أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - دعهم إذاً يأكلون الكعك…














المزيد.....

دعهم إذاً يأكلون الكعك…


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6471 - 2020 / 1 / 22 - 11:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في اعترافات جان جاك روسو، حكاية شهيرة عن «أميرة عظيمة» قيل لها إن الفلّاحين يشكون من افتقادهم إلى الخبز، فقالت «دعهم إذاً يأكلون الكعك». ويذكّرنا مشهد الحكم اللبناني الحالي بحكاية روسو، وقد بات حرياً بنا أن نقول عنه «النظام اللبناني» نظراً لافتقاده المتزايد لأي شرعية شعبية. فإن القائمين على هذا النظام، ولاسيما رئيس الجمهورية الذي يبدو أن صلته بالواقع من حصنه في قصر بعبدا الرئاسي لا تزيد عمّا كانت عليه قبل ثلاثين عاماً عندما كان يدير «حرب التحرير» ضد القوات السورية في لبنان من أحد ملاجئ القصر تحت الأرض، أرباب هذا النظام إذاً، «كلّن» بلا استثناء، يبدون أكثر اهتماماً بتوزيع الكعكة (كعكة الحكم تلك التي ينعمون بها وليس الكعك الذي نصحت الأميرة بأن يتناوله الفلّاحون محلّ الخبز) وأشدّ حماساً في تقاسم الكراسي الوزارية (والأنسب أن نستخدم هنا مصطلح «المحافظ الوزارية» لما في تعبير «المحفظة» من دلالة على ما يهمّ رجال السلطة في لبنان، ألا وهو ما تحتوي عليه المحافظ بالتعريف الشائع)، أكثر اهتماماً وأشدّ حماساً منهم قلقاً على مصير الشعب، بل مصير البلاد التي باتت أشبه ما تكون بباخرة «تيتانيك» تغرق بينما يسعى كلّ من استطاع وراء النجاة من على متنها على القوارب المعدودة المتوفّرة.
لبنان يغرق كالباخرة الأسطورية. قدرة الشعب اللبناني الشرائية تذوب بسرعة ذوبان الثلج في ربيع ساخن، إذ تتهاوى الليرة اللبنانية إزاء الدولار بينما تُعدَّل الأسعار يوماً بعد يوم بحيث تحتفظ بقيمتها الدولارية. مئات الآلاف من العمّال والموظّفين والمستخدَمين يسرَّحون من أعمالهم ويجدون أنفسهم بين ليلة وضحاها بلا أي مورد، وذلك في بلد ليس فيه أي نوع من أنواع الضمان للعاطلين عن العمل شأنه في ذلك شأن سائر بلدان المنطقة. غالبية الشعب الساحقة في حالة من القلق الشديد على المصير الشخصي والعائلي والوطني. وماذا نجد إزاء كل ذلك؟ نجد رجال «النظام» غير مبالين لحالة «الفوضى» التي لا تني تتصاعد، مطمئنين إلى حراسة منازلهم من قبل «قوات أمن» غدت بمثابة حرس خاص، يخصّخصه كل محروس على هواه، ومرتاحين لثبات مواردهم الرئيسية وثرواتهم الأساسية التي هي بالدولار طبعاً، لا يشغلهم سوى التأكّد من ديمومة احتفاظهم بالمناصب التي تخوّلهم الاستمرار في جني الأرزاق، بل زيادتها.
طفح الكيل لدى شعب لبنان، وانتفض رافعاً تحدّي أقوال جبران المأثورة، فتخطّى انشطاره إلى مذاهب وطوائف واعتنق دين المواطنة، ولم يعد يحسب المستبدّ بطلاً، وأخذ يرفع صوته في التعبير عن سخطه في التظاهرات بدل الاكتفاء بالتعبير عن حزنه في الجنازات، ويثور دون أن ينتظر لحظة القضاء عليه، ويستقبل حكامه بالصفير بدل التطبيل والتزمير، ولم يعد شعباً قُسم الى اجزاء وكل جزء فيه يحسب نفسه شعباً، بل بات شعباً واحداً من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى ساحلها، شعباً أراد الحياة بعد طول انتظار وبات يأمل بأن يستجيب له القدر كما وعد شاعرٌ آخر.

