أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حكمت حمزة - صناعة الوهم والقدسية والشيطان...7















المزيد.....

صناعة الوهم والقدسية والشيطان...7


حكمت حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 6464 - 2020 / 1 / 13 - 14:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لكن يبقى السؤال المهم والجوهري في قضيتنا: كيف نشأت فكرة الأديان؟ وما هو الدافع الرئيسي لدى الانسان الأول، لابتكار هذا النوع من الأفكار وتبنيها؟ إننا لا نتحدث هنا بوصفنا مؤمنين، كي نقول بأن الإله تجلى على الأرض والتقى أحد المختارين من خليقته، على قمة جبل ما، ولن نقول أن الإله تجسد بشكل بشري، أو أرسل مجموعة من البرقيات عبر ساعي بريد خاص به، إلى شخص كان يجلس داخل كهف لا يدري ما الذي يفعل به، نحن هنا نتناول الموضوع من زاوية عقلية بحتة، نحاول أن نغوص فيها، داخل بحر التفاصيل التي وصلتنا من حياة الانسان الأول، في محاولة للربط بين الظروف التي كان يعيش فيها الانسان الأول، مع طبيعة المعتقدات التي سادت في البداية، ثم اخذت في النمو والتطور إلى الشكل الذي نعرفه في عصرنا الحالي.
يقول ول ديورانت في قصة الحضارة: (الخوف -كما قال لوكريشس- أول أمهات الآلهة، وخصوصا الخوف من الموت) "ول ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة زكي نجيب محمود، المجلد الأول ص 99". من هذا الكلام يجب أن نفهم جيدا أن الخوف من المجهول، والجهل بالكثير مما يحيط بالإنسان الأول، كان أحد اهم الأسباب الرئيسية، التي جعلت الانسان الأول يفكر بهذه الطريقة، ونمَّت في عقله فكرة الماورائيات، ووجود قوى كامنة غير مرئية في الأشياء المحيطة، مما أدى إلى نشوء فكرة الأرواح. عزَّز فكرة الأرواح هذه، قضية الاحلام والرؤى، التي لم يكن لها تفسير حقيقي واقعي في فجر الحضارة البشرية، خصوصا حين يرى الانسان في نومه، الحيوانات، والمخاطر التي كان يواجهها أثناء حياته المضنية، للبحث عن الغذاء والمأوى، أضف إلى ذلك رؤيته لأشخاص قد ماتوا في نومه. كل هذه العوامل مجتمعة مع ظروف أخرى، أدت إلى نشوء فكرتين مهمتين مرتبطتين ببعضهما في ذهنه، الأولى هي الأرواح، والتي تحدثنا عنها سابقا بوصفها قوى كامنة غير مرئية في الأشياء، والثانية التي تقول بأن هذه الأرواح لا تفنى، ولا تختفي برحيل الشخص الذي كانت بداخله، أو بفناء الشيء الذي كانت متمثلة فيه، وهي الأهم برأيي.
لما كان الموت مؤرقا لحياة الانسان، في فجر الحضارة البشرية، لا لأنه يحصد حياة الكثيرين، بل لأنه ظاهرة غير مفهومة وغير مقنعة، وتأبى الدخول إلى ثنايا الفهم في ذات العقل البشري، فهو جهل تماما ما سبب هذه الظاهرة، وما الذي يمكن أن يأتي بعد هذه النقلة النوعية، حين يفنى الجسد ويتآكل أو يحترق، ومما زاده حيرة هو توارد هذه الأشياء وحضورها في أحلامه أثناء النوم، وربطا مع ما تحدثنا عنه منذ قليل، بأن الأرواح لا تفنى، مع جهل الانسان بالموت من جهة أخرى، وعدم اقتناعه بأن كل شيء ينتهي هنا، أصبح لدينا مفهوم جديد، وهو الحياة بعد الموت، التي تتمتع بها الأرواح، والتي لا زالت تتجول بين الناس بعد الموت، كما بدأوا يعتقدون، وهنا يعتبر جزءا مهما جدا من أحد أهم أساسات معظم الأديان والمعتقدات على اختلاف تركيبها.
لم تكن قضية امتلاك الروح، مقتصرة على الانسان والحيوان، بل تعدتهما إلى النبات الذي ينمو، والأرض التي تحتضن النبات والحيوان والأنسان، والمياه التي تجري، والشمس والقمر الذين يتحركان ويظهران ويختفيان بشكل دائم، حتى الجبال والوديان أيضا. بشكل عام، آمن الانسان الأول بأن لكل شيء روحا حتى الجماد، وأصبح هذه القوى او الكيانات الخفية غير المرئية، شيئا من البديهيات الملازمة للإنسان البدائي، و أَضحت مسلمة لا تناقش بذاتها، بل تناقش تبعاتها وبعض التفاصيل والظواهر الناشئة عنها، وهذا أول عنصر سمح له الخوف بالتحول من ظاهرة طبيعية، إلى شيء خارق عصي على الفهم والاستيعاب، وبما ان لكل شيء روح، هذا يعني أن لكل شيء قوة او كيانا غير مرئي، مما جعل من الكثير من الأشياء قابلة لأن تصبح باكورة إله أو آلهة، وبالتالي بذرة لمعتقد او مجموعة معتقدات.
