أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شفيق جلال - الفِرْدَوْسُ وتَنَاقُضُ الآبَاءِ القِدِّيسِينَ !! 2















المزيد.....



الفِرْدَوْسُ وتَنَاقُضُ الآبَاءِ القِدِّيسِينَ !! 2


شفيق جلال

الحوار المتمدن-العدد: 6470 - 2020 / 1 / 21 - 00:37
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الفِرْدَوْسُ وتَنَاقُضُ الآبَاءِ القِدِّيسِينَ !!


الجزء الثاني
👇
يقول الأب القمص تادرس يعقوب ملطي
( كاهن كنيسة الشهيد العظيم مارجرجس - سبورتنج - الإسكندرية )
في كتاب دعوني أنمو! :
يفسر البعض الخطية التي ارتكبها آدم وحواء في الفردوس -أي الأكل من شجرة معرفة الخير والشر- أنها إتمام العلاقة الجسدية بينهما، إذ عرف كل منهما الآخر جسديًا. هذا التفسير لن نجده لدى كبار الكتاب المسيحيين الأوائل باستثناء القديس اكليمنضس الإسكندري وحده. هذا وقد أكد هذا القديس أن الشر لا يكمن في العمل الجنسي ذاته إنما في ممارسته قبل النضوج !!
فإن الأبوين الأولين اجتمعا قبل الأوان، قبل نوالهما نعمة الزواج . هذا وعند أخذه بالتفسير لم يقبله كأمر قاطع أكيد، إنما كأمر محتمل، إذ قال "ربما" .
لقد أكد أيضًا القديس إكليمندس بأن التوالد البشري أمر مخلوق، من صنع القدير، الذي بالتأكيد لن ينزل بالنفس من حال أفضل إلى ما هو أسوأ ، لقد كان حريصًا كل الحرص أن يصون قانونية العمل الزوجي نفسه .
كانت الوصية هي أن يثمروا ويكثروا ويملأوا الأرض، وقد حاول بعض الآباء مثل القديس أغسطينوس أن يميز بين العلاقات الجسدية بينهما قبل وبعد السقوط،
إذ رأى أنه قبل السقوط وجدت بهجة كبهجة الإنسان المعتدل بطعامه أو العفيف بعفته، هذه البهجة لا تفقد الإنسان ضبطه لإرادته ولا تسبب انحرافًا أو فسادًا له. أما بعد السقوط فوجد الإنسان فيها شهوة يصعب ضبطها بالفعل، لذا فالخطية -في نظر القديس أغسطينوس- لا في ممارسة الجنس، وإنما في فساد الإرادة التي تُحدر الإنسان لممارسته بطريقة غير سليمة.
يعلل البعض شعور الأبوين بالخجل بعد السقوط بوجود خبرة ثورة للشهوة الجنسية تناقض العقل، لا يمكن ضبطها، إذ فقدا عطاياهما الفائقة preternatural gifts، خاصة الحصانة immunity ضد الشهوة أو الرغبة غير المضبوطة !!
☺😊☺
كتاب هل للشيطان سلطان عليك؟ للقديس يوحنا ذهبي الفم
تعريب: القمص تادرس يعقوب ملطي، جورج فهمي حنا !
مقدمة المعرب
إن كان الله محبًا للبشر، فلماذا خلق الشيطان الذي يبدو كأن لا عمل له إلا تحطيم الإنسان؟
لماذا يسمح الله للشيطان أن يحارب الإنسان؟
هل من وجه للمقارنة بين قدرات إبليس وجنوده، والإنسان الترابي؟
لماذا يسمح الله بالتجارب والضيقات؟
وما هو ذنب الإنسان من جهة شهوات الجسد؟
كثيرًا ما عالج القديس يوحنا الذهبي الفم هذه التساؤلات وأمثالها في عظاته وكتاباته، خاصة في هذه المقالات الثلاث التي بين يديك.
القمص تادرس يعقوب ملطي
26 نوفمبر 1969 م.

حب الله والطرد من الفردوس!
وهبنا الله الفردوس، وهذا من قِبِلْ عنايته المتحننة. ونحن أظهرنا عدم استحقاقنا للعطية، وهذا نتيجة إهمالنا الخاص بنا. لقد نزع العطية من أولئك الذين صاروا غير مستحقين لها. وهذا نابع عن صلاحه...
لكن قد يقول قائل: وأي صلاح هذا حتى ينزع العطية؟! انتظر فستسمع بما فيه الكفاية.
قايين والطرد من الفردوس
حواء... والطرد من الفردوس
طردنا... لكي يردنا إليه
😨😨😨
قايين والطرد من الفردوس
تأمل ماذا يكون موقف قايين لو بقي في الفردوس وهو سافك دم؟! تأمل، لو أنه استُبعد عن مسكنه، وحُكِمَ عليه بالضيق والتعب وحمل إكليل الموت على رأسه، ووجد نفسه يتلمس آثار غضب الله الناجم عن كارثة أبيه... إنه قد رُبِطَ في شرٍ عظيمٍ كهذا حتى أنه يجهل الطبيعة، فينسى من هو مولود مثله، ويقتل من لم يرتكب شرًا، ويقبض على أخيه، ويلطخ يده بالدم، وعندما يريد الله أن يهدأ من الأمر إذ به يرفض الخضوع مقاومًا خالقه محتقرًا والديه... تأمل ماذا كان الأمر لو حدث هذا كله في الفردوس...!
حواء... والطرد من الفردوس
أتريد أيضًا أن تتعلم من والدة هذا الإنسان أيضًا، كيف كان الطرد من الحياة في الفردوس له نتائجه الحسنة؟! قارن بين حواء قبل الطرد وبعد الطرد. قبل الطرد، كانت تنظر إلى الشيطان المخادع وإبليس الشرير على أنه يمكن تصديقه أكثر من وصية الله. فما أن نظرت الشجرة حتى وطأت تحت قدميها وصية الله. لكن بعد الطرد من الفردوس، تأمل كيف نمت حواء إلى حال أفضل وحكمة أعظم، لأنها عندما حملت قالت: "اقتنيت رجلاً من عند الرب" (تك 1:4). لقد هربت إلى السيد (الرب) تلك التي كانت من قبل تزدري به، فلم تنسب حبلها إلى مجرد الطبيعة، ولا نظرت إلى إنجابها (ابنًا) على أنه نتيجة طبيعية للزواج، بل أدركت رب الطبيعة، وعرفت كيف تُقَدِّم الشكر للرب من أجل ولادتها الطفل الصغير.
هذه التي قبلاً خدعت زوجها، صارت تعلم حتى ابنها الصغير، وتعطيه اسمًا (شيث) قادر على تذكيرها بعطية الرب.
مرة أخرى عندما حملت بآخر، قالت: "الله قد وضع لي نسلاً عوضًا عن هابيل، لأن قايين كان قد قتله" (تك 25:4).
تذكرت المرأة مصيبتها، ولم تعد بعد غير صابرة، بل تُقدم الشكر لله وتلقب الطفل الصغير بعدما نالته كعطية، منعشة إياه بالمادة (الاسم) التي تعلمه على الدوام.
هكذا فإن الله إذ يحرم، إنما يقدم نفعًا أعظم!
طردنا... لكي يردنا إليه
قد يقول قائل: إن كان الطرد من الفردوس مفيدًا، فما الداعي لإعطائه لنا منذ البداية؟!
صار الطرد من الفردوس مفيدًا للإنسان بسبب إهماله، فلو أن (أبوينا) كانا منذ البداية حذريْن على نفسيهما، وعرفا سيدهما، وعرفا كيف يقمعان نفسيهما ويبقيان في حدودهما، بقيا في كرامتهما. أما وقد استهانا بالعطية التي وُهبتْ لهما، فقد صار طردهما لمنفعتهما. لأنه ما هو الدافع الذي جعل الله يعطيهما (الفردوس) منذ البداية، إلا لكي يعلن حنو ترفقه، إذ أعد لنا أن يحضرنا إلى شرفٍ عظيمٍ. لكننا نحن الذين كنا السبب في التأديب والعقاب من كل جانب، طاردين أنفسنا بسبب استهتارنا بالعطايا التي وهبت لنا.
فكما لو أن أبًا عطوفًا أسكن ابنه في البداية معه في منزله، ليتمتع بكل ما لأبيه، ولكنه إذ وجده غير مستحق للكرامة يطرده من مائدته ويبعده عن أنظاره، بل وأحيانًا يطرده من بيت الأبوة، حتى يعاني من الطرد. وبهذا الازدراء وتلك الإهانة يصير إلى حال يظهر فيها نفسه أنه مستحق للعودة وأخذ ميراث أبيه... هكذا صنع الله معنا.
لقد أعطى الفردوس للإنسان، وعندما أظهر الإنسان عدم استحقاقه طرده، حتى يصير ببقائه خارجًا، وبإهانته إلى حال أحسن (يظهر توبة) ويقمع نفسه أكثر، فيستحق العودة. وهكذا عندما صنع هذا وصار في حالٍ أفضل، أعاده مرة أخرى قائلاً: "إنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 43:23).
هل رأيت كيف أنه ليس فقط إعطاء الفردوس بل وطردنا منه هو علامة عِظَم اهتمام مملوء ترفُّقًا! فلو لم يعانِ الإنسان الطرد من الفردوس ما كان يمكن أن يظهر مستحقًا له مرة أخرى!

