أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الرحمن البيطار - قضايا مسكوت عنها في النضال الفلسطيني















المزيد.....


قضايا مسكوت عنها في النضال الفلسطيني


عبد الرحمن البيطار

الحوار المتمدن-العدد: 6474 - 2020 / 1 / 27 - 17:34
المحور: القضية الفلسطينية
    



في التغطية التي قُمْتُ فيه في اليوميات الأربعة التي كتبتها في أيلول ٢٠١٩ أثناء مراجعتي السّابقة للقضايا المسكوت عنها في النِّضال الوطني الفلسطيني والتي طَرَحها إدوارد سعيد في العام ١٩٩٢ في الـ ” مُقَدِّمة ” التي كَتَبَها لطَبْعِة كتابه ” مسألة فلسطين ” ، تناول إدوارد عدداً من القضايا المُهِمّة ، وفِي القسم الثالث من مقدمته ، فَقَدْ تَعَرّض إدوارد لموضوع آخر مهم جدا ً ، بعنوان ” الفلسطينيون والخطاب الغربي “.
في الموازين والمعايير التي تحكم عالم اليوم ، ومع الأهمية القصوى لما تتمكن حركة التّحرر الوطني من تحقيقه على الارض ، فإن تحقيق الإنتصار، وحسم نتائج الصِّراع لمصلحة العَدالة بمفهومها المطلق غير ممكن دون اقتحام وعي المجتمع الدولي ، أي وعي الرأي العام العالمي ، لا بل أنه وعلى صعيد قضيتنا الوطنية الفلسطينية ، فإن إقتحام وعي الرأي العام اليهودي على صعيد يهود بلدان العالم كذلك هو شرط لازم وضروري إضافي لتحقيق الإنتصار المطلوب للإنسانية على عنصرية المشروع الصهيوني البَشِعة والبَغيضة .
ماذا كتب إدوارد سعيد في مقدمته — والتي سأطلق عليها مجازاً ” مقدمة إدوارد سعيد ” ، لكونها بأهمية لا تقل عن مقدمة ” بن خلدون ” — تحت هذا العنوان : “الفلسطينيون والخطاب الغربي”؟
تحت هذا القسم ، كتب إدوارد يقول أنه إزاء مَسألة الإدراك الغربي للحقوق الفلسطينية ، فقد أصبح ملحوظاً أنَّ الامور بدأت بالتغير نحو الأحسن وذلك من اللحظة التي ظَهرت فيها منظمة التحرير الفلسطينية على أنها القيادة الحقيقية للشعب الفلسطيني . جادَل معلقون خبراء ، ومنهم توماس ل. فريدمان من النيويورك تايمز ، بأنه وبخصوص البُروز النسبي الجديد للفلسطينيين في الوعي الغربي ، فإن الفلسطينين مَدينون في تحقيق ذلك الى حقيقة أنَّ خصومهم كانوا هم اليهود الإسرائيليون ، ولكن الحقيقة هي في أن تلك النقلة ظَهرت للعَيان بسبب ما قام به الفلسطينيون على نحو بَنَّاء لصالح تغيير صورتهم ووضعيتهم ، وبسبب ما قام به اليهود الإسرائيليون من رد فعل تجاههم.
فلأول مرة ، عامَلَت الميديا الفلسطينيين على نحو مُسْتَقِل عن كَوْنِهم في نطاق مَجاميع ” العرب ” ؛ لقد كان ذلك من نتائج التطورات التي حصلت خلال الفترة المُمْتَدّة ما بين عامي ١٩٦٨ و ١٩٧٠، وهي الفترة التي كانت فيها عَمَّان في عين العاصِفة ومَرْكَزها.
بَعْد ذلك ، يقول إدوارد ، تَحَوَّلَت بيروت إلى كونها المدينة التي جذبت إنتباه الفلسطينيين .
