أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - الكونتيسه البيضاء- لأني وكأني ولستُ















المزيد.....

الكونتيسه البيضاء- لأني وكأني ولستُ


حسين سليمان- هيوستن

الحوار المتمدن-العدد: 1568 - 2006 / 6 / 1 - 11:08
المحور: الادب والفن
    


فيلم "الكونتيسه البيضاء" هو تعاون عملاق بين مبدعين كبيرين هما المنتج اسماعيل ميرتشانت والمخرج جيمس إيفوري ومن نجومية رالف فينس (نجم فيلم المريض الانكليزي) وقامت بدور الكونتيسه الممثلة البارعة ناتاشا ريتشاردسون. يقص علينا بمشهدية عالية وموسيقى تقف دوما خلف الكواليس قصة التاريخ واللاتاريخ، بمعنى... قصة الحرب والثورة ...بمعنى.. قصة الحب.... أين هي الثورة؟ الحرب والثورة التي جعلت الكونتيسه الروسية صوفيا بيلنسكي تفر هربا هي وعائلتها من الاتحاد السوفياتي الى شنغهاي والتي ستعمل فيها راقصة ومومسا في احدى النوادي الليلة كي تعيل الأسرة وتسكن في بيت فقير تنتظر الصباح لتتبادل مع حماها النوم على السرير. حين تدفع الضرورة بالأميرة إلى النزول إلى المحك اليومي، ويظهر لنا الفيلم الجانب الانساني من المومس حيث المشاعر الطارئة والجروح والكلم التي تحملها. الفيلم بمجمله قصة حب انكليزي، هذا الرجل، رالف، يظهر علينا دوما بأفلامه المريضة فهو اليوم رجل أعمى. ويقع بطريقة درامية في حب الأميرة الفقيرة فيظهر كبرياءه ومنطقه الذي يولي الدرجة الأولى لاحساس الحياة. وهو دوبلوماسي امريكي لا يحب السياسة ولا البزنس بل وكما في كل مرة، رجل يهوى الشعر. ونهاية الفيلم بحالها كانت قصيدة لا يستطيع شاعر أن يكتبها. حيث الموسيقى والمشهد الذي يرحل فوق المياه والوجه المكسور الذي يرتسم فيه الأمل. تضعف الكتابة أمام الموسيقى وأمام الصورة المأخوذة بفنية عالية. يجب كتابة مائة صفحة للوصول الى رتبة فنيتها، فنية الفيلم الذي غزى العالمين في منتصف القرن العشرين ومازال. مجملا الأفلام الصينية- الأمريكية، واليابانية- الأمريكية أفلام ناجحة فيها نفحة من سحر الشرق. فهناك اتحاد بين المادة والروح تغلب فيها الروح التي تتخللها موسيقى الناي الشجي.
لقد أخر الفن السابع الأدب المكتوب خطوات نحو الوراء. فشخصيا أفضل مشاهدة هذا النوع من الأفلام على قراءة رواية أو قراءة ديوان شعر. الفيلم أقرب من الكتابة، والصورة أقرب من الكلمة.
" بقي العالم في جموده بين وقتي ووقته، وكانت التلال الجميلة الخضراء تتراءى من عند غرفة الفندق، وصفارات القطارات بدون انقطاع تعيدني إلى المكان الآخر، كيف تمزقتُ، كيف كانت السماء في كمال الزرقة وكيف انحنيتُ وتكسرتُ، تقطعت اربا ارباً وكنت في ذلك القطار وعرفت أن أشياء العالم ماتت وعرفت أن أمكنة العالم انتهت، وبقيت الأشجار صامتة وحزينة على حافة الطرق، بقيت هكذا وقت مروري، لأنها رأتني أموت، لأنها عرفت كيف خرجتُ من ذلك المكان... " * الشاعرة صباح زوين في "لأني وكأني ولست" كتابة الألم وكتابة الحياة حين تغدر وتقول للساكن أن يهجر. إنه ظلم أن تترك المكان، فالهجرة هي موت من جانب وحياة من جانب آخر، تطوى حياة المرء السابقة في حياة أخرى غريبة ترفضها الروح في البداية ثم لا حول لها إلا أن تقعي صاغرة أمام المكان الجديد. فتركب صفارات القطار روح الصوت ومايزال يرن في الأذن ومن دون أن ينتهي يمر على سكة حديد فكندا ليست بعيدة من هنا، الولايات المتحدة ضربة رمح في قلب الإنسان.