يقول الأنبا بيشوي
دمياط وكفر الشيخ والبراري - رئيس دير القديسة دميانة - سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية بمصر سابقًا - رئيس قسم علم اللاهوت بمعهد الدراسات )
في في كتاب المسيح مشتهى الأجيال : منظور أرثوذكسي (مع حياة وخدمة يسوع) :

مقار الآخرة !!
مقار الآخرة هي أربعة: الفردوس، والجحيم، وملكوت السماوات، وجهنم، منها مؤقت أي الفردوس والجحيم، ومنها أبدى أي ملكوت السماوات وجهنم. والمقار المؤقتة هي لانتظار الأرواح بعد الوفاة إلى يوم الدينونة الأخير، أما المقار الدائمة فهي للأرواح والأجساد معًا فيما بعد الدينونة أي بعد مجيء المسيح الثاني حيث "يخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيآت إلى قيامة الدينونة" (يو5: 29).
فأجساد الموتى سوف تقوم في اليوم الأخير حيث تعود الأرواح إلى الأجساد وتتحد بها مرة أخرى لكي تدان الأرواح مع الأجساد. ولكن الجسد بعد القيامة العامة سوف تكون له خصائص جديدة تختلف عن خصائصه الحالية، وليس بمعنى أن الأجساد سوف تفنى ولكنها ستتغير عند القيامة وهذا ما سوف نشرحه بمشيئة الرب بتفصيل أكثر من واقع تعاليم الكتاب المقدس !!

الفردوس
الجحيم ؛ الهاوية
ملكوت السماوات
جهنم
💪
الفردوس
الفردوس حاليًا ليس على الأرض مثلما كان وقت خلق آدم ثم حواء. إذ أن ذلك الفردوس أي الجنة كان يحوى أشجارًا وثمارًا وحيوانات. وقد وضع الرب الإله آدم في الجنة ليعملها.
وحينما أخطأ الإنسان بعدم طاعته للوصية الإلهية، نُفى من الفردوس أي أن الرب قد أخرجه من الفردوس لئلا يمد يده ويأكل من شجرة الحياة ويحيا إلى الأبد في خطيته ولا توجد له فرصة لإدراك خطورة الخطية وعواقبها من حيث إن أجرة الخطية هي موت. وصار موت الجسد هو الدليل الواضح على أن الخطية قد أساءت إلى الإنسان وصار محتاجًا إلى الخلاص بصلب المسيح وموته وقيامته من الأموات، وذلك مثلما قال قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياة قداسته- عن السيد المسيح: "بالصليب حل الرب مشكلة الخطية (إذ أوفى الدين الخاص بها) وبقيامته حل مشكلة الموت الناتج عن الخطية".
الفردوس الحالي صار مقرًا للروح فقط بدون الجسد، وليس فيه أشياء مادية مثل الأشجار والثمار والمزروعات والأنهار. وبالطبع ليس فيه حيوانات على الإطلاق مثل الحمير والبغال والغزلان والفيلة..الخ. لأن الحيوانات ليس لها أرواح خالدة مثل البشر، بل إن نفس الحيوان هي دمه "لأن نفس كل جسد دمه هو بنفسه" (لا 17: 14). وبمجرد موت الحيوان يذهب إلى الأرض وليس له روح تذهب إلى مقار الآخرة على الإطلاق.
أما ما رآه القديس يوحنا الرسول وكتب عنه في سفر الرؤيا من جهة الأربعة أحياء غير المتجسدين، فهذه كائنات حية روحية من طغمة الملائكة الكاروبيم ومنظرها الذي رآه هو منظر رمزي له مدلول روحي. فوجه الإنسان يرمز إلى تجسد الرب، ووجه العجل يرمز إلى ذبيحة الصليب، ووجه الأسد يرمز إلى القيامة، ووجه النسر يرمز إلى الصعود. كما أنها ترمز إلى الأناجيل الأربعة متى ولوقا ومرقس ويوحنا. بنفس هذا الترتيب. وذلك حسب طقس الأيقونات القديمة في الكنائس الأرثوذكسية جميعًا.
الفردوس الحالي ذكره السيد المسيح وهو معلّق على الصليب حينما طلب إليه اللص اليمين قائلًا: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك" (لو23: 42) فأجابه السيد المسيح مصححًا له طلبته: "الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لو23: 43).
قال السيد المسيح ذلك لأن أرواح الأبرار تذهب إلى الفردوس أولًا وتنتظر هناك في شركة روحية مع المسيح إلى يوم الدينونة الأخير حيث تقف أمام كرسي المسيح بعد عودتها إلى الجسد المقام من الأموات، ثم يضعها السيد المسيح عن يمينه وبعد ذلك يدعوها إلى ميراث ملكوت السماوات.
وقد قصد السيد المسيح أن يعلن للص اليمين إنه لن ينتظر طويلًا لكي يلتقي به، وذلك بعد مجيئه الثاني واستعلان ملكوت السماوات، بل إنه سوف يلتقي به سريعًا بعد خروج روحه من الجسد حيث يكون السيد المسيح قد فتح باب الفردوس مرة أخرى لتنتقل إليه أرواح الأبرار.
أما أرواح الأبرار الذين رقدوا على رجاء الخلاص وكانت تنتظر في السجن، فقد ذهب إليها السيد المسيح بروحه الإنسانى المتحد باللاهوت وبشّرها بإتمام الفداء وأخرجها من السجن ونقلها إلى الفردوس أي أنه قد (رد آدم وبنيه إلى الفردوس( مثلما نقول في قسمة عيد القيامة.