ويقول إدوارد سعيد كذلك ، بأن ذَرْوة هذه الحَقبة الزّمنية تَمَثَّلَت في الحِصار الإسرائيلي لبيروت ، والذي اٌمتد من حزيران حتى أيلول من العام ١٩٨٢، وما اٌنتهى إليه من نتائج وَخيمة تَجَسَّدَت بمذابح مخيمي صبرا و شاتيلا بحق فلسطينيي المخيمين خلال الأسبوع الثالث من شهر ايلول ١٩٨٢، أي مباشرة بعد أنْ تمَّ إجبار الجِسْم الرئيسي لمُقاتلي منظمة التحرير مُغادَرَة لبنان .
ويُضيف إدوارد ، أنَّ ما حَقَّقَه الفلسطينيون خلال تلك المواجهات لَمْ يَقتصر فقط على القتال الذي خاضوه بضراوة، وهذا َفِعْلاً ما قاموا به، ولكن قيمَته تَمَثَّلَت في الرُّؤية التي قَدَّمها الفلسطينيون ، وتلك وَإِنْ كانت لَمْ تَرْق دوماً إلى مستوى برنامج واضح المعالم ، إلا أن التضحيات التي قدموها جَسَّدَت وُجودهم كأُمّة في المَنْفى ، أكثر من كونهم مجموعة سائِبة من الأفراد ، وجماعات صغيرة الحَجْم تَعيش هُنا وهُناك.
ويَسْتَطرِد إدوارد سعيد ويقول ، هناك أيضاً تلك الأهمية المَرْموقة للنّجاح غير العادي للفلسطينيين في جَعْل قَضِيّتهم يَتِم تَبَنّيها من قبل آخرين ، مُسَتَثمِرينَ بذكاء المُسْتَويات المُتَراكِبة من الثِّقَل والأهمية للإرتباط بفلسطين، وهي بُقْعة جُغرافية غير عادية. وهُنا ، فمن المُسْتَحسَن ببساطة أنْ نَسَمّي قائمة الأماكن ، الحضارية والسياسية ، والتي رُسِمَت فلسطين من خلالها عبر ذلك الجُهْد المُعَد والمُنَسَّق للفلسطينيين ولمنظمة التحرير .
مع بِدايات السبعينيات من القرن الماضي ، إحْتَلَّتْ فلسطين ومنظمة التحرير مَكانة مَرْكَزية لدى جامعة الدول العربية ، وبالطّبع ، لدى الأُمم المتحدة . ومع بُلوغ عام ١٩٨٩، فإنَّ الجماعة الإقتصادية الأوروبية EEC قد أَعْلَنَتْ أنَّ تقرير المصير للفلسطينيين يُشَكِّل حَجَرَ زاوية لسياستهم الشرق أوسطية، هذا مع إستمرار بقاء إختلافات في الموقف ما بين دول مثل فرنسا ، والدول الإسكندنافية ، وإسبانيا ، وإيطاليا و اليونان ، وإيرلندا والنمسا من جهة ، وبين ألمانيا وهولندا ، وفوقهم جمعياً ، المملكة المتحدة المُهَيْمَن عليها من قبل إدارة الرئيس ريغان ( فِي تِلكَ الفَتْرة ) ، من جهةأُخرى.
في خلال ذلك ، فإنَّ المُنظمات العابِرة لحدود الدول مثل منظمة الوحدة الإفريقية والمؤتمر الإسلامي والدولية الإشتراكية واليونيسكو ، وكذلك الفاتيكان ، وعَدَد مُختلف من المُنظمات الكَنَسِيّة ، وعدد غير قابل للحصر من المُنظمات غير الحكومية جميعها، يقول إدوارد سعيد ، أنَّها تَبَنَّت قضية تقرير المصير للفلسطينيين بتوكيد ملحوظ ، والعديد منها قام بذلك لأول مَرَّة. ويُضيف أنه ، وفِي حين تَمَكَّنَت بعض من هذه المجموعات من مَدِّ يَد الدعم لمجموعات أو لفروع أمريكية من نظرائهم ، ففد بَقِيَ هناك دوماً ، في رأي إدوارد سعيد ، مسافة تَخَلُّف lag ما بين ما حَدَثَ خارج الولايات المتحدة ، وما حَصَلَ داخلها ، وذلك فيما بين الدَّعْم الصريح لتقرير المصير للفلسطينيين والذي حَصَلَ في أوروبا ، وبين القبول النَّشِط للحقوق الفلسطينية في الموقف الأمريكي النّظير ، والذي تَمَّ إعادة صِياغته ، على نحو يَسوعي وذلك للإفلات من رقابة شُرْطة الفكر للوبي الإسرائيلي( في الولايات المتحدة ) .