ولم يجد أهل النظام اللبناني ما يفعلونه إزاء السخط الشعبي سوى تقليد سائر أنظمة المنطقة وكافة أنظمة الاستبداد في وصف المتظاهرين بالمندسّين والعملاء، وفي الاشتكاء من «عنفهم» الذي لا يعدو كونه ردّاً بسيطاً على عنف القمع الرسمي الأعظم بكثير والذي أدانته منظمات حقوق الإنسان، ناهيكم من القمع الموازي غير الرسمي. هذا وقد وصلت الأمور بنتيجة لامبالاة أهل النظام إلى حد أنه حتى لو جرى تشكيل الحكومة العتيدة، فإنها سوف تقف عاجزة أمام غرق باخرة الاقتصاد اللبناني، إذ سوف تلد ولا خطة لديها بعد أن كان توزيع الكعكة هو الشغل الشاغل لأصحاب المحافظ فيها بدل الانصباب على البحث في سبل تعويم الباخرة بما ينقذ ركّابها ولاسيما أفقرهم وأكثرهم هشاشة.
والحقيقة أنه لم يعد ثمة أملٌ في انقاذ لبنان انقاذاً حقيقياً طويل المدى، يتعدّى جرعات المورفين المخدّرة لوقت محدود والتي بات يصعب الحصول عليها أصلاً، سوى بتمكّن الانتفاضة الشعبية من فرز لجنة تنسيقية من صفوفها تعبّر عن كافة الفئات العاملة كما عن الباحثين عن عمل، وتحظى بشرعية قاعدية بما يخوّلها من تمثيل الشعب في وجه أهل النظام بكافة مشاربهم. فقد التحق لبنان منذ أكثر من ثلاثة أشهر بالسيرورة الثورية طويلة المدى التي تعصف بالمنطقة العربية منذ تسعة أعوام والتي يتعلّق مصيرها بالدرجة الأولى بانبثاق أطر قيادية تمثّل في نظر الجماهير بديلاً اجتماعياً وسياسياً وأخلاقياً ومسلكياً حقيقياً عن شتّى الزُمَر الحاكمة.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تكامل الأدوار بين تركيا وروسيا
- لا أمريكا ولا إيران…
- 2019 وداعاً…
- دراسة الدولة والثورة في المنطقة العربيّة من منظورٍ ماركسي
- البلطجة الفكرية وخدّام الاستبداد
- حكم آل الأسد: رفعت نموذجاً
- تحية لشعب إيران الثائر والمعارضة الوطنية
- الطائفية بوصفها سلاحاً أيديولوجياً
- الثورة على أصحاب المليارات
- «الممانعة» والطغيان الأجنبي
- العراق ولبنان والنموذج السوداني
- تحيا «المؤامرات»!
- حراك لبنان، الطائفية والسيرورة الثورية في المنطقة
- الثورة عنوان هذا الزمن… وستبقى
- هديّة ترامب وأردوغان لبوتين والأسد
- في مخاطر الاتكال على «عرّاب» غريب الأطوار
- مصر تحت الاحتلال
- ثورة مصر والمعضلة العسكرية
- أهم دروس الانتخابات التونسية
- تضارب المصلحة الانتخابية بين نتنياهو وترامب


المزيد.....




- -إسرائيل تنتهك قوانينا.. وإدارة بايدن لديها حسابات-.. مسؤولة ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في محيط مستشفى الشفاء بغزة لل ...
- موسكو تدمر عددا من الدبابات الأوكرانية وكييف تؤكد صدّ عشرات ...
- مفتي روسيا يمنح وسام الاستحقاق لفتى أنقذ 100 شخص أثناء هجوم ...
- مصر.. السفيرة الأمريكية تثير حفيظة مصريين في الصعيد
- بايدن يسمي دولا عربية -مستعدة للاعتراف بإسرائيل-
- مسؤول تركي يكشف موعد لقاء أردوغان وبايدن
- الجيش الاسرائيلي ينشر فيديو استهدافه -قائد وحدة الصواريخ- في ...
- مشاهد خراب ودمار بمسجد سعد بن أبي وقاص بمخيم جباليا جراء قصف ...
- قتيل بغارة إسرائيلية على جنوب لبنان والمقاومة تقصف شبعا


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - دعهم إذاً يأكلون الكعك…