وقد وردت أقوال في الكتاب المقدس تؤكد أن السيد المسيح قد فعل ذلك مثل قول معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح: "لذلك يقول: إذ صعد إلى العلاء سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا،
وأما أنه صعد فما هو إلا إنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض السفلى، الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات لكي يملأ الكل" (أف4: 8-10). وقد صعد السيد المسيح بروحه من الجحيم إلى الفردوس بعد نزوله إلى الجحيم آخذًا معه أرواح الأبرار. كما أنه صعد إلى السماوات العليا حيث عرش الآب بعد 40 يوم من قيامته من الأموات وفي هذا الصعود لم يأخذ معه أحدًا من البشر إلى أن يأتي للدينونة.
وقد تكلم أيضًا القديس بطرس الرسول عن عمل السيد المسيح في نزوله بالروح إلى الجحيم للكرازة بإتمام الفداء وفي نقل أرواح الأبرار إلى الفردوس فقال: "فإن المسيح أيضًا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى الله مماتًا في الجسد ولكن محيىً في الروح، الذي فيه أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن" (1بط3: 18، 19).
وقد سبق إشعياء النبي فقال بفم الله الآب: "أجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم، لتفتح عيون العمى، لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن" (إش42: 6، 7). والكنيسة في صلاتها على الراقدين تقول: [هذه النفس التي اجتمعنا بسببها اليوم، يا رب افتح لها باب الفردوس كما فتحته للص اليمين. افتح لها باب الراحة لتدخل وتتنعم هناك وتشارك جميع القديسين..].
😢😂😢
الجحيم أو الهاوية
"الجحيم" كلمة معناها الهاوية، وهى ترجمة للكلمة العبرية "شِئول" وللكلمة اليونانية "هاديس ᾍδης"، وهو كمقر للانتظار كان يحوى أرواح القديسين، وأرواح الأشرار، وذلك قبل أن يتمم السيد المسيح الفداء. ولكن صار مقرًا لانتظار أرواح الأشرار فقط بعد إتمام الفداء، وفتح الفردوس ونقل أرواح القديسين إلى هناك.
بالنسبة للقديسين كانت أرواحهم تتطلع إلى مجيء المخلص ليخرجها من بيت السجن حسب وعد الرب "أجعلك عهداً للشعب ونورًا للأمم لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة" (إش42: 6، 7).
كانت هناك رموز كثيرة للجحيم في العهد القديم مثل جب الأسود الذي ألقى فيه دانيال النبي. ففي قصة إلقاء دانيال في الجب إشارة واضحة إلى عمل الخلاص. فالملك داريوس والحكم الذي أصدره وخَتَمه، ولا يمكن أن يتغير حتى بالرغم من محبة الملك لدانيال، كان إشارة إلى حكم الموت الذي صدر ضد البشرية ولم يكن من الممكن إلغاؤه. كان الملك يتمنى أن ينقذ دانيال من الجب، ولكن الحكم كان ينبغي أن يتم وقال الملك لدانيال: "إن إلهك الذي تَعبُدُه دائمًا هو ينجيك" (دا 6: 16).
وحينما أُلقى دانيال في الجب لسبب مؤامرة أعدائه الأشرار الذين يرمزون إلى الشياطين أعداء الرب وأعداء البشرية، أرسل الله ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تمس دانيال بسوء "إلهي أرسل ملاكه وسدَّ أفواه الأسود فلم تضرني" (دا 6: 22)، وخرج دانيال من الجب حيًا إشارة إلى قيامة السيد المسيح بعد نزوله إلى الجحيم، وإلى صعوده إلى الفردوس دون أن يمسكه الجحيم ودون أن يمسكه الموت أيضًا "إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسَك منه" (أع2: 24).
وبهذا تم حكم الموت دون إلغاء، ولكن أمكن العبور منه والتحرر من سلطانه. وقد تنبأ عن ذلك داود النبي فقال "لأنك لا تترك نفسي في الجحيم (الهاوية) ولا تدع قدوسك يرى فسادًا" (أع2: 27، انظر مز15: 10). وشرح القديس بطرس في عظة يوم الخمسين أن هذا الكلام قد قيل عن السيد المسيح (انظر أع 2: 25).
وبهذا أكّد بطرس الرسول أن السيد المسيح قد نزل إلى الجحيم. وعاد فقال عن السيد المسيح في رسالته الأولى إنه "ذهب فكرز للأرواح التي في السجن" (1بط3: 19). وبذلك ربط نبوءة إشعياء (42: 6) بنبوءة داود النبي في المزمور (15: 10) موضحًا أن الجحيم كان سجنًا للأرواح.
كان إبليس هو صاحب سلطان الموت كما أوضح القديس بولس الرسول في حديثه عن عمل السيد المسيح في تخليصنا من إبليس "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس، ويعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية" (عب2: 14، 15).

إن تصوير القديس بولس هنا للموقف في رسالته إلى العبرانيين هو تصوير في غاية القوة، ربط فيه بين رفع سلطان الموت وبين إبادة إبليس أي إبادة سيطرته على أرواح البشر، وكذلك أوضح أن الخوف من النزول إلى الجحيم بعد الموت في حياة حتى الذين رقدوا على رجاء الخلاص، هو حالة من العبودية، لأن الأرواح كانت في طريقها إلى السجن هناك في الهاوية. ولكن بالطبع كانت أرواح القديسين الراقدين في حالة أفضل من أرواح الأشرار وغير المؤمنين الذين ليس لهم رجاء على الإطلاق.
كان القديسون في السجن ينتظرون بالإيمان تنفيذ وعد الرب بالفداء.. كانت عبوديتهم مؤقتة سيحولها المسيح إلى بنوة.. وكان خوفهم ممتزجًا بالرجاء بعكس الآخرين الذين لا رجاء لهم وعبوديتهم لا نهاية لها.
كما قال أبو الآباء يعقوب في بكائه وحزنه حينما اعتقد بموت يوسف ابنه "إنى أنزل إلى ابني نائحًا إلى الهاوية" (تك37: 35). ولكنه قبيل موته حينما كان يتنبأ أمام أبنائه قال: "لخلاصك انتظرت يا رب" (تك49: 18). "ولما فرغ يعقوب من توصية بنيه ضم رجليه إلى السرير وأسلم الروح وانضم إلى قومه" (تك49: 33).
وحينما قاوم قورح ومعه داثان وأبيرام وأولادهم موسى وهرون وقدموا بخورًا في مجامرهم، عاقبهم الرب بأن هبطوا أحياء إلى الهاوية إذ "انشقت الأرض التي تحتهم وفتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم وكل من كان لقورح مع كل الأموال. فنزلوا هم وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية وانطبقت عليهم الأرض فبادوا من بين الجماعة" (عد16: 31-33). ومعنى نزولهم أحياء إلى الهاوية أي أنهم نزلوا إلى أقسام الأرض السفلى أحياء وماتوا هناك حيث يوجد الجحيم.
وقد ذكر السيد المسيح أن الجحيم له أبواب فقال عن الكنيسة: "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (مت16: 18) وكذلك قيل عن حزقيا الملك "كتابة لحزقيا ملك يهوذا إذ مرض وشفى من مرضه، أنا قلت في عز أيامي أذهب إلى أبواب الهاوية. قد أُعدمت بقية سِنِيَّ" (إش38: 9، 10).
وقد حطّم السيد المسيح متاريس الجحيم حينما نزل إليه من قبل الصليب ليحرر المسبيين الذين رقدوا على الرجاء ويصعد بهم من الجحيم إلى الفردوس كما هو مكتوب "سبى سبيًا وأعطى الناس عطايا. وأما أنه صعد فما هو إلا إنه نزل أيضًا أولًا إلى أقسام الأرض السفلى" (أف4: 8، 9).
وتنبأ داود النبي عن ذلك فقال في المزمور "أعظمك يا رب لأنك احتضنتني ولم تشمت بي أعدائي أيها الرب إلهي صرخت إليك فشفيتني. يا رب أصعدت من الجحيم نفسي. وخلصتني من الهابطين في الجب.. أية منفعة في دمى إذا هبطت إلى الجحيم.. حوّلت نوحي إلى فرح لي. مزّقت مسحي ومنطقتني سرورًا، لكي ترتل لك نفسي ولا يحزن قلبي. أيها الرب إلهي إلى الأبد أعترف لك" (مز29).

