أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نزار نيوف - قانون - الحسبة البعثية - في سوريا : محامون سوريون يتقمصون الإسلاميين المصريين ... - علمانيا -!؟















المزيد.....



قانون - الحسبة البعثية - في سوريا : محامون سوريون يتقمصون الإسلاميين المصريين ... - علمانيا -!؟


نزار نيوف

الحوار المتمدن-العدد: 1567 - 2006 / 5 / 31 - 10:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أعلن المحامي السوري حسام الدين حبش أن القضاء العسكري في دمشق أرسل بواسطة مكتبي الإنتربول الدولي في دمشق وبيروت " مذكرة جلب جبرا " عن طريق الفاكس بحق النائب اللبناني وليد جنبلاط . وقال المحامي المذكور لوكالة الأنباء الفرنسية إن المذكرة الموقعة من اللواء محمد نبيل سكوتي مدير إدارة القضاء العسكري " تحمل الرقم 48567 ". وفي سياق تبريره هذا الإجراء الاستعراضي ، قال المحامي حبش إن مرد ذلك يعود إلى " عدم تعاون السلطات اللبنانية المعنية وعدم إعادة مذكرة التبليغ السابقة الصادرة عن القضاء العسكري السوري في 3 ايار/مايو الحالي، رغم منحها الوقت الكافي الذي تحدد بسبعة ايام (..) لمثوله امام القضاء السوري حرا"! وبمنطق لا يذكرك إلا بنبرة رستم غزالي ، عاد " الأفوكاتو " المحترم أول أمس ، 28 أيار / مايو ، ليرغي ويزبد مؤكدا على أنه " ينتظر ردا من السلطات اللبنانية خلال الأيام الثلاثة المقبلة على مذكرة الجلب التي أرسلت الى القضاء اللبناني، وإذا لم يصل الرد فسيكون هناك إجراء أكثر صرامة" ، دون أن يشير إلى ماهية هذا الرد . لكنه حرص على شحذ انتباهنا من خلال التأكيد على أننا سنرى ونشاهد تفاصيل صرامته ، وربما " صرمايته " أيضا ، " من خلال القنوات الفضائية العربية " ، كما صرح حرفيا !!!
وكانت الجهة القضائية نفسها ، وبدفع من المحامي إياه (!)، قد أرسلت مذكرة مشابهة ، عن طريق الإنتربول الدولي أيضا(!)، إلى السلطات الفرنسية تتعلق بتهم مشابهة وجهت ضد عبد الحليم خدام ، نائب الرئيس السوري سابقا.
اللافت في الأمر أن المذكرتين كلتيهما كانتا نتيجة لقيام عدد من المحامين السوريين ، على رأسهم المحامي المذكور، بتحريك دعاوى ضد الشخصين المذكورين دون أي سند قانوني ، سوى نص حمال أوجه في قانون أصول المحاكمات الجزائية يقول بأن على كل من شاهد اعتداء على الأمن العام أن يعلم بذلك النائب العام المختص ، المدني أو العسكري ، وحسب الحالة . وطالما أن قضية النائب جنبلاط " تتصل بقضية استقلال سورية المناط بالجيش الحفاظ عليه (...) وإن هناك جرم التعرض لأمن الدولة ، وهو تحريض الجيوش الأجنبية لاحتلال سورية "، فقد كان من المحتم أن يبلغ النائب العام العسكري بذلك . طبعا لم يشرح لنا المحامي حبش أن مفهوم أمن الدولة في بلده ، واستنادا لقوانين الطوارئ المعمول بها في سوريا منذ العام 1963 ، لاسيما المرسوم 6 الصادر في العام 1965 ، يتراوح ما بين تهريب علبة سمنة و " التآمر " لتأسيس جمعية للدفاع عن حقوق المستهلك معنية بأسعار البندورة والكوسا والبطاطا ، .. وصولا إلى التآمر والتخابر مع .. الموساد! ( وإذا كنت شاطر ، فهام شي من شي !).
لست من المتعاطفين مع خدام أو جنبلاط . ولا يمكن لي أن أفعل ذلك في المستقبل أبدا ؛ ليس لأسباب سياسية وأخلاقية عامة وحسب ، ولكن لأسباب شخصية أيضا كافية بذاتها لتجعلني خصمهما "الأبدي" سياسيا ، بالنظر للأذى المادي والمعنوي اللذين ألحقاه بي ، كما بغيري . فعبد الحليم خدام ، ومن موقعه كنائب لرئيس الجمهورية ( آنذاك) ، هو من صادق على الحكم الصادر بحقي في 17 آذار / مارس 1992عن محكمة أمن الدولة العليا ( محكمة استثنائية نصف عسكرية ، تصدر أحكاما مبرمة وغير قابلة لأي شكل من أشكال الطعن والاستئناف). وقد قضى الحكم باعتقالي 10 سنوات مع الأشغال الشاقة قضيتها كلها تقريبا في زنزانة انفرادية ؛ فضلا عن مصادقته على الأحكام الأخرى الصادرة بحق زملائي السبعة عشرة (آنذاك) ، وعلى خلفية القضية نفسها ، والتي تراوحت بالسجن ما بين ثلاث إلى تسع سنوات بتهمة الانتماء لمنظمة غير مشروعة ( لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان) ، ونشر أنباء كاذبة عن انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان في سورية ، وتهم أخرى مخجلة ... له ولنظامه ، وليس لنا بطبيعة الحال !