لذلك، فإنَّ الحال بَقِيَ على ما هو عليه في الولايات المتحدة من حيث أنَّ مُنتجين للبرامج التلفزيونية يلجأون لاٌستشارة القُنصل الإسرائيلي حول إحتمال أن يكون هناك مُشارِكين داعِمين للفلسطينيبن في برامجهم؛ هذا مع مُلاحظة أنَّه لشَيءٍ جَديد نِسْبِيّاً أنْ يكون هناك فلسطينيون من الأصل. وسَيبقى الحال على ما هو عليه الأمر مُسْتَمِرَّاً في أنْ يقوم مؤيدين (لُوبييِسْتسْ Lobbyists ) لإسرائيل بتنظيم إحتجاجات عندما يَتَكَلَّم الفلسطينيون ، وأنْ يستمروا في نَشْر قوائم بأسماء أعدائهم، وأنْ يَستمروا في محاولة مَنْع إذاعة برامج تلفزيونية . وهو أيضاً حال ، وضع فنانين بارزين تحت الضَّغط ومُعاقبتهم مثل “فانسيا ردچريف” على المَواقِف التي يَتَّخِذونها ، وأنْ تَمْتَنع سِلْسِلة من المنشورات من نَشْر أي مادة إذا ما اٌنْطَوَت على نَقْد ولو بَسيط لإسرائيل ، أو إسماع صَوْت عَرَبي أو مُسْلِم ما لم يُعْلِن عن نفسه صَراحة على أنه ضد العرب ( أنتي عرب ) وضد المسلمين ( أنتي مسلم). ويقول إدوارد أنَّ ما يحاول يُبْديه ، بسبب ذلك ، يَسْتَهدِف ذلك الخطاب العام الذي لا زالت طبيعته مَكْبوتة في الولايات المتحدة ، والذي يَتَخلَّف بصورة دراماتيكية عن مثيله في معظم بلدان أوروبا الغربية ، وكذلك وبالطبع ، وعنه في بلدان العالم الثالث.
إنَّ “رَمْز فلسطين” لا زال يَحْمِل في كُنْهِه درجة كبيرة من القوة والحيوية بما يكفي لدفع أعداؤهم على إعمال النُّكران التام وسد الآفاق أمامهم ، وذلك يتمثل بحالات مختلفة ؛ عندما تُلْغي المَسارح عُروضها المسرحية إمّا لأنها تَعْرِض عُروضاً مُتعاطِفة فلسطينياً أو أنها تَعْرِض عُروضا ناقِدة للصهيونية [ عرض الحكواتي، في مسرح نيويورك العام ( New York’s Public Theatre ) ، أو مَسْرَحية “جيم ألَن( Jim Allen’s Play) وهي بعنوان Perdition وقد عُرِضَت في London’s Royal Court Theatre ]، وعِنْدَما تُجادِل كُتُب منشورة بأنّ الفلسطينيين لا وُجود لهم في الحقيقة ( “جوان بيترز من الأزمان الغابرة”، Joan Peters From Time Immemorial، بما فيها من إقتباسات مُشَوَّهَه و إحصائيات مُريبة )، أَوْ عِنْدَما تُشَن هَجَمات شديدة لعرض الفلسطينيين على أنهم وَرَثة اللاسامية النازية.