ملكوت السماوات!
ملكوت السماوات أعده الله للقديسين قبل إنشاء العالم كما قال السيد المسيح عن دعوته للأبرار: "تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت25: 34).
في هذا الملكوت السماوي سوف يلتقي الأبرار من البشر ومن الملائكة حول العرش الإلهي ليشتركوا معًا في تسبيح الله وتمجيده بفرح لا يعبَّر عنه، وبمجد ليس له نظير في العالم المنظور. وهو "ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو2: 9).
لقد اختار الله الآب في المسيح جميع القديسين الذين سوف يتأهلون لميراث ملكوت السماوات لأنه سبق فعرف أنهم سوف يستجيبون لدعوة محبته بالفداء الذي أكمله الابن الوحيد لأجلهم. وقد شرح معلمنا بولس الرسول ذلك بكلمات رائعة في فاتحة الرسالة إلى أهل أفسس إذ قال: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته، لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب. الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا حسب غنى نعمته التي أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة إذ عرفنا بسر مشيئته حسب مسرته التي قصدها في نفسه، لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الأرض في ذاك الذي فيه أيضًا نلنا نصيبًا معينين سابقًا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأى مشيئته" (أف1: 3-11).
ملكوت السماوات حتى الآن لم يدخله ذو طبيعة بشرية إلا السيد المسيح فقط الذي ذهب هناك كسابق للقديسين ليعد لهم مكانًا كما قال هو بنفسه لتلاميذه: "لا تضطرب قلوبكم أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي. في بيت أبى منازل كثيرة، وإلا فإني كنت قد قلت لكم أنا أمضى لأعد لكم مكانًا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتى أيضًا وآخذكم إلىّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو14: 1-3).
وفى مناجاته مع الآب السماوي قبل الصلب "تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء وقال.. أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم" (يو17: 1، 24).
إن أرواح القديسين تنتظر في الفردوس ولكن هؤلاء القديسين سوف يدخلون إلى ملكوت السماوات بعدما يأتي السيد المسيح في مجيئه الثاني للدينونة ويأخذهم معه بعد أن يدعوهم للقيامة من القبور.
وقد شرح القديس بولس الرسول أن ملكوت السماوات ليس على الأرض بأقوال متعددة مثل قوله: "وأما رأس الكلام فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا قد جلس في يمين عرش العظمة في السماوات خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان. لأن كل رئيس كهنة يُقام لكي يقدم قرابين وذبائح. فمن ثم يلزم أن يكون لهذا أيضًا شيء يقدّمه. فإنه لو كان على الأرض لَما كان كاهنًا إذ يوجد الكهنة الذين يقدّمون قرابين حسب الناموس، الذين يخدمون شبه السماويات وظلها كما أوحى إلى موسى وهو مزمع أن يصنع المسكن" (عب8: 1-5). "فكان يلزم أن أمثلة الأشياء التي في السماوات تطهر بهذه وأما السماويات عينها فبذبائح أفضل من هذه. لأن المسيح لم يدخل إلى أقداس مصنوعة بيد أشباه الحقيقية بل إلى السماء عينها ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا" (عب9: 23، 24).
وأكّد القديس بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين أن السيد المسيح قد دخل إلى السماء عينها كسابق للقديسين فقال: "حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا صائرًا على رتبة ملكي صادق رئيس كهنة إلى الأبد" (عب6: 20).
كذلك أكد أن السيد المسيح قد صعد إلى السماوات مرة واحدة بعد قيامته من الأموات فقال: "بدم نفسه دخل مرة واحدةً إلى الأقداس فوجد فداءً أبديًا" (عب9: 12).
وتكلّم أيضًا عن السماء ودعاها مدينة الله الحي وأورشليم السماوية حيث الملائكة الذين يحيطون بعرش الله فقال: "قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السماوات وإلى الله ديان الجميع وإلى أرواح أبرار مكملين" (عب12: 22، 23).
وتكلّم السيد المسيح كثيرًا عن ملكوت السماوات ليجتذب أنظار التلاميذ نحو السماويات فقال على سبيل المثال: "يشبه ملكوت السماوات إنسانًا ملكًا صنع عرسًا لابنه وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس" (مت22: 2، 3). وقال عن نهاية العالم: "حينئذ يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس.. والمستعدات دخلن معه إلى العرس.. فاسهروا إذًا لأنكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان" (مت25: 1، 10، 13).

جهنم
كلمة "جهنم"هي كلمة عبرية أصلها "جيهِنوم" أي "وادى هنوم"وهو وادٍ عميق ضيق يقع في جنوب أورشليم حيث قدم اليهود أولادهم للإله مولك على نحو ما فعل الوثنيون، ولذلك أمر الملك يوشيا "لكي لا يعبر أحد ابنه أو ابنته في النار لمولك" (2مل23: 10).
كان تمثال الإله مولك النحاسي المجوف يتم إيقاد النار بداخله حتى يحمى معدنه إلى درجة الاحمرار. ثم يقدم الآباء أبناءهم كضحايا للإله مولك، فيضع الكهنة الوثنيون الأطفال الصغار على يدي التمثال المحمية بالنار مع عمل أصوات طبول وأصوات صراخ الكهنة أو أناشيد عبادتهم الوثنية للتغطية على صوت صراخ الأطفال الذين تشويهم نار ذراعي الإله مولك بصورة بشعة. وهكذا نرى كيف استعبد الشيطان البشر وماذا يفعل الإنسان بغواية إبليس حينما يفقد إنسانيته.
ولقد أصبح هذا الوادي بعد ذلك هو المكان المرفوض من المدينة وفيه كانت تُلقى أجساد المجرمين، وجثث الحيوانات، وجميع أنواع القاذورات التي يرعى فيها الدود وتشتعل فيها النار. وبسبب عمقه وضيقه والنار والدخان المتصاعد منه، صار رمزًا لمكان عقاب الأشرار في المستقبل. وحيث إن النار كانت تميِّز المكان لذلك دُعي نار جهنم. ولقد وردت كلمة جهنم في العهد الجديد إحدى عشرة مرة وذلك في أناجيل متى ومرقس ولوقا وفي رسالة يعقوب الرسول وفي رسالة بطرس الرسول الثانية.
فقد قال السيد المسيح: "من قال (لأخيه) يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (مت5: 22). "إن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم. وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم" (مت5: 29، 30).
كما قال: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (مت10: 28).
وبذلك أوضح السيد المسيح أن عذاب جهنم سوف يشمل الجسد والروح معًا بقوله "كليهما في جهنم"ووبّخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين قائلًا: "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلًا واحدًا. ومتى حصل تصنعونه ابنًا لجهنم أكثر منكم مضاعفًا" (مت 23: 15). وكذلك قال لهم: "أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟" (مت23: 33).
جهنم النار الأبدية!
أوضح السيد المسيح أن في جهنم سوف تكون النار الأبدية حيث الدود الذي لا يموت والنار التي لا تطفأ مثلما كان الحال في وادي هنوم (جيهِنوم) فقال: "خير لك أن تدخل الحياة أقطع من أن تكون لك يدان وتمضى إلى جهنم إلى النار التي لا تطفأ. حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ" (مر9: 43،44).
وشرح يوحنا الرسول في سفر الرؤيا عذاب الذين يسجدون للوحش ويخضعون لسلطان إبليس فقال "إن كان أحد يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده، فهو أيضًا سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفًا في كأس غضبه ويعذَب بنار وكبريت أمام الملائكة القديسين وأمام الخروف. ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين" (رؤ14: 9-11). وبهذا أوضح أن العذاب هو أبدى.
وكتب أيضًا عن دينونة الوحش والنبي الكذاب "فقبض على الوحش والنبي الكذاب معه الصانع قدامه الآيات التي بها أضل الذين قَبِلوا سمة الوحش والذين سجدوا لصورته وطُرح الاثنان حيَّين إلى بحيرة النار المتقدة بالكبريت" (رؤ19: 20).
وكتب عن دينونة الأموات في اليوم الأخير "ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله وانفتحت أسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة، ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم،
وسلّم البحر الأموات الذين فيه وسلّم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما ودينوا كل واحد بحسب أعماله. وطرح الموت والهاوية في بحيرة النار. هذا هو الموت الثاني. وكل من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طُرح في بحيرة النار" (رؤ20: 12-15).
وكتب عن أنواع الخطاة الذين سوف يذهبون إلى العذاب الأبدي فقال: "وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني" (رؤ21: 8). وأوضح السيد المسيح أن العذاب سوف يكون في النار الأبدية المعدة لإبليس وللملائكة الأشرار "ثم يقول أيضًا للذين عن اليسار اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته" (مت25: 41). "فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى" (مت25: 46).

