أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الزهيري - وصية مجهولة لسجين مجهول !














المزيد.....

وصية مجهولة لسجين مجهول !


محمود الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 6465 - 2020 / 1 / 15 - 09:48
المحور: الادب والفن
    


لم يفيق من غيبوبة البنج , ومازال يهذي بكلمات وعبارات تبث الرعب والخوف في أوصال الطاقم الطبي , وتستدعي الشفقة عليه , وعلي شقيقه الأصغر الذي أصر علي حضور إجراء العملية الجراحية لقرابته من طبيب التخدير الإنسان العبقري , الذي دمعت عيناه مرات كثيرة كلما أمعن التفكير وتحركت رؤاه وتصوراته بإتجاه من هو معلق بين الحياة والموت , فلم يتذكر أي أمر هام مر بحياته من أفراح أو أحزان , ولم يتذكر مأساته العاطفية بمن أحبها لحد العشق والوله , وفارق بينهما السجن اللعين , فكانا من طلاب كلية الحقوق , ولهما أحلاماً وآمالاً مشتركة , وكان الواقع يحبط طموحهما , ويعجزه أحياناً , ويكاد يصيبه بالشلل فلايستطيعا تحقيق الحلم , والطموح مشلول , فكانت رؤاه كنبي , وتصوراته كشاعر أريب , وحكمته كسياسي لبيب , وقلمه لايختلف عن السيف , ويحدث آثاراً أقوي واعمق وأخطر من سن السيف ورصاصة االبندقية , وهو من كانت شجاعته سبباً في سجنه , وارتباك بل تحطم مشروع حياته العاطفي والمهني والسياسي , فهاهو السجن يراود ذاكرته المحشودة بالألم , والحزن والوجع الذي صار وكأنه لانهائي , فبعد خروجه من السجن الإنفرادي والوحدة والعزلة , وبالرغم من عذابات الأيام والشهور الأولي في عزلته الإنفرادية اللا إرادية , صار كعصفور كسير الجناحين , والقدمين , فلايستطيع أن يمارس الطيران , ولايقدر أن يمشي أو يتحرك , وكأنه ينتظر الموت علي عتبات جلاديه منتظراً الإعلان عن وفاته كمداً وقهراً وكبتاً , فهاهو بعد خروجه من سجنه , تراه وتري شحوب وجهه وملامحه التي صارت لاتحتاج إلي تدقيق النظر إليها , فهي ملامح البائس المسكين الكسير , فقط نظرات عينيه , وشعر حاجبيه الكثيف , ولحيته التي طالت , وشاربه الذي صار يغطي شفتيه , وكأنه ليس من هنا , وكذلك ليس من هناك , ومابين هنا وهناك, صار مسجي علي طاولة غرفة العمليات , ويهذي بصوت مسموع بعبارات مؤلمة , وبدأ يتحدث وكأنه يقرأ من موسوعة ويتحدث عن مكان سجنه وكأنه أراد الأن يهم ليعتدل من رقدته , فبدأ حديثه وهو تحت تأثير البنج واصفاُ السجن الرهيب بالتحديد والوصف الدقيق لعدد الزنازين فبدأ كلامه بتلعثم وحذر قائلاً :" يتكون السجن من 320 زنزانة مقسمة علي 4 عنابر أفقية تأخذ شكل الحرف H، بكل زنزانة مصباح قوته 100 وات تتحكم بها تقلبات السياسة العقابية في إدارة السجن، بحيث تستطيع الإدارة قطع المياه والإضاءة وغلق الشبابيك حسب ما تراه مناسبا!!
وفي الجانب الآخر من ذكريات الألم والعذابات , ومن ناحية أخرى أخذ يهذي ويسرد عن الرسم الهندسي للسجن الرهيب ويردد بأنه مساحة مكان الفسحة والتريض 25 مترًا في 15 مترًا علي شكل الحرف L , كما تستخدم 20 زنزانة كعنابر تأديب خاصة بالمعتقلين السياسيين يمنع عنهم فيها الإضاءة وتبادل الحديث . وهذا السجن المرعب تري القائمين علي إدارته لديهم القدرة الشنيعة علي إخفاء المعتقلين، واستنطاقهم بمختلف الطرق و الأساليب اللا إنسانية والتي تفوق سجون العصور الوسطي .
وانقطع كلامه هنيهة , وكأنه أراد أن يعتدل في رقدته ويهم جالساً مرة أخري , ويقول واصفاً العنابر والزنازين بالتفصيل :"كل عنبر، في هذا السجن الشديد الحراسة، ينفصل بشكل كامل عن باقي السجن بمجرد غلق بوابته الخارجية المصفحة فلا يتمكن المعتقلون حتي من التواصل عبر الزنازين، كما يفعل المساجين في السجون العادية، نتيجة الكميات الهائلة من الخرسانة المسلحة التي تمنع وصول الصوت بين الزنازين .
وهكذا أراد أن يتحدث بوجل , ومشاعر صعيبة مؤلمة تحيط به ,وقال وهو يحرك رأسه يمنة ويسرة , وكأنه لم يكن في هذا السجن المريب الخطير , وكأنه لم تضيع فيه أجمل وأروع سنوات عمره التي كان من الأروع قضاؤها خارج أسوار هذا السجن اللعين , وكأن مشاعر الرعب تحيطه , وأحاسيس القهر تسيطر علي وجدانه , وكأنه يريد أن يتحسس كلماته ومفرداته فأخذ يتحدث بهدوء تام قائلاً :" لا أستطيع أن أتحدث عن الشأن الداخلي لوطني بما فيه الكفاية , لأنني قد أكون من ضمن زوار السجن المرعب , وبصدق : مازلت أخشي الأماكن المغلقة أو المسورة , فما بالكم حينما يكون المكان سجن محكم الغلق , وجدرانه سميكة وباردة شتاءاً ولايسمح للمساجين بأي أغطية لمواجهة صقيع الشتاء المجرم حيث النوم علي مساطب خرسانية بدلاً عن الأسرة , وفي الصيف تستشعرحرارته وكأنها نار جهنم صيفاً , وفتحات التهوية لاتسمح بمرور الهواء الخارجي أو رؤية الشمس المنطفأة علي دوام النهار , أو نجوم الليل , والقمر المخنوق والمحجوب علي الدوام , ولا يكون لي أي اتصال بالعالم الخارجي , حتي لو كانت الزنزانة المجاورة لزنزانتي اللعينة , فيصعب علي الكلام مع من يجاورني الصمت المرعب والألم الرهيب المشبع بذكريات السنين والأيام قبل أن أكون زائراً دائماً لسنوات أو شهور لهذا السجن العذاب , وهذا السجن لايوجد به أوراق أو أقلام أو كتب , والموت قد يكون أفضل وأجمل وأروع من الحياة التي هي أسوأ من الموت!
أرجوكم لا تأخذوني إلي هناك , فأنا مازلت علي وعد معها , وهي تحبني وتعشقني , وأنا أعشقها لحد العبادة , وهي تنتظرني هناك حسبما اتفقنا وتواعدنا , فسأذهب إليها , وأكون معها , وسنحقق كل ما أردناه أن يتحقق معاً !!
وكانت المفاجأة اللعينة , حال إقاقته الكاملة من البنج , قرر أن يرحل , حتي لايعيش مأساته مع ذكرياته , وتحطم مستقبله , وفراقه لوالدته المريضة بالربو الشعبي , ووالده المريض بالفشل الكلوي في مراحله النهائية , وتتبقي شقيقته المهاجرة لكندا , وهنا أتخذ قراراً بالموت من غير إنتحار , فرحل , وتبقي شقيقه الذي كان في زنزانة السجن الرهيب , والذي تخيل أنه كان برفقته في غرفة العمليات , تاركاً وصية مؤلمة , لم يريد أحد أن يفتحها , ويقرأ مضمونها حتي الأن , ومازال الكثير والكثير يتسائلون عن هذه الوصية وعن ما يمكن أن تحتويه لهذا للسجين المجهول !؟