يقول إدوارد سعيد أنّه ، وكجزءٍ من الحَمْلة على الفلسطينيين ، فقد تمَّ شَن حَمْلة حربية سيميائية شَرِسة ضد منظمة التحرير باٌعتبارها ممثلاً للشعب الفلسطيني. ويُضيف قائلاً ، يَكْفي أنْ نقول بأن الموقف الإسرائيلي ، والذي كان في أغلب الأحيان يَلقى صَدى من قبل الولايات المتحدة ، كان يقوم على إعتبار منظمة التحرير ليسَ محاوِراً أو مُتَحَدِّثا مناسباً ، لأنها ليس إلا “منظمة إرهاب ” فقط.
في الحقيقة ، فإنَّ إسرائيل لن تفاوض ولن تعترف بمنظمة التحرير لأنها وبدقة تُمثل فعلاً الفلسطينيين. لذلك ( وما أقَرَّه أبا إيبان ) ، فإنه ولأول مرة في تاريخ الصِّراع ، فإن طرفاً واحداً من طَرَفي الصِّراع يتمادى ويَدّعي لنفسه الحق لاٌختيار فريقي التفاوض الإثنين. إنَّ هذا الهُراء العَبَثي الذي تم تَحَمُّله من قِبَل أصدقاء إسرائيل لا يمكن تصديقه. لقد كان له التأثير الفرداني في السماح لإسرائيل لتعليق المفاوضات لسنوات ، كما سَمَحَ ذلك لبعض الحكومات ( بعضها حكومات عربية ) لتمارس دوراً في لعبة التراشق الدولية للبحث عن ممثلين مُناسبين أو بديلين أو مقبولين أو مُعتدلين أو سليمين للفلسطينيين.
يَذْكُر إدوارد سعيد في مقدمته تحت هذا العنوان ، أن التعقيدات حول ما يمكن إحتماله من عَدَمِه فيما يتعلق بتمثيل الفلسطينيين في المجتمع المدني الأمريكي والأوروبي لا يجب أنْ تُعيقنا عن الحركة أكثر مِما تم حتى الآن . ويُضيف ، أنَّ النقطة الجوهرية في ذلك تَكْمُن في أنه ، وبسبب أن النِّضال الفلسطيني لتقرير المصير أصبح ملحوظاً على نحو صارخ، وبسبب أنه تم ممارسته على أكثر من مقياس وطني على نحو لا يقبل الخطأ ، يقول إدوارد ، أنه وبسبب كل ذلك ، فقد أُمكن إختراق الخطاب الأمريكي والدخول إليه ، وهو الخطاب الذي كان يَخلو من أي تَطَرُّق لهذه المسألة منذ مدة طويلة .
وفِي مَعرَض تحليله تحت هذا الفصل ، يتناول إدوارد سعيد نقطة رئيسة أخرى مهمة ويقول، أن الاٍرهاب تَحَوَّل هنا ليكون هو الكلمة المُسَلَّطة الفاصلة، وذلك من خلال الرَّبط الشرير فيما بين الأفعال الفردية والمنظمة للعنف ( الاٍرهاب ) السياسي الفلسطيني، ومجموع الحركة الوطنية الفلسطينية. ويقول ، أنه يرغب في أن يضع الأمر فيما يتعلق بهذه المسألة على النحو التالي. ففي الوقت الراهن ، يقول إدوارد، أن الخوف الفلسطيني الرئيسي ، وهو خوف مُبَرَّر فعلاً، يَنطلق من أن نفي ( الوجود) هو ما يُمكن أن يُصبح بسهولة هو قَدَرَنا نحن الفلسطينيون. وبالتأكيد ، فإن تدمير فلسطين في العام ١٩٤٨ ، وتلك السنوات التي تلت ونحن في حالة إخفاء ، وإعادة التكوين المُؤلمة للهوية الفلسطينية المَنْفِيّة ، والجهود التي بذلها الكثيرون من الفلسطينيين العاملين ، والمقاتلين، والشعراء، والفنانين والمؤرخين ، لإدامة الهوية الفلسطينية — وكل من هؤلاء تَحَلَّقوا حول الخوف العميق من الإختفاء ، آخذين في الإعتبار ذلك التصميم الشديد لإسرائيل الرسمية في تَسْريع عملية تقليص الحُضور الإنساني والسياسي للفلسطينيبن وتَقليله بما يَكفل تَغييبه في المعادلة الشرق أوسطية .
