ
مِنْ بَرَدَى وَدِجْلَةَ والفُراتْ
فَغَدَتْ تَمِيسُ بِسِحرِها الشَامِيُّ والبَدَويْ
وبِسِحرِ أرضِ الرافِدَيّنْ
كَيفَ السَبِيلُ الى وِصَالِكِ يا فَتاةْ
وهَذِهِ الأَوْقاتُ والآفاقُ والفُلُواتُ
تَملَؤُها السُجُونْ، حَوائِطُ الأَسلاكِ والإِسْمِنتِ
أدْفِنَةُ الحُرُوبِ
مَعَ انتشارِ الذُعرِ والأشلاءِ
في وطَنِ المَحَبَةِ والسَّلامْ"
مخاطبة المرأة بهذا الشكل وبهذا الطرح، يؤكد على أهمية حضورها عند النبي/الشاعر، فهذه الفاتحة تشير إلى تعب النبي/الشاعر، فأراد الاستعانة بها لتريحه، لتمنحه شيء من السكون، ليتقوى على مواجهة الواقع، فهو يخاطبها ليستعين بها، إذن نستنتج: هي قوية وتمده بالقوة، بالطاقة، وهذا المؤشر لوحده كاف، لإيصال فكرة دور المرأة وأهميتها في عملية الاصلاح/الثورة، ولن أقول أن الشاعر متأثر بالشعر الجاهلي الذي جعل المرأة وحضورها في فاتحة القصائد، بل أن الشاعر يقدمها في فاتحة قصيدته، من خلال واقعه هو، واقع أمته، فكان هذا الحضور.
وما يؤكد قولنا، حضورها في متن القصيدة وحتى آخر بيت فيها، فهي المخاطبة، ونجدها في كل مقطع من مقاطع القصيدة، فهي العون للشاعر، وهي الوسيلة التي استخدمها لتكون حاجز بينه وبين القارئ/المتلقي، فجاء خطابه بصورة غير مباشرة، موجهة للفتاة، وهذا (الحاجز/الفتاة) هو الذي تلقى الخطاب عنا نحن القراء/المتلقين، فأبعدت القصيدة عن المباشرة والصوت العالي، وأيضا أضفى لمس من الهدوء والنعومة عليها، مما جعل القارئ يتجاوز فكرة السواد والقسوة الكامنة في فكرة القصيدة، وهنا يكون أثر المرأة ليس على النبي/الشاعر فحسب، بل انعكس أيضا على القارئ، وهذا يجعل الشاعر والقارئ معا، يستوعبان مكانة وأهمية دور المرأة.
وإذا ما فككنا أبيات المقطع الأول من القصيدة، سنجدها شبة مطلقة البياض، ـ إذا ما استثنينا البيتين الأخيرين، حيث اجتمعت الفكرة البياض والناعمة مع الألفاظ، وهذا الكم ولنوعية من البياض ما كان ليكون، دون وجود مكانة للمرأة في العقل الباطن، فبدا بياض الفاتحة وكأنه الطاقة التي يتزود بها الشاعر، ليبدأ رحلته لإيصال الرسالة التي كلف بها.
واللافت في هذا المقطع أن التحول للقسوة جاء بعد لفظ "السجون" مباشرة، "حوائط، الأسلاك، الإسمنت، أدفنه/ الحروب، الذكر، الأشلاء" وهذا ما يجعلنا نقول أن القصيدة لا يكتبها الشاعر، بل هي من تُكتبه، فبعد أن اكتملت وتغذت من قلب وعقل الشاعر، نضجت وخرجت إلينا، وإلا ما كان للفظ "السجون" أن يكون له هذا الأثر في القصيدة، أثر في المضمون واللفظ، حتى أنه محى الفتاة، فواقع الأسير خلف الجدران فرض ذاته على القصيدة، فكان هذا السواد.