وإلى هذه الأحكام التي دشنت المحكمة أعمالها بها ، بعد توقف دام عدة سنوات ، صادق السيد خدام على المئات من أحكامها الأخرى التي تراوحت ما بين السجن لسنوات طويلة ( 22 عاما )، بالنسبة لبعض قيادات حزب العمل الشيوعي ، والسجن المؤبد أو الإعدام بالنسبة لبعض كوادر ومنتسبي جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمات سياسية أخرى كحزب التحرير الإسلامي و " بعث العراق" . وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار عدد القضايا التي نظرت من قبل المحكمة حتى أواسط التسعينيات ، حين بدأ وزير الداخلية يقوم بهذا الأمر باعتباره نائبا للحاكم العرفي ، يمكن القول إن عدد الأحكام التي صادق عليها السيد خدام خلال الفترة الممتدة منذ نهاية السبعينيات حتى أواسط التسعينيات قد تجاوز الألفي حكم . ومن المعلوم أن قانون (مرسوم) إحداث محكمة أمن الدولة الصادر في العام 1968 اشترط مصادقة رئيس الجمهورية ( رئيس الدولة آنذاك) ، أو من ينوب عنه في ذلك ، على أحكامها كي تصبح نافذة المفعول. ولأن حافظ الأسد أراد توريط الجميع بـ " الجرائم المقوننة " ، وغير " المقوننة " طبعا ، فقد أناط بخدام المصادقة على أحكام المحكمة المذكورة ، فيما أناط المصادقة على الأحكام الصادرة عن المحاكم الميدانية ، ومحاكم القضاء العسكري الأخرى ، بنائبه لشؤون الجيش والقوات المسلحة ( وزير الدفاع مصطفى طلاس ) . وفيما لو جرى أي تحقيق مستقبلي ، فلن يعثر على أي حكم بالسجن أو الإعدام موقع باسم حافظ الأسد . فقد كان دائما أذكى من توأمه صدام حسين ! لقد كان من أولئك القادرين دوما على ارتكاب الجريمة الكاملة ، رغم أن علم الأدلة الجنائية لا يعترف بـشيء اسمه " الجريمة الكاملة"!
أما الدافع الشخصي لعدم تعاطفي مع وليد بك ، فيعود إلى أنه ، وفي لحظة من لحظات تطيره التي يسببها له ما " يتعاطاه" ، لم يجد أي حرج في اتهامي بالعمالة للنظام السوري والاندساس في صفوف المعارضة السورية باتفاق مع أجهزة استخباراته ! ( كذا ، حرفيا ، في مقابلة مشتركة مع صحيفتي " السياسة " الكويتية و " الأنوار " اللبنانية الصيف الماضي !). هذا على الرغم من أنه كان ، قبل أيام قليلة من ذلك ، يخرج التقارير التي كنت أعدها أنا والمنظمة الحقوقية التي أعمل معها حول مسلسل الاغتيالات في لبنان ، ويعرضها على شاشات التلفزة في بيروت ، مشيدا يجرأتنا وشجاعتنا في قول الحق والحقيقة " رغم أن هذا قد يكلفنا الالتحاق برفيق الحريري وسمير قصير وجورج حاوي " ، حسب تعبيره الحرفي في إحدى مقابلاته مع تلفزيون LBC. والسبب الوحيد لانعطافته الحادة في موقفه مني ، خلال أقل من أسبوع ، وتحولي في نظره من " بطل وشجاع " إلى " عميل سوري مندس" ، هو مطالبتي بالتحقيق مع سائق شهيدنا سمير قصير ، الذي ـ كما هو معروف ـ كان منتدبا من جهاز الأمن الخاص بوليد جنبلاط لحماية سمير بعد التهديدات التي تلقاها من اللواء جميل السيد في العام 2000 . ومن المعلوم أن أي محقق ، مهما كان مبتدئا وعديم الخبرة ، بل وعديم الضمير أيضا ، لا بد له أن يبدأ بالتحقيق انطلاقا من أقرب الناس المناط بهم حماية الضحية . وهذا ما لم يحصل مع سائقه حتى هذه اللحظة حسب معلوماتي ! وفي جميع الأحوال ، لا داع للتذكير بما يمثله سمير قصير في ضميرنا ووجداننا ، نحن المعارضة السورية المسماة بالديمقراطية واليسارية والعلمانية ؛ بل وما يمثله بالنسبة لي شخصيا . فقد كان حاضرا وشاهدا على جميع مراسلاتي مع جبران التويني من سجن المزة في سورية خلال التسعينيات ، وخصص لي ما يشرفني من الذكر ـ المجد لذكراه ـ في كتابه " ديمقراطية سوريا واستقلال لبنان " ، وساهم من وراء الستار في الحملة الدولية التي أدراها الشهيد التويني ووالده ، له العمر المديد ، لإطلاق سراحي ، بالتعاون مع اليونيسكو و " الجمعية العالمية للصحف ـ WAN " .
رغم ذلك كله ، وبعيدا عن الأهواء والعواطف الشخصية ، ينبغي لنا الوقوف بكل حزم في مواجهة السلوك الجديد للنظام السوري ؛ أعني قضية الاستنابات القضائية التي يعممها عبر الإنتربول الدولي ضد معارضيه اللبنانيين ، سواء أكان جنبلاط أو مروان حمادة أو غيرهما ، وسواء أكانوا محصّنين نيابيا أم لا ، والتي قد تطال المعارضين السوريين الحقيقيين أيضا في المستقبل، وليس فقط الذين نهبوا البلد والتحقوا بالمعارضة ليغسلوا ماضيهم كما تعلموا غسل أسلابهم وغنائمهم في بنوك فرنسا وغير فرنسا. وحتى في هذه الحال ليس من حق النظام ملاحقة أحد . فهو آخر من يحق له القيام بذلك ، عملا بقول الشاعر الياس أبو شبكه في أفاعي فرودسه " وقضاةٌ عُمْيٌ هم قضاةُ العور " ! هذا على الرغم من أنه لا قيمة لهذه الاستنابات من الناحية القانونية ـ الإجرائية . وقيمتها الوحيدة تكمن في البروباجندا الإعلامية التي تحاول خلق وعي عام كاذب وزائف مفاده أنه نظام " يعمل وفق منطق قانوني متحضر ويحترم الأصول القانونية المرعية " ، معتقدا أن بالإمكان استغفال الناس والضحك على ذقونهم ، سواء لجهة ما يتصل بطبيعة القوانين المحلية التي يلجأ إليها ، أو لجهة عدم اختصاص القانون الدولي الذي يحاول أن يهرّب سياساته الأمنية القمعية ذات المضمون " الإرهابي ـ الإبتزازي " من خلال بعض مواده . فهو يعرف جيدا أن المادة الثالثة من اتفاقية إحداث منظمة الشرطة الدولية ، الإنتربول ، تقول صراحة بعدم اختصاص المنظمة في قضايا من هذا النوع [1] . أما القوانين المحلية فقصة أخرى ، ذلك لأنها من عجائب الدنيا التي تستحق التأمل ! كما ويعرف النظام من تجربته السابقة أيضا أنه حاول خلال الثمانينيات ، كما أكد أمامي العقيد جلال الحايك ذات مرة في مكتب مديرسجن المزة ، اعتقال المئات من عناصر الإخوان المسلمين بالطريقة ذاتها . لكن جهودهم باءت بالفشل حين تعامل " الإنتربول" مع تلك المذكرات استنادا إلى المادة الثالثة إياها ، رغم كل ما كان يعرفه العالم عن عمليات الاغتيال والتفجير التي شهدتها سورية آنذاك ، والتي أنيطت المسؤولية عنها بالإخوان المسلمين و/ أو " الطليعة الإسلامية المقاتلة" و/ أو " بعث العراق".