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب
كيف وصف سفر آدم حياة آدم وحواء بعد السقوط والطرد من الفردوس؟ وما هي المتاعب والحروب الشيطانية التي قاساها آدم وحواء، وما هي محاولاتهما المتكررة للانتحار؟ وكيف قتل قايين هابيل؟
ج: دعنا يا صديقي نتناول سفر آدم باختصار شديد، وهو يتكون من تسعة وسبعين إصحاحًا، كما جاء في الترجمة المصرية الأثيوبية:
كان شمال جنة عدن بحرًا ماءه رائق وصافي حتى أن الناظر يرى أعماق الأرض، وإذا اغتسل إنسان في هذا البحر فإنه يصير أبيضًا نقيًا، ولهذا فإن الصالحين متى قامت أرواحهم في اليوم الأخير وعادت إلى أجسادهم واغتسلوا في هذا البحر فإنهم يتوبون عن خطاياهم، ولذلك لم يضع الله آدم بعد طرده من الجنة على حافة هذا البحر لئلا يغتسل فيمسح التعدي الذي اقترفه.
وكان جنوب جنة عدن تفوح منها رائحة الأشجار الذكية، ولذلك لم يطرد الله آدم إلى هذا الاتجاه، حتى لا يتعزى بهذه الرائحة وينسى تعديه، ولكن الله طرد آدم وحواء في اتجاه الغرب ليعيش في كهف الكنوز، فعقب السقوط سار آدم وحواء في جنة عدن تجاه البوابة دون أن يعلما أنهما سائران، وما أن رأيا الأرض أمامهما ممتدة قفرة مُغطاة بالحصى والرمل حتى ارتعبا وسقطا على وجهيهما، فتراءف الله عليهما وأرسل لهما كلمته (يتحدث الكاتب عن كلمة الله مرة بالمذكر ومرات كثيرة بالمؤنث) فأقامهما، وأخبره الله أنه سيرسل كلمته بعد خمسة أيام ونصف ليخلصهما، وعندما سأل آدم عن المعنى المقصود بالخمسة أيام ونصف فأخبره الله أن كلمته سيأتي للعالم بعد خمسة آلاف وخمسمائة، وعندما رأى آدم وحواء الكاروب الغاضب العابس يمسك بسيف نار متقلب ارتعب وظن أن الكاروب سيقتلهما فسقطا مغشيًا عليهما ولكن الله طمأنهما ووعدهما بأنه سيرسل كلمته ويخلصهما (الإصحاح 1-3).
ونزل آدم وحواء بتأن إلى كهف الكنوز المُظلم، ولم يرد أن يدخله، ولكنه لئلا يُحسب متعديًا مرة أخرى دخل إلى كهف الكنوز كما أمره الله بهذا، وعندما وقف يصلي ورأى سقف الكهف الصخري يمنعه عن رؤية السموات فصرخ قارعًا صدره وسقط كميت، فجلست حواء بجواره تبكيه، ثم وقفت تصلي وتطلب من الإله أن يقيم زوجها أو يقبض روحها معه، وصرخت حواء بمرارة وسقطت كميتة بجوار زوجها آدم (الإصحاح 4، 5).
فأرسل الله كلمته فأقامهما، وعاتبهما الله على تعدياتهما برغبتهما الخاصة طمعًا في الألوهية والعظمة، فسقطا كما سقط الشيطان من قبل الذي نشد الألوهية لنفسه ولم يحفظ إيمانه، فلما سمع آدم وحواء بكيا ونشجا، وقال آدم للإله أن الحيوانات كانت تطيعه في الجنة أما الآن فإنها ستحاول التهامه، فأمر الإله الحيوانات والطيور وكل ما يتحرك على الأرض أن يكونوا أليفين مع آدم وحواء، باستثناء الحية التي لم تحضر أمام الإله لغضبه منها (الإصحاح 6، 7).
وعندما اشتكى آدم للإله أنه لم يعد يرى الملائكة كما كان في الجنة، فأخبره الله أن طبيعته المشرقة قد سحبت منه بسبب تعديه (الإصحاح 8).

وخرج آدم وحواء من كهف الكنوز واتجها إلى بوابة الجنة، فوجدا الماء الذي ينبع من تحت جذور شجرة الحياة ليروي الجنة وينقسم إلى أربعة أنهار، فعاد آدم إلى حزنه وصراخه مُوبخًا حواء:
لماذا جلبت عليَّ وعلى نفسك وعلى ذريتنا كثيرًا جدًا من الكوارث والعقوبات؟ فصرخت حواء بمرارة، وفي مرارة صراخهما سقطا آدم وحواء في الماء وأرادا أن يفقدا الحياة، ولكن الله الرحيم أرسل ملاكه وأخرجهما من الماء وحملهما إلى شاطئ البحر مثل الموتى، وصعد الملاك يخبر الله بما كان، فأرسل الله كلمته إلى آدم وحواء وأقامهما من الموت.
وعندما قام آدم من موته قال لله: عندما كنا في الجنة لم نكن نحتاج أو نهتم بهذا الماء. فقال له الله: عندما كنتما تحت وصايتي في الجنة لم تعرفوا الماء، لكن الآن لا نفع لكم بدون الماء الذي به تغسلون أجسادكم وتجعلونها تنمو.
فصرخ آدم وحواء صرخة مُرة، وتوسل آدم لله أن يرجع إلى الجنة، فقال الله له: لقد أعطيتك وعدًا، فعندما يكتمل هذا الوعد (بعد خمسة آلاف وخمسمائة عام) سوف أعيدك ثانية إلى الجنة (الإصحاح 9، 10).
وشعر آدم وحواء بأنهما يحترقان من العطش والحرارة والحزن فقال آدم لحواء: لن نشرب من هذا الماء حتى إن كنا سنموت.
ودخل الاثنان كهف الكنوز، وغشتهما الظلمة، فلم يعد يرى أحدهما الآخر، فقرع آدم صدره هو وحواء، وظلوا ينوحون طوال الليل وضرب آدم نفسه وألقى بنفسه على الأرض، وتحسست حواء طريقها بيديها حتى وصلت إلى آدم فوجدته بلا حراك فظلت بجواره خائفة ومرتعبة من الظلام فأتت كلمة الله في الظلام وأقامت آدم من موته، وعندما قال آدم لله: لماذا التف حولنا الظلام؟ لماذا ابتليتنا بهذا؟ فأوضح له الله أن الذي يتعدى وصيته يدخل في الظلام، كما حدث مع الملاك الذي سقط من السموات إلى الأرض، وقال الله لآدم: هذا الليل قد خدعك، إنه لن يدوم إلى الأبد، بل فقط لمدة اثنتي عشر ساعة، ثم يعود ضوء الصباح، فلا تقل أن هذا الظلام طويل، ولا تقل إني أبليتك به.. لقد أوصيتك وحذرتك من الأكل من شجرة معرفة الخير والشر وأنت سقطت، فاللوم يقع عليك وحدك.. لقد صنعتُ الليل ليرتاح فيه البشر من عملهم، ولتخرج الحيوانات بالليل لتبحث عن طعامها (الإصحاح 11-13).
فقال آدم: يا رب خذ روحي ولا تدعني أرى هذا الظلام مرة أخرى، أو انقلني لمكان آخر لا ظلام فيه.
فقال له الله: سأنقلك من الظلام بعد اكتمال عهدي، عندما أخلصك وأعيدك ثانية إلى الجنة إلى بيت النور.. عندما أنزل من السموات وأصبح جسدًا من نسلك، وآخذ على نفسي نفس العلة التي تعاني أنت منها، حينئذ فإن الظلام الذي يغلفك في هذا الكهف سوف يُغلفني في القبر.
فصرخ آدم وحواء وندموا بسبب ما سيتحمله الإله من أجل خلاصهم، وظل الاثنان واقفان في الكهف يتضرعان ويصرخان حتى بزغ الصباح، وعندما أشرقت "الشمس " خرج آدم من كهف الكنوز ورأى أشعة الشمس المتوهجة، فخاف وارتعب، وظن أن الشمس هي الإله الذي يريد قتله، فصرخ وقرع صدره وسقط على الأرض وقال: يا رب لا تصيبني ولا تفنيني ولا حتى تأخذ حياتي من على الأرض. فأتت إليه كلمة الله وقالت له: يا آدم.. انهض على قدميك، هذه الشمس ليست إله، لكنها خُلقت لتعطي نور النهار.. أنا الإله الذي أراحك بالليل (الإصحاح 14- 16).
ثم قصد آدم وحواء البوابة الغربية للجنة، فرأيا الحية التي أصبحت شيطانًا تزحف على بطنها وتلعق التراب، وبعد أن كان شكلها وسيمًا صار قبيحًا، حتى أن الحيوانات كانت تهرب منها، ولا تشرب من الماء الذي تشرب منه هذه الحية، وعندما رأت الحية آدم وحواء نفخت رأسها ووقفت على ذيلها ونظرت إليهما بعيون دموية حمراء، وانقضت على حواء لتقتلها، فصرخ آدم بقلب محترق من أجل حواء، وأمسك بذيل الحية التي التفتت إليه بغضب قائلة: يا آدم بسببك أنت وحواء أنا أسعى على بطني، ثم انقضت عليهما وعصرتهما تريد قتلهما، ولكن الإله الرحيم أرسل ملاكًا فألقى بالحية بعيدًا عن آدم وحواء، وأقبلت كلمة الله تقول للحية: في المرة الأولى جعلتكِ تسعين على بطنك، أما الآن فإني أُجردك من الكلام فتصيرين صامتة، وبأمر الإله هبت الرياح وحملت الحية فطوحت بها على شاطئ البحر في الهند، فقرع آدم صدره وسقط على الأرض مثل الجثة، فجاءت كلمة الله وأقامته، وتلقى آدم وعدًا بأن الحية لن تقترب إليه ثانية، ولكن آدم ظل يصرخ طالبًا من الله أن ينقلهما إلى مكان آخر لا تقدر الحية أن تأتي فيه قائلًا: لأني أخاف أن تجد الحية خادمتك حواء وحدها وتقتلها، لأن عيناها شريرة ومخيفة، فأكد الله لآدم الوعد ثانية بأنه لن يترك الحية تؤذيهما، فسجد آدم وحواء لله وشكراه وسبحاه لأنه أنقذهما من الموت (الإصحاح 17-20).