ويَستطرد إدوارد ، ويقول ، بأنه وإزاء ذلك ، فإن الردود الفلسطينية التي بدأت في أواخر عقد الستينيات ، وأوائل عقد السبعينيات من القرن الماضي أَخَذَت أشكالاً مختلفة منها خطف الطائرات والإغتيالات ( كما تم في أولمبياد ميونخ، و مُستوطنة معالوت ، وأخيراً في مذبحتي مطاري روما وڤينّا من قبل مجموعة أبو نضال المُنْشَقّة والمُعادية لمنظمة التحرير في العام ١٩٨٥)، وغيرها من الأعمال المغامرة السيئة ، والتي تضمنت إثنتان منها ، وهما الأكثر حماقة ، نُفِّذَتا من قِبّل ” أبو العباس” في العام ١٩٨٥، أي عملية السفينة “أخيل لاورو” التي تم فيها قتل ليون كلينغوفر ، وعملية ساحل مدينة تل أبيب. ويقول إدوارد، أنَّ حقيقة أن يتم إدانة هذه العمليات على نحو مفتوح من قبل العرب والفلسطينيين في هذه الأيام ، هو مُؤشِّر الى المدى الذي قَطَعه مجتمع قلقٌ بحَق من النضوج السياسي والمعنوي الأخلاقي . مع ذلك، وإذا كان لنا أن نَقول ، فإنَّ مجرد أن تكون تلك الأحداث قد حصلت فعلاً ، فهذا ليس مَدْعاة للإستغراب؛ إنَّ أحداثا من هذا القبيل موجودة في سجلات كل حركة وطنية ( وعلى الأخص الصهيونية ) وذلك في سياق محاولتها توحيد جماهيرها حولها وجذب إنتباهها ، وخلق إنطباعات عنها في وعي العالم الداخلي .
ومع ما يمكن للمرء أنْ يُعبر عنه من مَشاعر الأسف والحزن ، والتمني بالرحمة للأرواح التي زُهِقَت ، وللمعاناة التي لَحِقَت بالأبرياء بفعل العنف الفلسطيني، فإن الحاجة تبقى قائمة ، كما يعتقد إدوارد سعيد للقول بأنّه لَمْ تتعرض حركة وطنية للمُعاقَبة على نحو خالٍ من الإنصاف ، كما لَمْ يتم تشويه سُمعة حركة وطنية وإخضاعها لمعايير إنتقامية غير مُتناسبة على الإطلاق مع الخطايا التي إرتكبتها ، مثلما تعرضت حركة الفلسطينيين الوطنية. يقول إدوارد، أنه يبدو أن السياسة الإسرائيلية العِقابية للهجمات المعاكسة( أو إرهاب الدولة ) تَمَثَّلت في محاولة قتل ما بين (٥٠) الى (١٠٠) عربي مقابل كل ضحية يهودية .ويُضيف بأن تدمير مخيمات اللجوء اللبنانية، والمستشفيات، والمدارس ، والجوامع ، والكنائس ، ودور الأيتام ؛ والإعتقالات العشوائية ، والترحيلات، وتدمير البيوت ، و maimings ، وتعذيب فلسطينيي الضفة الغربية وقِطاع غزة ؛ واٌستعمال هَرْطَقة سامّة لا إنسانية من قبل السياسيين الإسرائيلين في أعلى المراتب، ومن قِبَل الجنود ، والدبلوماسيين ، والمثقفين ، لتوصيف أفعال مقاومة الفلسطينيين على أنها إرهابية، ووصف الفلسطينيين على انهم ليسوا بشراً ( صراصير ، جمادي ، two – legged vermin ، الخ ) ؛ يقول إدوارد ، أنَّ هذه كلها ، مَشفوعة بأعداد الخسائر الفلسطينية ، ومَدى الدمار المادي المُحقق بهم ، وأنواع الحرمان المختلفة الجسدية ، والسياسية والنفسية التي خضعوا لها ، يتجاوز على نحو هائل الضرر الذي ألحقه الفلسطينيون بالإسرائيليين.