ظاهرة "قوننة القمع" و" طورأة القوانين " في سورية
تميز النهج القمعي لحكم الرئيس حافظ الأسد طيلة سنواته الثلاثين بما يسمى " القمع العاري" أو السافر. فلم يكن هناك أي داع أو حاجة للحصول على موافقة مسبقة من النائب العام ، المدني أو العسكري ، من أجل اعتقال أو توقيف أي مواطن ، رغم أن أي نائب عام في سوريا ، سواء أكان مدنيا أو عسكريا " لا يمون " حتى على إصدار مذكرة توقيف بحق حارس ليلي إذا كان مدعوما من قبل ولو مساعد في المخابرات ! وكان باستطاعة أي رئيس فرع في المخابرات العسكرية أو غيرها من الأجهزة الأخرى ، ولا يزال الأمر كذلك حتى الآن بالطبع ، أن يمسك أي نائب عام أو قاض بمحرمة " كلينكس " من أذنه ويقذف به من أي نافذة كما يقذف بأي فأر.! والواقع أن النظام لم ينظر إلى القضاة والمحامين العامين في يوم من الأيام إلا بوصفهم مجموعة من قوارض السلطة والأجهزة مهمتها الأساسية نتش السلطة القضائية وكل ما تبقى من معالم استقلاليتها بعد العام 1963 .. حتى في مجال محاكم الأسرة المعنية بالزواج والطلاق وحضانة الأطفال التي لم تنج هي نفسها من " بعبصة " الأجهزة !
كان اختطاف الناس من الشوارع وغرف النوم وأماكن العمل والمحلات العامة وتغييبهم في السجون وأماكن الاعتقال السرية ، وشبه السرية ، السمة العامة لهذا القمع الذي أسفر في محصلته غير النهائية عن اعتقال عشرات الألوف بهذه الطريقة ، لا يزال حوالي سبعة عشر ألفا منهم في عداد المفقودين ، بما في ذلك المئات من الأردنيين واللبنانيين والفلسطينيين . وكانت أطول محاكمة " مملّلة " من محاكمات المحاكم الميدانية لا تتجاوز دقيقتين أو ثلاث دقائق ، دون حضور محامين بالطبع ( خلال الثمانينيات كان " القاضيان" سليمان الخطيب وصلاح معاني يحاكمان ما بين 60 إلى 80 معتقلا في سجن تدمر خلال فترة الدوام الرسمي ـ 8 ساعات عمل !). ومن نوافل القول إنه ما من إفادة ، تقريبا ، من إفادات المتهمين جرى الحصول عليها عبر التحقيق السليم وعلم القرائن والأدلة الجنائية ، وإنما تحت التعذيب الوحشي الذي لا يتصوره عقل بشري. وأصبح من الشائع جدا تداول تلك النكات السوداوية الشهيرة عن الحمار الذي اعتقلته المخابرات واعترف بأنه أرنب ، أو تلك العنزة التي اعترفت بأنها قادرة على الطيران ! وكان يجري عقد هذه المحاكمات، جميعها، في السجون العسكرية أو في أقبية فروع المخابرات . ويكفي لإعطاء صورة عن تلك المحكمات الإشارة ، مثلا ، إلى أن رئيس الغرفة الثانية في المحكمة الميدانية العسكرية إبان الثمانينيات (ضابط " سرايا الدفاع" و رئيس الدائرة العسكرية في " قوات الصاعقة" حتى العام 1981، العميد الفلسطيني صلاح الدين المعاني ) سأل أحد المعتقلين اللبنانيين عن سبب انضمامه للقوات اللبنانية ، فأجابه بأنه أراد الدفاع عن 10452 كم مربع ( مساحة لبنان ) . فكان الحكم الذي نطق به "القاضي " على هذا النحو ، وبهذه الصيغة الحرفية : " إذا هيك ، روح لكن . هي عشر سنين سجن . سنة عن كل كيلو متر مربع بدك تدافع عنه " !