ننتقل بعد هذه القضية، إلى طبيعة حياة الانسان الأول، فقد كانت مليئة بالمصاعب، ومحفوفة بالمخاطر، إذ أن حياته الأولى كانت تعتمد على التقاط الثمار والصيد، وكان عليه مواجهة مخاطر الحيوانات المفترسة التي تنتشر في جميع ارجاء الأرض، حيث ان كثيرا من الافراد سقطوا ضحايا لهذه الكائنات المفترسة قبل ان يتمكن الانسان من امتلاك الأدوات والعقلية المناسبة في التعامل معها والسيطرة عليها، ولهذا أصبحت الحيوانات المفترسة تأخذ مكانة عظمى في نفس الانسان، وبما أنها ذات أرواح، تحولت شيئا فشيئا إلى مكانة تشبه مكانة الالهة التي تتم عبادتها ويخشى من شرورها وغضبها، وهذه كانت الشرارة لبدء عبادة الحيوانات.
أما على صعيد الأفلاك، فقد احتل القمر بداية المكانة المرموقة، كونه ارتبط بشكل او بآخر مع الدورة الشهرية لدى النساء، واعتبر في البداية مقياس الزمن، ومسؤولا عن المطر والثلج والعوامل الجوية، وبانتقال الانسان من حياة الصيد إلى حياة الزراعة، بدأ الانسان يلاحظ ارتباط الزراعة والمحصول والنمو بأشعة الشمس، وترسخ في ذهنه شيئا فشيئا أن الشمس هي المسؤولة عن نمو المزروعات والمحاصيل، وهي المتحكمة بكل شيء، من النمو إلى الخيرات إلى الدفء والطقس الجميل والأرض المليئة بالخيرات، وهي أيضا لها روح، وفضلا عن الروح، بيدها التحكم بخيرات الأرض وجودة العيش فيها، ورأى الأثر السيء لغيابها في الفصول الباردة، مما جعلها أيضا إحدى الوجهات الأولى لتكون آلهة تعبد ويُتَضَرَّع إليها. تعتبر الشمس من أكثر الآلهة حظا وتواجدا في الكثير من المعتقدات، حيث أن الكثير من آلهة الأديان المختلفة كانت الشمس، أو أن الكيان الإلهي المتجسد على الأرض، ليس سوى أقنوما للشمس تناثر وجوده على هذه البقعة الأرضية. في الكثير من الجماعات البشرية، لم تعد تقتصر الألوهية على الشمس فقط، بل توسعت لتشمل السماء بما فيها من شمس وقمر، وما تحويه من غيوم، وتنزله من ثلج ومطر.
الأرض أيضا كان لها نصيبها من الألوهية، كونها ذات روح أيضا، فمنها تنبت النباتات وتنمو الأشجار وتستقر، وكانت ملجأ وموئلا للكثير من الكائنات الحية، وفيها من الظواهر ذات الأرواح الكثير، فقد كانت الأشجار تحتل مكانة عظيمة في نفوسهم، لدرجة أنه في فترة الإزهار والاثمار، كان يمنع إزعاج الأشجار سواء بالعراك او النقاشات الحادة او حتى الأصوات العالية، كي لا تفزع فتتساقط أجنتها التي على أغصانها، كما كانت المرأة التي تجهض نتيجة فزع أو رعب شديد تماما. الزلازل والهزات الأرضية أيضا كانت مرعبة جدا، وكانوا يظنون أنها ليست إلا نتيجة لحركة الإله وتقلبه وهيجانه نتيجة غضبه.
نلاحظ مما سبق، أن فكرة الإله أو الآلهة كانت حبيسة الوسط المحيط، وليست إلا مجموعة من التضخيمات التي قام بها العقل البشري، لما كان يلاحظه دون أن يفهمه، والتي تعتبر بمثابة تفسير مؤقت ساعد الانسان الأول على التعايش مع هذه الظواهر والتعامل معها بشكل مؤقت، إلى الوقت التي ستتطور فيه أدوات المعرفة، مما يسمح له بفهم أعم وأوسع لما يحط به.
هذه كانت بدايات الآلهة، والنواة الأساسية لها، في المقال القادم، سنبحث ونتعمق في تفاصيل تطور هذه الآلهة وتبدلها وانتقالها بين صور وأشكال مختلفة، ولكن علينا أن نتذكر دائما، ان القضية الأساسية المولدة لهذه الأفكار، هي أن لكل شيء روح، و
كيان كامن غير مرئي في كل شيء، وهذا يفسر لنا تشبث المؤمنين الحاليين بفكرة الروح، كونها ارتدادا إلى ما تبقى في داخلنا من تفاصيل الانسان الأول من جهة، ولأنها الدعامة الأساسية لفكرة الإله والآلهة والأديان، ونفي فكرة الروح هو سقوط صريح لكافة الأديان ومعتقداتها...
يتبع...



#حكمت_حمزة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة الوهم والقدسية والشيطان...6
- حين اقتربت من حافة السبع سنوات
- رحلة إلى الماضي ( إلى سلمى)
- صفراوات الخريف
- الضبط المحكم...أم الوهم المحكم؟
- صناعة الوهم والقدسية والشيطان...5
- قراءة في المشهد العسكري والسياسي في ادلب
- استفاضة وتفصيل، في بعض التأملات من مقال الأستاذ سامي لبيب
- غيض من فيض جنون الذكريات
- في بلاد المسلمين، لا زلت أؤمن أن الحل بيد المسلمين أنفسهم... ...
- رثاء
- شذرات لادينية 2
- شذرات من احتضار
- شذرات لادينية
- التنوير...والتنوير المضاد
- عبث وبعثرة وركام
- صناعة الوهم والقدسية والشيطان...4
- صناعة الوهم والقدسية والشيطان...3
- صناعة الوهم والقدسية والشيطان...2
- صناعة الوهم والقدسية والشيطان...1


المزيد.....




- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حكمت حمزة - صناعة الوهم والقدسية والشيطان...7