الكتاب الذي بين يدي لا يحكي مع الناس بل يحكي مع الجماد ليؤنس الوقت وليؤنس الغرابة التي لا تلفت النظر. اكاد أقول أن الشاعرة أدخلت يدها عميقا في قالب المادة كي تلمس الروح التي كانت تنتظر بلوعة وحرقة. لقد فتحت زجاجة خرافية كي يتبدى مافي داخلها وينتشر كفضاء جديد في الكتابة.
هناك شكل لكتابات صباح زوين. أي أنك ترى شيطان الإلهام في النصوص. في كتاباتها نرى شاعرية ونرى القلب الذي ينبض في الكلمات بسرعة مياه فاضت وكسرت سدها لتبتلع المألوف من شوارع وأحياء. وراحت بالتالي الجملة تتعذب وتنغمر بمياه الفيضان الذي يرفعها مرة ويحطها أخرى، ما نقرأه عند زوين ليس جملا مألوفة بل تضمينات وسحر.
في بعض المقاطع لا نقرأ صورا بل نقرأ مشاعرَ لاتستطيع الصور أن تحملها وكأن الشاعرة تعرفت بطريقة مجنونة على أسلوب اكتشف الحل للمقولة الباطنية "كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" فعناصر الجملة عندها قد دارت دورتها الكامنة كي تتحرر من ضيق العبارة .... وبالتالي القبض على هذا النوع من الكتابات لا يتم بالشرح أو بالتفسير ولا الأخذ بقواعد اللغة بل بالاحساس الذي يرى خروج المياه عن مسارها. فوضى منظمة تصفها المشاعر الفياضة.
لقد كتب كثيرا عن تجربة صباح زوين وكأنني لم أجد ما أراه فيما كتب عنها، فهي ليست كتابة مختلفة وليست كتابة جديدة. بل كتابة صادقة نابعة من أعماق النفس التي ابتعدت عن عالمها، اغترابا وغربة، وبالتالي جاءت الكتابة كي تصف وتكتب ما نعرفه لكننا لم نكن لندركه. كما كان في مسألة الجاذبية، فلم يأت نيوتن بالجديد كي يعلم الناس أن التفاحة تسقط نحو الأرض، هناك من يجذبها، الكل يعرف هذه الحقيقة لكن لم يكن المرء ليدرك أو ليتمعن في هذه الحقيقة كي يصل إلى ما وصل له نيوتن.
الكاتب السوري محمد علاء الدين عبد المولى كتب مقالة نقدية يصف فيها جملة صباح زوين "وكنت كيف والخيبة والجنون والصمت، وكنت كيف ولم استطع البكاء" أنها : "نفاجأ هنا بكسر المعنى لمجرد العبث ببناء الجملة ولا لسبب آخر"
فالمتسحلون بقواعد النحو وبأعمدة الخليل الفراهيدي، الذين لا يعرفون كيف يتركونها، لن يستطيعوا كما أظن قراءة هذا النوع من النصوص وستكون الجمل ناقصة ويلزمها شغل ميكانيك النحو في ورشة صناعية يغلب عليها الضجر والتخلف. لا أشيع هنا مبدأ الهدم والفوضى من أجل الجديد بل أن هناك مقاييسا وصياغة جديدة يجب أن تتعود الذائقة عليها. أن لا تجلس عند الطاولة نفسها إلى مائدة الطعام المكرر، هذا لن يقدم الجديد أبدا.
الجملة السابقة لصباح زوين حين تقرأ بميكانيكية فهي بالفعل مشوهة لغويا أو ناقصة ويلزمها تعديل وإصلاح. الجملة السابقة خرجت علينا بنمط جديد حيث هناك خلق مخفي وراءها، كأن الجملة من روح مخفية ومادة حروفها ظاهرة، ومن يقرأ الحروف الظاهرة وقد غفل روحها فلن يدخل إلا في سكون الجملة حيث الموت والتشوه. يجب إحياء هذه الجملة ذلك بالتعرف على الجانب المخفي منها، على الروح التي يستيقظها الخيال ويضيفها إلى الحروف كي تكتمل الصورة.