بعد وفاة الأسد الأب طرأ تغير ملحوظ على شكل الاعتقالات وطريقة تغطيتها " قانونيا "، فضلا عن أداة تنفيذها . فمن حيث الأداة لم تعد الأجهزة المرعبة ( المخابرات العسكرية والجوية والمخابرات العامة ) هي الذراع القمعية التي تتولى التنفيذ في صيغة أقرب ما تكون إلى الأشكال التي مارستها " كتائب الموت " السرية في عدد من دول أميركا اللاتينية سابقا ، كالبرازيل والإرجنتين وتشيلي والبيرو وأورغواي ؛ وإنما " الشعبة السياسية " التابعة لوزارة الداخلية ذات " القفازات الحريرية". كما أن الاعتقالات أصبحت تتم عبر استنابة قضائية من النائب العام ، المدني أو العسكري . ولم يعد المعتقل يختفي فوراعتقاله ، بحيث لا يتمكن حتى " الذباب الأزرق" من معرفة مكانه . بل أصبح ذووه يعرفون مكان وجوده ويتمكنون من زيارته بعد فترة وجيزة من الاعتقال . وقد وجد معارضون سوريون في هذا الأمر " إنجازا وتحولا إيجابيا دراماتيكيا بحد ذاته" قياسا بما اعتاد الناس عليه طيلة ثلاثة عقود ، كما صرح أحدهم قبل اعتقاله في الحملة الأخيرة ضد موقعي " إعلان دمشق ـ بيروت"! يضاف إلى ذلك أن المعتقلين غالبا ما أصبحوا يحالون إلى المحاكم بعد فترة وجيزة من توقيفهم ، بدلا من أن لا يحاكموا أبدا ، أو يحاكموا بعد سنين طويلة على اعتقالهم عرفيا ، كما كان يحصل في السابق. ( جرت محاكمات حوالي 600 عضو من حزب العمل الشيوعي والبعث الديمقراطي [ تيار صلاح جديد] مطلع التسعينيات بعد حوالي 14 عاما على اعتقالهم . وهو أمر لم تعرفه البشرية في تاريخ القضاء منذ عصر حمورابي !). ولا يعني هذا بحال من الأحوال أن المخابرات العسكرية أو الجوية أو المخابرات العامة لم تعد تتدخل . كما لا يعني أن المعتقلين لم يعودوا يختفون ، أو لم يعد أقرباؤهم يؤخذون رهائن عنهم في حال تخفيهم أو هروبهم كما حصل مع مئات الأسر في السابق ، ومنهم ابنتي الرضيعة بالذات ، سارة ، التي أخذت رهينة مع والدتها في 21 كانون الأول / ديسمبر 1991لإرغامي على تسليم نفسي بعد اعتقال زملائي ، رغم أن عمرها لم يتجاوز آنذاك 11 شهرا ! هذه الأمور لم تزل موجودة ، وكان آخرها اختطاف وإخفاء ابن الكاتب الإسلامي علي العبد الله قبل حوالي شهرين من الآن . لكنها ، والحق يقال ، تقلصت إلى حد بعيد.
لكن ، مهلا . لا تتفاءلوا كثيرا بهذه الصورة التي قد تبدو وردية جدا . في الواقع إنها خادعة إلى أبعد الحدود . وربما كان ما يجري الآن أكثر سوءا وخطورة مما كان يجري في ظل الأسد الأب ، إذا ما أخذنا ببواطن الأمور ومضامينها ، لا بظواهرها وحسب . فثمة لعبة خبيثة تجري الآن تحت غطاء " القانون " والأدهى من هذا كله أن معظم منظمات حقوق الإنسان في سوريا ، إن لم يكن كلها ، يقع في الفخ كأي طير مغفل يجذبه طعمه . فهي لا تني تطالب في بياناتها اليومية باحترام القانون والدستور في سوريا ، دون أن تدري ـ بسبب سذاجتها أو انتهازيتها ، أو كليهما معا ـ أنها بمطالبتها تلك إنما تشرّع للنظام أن يرتكب جرائمه بقوة القانون ! وكان الأولى بها أن تطالبه بعدم احترام القوانين !! وبصيغة أخرى ، إن النظام السوري يحترم القوانين في واقع الحال . وإذا ما أردنا محاسبته استنادا إلى الدستور والقوانين النافذة ، بالكاد يمكن إدانته في هذه النقطة أو تلك ! كيف ؟ هل هي أحجية ؟ لا. وإليكم الطريقة الخبيثة التي لجأ ويلجأ إليها :
من المعلوم أن قانون العقوبات العام في أي دولة هو بمثابة " دستور ثان" للبلاد . بل إن بعض فقهاء القانون الأنكلوسكسون لا يترددون في تسميته كذلك ، أو بـ " الدستور النظير" Para-Constitution . وهو يتمتع بثبات شبه كلي من حيث مبادئه العامة . وكلنا يسمع ويرى المعارك الحزبية السياسية ـ البرلمانية التي تجري في البلدان الديمقراطية حين تريد حكومة من الحكومات تعديل مادة أو فقرة منه يمكن أن تفسر أو تُؤَوّل استنسابيا لصالح السلطة التنفيذية ( حكومة ، بوليس ، مخابرات ..) ، ولغير صالح المتهم( قوانين مكافحة الإرهاب مثلا). وبإمكان أي متابع أن يلاحظ أن عدد التعديلات التي طرأت على قوانين العقوبات و قوانين أصول المحاكمات الجزائية المكملة لها ، في أي بلد ديمقراطي ، ومنذ ترسخت الدولة الديمقراطية في ذلك البلد ،يمكن عدها على رؤوس الأصابع . وحين تدقق فيها تلاحظ أن معظمها (إذا ما وضعنا قوانين مكافحة الإرهاب جانبا ) كان تطويرا لصالح تقليص السلطات الاستنسابية المناطة بالأجهزة التنفيذية ( بوليس ، مخابرات .. وزارات داخلية)، لصالح المتهم ، ولصالح تعزيز وتعميق استقلالية السلطة القضائية التي تصبح كما لو أنها دولة مستقلة داخل الدولة .