ويقول إدواورد ، بأنَّ عليه أن يُِضيف ، بأن عدم التكافؤ ، أو عدم التماثل اللافت للنظر ، فيما بين موقع الفلسطينيين ، من جهة باٌعتبارهم شعباً مظلوماً ، ومحروماً ، تم تجريده من وطنه ومن ممتلكاته من قبل آخرين إرتكبوا الخطايا بحقه ، وبين إسرائيل ، باٌعتبارها ” دولة الشعب اليهودي ” والأداة المباشرة في معاناة الفلسطينيبن ، هما أمران عظيمان ، لَمْ يتم إعطاءهما حقهما من الإقرار المستحق أيضا.
وهُنا أيضا، يقول إدوارد، نَجد مُفارقة مُعقدة : تَتمثّل في كيف أصبح ضحايا كلاسيكيين عبر السنين الطِّوال للإضطهاد اللاسامي ، وللهلوكوست ، في الأُمة الجديدة التي أنشأها هؤلاء لهم هم المُتَسبِّبين في تحويل شعب آخر الى ضَحايا، وأصبح هؤلاء بالتالي ضَحايا الضَحايا. إنَّ عدم مواجهة إسرائيليين كُثُر ، ومُثقفين غربيين ، من اليهود وغير اليهود ، لا فرق لهذا المأزق dilemma بشجاعة وعلى نحو مباشر ، هو ، في رأي إدوارد سعيد ، خِيانة بمقياس واسع جداً إرتكبها المثقفون، وعلى الأخص ، في صَمْتِهم ، وفِي تَغاضيهم أو تَعاميهم ، أو إدعائهم الجهل وعدم الإنخراط ،وفي هذا يقول إدوارد ، إنَّ هذا الموقف من قبل المُثقفين ، يُؤبِّد مُعاناة شعب ، لا يَستحق فعلاً ، كل هذا العَذاب الذي لحق به منذ مدة طويلة.
ويُضيف إدوارد ، ويقول، بالتأكيد ، إذا لم يأت أَحَدٌ ما ويتقدم الصفوف ويقول بصراحة ، نعم، يَستوجب على الفلسطينيين حقاً أن يُكَفِّروا عن الجرائم التاريخية التي إقتُرِفَت بحق اليهود في أوروبا ، فإنه ، من الحق أيضا أن لا يُقال ، لا ، لا يجب السّماح للفلسطينيين أن يمروا بكل هذا البلاء لوقت يزيد عمّا مروا به ، لأن في فعل ذلك نِفاق، وجبن أخلاقي ذا بعد فريد.
لكن تلك هي الحقيقة. كم من السياسيين السابقين أو من المثقفين النشيطين المنخرطين يقول في السر أن السياسة العسكرية الإسرائيلية ، والغرور والصفاقة السياسية تُرْعِبه ، أو أنه يَعتَقِد أن الإحتلال ، والإستيطان في المناطق المحتلة والضم الزاحف للاراضي ، غير قابل للتبرير ، لكنهم مع ذلك، فهم لا يتجرأون عن الإفصاح عن مواقفهم بالعلن ولو حتى على نحو يسير ، في الوقت الذي لكلماتهم بعض التأثير ؟ . وكم هو مثير للسخرية ، وحتى السادية ، آداء الرؤساء الأمريكيين الذي يشيدون بشجاعة الصينيين ، والروس ، والأوربيين الشرقيين ، والمنشقين الأفغان ، المقاتلين في سبيل الحرية ، ولكنهم لا ينطقون بكلمة إقرار بأن الفلسطينيين يخوضون نفس المعركة ، وعلى أقل تقدير بذات القدر من الشجاعة والهمة ؟
ويقول إدوارد ، أن في ذلك خُلاصة لعدة عقود من الجهد الفلسطيني المُتواصل— أي للنضال في سبيل إنتزاع إعتراف بالمأساة الفلسطينية لما هي عليه ، أي الإعتراف برواية سياسية غير عادية، وحتى غير مَسْبوقة في مدى صعوبتها، وهو نضال إنخرط فيه ببسالة شعب بكامله.