#محمود_الزهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبيا : الجغرافيا والمسألة الصعبة والتدخل الأجنبي .. فهل من ...
- أمريكا و إيران: الدولة الشركة والدولة القبيلة .. وصراع المصا ...
- مأساة ليبيا ومأساة العراق : لابديل عن دولة المواطنة /الدولة ...
- عن إغتيال قاسم سليماني وأبومهدي المهندس : السؤال المطروح , و ...
- سليماني والمهندس : ماذا بعد إغتيالهما؟! فهل سيكون هناك رد من ...
- لاتخشوا من سرد طفولتكم ..
- بيوتنا مقابر !!
- كن أنت !!
- قول للموت مرحب .. وارحل !!
- طلق , وخليك إنسان !!
- سيكون للجنة عنوان !!
- زيارة صديقي الشيطان في رمضان ؛ وحديث عن العبودية الطوعية وال ...
- صديقي الشيطان , وزيارة رمضانية حول فتوي شيخ الأزهر عن طاعة ا ...
- صديقي الشيطان , وزيارة رمضانية في لباس عائض القرني !!
- الشيطان صديقي .. وزيارة رمضانية !!
- أقوال متناثرة ..
- متفرقات
- عن عقد نكاح الأجنة وهن في بطون أمهاتهن !!
- علي هامش مقتل جمال خاشقجي !!
- فصل التعليم الديني عن التعليم المدني العلماني .. من خلال دعو ...


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الزهيري - وصية مجهولة لسجين مجهول !