في سوريا ثمة شيء كاريكاتوري فعلا . شيء يمتّ بصلة قرابة عميقة الجذور لعالم الخيال السوريالي والكوميديا السوداء أكثر من قرابته بأي عالم آخر . فلكثرة ما عدل قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية ، أصبحا مثل ثوب أضيفت إليه مئات الرقع ، وبات من شبه المستحيل أن تعرف قماشته الأصلية . تماما كما هي ملابس معتقلي سجن تدمر الصحراوي! وإذا ما دققت في التعديلات التي أدخلت عليه منذ سنّه في صيغته الأولى في العام 1949، وبشكل خاص بعد استيلاء البعث على السلطة في العام 1963 ، وأكثر تخصيصا بعد انقلاب الأسد الأب في العام 1970، تر أن جميع هذه التعديلات جاءت بعكس ما يفترض أن يقتضيه منطق التطور التاريخي . كلها لصالح السلطة التنفيذية ( مخابرات وأجهزة ) . وليس ثمة تعديل واحد منها كان لصالح المتهم أو استقلالية السلطة القضائية ! والواقع ، وإذا ما أردنا أن نكون أكثر دقة ، يجب القول إن ما حصل في سوريا لم يكن " تعديلا " لقانون العقوبات بقدر ما كان " طورأة " له ، وهو التعبير الأكثر دقة. فبالنظر للسلطات والصلاحيات الإلهية الربانية التي يمنحها دستور العام 1973 لرئيس الجمهورية ، حيث خوله تقريبا جميع صلاحيات السلطات الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وهي صلاحيات لم يتمتع بها حتى لويس السادس عشر رغم تعطيله عمل " الجمعية الوطنية" لسنوات طويلة قبل الثورة الفرنسية ،عمد الأسدان ، الأب والإبن ، إلى إصدار كم هائل من المراسيم التشريعية المعدلة لقانون العقوبات أو تلك القوانين الأخرى التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من مسلة القوانين المدنية والجزائية. وبالتدقيق ، ولو العابر ، نرى أن هذه المراسيم لم تكن في واقع الحال سوى إدخال نصوص من قوانين الطوارئ والأوامر العرفية العسكرية الصادرة سابقا ، أو تلك التي أراد هو إصدارها لأول مرة ، إلى صلب قانون العقوبات والقوانين المشار إليها؛ أو إصدار مراسيم جديدة متخصصة ( "قانون" المطبوعات والصحافة رقم 50 في العام 2001 مثلا) من خلال تجميع أسوأ ما في المراسيم والأوامر العسكرية العرفية وصياغة " قانون جديد " من خروقها المهترئة ! ومن المعلوم أن جميع المراسيم الرئاسية ، التي يتحتم عرضها على " مجلس الشعب" ( البرلمان المزعوم) حين صدورها خلال الدورات التشريعية ، تتم المصادقة عليها أتوماتيكيا من قبل خزمتشية " المجلس" ، ودون قراءتها في غالب الأحيان . ومنذ خلق هذا الشكل الكاريكاتوري من النظام "البرلماني " في سوريا (في العام 1973 ) ، لم يجر رد ولو مرسوم رئاسي واحد على الإطلاق ، رغم أن عددها يتجاوز عدة مئات ، وليس عدة عشرات . وهو أمر طبيعي تماما ، لأن المراسيم ومشاريع القوانين الرئاسية ينظر إليها بوصفها صادرة عن الذات الإلهية مثل قضاء الله وقدره اللذين لا رادّ لهما ، ولا يمكن لأي شخص أن يناقشهما ! كما أن " المحكمة الدستورية " ، التي لم يسمع بها أحد في سوريا ، ولا أحد يعرف من هم أعضاؤها أو أين تجتمع ، بما فيهم كاتب هذه السطور و ربما طلاب كليات الحقوق جميعا (!) ، لم تنظر بدستورية أي دستور أو قانون منذ تأسيسها ، باستثناء مرة واحدة أو مرتين على ما أذكر كانا يتعلقان بانتخابات " برلمانية" ، رغم أن جميع المراسيم الرئاسية التي صدرت ، وحتى تلك التي صودق عليها في المجلس المذكور ، ليس بينها مرسوم أو قانون واحد لا ينتهك الدستور مباشرة أو مداورة ، رغم كل انكشاريته !
ويمكن تلخيص الوضع الراهن الذي بدأ تقريبا مع مجيء الأسد الابن بأن النظام أصبح يطبق الأوامر العرفية والمراسيم العسكرية ، ليس بالاستناد إليها في صيغتها السافرة المعروفة ، وإنما في صيغتها التي أدخلت بها إلى القوانين العادية. وباتت تستخدم حتى في المحاكم المدنية التي أصبحت تنظر في " جرائم " ساسية كالتي اتهم بها معتقلو الحملة الأخيرة من موقعي " إعلان دمشق ـ بيروت" . وعليه : حين تريد أي منظمة دولية ، مثلا ، أن تحتج الآن على هذا النمط من القضاء الإنكشاري ، أصبح بإمكان النظام أن يقول مثلا : " إن هذا ما ينص عليه قانون العقوبات ، وإننا نحاكم المعتقلين في محاكم مدنية نظامية وليس محاكم استثنائية " ، بدلا من عجزه عن الرد المنطقي حين كان يتهم من قبل هذه المنظمات باللجوء إلى الأوامر والمراسيم العرفية في مطاردة واضطهاد معارضيه وإحالتهم إلى المحاكم الاستثنائية ! فالمعارضون الذين اعتقلوا مؤخرا على سبيل المثال ، ميشيل كيلو وأنور البني وفاتح جاموس والبقية ، وجهت لهم اتهامات بالاستناد إلى مواد في قانون العقوبات وليس في المرسوم 6 الصادر في العام 1965 ، مثلا . ومع ذلك سنكتشف ، حين التدقيق فيها ، أن معظمها " استورد" من مراسيم وأوامر عسكرية صادرة سابقا ، بما في ذلك المرسوم 6 سيء الذكر نفسه ، وجرى " دحشه " في صلب قانون العقوبات ! ويأتيك ، بعد ذلك ، بعض دراويش المنظمات الحقوقية السورية ليطالبوا السلطة باحترام القانون ، بدلا من إلغائه !
خذوا مثلا هذا النموذج الآخرالمثير للأسى : معظم منظمات حقوق الإنسان في سوريا يؤكد بشكل شبه روتيني على ما جاء في مواد دستورية معينة تمنع الاعتقال التعسفي أو التعذيب أو انتهاك الحريات العامة والشخصية وقمع حرية التعبير .. إلخ . وحين تعود إلى هذه المواد تكتشف أنها ذيلت بعبارة من قبيل " وفق الأحكام المبينة في القانون" . وحين تريد أن تتتبع طرف الخيط لترى ما هو هذا القانون الذي ينظم هذا الأمر ، والذي يخبرنا الدستور بأنه الناظم للأمر ، تكتشف أنه مرسوم أو أمر عرفي عسكري لا يزال ساري المفعول ، أو أن مواد منه جرى " دحشها " في قانون العقوبات أو قصها ولصقها به أو بقوانين جزائية أخرى ! بل وترى قوانين تجيز التعذيب صراحة ، كما هي حال قانون إحداث جهاز أمن الدولة الذي يمنع محاسبة أي من عناصرها إذا ما أقدم على تعذيب المعتقلين ، بما في ذلك تصفيتهم جسديا تحت التعذيب ! وهذا بالضبط ما يمكن أن نسميه " قوننة " أو تشريع القمع Legalization of Repression الذي تدعو المنظمات السورية إلى احترامه !