ومضى آدم وحواء يتجولان حتى وصلا إلى جبلٍ عالٍ مواجه للبوابة الغربية للجنة، فلفحتهما حرارة الشمس، فصرخا، وألقى آدم بنفسه من قمة الجبل فتمزق جسده ونزف كثيرًا حتى اقترب من الموت، فألقت حواء بنفسها خلفه فتمزق جسدها، فتراءف الله عليهما وأرسل كلمته فأقامهما قائلًا: يا آدم، كل هذه التعاسة التي جبلتها على نفسك، لن يكون لها أي تأثير عبى قراري، ولن تغير عهدي بالخمسة آلاف والخمسمائة عام، فقال آدم للإله قد يبستُ من الحرارة وخارت قواي فلا أريد أن أعيش في هذا العالم. ولا أعرف متى تأخذني حتى أستريح، عندما كنتُ في الجنة لم أُعاني من الحرارة ولا الوهن ولا التجوال ولا الخوف. فقال له الإله: طالما تحفظ وصاياي فإن نوري ونعمتي سوف تستقر عليك، ولكن إن تعديت وصاياي تأتي عليك هذه المحن.. إنني سوف أتحمل عنك كل هذه المحن حتى أخلصك. عندئذ تقوى آدم وحواء وأقاما مذبحًا وأخذا الدم الذي نزف منهما وقدماه على المذبح، وصليا الصلاة الربانية، فأتت كلمة الإله وقالت: يا آدم كما أرقت دمك لذا سأريق دمي عندما أصبح جسدًا من ذريتك. وكما متَ يا آدم سأموت أنا أيضًا، وأوصى الله آدم قائلًا: يا آدم لا تقتل نفسك مثل ذلك مرة ثانية بإلقاء نفسك من الجبل، وصنعت كلمة ميثاق عهد مع آدم وباركته وأراحته (الإصحاح 21- 25).
وعاد آدم وحواء إلى كهف الكنوز ولكن الحزن الثقيل أصابهما، فصرخا للإله ليرسل إليهما الشمس حتى تخلصهما من الظلام. فقالت كلمة الله: يا آدم إن جلبتُ لك الشمس دائمًا فإن الأيام والساعات والسنوات ستتوقف، والعهد الذي أقمته معك (وسيتحقق بعد 5500 سنة) لن يتحقق قط. وقال الإله لآدم: كن صبورًا وادخل الكهف لأن الظلام الذي تخاف منه سيمكث اثني عشر ساعة فقط، فسجد آدم وحواء لله واستراح قلباهما، ومع هذا فإنهما دخلا الكهف والدموع تنساب من عيونهما، ووقفا يصليان ويتضرعان بينما حل الظلام عليهما (الإصحاح 26).
وعندما رأى الشيطان آدم وحواء يصليان جمع جيوشه ووضع عرشه بالقرب من فتحة الكهف وأظهر نورًا عظيمًا، وبدأت جيوش الشيطان تُسبّح. فخرج آدم وحواء من الكهف وانحنيا أمام الشيطان، ولكن آدم تشكك وقال لحواء: هذا الجيش الواقف لماذا لا يريد أن يدخل كهفنا؟ ولماذا لا يقولون لنا لماذا جاءوا إلى هنا؟ ووقف آدم يتضرع للإله بقلب محترق يسأله: يا رب هل هناك إله آخر في العالم بجانبك؟ فأرسل الإله ملاكًا أخبر آدم بالحقيقة وأن الشيطان وجيوشه جاءوا ليخدعوه مرة ثانية. وأمسك الملاك بالشيطان وأحضره أمام آدم وحواء اللذان خافا جدًا عندما رأياه (الإصحاح 27).
وفي الصباح اتجه آدم وحواء صوب الجنة فظهر لهما الشيطان وجيشه على شكل سحابة، فظنا أنهم ملائكة. وأخبر الشيطان آدم بأنه ملاك، وقاده إلى البحر الرائق ليستحم هو وحواء، وعندما وصلا إلى الجبل العالي شمال الجنة أراد الشيطان أن يطرحهما من عليه. ولكن الله لعن الشيطان فهرب مع جيوشه، ووقف آدم وحواء يصرخان ويطلبان الصفح من الله.
وطلب آدم من الله أن يعطيه شيئًا مما في الجنة، فأمر الله ميخائيل فأحضر لآدم عصى ذهبية من البحر الهندي لتضيء له في الليل، وأمر جبرائيل فأحضر لآدم اثني عشر رطلًا من البخور ذو الرائحة الحلوة، وأمر الله روفائيل فأحضر له ثلاثة أرطال من المر ليريحه من حزنه. وقال الله لآدم إنه عندما يتجسد سيحضرون له ذهبًا علامة على الملك، وبخورًا علامة على الألوهية، ومُرًا علامة على المعاناة والموت (الإصحاح 28- 31).

ودعى آدم حواء للذهاب إلى البحر الذي ألقيا بأنفسهما فيه من قبل، وطلب منها أن تنزل في الماء ولا تخرج منه حتى نهاية ثلاثين يومًا وفعل هو كذلك، وأخذا يتضرعان للإله ليرجعهما للجنة أو ينقلهما إلى أرض أخرى، ولكن الشيطان ظهر لحواء على شكل ملاك وأقنع حواء بالخروج من الماء ليتوجها بالنور، فخرجت فرحة واتجهت لآدم الذي بمجرد أن رآها صرخ وغطس في الماء، فأتت كلمة الله وأنقذته من الغرق، وفهمت حواء أن الذي ظهر لها هو الشيطان وليس الملاك، وعادا إلى الكهف، وكان لهما 43 يومًا منذ طردهما من الجنة وهما لا يأكلان ولا يشربان حتى هزلت أجسادهما وجفت من العطش والجوع. وتضرعا للإله ليعطيهما ما يأكلانه، فأمر الله الكاروبيم أن يعطيهما بعضًا من ثمار التين. فأعطاهما تينتان كلٍ منهما في حجم البطيخة الحمراء. ولكن آدم خشى أن يأكل هذه التينة، لئلا يعصي الله ثانية. فصلى للإله (الذي خلق الحيوانات في الساعة الأولى من صباح الجمعة، وخلق الإنسان في الساعة الثالثة من نفس اليوم، وقد عصاه آدم في الساعة السادسة من يوم الجمعة، وطُرد من الجنة في الساعة التاسعة من نفس اليوم) ليعطيهما من ثمار شجرة الحياة، فقالت كلمة الله: يا آدم إنك لن تأخذ من ثمار شجرة الحياة إلَّا بعد اكتمال الخمسة آلاف وخمسمائة عام، فكل من ثمرة شجرة التين. وأراد آدم أن يأكل مع حواء من ثمرتي شجرة التين، ولكنه خشى من وقوع مكروه لهما، فصرخ آدم وتضرع للإله ليشبعه من الجوع بدون الأكل من التينة. فقال كلمة الله: يا آدم لماذا لم يكن لديك هذه الخشية وهذا الاهتمام قبل السقوط..؟ فوضع آدم التينة على العصى الذهبية، ووضعت حواء التينة الأخرى على البخور، وظلا واقفان صائمان طوال الليلة. وفي الصباح انصرف آدم وحواء للمكان الذي ينساب منه الماء إلى أربعة رؤوس وتضرعا للإله ليرويهما من ماء الحياة، فقالت كلمة الله لآدم في اليوم الذي سأنزل فيه إلى الجحيم وأكسر بوابات النحاس وممالك الحديد ويسيل دمي على رأسك في الجلجثة سيكون دمي هو ماء الحياة بالنسبة لك، فعادا آدم وحواء إلى كهف الكنوز (الإصحاح 32-42).
وعندما عاد آدم وحواء إلى كهف الكنوز وجدا الشيطان قد أشعل النيران ليحرق الكهف، ولكن الإله أرسل ملاكه لحراسة الكهف من النيران التي ظلت مشتعلة من الظهر وحتى صباح اليوم التالي، والشيطان يلقي عليها بالأشجار، حتى جاءت كلمة الله وطردت الشيطان، ولم يقدر آدم وحواء على دخول الكهف بسبب شدة الحرارة، فتضرع آدم للإله الذي أخبره بأنه بعد أن يموت (آدم) سيذهب للجحيم حيث نار الشيطان المُحرِقة، ولن ينجو منها حتى مجيء الكلمة الذي سينقله إلى موضع الراحة، وأمر الله النار فانشقت وصنعت طريقًا لآدم للعبور إلى الكهف، وما أن بدأ آدم وحواء في العبور حتى نفخ الشيطان في النار مثل الزوبعة، فاحترقت قمصان الجلد التي يرتدونها وشاط جسديهما، فصرخ آدم لله الذي أرسل ملاكه وأوقف النار وقال الإله لآدم: أنظر إلى حب الشيطان الذي دعاك للإلوهية والعظمة وهوذا يريد أن يحرقك ويفنيك، وقال الإله لحواء: أنظري إلى الشيطان الذي وعدكما بأن تتفتح أعينكما عندما تأكلان من الشجرة، وهوذا ناره تحرقكما.
ودخل آدم وحواء إلى الكهف وهما يرتجفان، ولم يقدرا أن يناما في الكهف بسبب حرارة لهيب النار فخرجا منه، وذهبا إلى قمة الهضبة التي بجوار الجنة وناما هناك، فدعى الشيطان جنوده وجعلهم يحملون صخرة ضخمة ويلقون بها على آدم وحواء ليقتلونهما ولا يرثا مع نسلهما الملكوت، بل يرجع (الشيطان) هو وجنوده لهذا الملكوت، ولكن الإله أمر الصخرة فأخذت شكل قبة، واهتزت الأرض لسقوط الصخرة، واستيقظ آدم منزعجًا مع حواء وأخذ يتضرع لله ليعرف ماذا جرى، فعلم أن الشيطان كان ينوي قتله ولكن الله خلصه، وأخبره الإله بأنه عندما يتجسد سوف يُحرّض الشيطان اليهود ليقتلوه وينزل في الصخرة (القبر) لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ يقوم بعدها من الموت، وهكذا ظل آدم وحواء داخل تجويف الصخرة ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ حتى جفت أجسادهم واضطربت قلوبهم وعيونهم من الصراخ، ثم فتحت فتحة في الصخرة وخرج منها آدم وحواء (الإصحاح 43- 49).