ويُضيف إدوارد قائلاً أنْ لا حركة في التاريخ كله واجهت خصماً على ذات الدرجة من الصعوبة كالخَصم الذي واجهته أو تواجهه الحركة الفلسطينية: وهذا الخَصم هو شعب مُعتَرَف بأنه الضحية الكلاسيكية في التاريخ.
كما لا توجد حركة تحرر أو إستقلال في مرحلة ما بعد الحرب ( العالَمية الثّانية ) توفر لها هذا العدد من الحُلفاء الذين لا يمكن الركون عليهم على الإطلاق ، ويكونون قساة في العَديد من الأوقات ،يقول إدوارد ، لم تتوفر لحركة مثل هذا الطاقم من الحلفاء الطبيعيين ، ومثل هذه البيئة القابلة جداً للإشتعال ، مع قوة عُظمى مُحاوِرة شَديدة التذمر مثل الولايات المتحدة ، وبغياب كبير لقُوَّة عُظمى حليفة( مُنذُ أنّّ تَخَلّى الإتحاد السوفييتي بصُورة فعلية ، قبل أن ينهار ، عن القضية الفلسطينية، بخلاف الموقف الذي اتخذه حليف اسرائيل المتمثل بالولايات المتحدة تجاهها ) .
كل ذلك خَبِرَه الفلسطينيون الذين وجدوا أنفسهم ( بَعْدَ نَكبة عام ١٩٤٨) دون أن يكون لهم سيادة على أي منطقة في أي مكان؛ هذا مع تشتيت أغلبهم ( خارج ديارهم) ، وفقدانهم لممتلكاتهم فيها ؛ وخضوعهم لقوانين عقابية، في إسرائيل ، وفِي بلدان عربية ، مع تشريعات تمييزية، ومراسيم غير قابلة للطعن تهددهم بالترحيل أو بالتعرض لأوامر ميدانية تَصدر بإطلاق النار عليهم في الحال ، هذا عدا عن المضايقات في المطارات ، أو الشتم في الصحف.
عبد الرحمن البيطار
هايدلبيرغ –



#عبد_الرحمن_البيطار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسودة أولية حول -مشروع الحل الديمقراطي للمسألتين اليهودية وا ...
- حول شعار - أعيدوا الجنسية الأردنية للمقدسيين-
- رد على الصديق فهد .. وتأكيداً على قرار التقسيم رقم 181
- الحلقة العاشرة : إستئناف رحلة الإبحار في تفاصيل ودقائق الموق ...
- الحلقة التاسِعة : إستئناف رحلة الإبحار في تفاصيل ودقائق المو ...
- الحلقة الثامِنة : ما هي التطورات المتعلقة بقرار تقسيم فلسطين ...
- الحلقة السابعة : إستئناف رحلة الإبحار في تفاصيل ودقائق الموق ...
- الحلقة السادسة : إستئناف رحلة الإبحار في تفاصيل ودقائق الموق ...
- إستئناف رحلة الإبحار في تفاصيل ودقائق الموقف الأمريكي من قرا ...
- عن الموقف البريطاني من قرار التقسيم وتفاصيل اجتماع توفيق ابو ...
- المطلوب بخصوص قضية اللجوء الفلسطيني واللاجئين الفلسطينيين
- الحلقة الثانية : قراءة في تفاصيل الموقف الامريكي من قرار الت ...
- - كَلَّات - مَلِك البلاد ، و -الغد- وصفقة القرن ....!؟ هكذا ...
- قراءة في تفاصيل الموقف الأمريكي من قرار التقسيم رقم ١& ...
- رسالة الى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
- وقائع استجواب -بومبيو-: لا حل دولتين.. وضم الضفة الغربية -لإ ...
- الحل الديمقراطي في فلسطين
- في الهمِّ الوطني والقومي الراهن : رسالة الى والدي( وهيب البي ...


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الرحمن البيطار - قضايا مسكوت عنها في النضال الفلسطيني