مهازل بعض المنظمات الحقوقية السورية ، وبعض المحامين السوريين لا تقف عند هذا الحد . فهؤلاء ، على سبيل المثال ، ما فتئوا يطالبون بإلغاء محكمة أمن الدولة باعتبارها محكمة استثنائية خارجة حتى على الدستور الإنكشاري السوري نفسه ، ورئيسها يمارس عمله رغم أنه متقاعد منذ ست سنوات ! وهو أمر لم يحدث في تاريخ " القضاء" إلا في سورية . وحين ناشدناهم مرتين ، في صيغة بيان وعريضة عامة ، التوقف عن المرافعة في هذا الوكر الإرهابي الذي لا يختلف في الجوهر عن " المحاكم " التي يعقدها الزرقاوي وجماعاته المسلحة في العراق ، وطلبنا منهم الإكتفاء بإرسال مندوب عنهم إلى داخل المحكمة لمجرد الإطلاع ( كأي صحفي ) على ما يجري ،لا للمرافعة أمامها ، "طنشوا "على المناشدات وسدوا آذانهم عن سماعها. وهم لا يعرفون ، ولا يريدون أن يعرفوا أن قبولهم المرافعة أمامها هو اعتراف بها وبشرعيتها الإنكشارية ، شاؤوا أم أبوا . ويوم أمس بالذات قرأت في الأخبار تصريحات لمحامين ونشطاء سوريين ، بعضهم من أصدقائي المقربين ، تفيد بأن مدير سجن عدرا منعهم من زيارة معتقلي الحملة الأخيرة ( كيلو وجاموس والبني والآخرين ) . وقد أشار بعضهم إلى أن هذا السلوك " يخالف المادة 72 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والمادة 74 من قانون مهنة المحاماة " !
يا أخي ، بالله عليكم هل هذا كلام منطقي أو له أي معنى ؟ أليس من الحريّ بهؤلاء الانتباه إلى أن قوانين الطوارئ عطلت قانون تنظيم مهنة المحاماة ، الذي هو بحد ذاته أحد قوانين الطوارئ التي حولت هذه النقابة إلى " ميليشيا بعثية " ، وعطلت قانون أصول المحاكمات الجزائية الأصلي كله ، وليس مادته المذكورة فقط ؛ وأعطت مدير أي سجن ، مدنيا كان أم عسكريا ، صلاحيات يمكن أن تسمح له ، إذا ما فسرها استنسابيا كالعادة ، أن يشغل المساجين عبيدا في مزرعته و الفلاحة عليهم وركوبهم كأي دابة ، فهم ليسوا بالنسبة له ولنظامه إلا مجموعة من الدواب البرية الواجب ترويضها وتهجينها !؟ وما يحصل الآن مع هؤلاء الشباب ، وليس أقلّه نومهم على الأرض مباشرة ، حتى بلا بطانيات ، هو أبسط الأمور! وبعد ذلك كله يأتيك هؤلاء المحامون والنشطاء ليحتجوا على " الجزئيات" رغم أن المشكلة في " الكليات" ، دون أن يتذكروا أن الطريق إلى جهنم غالبا ما تكون معبدة بالنوايا الحسنة ؛ أو إذا شئتم : كثيرا ما تكون معبدة بالانتهازية أو بالدروشة ! كل ذلك وسط سرور النظام وبهجته وابتساماته العريضة . فطالما أن المحامين بذهبون إلى السجون ويرافعون أمام هكذا قضاة وأمام هكذا محاكم وبموجب هكذا قوانين ، ويقابلون موكليهم و .. و .. ؛ وطالما أن وسائل الإعلام تغطي ذلك ، والـ " همروجة " مستمرة ، طالما اللعبة الخبيثة مستمرة والقمع يجري تغطيته بالقوانين وبمشاركة الضحايا أنفسهم . وليس هناك أفضل من هكذا إنجاز بالنسبة لنظام من هذا النوع !؟
" قانون الحسبة البعثي ـ العلماني" :
مرسوم جمهوري يجبر الناس على العمل كمخبرين " بقوة القانون "
و " إرهاب حقوقي" عابر للدول والقارات !
بدعة أخرى جاء بها النظام السوري هي نص المادة 26 من المرسوم التشريعي الصادر في العام 1974 في أصول المحاكمات الجزائية . وهي التي استند إليها حبش في إخباره ( أو دعواه إلى ) النائب العام العسكري ضد النائب جنبلاط . وبموجب هذه المادة ، التي أشرنا إليها أعلاه ، يتوجب على كل مواطن إبلاغ النائب العام المختص عن كل تهديد لأمن الدولة حتى وإن شوهد في ... المريخ ! والواقع لم تدخل هذه المادة في أصول المحاكمات الجزائية من قبل الأسد الأب إلا من أجل إرغام المواطنين على العمل مخبرين لدى السلطة " بقوة القانون " . وتتضح هذه الدلالة حين نعلم أن مفهوم " أمن الدولة " السائد في سورية منذ إعلان حالة الطوارئ في العام 1963 ، وكما قلنا أعلاه ، يتراوح بين تهريب علبة سمنة عبر الحدود اللبنانية والتعاون مع إسرائيل ، مرورا بتشكيل جمعية لحماية حقوق المستهلك أو الانضمام إلى عصابة للسطو المسلح أو الدخول إلى موقع محظور في الإنترنت ! وليس في ذلك أي مبالغة أو استعمال مجازي . فقد شهدت المحاكم العسكرية خلال العقود الماضية مئات القضايا ، الجنحية والجنائية ، التي طالت "جنحا" و " جرائم" تبدأ من بيع الدخان المهرب وتنتهي عند التجسس ، وتمر بالانتماء لجمعيات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية وتصفح موقع إنترنت محظور! وكان القاسم المشترك الوحيد فيما بينها كلها أنها نظرت في إطار المراسيم والأوامر العسكرية التي تعتبر أعمالا من هذا النوع " مناهضة للنظام الاشتراكي " أو " زعزعة لثقة الجماهير بالثورة والنظام الاشتراكي " أو " عملا من شأنه أن يوهن عزيمة الأمة " ! وهو " فقه حقوقي " من المستحيل أن تعثر على مثله في أي بلد آخر باستثناء تلك التي خرجت من البيضة نفسها وتحمل الجينات الأيديولوجية ذاتها ؛ بل إن تهمة " التسبب في إضعاف نفسية الأمة " لم أعثر على ما يناظرها حتى في قانون العقوبات العام لثلاثة أنظمة مشهود لها بوحشيتها (إيطالية الفاشية وإسبانيا / فرانكو وكوريا الشمالية ). وهو ما تسنى لي الإطلاع عليه!