ثم انطلق آدم وحواء إلى الكهف وتضرعا للإله طوال اليوم ليكسوهما من عريهما بعد احتراق قمصان الجل. فأشارت عليهما كلمة الله بأن يذهبا إلى شاطئ النهر فيجدان جلود أغنام بعد أن أكلت الأسود الجثث فيصنعان منها أقمصة، فأسرع الشيطان ليلقي بهذه الجلود في البحر أو يحرقها بالنار فربطته كلمة الله بجوار الجلود حتى رآه آدم وحواء بشكله المخيف، ثم أطلقه الإله من قيوده، وأرسل الإله ملاكه فحاك الأقمصة بواسطة الأشواك، ثم بأمر الإله اختفت الأشواك وصارت كخيط واحد، ولبس آدم وحواء الأقمصة، وقال آدم لحواء عندما نتغطى بجلد الحيوانات نلبس علامة الموت، فكما مات أصحاب هذه الجلود سنموت نحن ونزول.
وتمشى آدم وحواء غرب الكهف ليستكشفا المكان فكمن لهما الشيطان على شكل أسدان مفترسان وهجما على آدم وحواء فصرخا للإله، فجاءت كلمة الإله وأنقذتهما، ثم عاد آدم وحواء للكهف وظلا يصليان طوال الليل، وفي الصباح انطلقا للناحية الجنوبية للجنة، وحاولا التسلل للجنة، فهجم عليهما الكاروبيم بسيف النار المتوهج فسقطا على وجهيهما كالأموات فنزلت ملائكة من السماء وأقبلت كلمة الله وأقامتهما من موتهما فطلب آدم من الملائكة أن تسأل الإله ليرده إلى الجنة، فقالت الملائكة: يا آدم أنت أطعت الشيطان وتجاهلت كلمة الإله.. لقد أراد الشيطان من قبل أن يغرينا لكننا لم نستجب له، فجمع جيوشه وصنع معنا حربًا، فلم نقوى عليه إلَّا بقوة الإله، وقذفنا به من السموات، فصار سرور عظيم في السموات، أما هو فقد صار ظلمة. ورفع الملائكة آدم وحواء من الجبل المجاور للجنة بالأناشيد والترانيم ووصلوا بهم إلى كهف الكنوز، فجاء الشيطان ووقف خارج الكهف وهو في خجل، ودعى آدم، فخرج إليه ظنًا أنه أحد الملائكة، وعندما سأله آدم قائلًا: من أنت؟ أعلن الشيطان عن ذاته أنه هو الذي أخفى نفسه في الجنة وأسقطهما وبذلك صار ملكًا عليهما، وأن بيته في النار المُحرِقة، وإنه سيدفعهما للنار ليعيشا فيها، فصرخ آدم وتضرع للإله مع حواء ليبعد الشيطان عنهما، ومازال يصليان ليل نهار حتى صعدت صلاتهما مثل لهب من نار. أما الشيطان فقد جمع جيوشه وهجم على آدم وحواء وضربوهما ضربًا مبرحًا حتى ماتا، فأتت كلمة الله وأقامتهما، وعاتب آدم الإله: أين كنت أنت يا إلهي حتى يعاقبونني بمثل هذه اللكمات؟ يا رب بسبب أنني تعديت قليلًا، فأنت قد عاقبتني بشدة، خلصني يا رب من بين يديه أو أخرج روحي من جسدي. فقال لهما الإله: لو كانت لكم هذه الصلوات من البداية، ما وصلتم لهذه المتاعب (الإصحاح 50- 59).
ثم ظهر الشيطان لآدم بشكل نوراني، وأقنع آدم وحواء أنه هو الإنسان الأول الذي خلقه الله قبلهما وأوقع عليه سباتًا وأخرج من جنبه آدم، وأن الإله أمره أن يأتي إليهما ليصحبهما ليأكلا من شجرة الحياة، ويشربا من ماء السلام، ويكسوهما حلة من النور، ويردهما إلى حالتهما السابقة، وانهمرت دموع الشيطان مُقنعًا إياهما أنهما أولاده، فرَّق له آدم وحواء وسمعا كلامه المعسول وذهبا معه، فجاءت كلمة الإله ولعنت الشيطان، وقال الإله لآدم: هذا هو أبو الحيل الشريرة الذي أخرجكما من جنة السرور، فسجد آدم وحواء للإله وسبحاه وظلا يصليان حتى الصباح.