كتابة الأدب ليست كتابة تقريرية ولا تتبع النحو أوالقواعد الصارمة بل هي إشعاع طيفي لا تحكمه الجاذبية ويتلون بالمطر وبالبعد وبالقرب، إنه المتغير وقد يحمل أكثر من تفسير.
هنا تصعب الكتابة الإبداعية، حيث انكسارات الجملة وزعزعة اليقين في القديم.... فيسهل هذا النوع من الكتابات على أقلام كثيرة غير خبيرة أو مبدعة وبالتالي سوف تنتفخ المخيلة بغثاء يطفو من دون معنى.
حين شارف اليابانيون على شنغهاي حمل الناس أمتعتهم هربا الى هونج كونج ولم تسمح الاسرة للكونتيسه بالهرب معها فهي الكونتيسه سيئة السمعة الآن، وقد كانت تعيلها فيما مضى وتقدم لها الطعام في حرفتها غير الشريفة. لقد تعرفت الأسرة في الايام الأخيرة على السفير الفرنسي الذي أراد أن يعيد للأسرة مكانتها .... ولهذا فسيلحقها العار حين تصطحب معها ابنتها المومس إلى مكانها الجديد في هونج كونج، فاجتمعت الأسرة تقرر على تركها في المدينة التي عرفتها كمومس. الانفجارات في كل مكان... لكن الحب ... لا يموت الحب في الحرب... النار لا تصيبه.. ترتمي الشظايا بالقرب منه وتتهدم الأبنية... يضع الحبيب يده على وجه الكونتيسه فيكتشف جماله ويشده ضوضاء الانفجارات والفوضى والتراب... في القارب يرحلون نحو هونج كونج: الخرافة حين يحولها الحب إلى واقعة... ودوما هي المأساة تكرر أيامها فالفيلم يحكي سنوات ماقبل الحرب الثانية ... لكن الانتصار في النهاية، وكما في أفلام الفروسية، للحب طبعا والذي من دونه نصبح جسدا "تضاءل الجسد اليوم، جسدي كم ضئيلا كان بين شوارع الأبدية تلك، لما كانت الشمس تميل على أكتافي وعلى أوجاعي تميل ووجهي الشاحب، كم، لما الوجه الأجوف الذي رأىالمدن ورأى الألم وصاريمحو وجهي الشجي، والبكاء، ذلك في الداخل الذي لم يطلع والذي تفجر موتا وضوءا فالتويت وكم كنت اتلوى ويدي عاجزتين كانت، تعجزان عن الفهم.." *
--------
* اقتباسات من " لأني وكأني ولست " لصباح الخراط زوين



#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ياحوم اتبع لو جرينا- معركة المطار
- معنى الظلام
- مولد سيدي عبد القادر
- ليليت العامرية
- قراءة نقدية في رواية دابادا
- ققنس- غيابات القلب - للقاص المغربي أحمد بوزفور
- الشفاطات -الهوى- حمص وحماة .... الى منذر المصري
- ثمة أرض أخرى هناك لا تشبه الكرة التي دوّرها جاليلو
- مطر القامشلي- مقطع من رواية همسات المدن البعيدة
- الجد محمد الآلوسي
- إلى الأخت ريتا
- تجميع المياه
- سحر المسافة
- الأدب والحلم في أمريكا- رسالة الى اكرم قطريب
- المشهد السفلي
- بعين التكنولوجيا إلى الأدب العربي المعاصر- الحلقة الأخيرة
- بعين التكنولوجية الى الأدب العربي المعاصر -2
- سعدي يوسف- يطرق ما تجمعه النافذة من فضاء
- تــداخل أمكنــــة - إلى فاطمة ناعوت
- تخفيف اللحظة


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان- هيوستن - الكونتيسه البيضاء- لأني وكأني ولستُ