ليس الدليل على ذلك هو ما سقناه فقط ، بل حقيقة أن النائب العام المدني والعسكري ، وحسب اختصاص كل منهما ، يتوجب أن يشرعا مع القضاة المعنيين بالتحقيق في قضية عامة أو خاصة حالما يأتيهما " علم وخير بذلك " ، حتى وإن كان من وسائل الإعلام . ومع هذا ، ورغم الجرائم الكبرى التي تلقيا علما بها ، ومن كاتب هذه السطور بالذات ، فإنهما لم يقوما بأي تحقيق في أي قضية تمس المصلحة العامة إذا لم توعز بها السلطة السياسية وأدواتها ( الحزب ، المخابرات). ففي 15 آب / أغسطس ، مثلا ، ومن خلال برنامج " بلا حدود " على قناة الجزيرة أبلغت النائب العام بعدد من الجرائم الكبرى ، وتحديت الرئيس الأسد وسلطته أن يجريا تحقيقا بشأنها . فقد أخبرت عن قيام الرئيس حافظ الأسد وأولاده بسرقة عائدات النفط الوطني على مدار سنوات طويلة ، وعدم إدراج هذه العائدات في الموزانة العامة للدولة طيلة تلك السنوات ، بخلاف ما يجري عليه الأمر في جميع دول العالم . كما وأبلغت عن دفن نفايات نووية وكيميائية مشعة في مناطق محددة من سورية ، تم استجلابها من شركات أوربية على يد نائب رئيس جمهورية وأولاده . وإضافة لذلك ، أبلغت عن مقابر جماعية لضحايا التعذيب والإعدام العشوائي في سجن تدمر والمعتقلات الأخرى ، وعن ما يقارب 600 أسير سوري جرت تصفيتهم في السجون الإسرائيلية بعد أسرهم إثر حروب 1967 ، 1973 ، 1982 ( كأشقائهم المصريين) . وقد ذكرت بعض أسماء هؤلاء . كما وذكرت في البرنامج نفسه أني في العام 2000 ، وحين كنت لم أزل في سجن المزة العسكري ، أخبرت رئيس شعبة المخابرات العسكرية بذلك ( اللواء حسن خليل)، بموجب كتاب رسمي عن طريق بريد السجن ، باعتباره مستشارا أمنيا للوفد السوري المفاوض مع إسرائيل في شيبردزتاون(2). وتعهدت بوضع كل ما لدي من معلومات ووثائق حصلت عليها قبل اعتقالي بتصرف المفاوض السوري ، لأنها قضية تدخل في صلب اهتمامنا كمنظمة لحقوق الإنسان معنية بالدفاع عن حقوق المواطنين السوريين ، مدنيين وعسكريين . لكن حسن خليل ، وبدلا من أن يستمع إلى ذلك هددني بقطع لساني وإطعامه للكلاب إذا عدت للحديث عن الأمر، وأوعز بتسريح العقيد بركات أحمد العش مدير السجن ، بعد أن أهانه وشتمه على الهاتف لتجرؤه على تمرير مذكرة من سجين سياسي عبر البريد الرسمي للسجن ، بالنظر لأنها ستبقى بمثابة وثيقة رسمية لأي تحقيق يجري في المستقبل ، ولايمكن إخفاؤها . وقد سرح المدير المذكور فعلا بعد ذلك بعدة أشهر ، في صيغة أقرب ما تكون إلى الطرد ، رغم أنه كان ينتظر ترفيعه إلى رتبة عميد وتعيينه في التاريخ نفسه قائدا للشرطة العسكرية بحكم أقدميته في هذا السلك . وكان من إحدى " التهم " العجائبية التي وجهت له أنه "وفر لي كميات كبيرة من ورق الكتابة لكتابة المذكرة ، رغم أن ورق الكتابة محظر على أي سجين معتقل في زنزانة انفرادية . وهذا جريمة ضد أم الدولة " ! ( انظر الهامش 3).
النائب العام المدني ، وشقيقه العسكري ، وبدلا من أن يباشرا( كل حسب اختصاصه) التحقيق في الجرائم الأربع الكبرى التي ذكرتها ، جمعا ( بإيعاز من النظام ومخابراته العسكرية ) مجموعة من القضاة والمحامين الخزمتشية ، اتضح أن من بينهم المحامي حسام الدين حبش نفسه ، الذي يلاحق النائب جنبلاط الآن ، والمحامي عمران الزعبي ، الشريك التجاري لضابط الاستخبارات العسكرية جلال الحايك ومدير مكتب عمه رئيس الوزراء المنحور محمود الزعبي سابقا ، والمحاميين خليل تعلوبة وشقيقه المعروفين بعلاقتهما الوثيقة ، الشخصية والتجارية ، مع ضباط شعبة الأمن السياسي في وزارة الداخلية . وسيكون هؤلاء جميعا بعد أربع سنوات في عداد فريق الدفاع عن ضباط المخابرات السوريين المتهمين بالمشاركة في اغتيال رفيق الحريري ، وعن الشاهد النصاب في القضية هسام هسام ! فهل في ذلك مصادفة من نوع ما ، أم أنه سياق منطقي !؟
بحسب تقرير صحفي كتبه آنذاك جانبلات شكاي ، مراسل " الرأي العام " الكويتية في دمشق ، فإن " أربعين قاضيا ومحاميا سوريا ... رفعوا دعوى ضد المعارض السوري نزار نيوف .. على خلفية ما أدلى به في برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة " . وبين محاميّ الشخصي أنور البني ( المعتقل الآن والمستمر في إضرابه عن الطعام منذ اعتقاله قبل أسبوع ) لجريدة " الحياة " الصادرة في لندن أن الإدعاء وجه لي لائحة الاتهام التي باتت معروفة للجميع ، وهي نشر معلومات كاذبة في الخارج ، وإضعاف عزيمة الأمة .. إلخ. وكان اللافت في الادعاء إدخال تهمتين جديدتين هما " الإساءة لسمعة الاقتصاد الوطني " التي قصد بها حديثي عن دفن النفايات النووية ونهب عائدات النفط الوطني من قبل الرئيس السابق وأبنائه ؛ و " الإساءة لسمعة شخصية رسمية كبيرة " هي نائب رئيس الجمهورية آنذاك عبد الحليم خدام ، الذي سيصبح بعد أربع سنوات ، ومن قبل الإدعاء نفسه ، والمحامين أنفسهم (!) عميلا وخائنا وفاسدا .. إلى آخر قائمة الاتهامات الردحية المعروفة ! وفي السابع من شهر أيلول / سبتمبر 2001 سيصدر المدعي العام مذكرة باعتقالي ، بالتهم نفسها ، بعد أن بلغوا أسرتي بكتاب رسمي وجوب حضوري إلى النيابة العامة في دمشق " لجهالة عنوان إقامتي" !!