فأخذ الشيطان التينتان ودفنهما خارج الكهف، ولكن الإله أنبتهما شجرتين محملتين بالثمار، فخزى الشيطان، ودعى الإله آدم وحواء للفرح بالشجرتين وأن يستظلا بظلهما، وحذرهما من الأكل من ثمارهما، فحفظ آدم الوصية، ثم حوَّل الله الشجرتان إلى تينتان كما كانتا أولًا، وسمح لهما الإله بالأكل منهما، ولأن آدم وحواء خشيا من الأكل لئلا يحترق جوفاهما ولم يعرفا كيف يأكلان، أرسل الله ملاكه الذي أقنع آدم وحواء بالأكل من التينة، فأكل آدم وحواء، وبعد الأكل عادت التينة سليمة كما كانت.
وفي الصباح ذهب آدم مع حواء لجدول المياه جنوب الجنة وشربا فانتعشت أجسادهما، وأرشدت كلمة الله آدم وحواء إلى أرض التربة السوداء حيث القمح والتين، فمضيا وجمعا كومة من القمح وإذ خارت قواهما ناما. فجاء الشيطان وأحرق القمح، وأفرغ وعاء الماء، فاستيقظ آدم وأسف لما حدث، وعادا إلى أسفل الجبل فالتقاهما الشيطان وأعوانه على شكل ملائكة يسبحون الإله، وخدعوهما ودعوهما لحقل آخر من الحنطة ونبع ماء، ولكن أولئك الشياطين أتاهوهما ثمانية أيام حتى سقط الاثنان مثل الموتى.
فأرسل الإله كلمته وأقامهما، وأمر الإله ملائكته أن يحملوا آدم وحواء إلى حقل القمح الأول فوجدا القمح كما كان قبل أن يُحرق، ودلو الماء، وشجرة عليها منَّا، وأنذر الإله الشيطان حتى لا يدمر حقل القمح ثانية، فأخذ آدم من القمح وأصعد تقدمة للإله الذي سرَّ بها وقال لآدم وحواء: حيث أنكما قد عملتما هذه التقدمة، فإني سوف أعملها بجسدي عندما أنزل على الأرض لأخلصكما، وسوف أجعلها تقدمة دائمة للمغفرة. وأرسل الإله نارًا مضيئة على تقدمة آدم وحواء، فابتهج آدم، وقرَّر تقديم هذه التقدمة ثلاث مرات أسبوعيًا أيام الأربعاء والجمعة والأحد، فأعلمه الإله أن الأربعاء والجمعة سيمثلان يومي الألم بالنسبة له، ويوم الأحد سيمثل قيامته. وبينما كان آدم يقدم تقدمته على المذبح طعنه الشيطان بحجر حاد في جنبه فسقط على الأرض وانبثق منه دم وماء، فصرخت حواء، فأرسل الإله كلمته وأقامه وقال له: أكمل تقدمتك.. هكذا سيحدث لي على الأرض عندما أُثقب وينساب الدم والماء من جانبي، وشفى الإله آدم، فعاد مع حواء إلى كهف الكنوز (الإصحاح 60- 69).
ثم اتخذ الشيطان مع اثنان من أعوانه شكل الملائكة ميخائيل وجبرائيل وروفائيل الذين أحضروا لآدم من قبل عصى الذهب والبخور والمر، وأقنع الشيطان آدم بأن يحلف ويعقد معه عهدًا، فقال آدم لا أعرف أن احلف أو أوعد، فوضع الشيطان يده على آدم ودعاه للقول: "كما يحيا الإله عاقلًا متحدثًا، الذي رفع النجوم في السموات وأسس الأرض الصلبة على المياه، وخلقني.. لن أكسر وعدي ولن أنكر كلمتي ". عندئذ طلب الشيطان من آدم أن يتزوج بحواء لينجب أطفالًا، ولكن آدم قال: هل أرتكب الفسق مع لحمي ومع عظامي، هل أنا أُخطئ لنفسي حتى يدمرني الإله وليمحوني من على وجه الأرض؟ وعرف آدم الثلاثة الذين أمامه هم شياطين وليسوا ملائكة، فقال لهم: أغربوا عني، أنتم ملعونون من الإله، ففرَّت الشياطين، وشعر آدم بالندم فوقف يصلي لمدة أربعين يومًا وهو صائم حتى سقط على الأرض، فأرسل الإله كلمته وأقامته وعاتبته: يا آدم لماذا أقسمت باسمي ولماذا عملت اتفاقًا مع الشيطان مرة أخرى..؟ فطلب آدم المغفرة من الإله، فصفح عنه. فاستراح آدم وخرج من الكهف مع حواء، وذهبا إلى نهر المياه يستمتعا بالطبيعة.

فاتخذ الشيطان مع عشرة من أعوانه شكل العذارى اللاتي قدمنَّ لآدم وحواء التحية، وتعجب آدم لجمالهن وسألهن: هل هناك، تحتنا عالم آخر بمثل تلك المخلوقات الجميلة؟ فأقنعن العذارى آدم وحواء أنهن يعشن مع أزواجهن وينجبن الأطفال وبذلك تتزايد أعدادهم. ثم انصرف الشياطين، ولكن نار الخطيئة وقعت على آدم، فنهض يصلي ويسأل الإله المشورة قائلًا إن لم تسمح لنا بالزواج ففرق بيننا، أو خلصنا من الشهوات الحيوانية. ولو فرَّقت حواء عني فإن الشيطان سيخدعنا ويدمر قلوبنا. فاستحسن الإله ما فكر فيه آدم، وسمح لهما بالزواج، فقدم آدم عصا الذهب كهدية زواج حواء وأعطاها البخور والمر، وظلا يصليان لمدة أربعين يومًا، ثم تزوجا بعدها. وفي ساعة ولادة حواء شارفت على الموت فحزن آدم جدًا وصرخ للإله فخلصها، وفرح آدم بخلاص حواء، وقد أنجبت توأم هما "قايين " ومعنى اسمه "الكاره " وأخته "لولوا " ومعناها الجميلة، وفعلًا كانت أجمل من أمها حواء، وبعد أربعين يومًا قدم آدم تقدمة عن ابنه قايين، وبعد ثمانين يومًا قدم تقدمة أخرى عن ابنته لولوا.
وبعد أن فُطم قايين ولولوا أنجبت حواء توأم آخر هما "هابيل " وأخته "إكليا". وشبَّ قايين قاسي القلب، متسلط على أخيه، لا يشارك في تقديم التقدمات مع أبويه للإله، بينما كان هابيل طيب القلب يفرح بتقديم التقدمات للإله. فظهر الشيطان له وهددَّه بالقتل، كما ظهر لقايين وأقنعه أن والديه يحبان هابيل أكثر منه، وأنهما سيزوجانه من أخت قايين الجميلة "لولوا " بينما يتركان "أكليا " غير الجميلة له.
وقدم هابيل تقدمة من ثمار الزرع فقبلت منه لقلبه الخيِّر وجسده النقي، بينما قدم قايين أصغر خرافه، فرفض الإله تقدمته لكبريائه وأفكاره الخاطئة. فاغتاظ قايين، وحفز الشيطان قايين، فضرب أمه ولعنها لأنها تريد أن تزوج لولوا الجميلة لهابيل، فهدأته أمه وأرسلته للحقل، وحزن آدم ولم يعلق بكلمة. ثم دعى آدم ولديه لتقديم تقدمات للإله فنزلت نار إلهية والتهمت تقدمة هابيل التي قدمها من القمح بقلب متواضع، ورُفضت تقدمة قايين التي قدمها من الأغنام بكبرياء، فاغتاظ قايين واستدرج أخاه إلى الحقل بحجة أن يريه الأشجار والثمار والنباتات الخضراء ويبارك الخراف، وأخذ معه عصا بحجة الحيوانات البرية، وفي الطريق إنهال عليه ضربًا، فقال هابيل له: يا أخي ترفق بي، بالصدر الذي رضعناه.. لا تضربني حتى الموت بتلك العصا، وإن أردت قتلي فاقتلني بحجر كبير. فحمل قايين حجرًا كبيرًا وهشم به رأس أخيه. وحاول قايين ثلاث مرات أن يحفر حفرة، ويواري أخيه التراب، ولكن الأرض لفظته. وغضب الإله من قايين، ولعن الأرض بسببه لكن لم يلعنه هو، فقد صار مرتجفًا ومرتعشًا دائمًا. ومع هذا فإنه وضع سبع عقوبات لمن يقتله، ولم يجد قايين راحة في أي مكان. وكان عمر هابيل حينذاك خمسة عشر عامًا ونصف، وقايين يكبره بسنتين.
حقيقة أن أي إنسان لديه أقل القليل من التمييز، ويقرأ هذه الخرافات وذاك الخيال الواسع يستحيل عليه أن يصدق ويؤمن أن الكلام كلام الله المعصوم من أي خطأ أو شائبة، فقط قد يتلذذ الإنسان بقراءة مثل هذه المؤلفات بغرض التسلية والفكاهة والاطلاع على الأدب القديم، وهو يدرك تمامًا أن هذه ما هي إلّا أساطير جمعت من الخيال الجامح والخرافات، ولذلك لا يستحق الأمر منا التفصيل والتقييم والحكم في جزئياته.. فقط يا صديقي ألتمس صلواتك لكيما يعينني الرب إلهنا لقطع أكبر شوط ممكن في هذا المشوار الطويل.



#شفيق_جلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفِرْدَوْسُ وتَنَاقُضُ الآبَاءِ القِدِّيسِينَ !! 1
- الصَّابِئَّة الْمَنْدَائِيُون !! ج 2
- الصَّابِئَّة الْمَنْدَائِيُون !! ج1


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شفيق جلال - الفِرْدَوْسُ وتَنَاقُضُ الآبَاءِ القِدِّيسِينَ !! 2