بعد المقدمة، يبدأ اشاعر في مخاطبة "الفتاة" عن الواقع وما جرى فيه، فيتحدث عن الشام والعراق والواقع العربي البائس:
"والشّامُ ما انْفَكَتْ تَسِيلُ دَماً
وغزالتي قد أجفَلَتْ في رَوضِها
فَزِعَت وَفَرَّتْ في البَرارِي النائِياتْ
هذا الربيعُ قد استحالَ إلى خَريفٍ يا ابنتيْ
من بعدِ ما عَبِثَت بِهِ كُلُّ الأصابِعِ والبُغاةْ
فتَفَجّرَت هذي المآسي واستَحَلَ بِنا البِلاءْ"
هذا (السرد) الذي يقدمه الشاعر موجه بالأساس للفتاة، وليس لنا، ولكن المتلقي النبيه يعرف أن الفتاة هي الحاجز/الوسيلة التي أرادها الشاعر للتحمل عنا قسوة الحديث عن الواقع: "دما، أجفلت، فزعت، وفرت، النائيات، خريف، عبثت، البغاة، فتفجرت، المآسي، البلاء" ولولا قوتها وصلابتها لما جعلها تتلقى هذه القسوة، وللافت أن الشاعر بعد ان تحدث عن فلسطين، "وطن المحبة السلام" وما فيها من ألم، بدأ حديثه عن الشام مباشرة، وهذا يشير إلى قربها منه، وإلى الحب والحنين الذي يحمله للشام، فهي الأقرب عليه:
"ويا بِلادَ الشامِ يا بَلَدي الحَبيبَةْ
كُلُّهم طَعَنوكِ يا بلد الرَوابي والسواقي واليَمَامْ:
الآباءُ والابناءُ
والإخوانُ والخِلانُ
والأعداءُ والحلفاءُ
والأخوالُ والأعمامُ
قد ولَغوا بهذا الدَّمْ
وتفاخروا بالفَتحِ والتَدميرِ والتَهجِيرْ
كُلُهُم ساقوا السَبايا
كلهم أدموكِ يا شامَ المحبةِ
مزقوكِ وحولوكِ إلى حُطَامْ"
يوضح الشاعر حبه للشام أكثر في المقطع السابق، حتى أن حبه انعكس على الألفاظ التي استخدمها، فكان السواد أقل رغم أنه يتحدث عن وجع وألم، واعتقد أن ذكر الاباء والابناء والاعمام والاخوال" جاءت ليعبر عن الحب والمكانة الكامنة في العقل الباطن، وهناك تأكيد في لمقطع السابق حينما قال يا "بلدي" وأتبعها ب"الحبيبة" وإذا أخذنا "يا شام المحبة" نكون أمام حالة توحد وانسجام بين الشاعر والشام.
مدلول لفظ الشام عن الشاميين يعني دمشق تحديدا، فهل الشاعر يعي هذا الأمر:
ما عادَ يَلزَمُنا المَغولُ أو التَتارُ أوِ الفِرِنجَ
لكي يَجوسُوا في الديارْ
ويدمروا بغدادَ والفيحاءَ والشَّهباءْ"
إذن سوريا هي حب الشاعر، وليس دمشق فحسب، والشاعر يتوسع في حبه، فنجد دمشق وحلب وبغداد، ويكمل الشاعر حديثه عن المآسي التي يعيشها الوطن، مبدي رؤيته حول العديد من القضايا، لكنه يختم القصية كما بدأها، يختمها بالبياض المطلق:
"وعِمي صباحاً يا ابنتي
أرنو إليكِ بِعَينِ قلبي كلَّ يومٍ
فأراكِ أجملُ ظَبيَةٍ تَتَراقَدينَ على المدى
دامت لكِ الأيامُ والسَنَواتُ والعُمرُ المَديدْ
ودُمتِ لي
ولأَهلِكِ الوُدَعاءْ
يا حُلوَتي وصَفا فُؤادي
رُدي التَحِيةَ يا صفا
فالقلبُ فيكِ قَدِ احتفى
والياسمينُ وراءَ صَوتِكِ قد تَناثَرَ واقتفى
رُدي التَحِيَةَ يا فتاةْ
فَلَيسَ أبلَغُ من حُروفِكِ
حين يعلو الثَغرُ وَهْجُ الإِبتِسامْ"
واعتقد أن هذا له علاقة بدور الرسالة، فالشاعر بهذه الخاتمة يؤكد على أن الخلاص من المآسي التي ذكرها لا يتم إلا من خلال وجود وفاعلية المرأة، وإلا ما تحول من البياض شبهة المطلق الذي جاء في فاتحة القصيدة، إلى البياض المطلق في الخاتمة، وكأنه يقول ـ بطريقة غير مباشرة ـ أن المرأة قادر على محو كل السواد القسوة الذي نعيشه، إذا تقدمت وحضرت، وهذا أكدته القصيدة، التي خلت خاتمتها من السواد، لفظا أو مضمونا.
القصيدة منشورة على صفحة "كمال أبو حنيش" شقيق الأسير.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التقديم الناعم في رواية -قلب الذئب- ماجد أبو غوش
- ياسين محمد الباكي -أين هم-
- مناقشة رواية أوراق خريفة
- رمال على الطريق مفيد نحلة
- جريمة الشرف في الرواية -شرفة العار- إبراهيم نصر الله
- قصائد الأندلس
- مجلة شذى الكرم السنة الخامسة،
- ديوان زفير سعادة أبو عراق
- ومضة -هكذا هم الفقراء أحمد خلف نشمي
- المعتقل الفلسطيني في كتاب -الصدور العارية- خالد رشيد الزبدة
- مناقشة كتاب اقتفاء اثر الفرشة
- رحلة إلى جوهانسبرغ بيفيرلي نايدو
- حازم يعود هذا المساء نبيل عودة
- حنان طه -لعلك تدري-
- اقتفاء أثر الفراشة نبيل طنوس
- الواقعية الفلسطينية في رواية -العناب المر- أسامة المغربي
- قراءة في ديوان -على ضفاف الأيام -لنائلة أبو طاحون
- العشق المتقد في قصيدة فتاة البرتقال كميل أبو حنيش
- مظفر النواب -كهرمان، وثلاث امنيات-
- رواية الرحيل إلى كوكب إسجارديا شيراز عناب


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الشاعر والمرأة والواقع كميل أبو حنيش -صفا فؤادي-