ماهر رزوق
الحوار المتمدن-العدد: 6467 - 2020 / 1 / 17 - 18:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تبدأ عملية كبت المشاعر لدى الإنسان في بداية حياته ، نتيجة للخوف من ردة فعل الأهل أو المجتمع ، ثم تنتقل إلى مرحلة التباهي ، عندما يكافئه المجتمع على انضباطه ، فيتفاخر الفرد بالكبت الذي يمارسه على نفسه و يطلق عليه اسم : إلتزام ، بينما يُعتبر النقيض حالة مشوهة و يسمى : انفلات ...
يتحول الأمر فيما بعد إلى حاجة و ضرورة ، أكثر من كونه مجرد وسيلة لكسب الرضى و القبول ، حيث يحقق الفرد ذاته من خلال مكبوتاته ، و ليس من خلال إطلاق الطاقات و تحرير الإمكانيات ...
و هذا ما يؤدي إلى التماهي الكامل بين هذا الفرد و المعتقدات التي يؤمن بها ، أو التي دُفع دفعاً للإيمان بها ، فتشكلت بحسبها شخصيته و تبلورت عقليته بحيث لا يعود هناك أي أفكار تحررية قادرة على فك هذا الارتباط الوثيق !!
إن تطبيق المنع و الكبت على الأفراد منذ الصغر ، قد يؤدي إلى احتمالين :
الاحتمال الأول : أن تتوّلد لدى الفرد ردة فعل معاكسة تماماً للكبت ، أي أنها تؤدي إلى تحرّر انفعالي غير عقلاني ، يسعى الشخص فيه إلى فعل كل ما هو ممنوع و محرم ، كنوع من الانتقام الضمني عن طريق متعة فعل المحظور و تحدي السلطة .
الاحتمال الثاني : أن يتوّلد لدى الفرد ما يسمى (شرطي الذات) حيث يمارس من خلاله كل الكبت و المنع الذي كان يطبّق عليه من قبل العائلة أو المجتمع . مشكلة هذا الشرطي أنه لا يكتفي بكبت الفرد الحاضن له و إنما يسعى كذلك إلى محاولة تطبيق المنع على المحيط الاجتماعي ، فنرى هذا الشخص ينتقد التحرر المزعج الذي يلاحظه لدى الآخرين حوله (من أصدقاء و أقارب و زملاء و حتى الغرباء منهم) . لا يحتمل هكذا شخص أن يكون التحرّر شائعاً و متاحاً ، لأن مفهوم المتاح لديه ضيق جداً و يكاد ينعدم أحياناً ، كما أنه لا يرى الأمور إلا بمنظور الأسود و الأبيض : كل مكبوت جيد و كل متحرّر سيء و يجب إزالته !!
سهولة اتباع هؤلاء لإيديولوجية إرهابية ، كبيرة جداً ، لأنهم يشكلون تربة خصبة لنمو مفاهيم العنف و التعصب ، كما أنهم يبدون استعداد مطلق لتطبيق عدالة السماء بأنفسهم و التي تتمثل بإزالة كل مخالف للمعتقد السائد الذي يؤمنون به ، و دعم كل ما يؤيد تكريس الممنوعات و المحرمات ، و كل ما يحد من الحرية الشخصية إلى أقصى الحدود !!
#ماهر_رزوق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