كانت هذه الدعوى إيذانا بتدشين شكل جديد من أشكال ملاحقة المعارضين في سوريا وخارجها، وهو ما أسميه بـ " دعاوى الحسبة البعثية " التي جاءت بناء على المادة 26 من المرسوم التشريعي الصادر في العام 1974 ، المشار إليه أعلاه ، حيث إجبار كل مواطن على أن يكون " مخبرا " ، وكل " مواطن مخبر" على أن يلعب دور " المدعي العام " ! وهي الصيغة التي سيلجأ إليها النظام أيضا بعد أربع سنوات لملاحقة جنبلاط و مروان حمادة والصحفي اللبناني فارس خشان وعبد الحليم خدام . ومن المعلوم أن " قانون الحسبة " صيغة شرعية إسلامية تعود إلى العصور الوسطى . وقد أعاد إحياءها في مصر عدد من المحامين الإسلاميين ، في مقدمتهم عبد الصبور شاهين ، وجرى بموجبها " تطليق " المفكر نصر حامد أبو زيد من زوجته ، وملاحقة كتاب وأدباء وصحفيين آخرين بعد تكفيرهم واتهامهم بالردة !
البدعة الأخرى ، التي لا تقل فانتازية عن ذلك ، هي المادة 19 من قانون العقوبات السوري التي تقول حرفيا بأن القانون السوري يطبق " على كل سوري أو أجنبي فاعلا كان أو محرضا أو متدخلا أقدم خارج الأرض السورية على إرتكاب جناية أو جنحة مخلة بأمن الدولة " ! وهي المادة التي استند إليها " المحتسب البعثي" المحامي حسام الدين الحبش في تبريره لملاحقة جنلاط وخدام وحمادة . وإذ يمكنك أن تفهم أن هذا أمر منطقي حين يكون " الفاعل" أو " المحرض " مواطنا سوريا أو أجنبيا مقيما على الأراضي السورية أو مواطنا سوريا مقيما في أي مكان في العالم ، أو مواطنا أجنبيا يوجد بين دولته وسوريا اتفاقية قضائية تنظم ذلك ، فإن الأبالسة لا تستطيع أن تفهم كيف يطبق هذه القانون على مواطن أجنبي يقيم في أوربا أو أميركا أو .. جزر الهونولولو ! والواقع لم أستطع حتى الآن أن أتبين ما إذا كانت هذه المادة موجودة في قانون العقوبات السوري الأصلي ، أم جرت إضافتها بعد مجيء البعثيين إلى السلطة ؟ إلا أني أميل إلى الاحتمال الثاني ، لأن المشرع السوري الذي وضع قانون العقوبات في العام 1949 كان أكثر منطقية ، ولم يكن مصابا بهذا الهبل البعثي الذي يذكرك بجورج بوش وزمرته التي تمارس " الإرهاب الحقوقي " الدولي عبر تطبيق الدستور الأميركي على جميع سكان المعمورة ، وتحويله إلى " دستور أممي " و تحويل قانون العقوبات الأميركي إلى " قانون عقوبات دولي " !
الأنكى من هذا كله أن " المحتسب " البعثي حسام الدين الحبش ، ونظامه ، يحاججان الآن بأن هناك اتفاقية قضائية بين سوريا ولبنان تعود إلى العام 1951 ، مع تعديلاتها المضافة بموجب " معاهدة الأخوة " بين البلدين ! وحين تقول لهما إن جنلاط وحمادة محصنان نيابيا ، يأتيك الجواب سريعا بأن حصانتهما مزيفة لأنهما قالا كلاما غير مسؤول ، ولا يليق بنائب !؟ حسنا ! أنا شخصيا ضد تصريحات جنبلاط لـ " الوشنطن بوست " التي حرض فيها على احتلال سوريا من قبل الجيش الأميركي . وقد نددت بذلك جهارا . ولكن هل جنلاط وحمادة نائبان في " مجلس الشعب السوري " ليتم اعتقالهما بالطريقة التي اعتقل فيها رياض سيف ومأمون الحمصي !؟ وهل فارس خشان صحفي في " البعث " أو " تشرين " أو " الثورة " أو وكالة " سانا " ليعتقل كما اعتقل مروان حموي وعبد المجيد مقداد عشرين عاما دون أن يعرفا لماذا !؟
النظام السوري ، و " محتسبوه " ، لا يفهمون ولا يريدون أن يفهموا أن البرلمان اللبناني منتخب ديمقراطيا ؛ وأن رستم غزالي وغازي كنعان لم يعودا في لبنان ليديرا أجهزة القضاء وأعضاء البرلمان بـ " الموبايل " من عنجر ؛ وأن " معاهدة الأخوة " فرضت بـ " الصرماية " على اللبنانيين ، وبتواطؤ مجموعة من زبانية غزالي وكنعان وأجهزتهما آنذاك ، الذين ـ ويا للمفارقة المذهلة ـ يلاحقون الآن بموجب نصوص وتعديلات وافقوا هم على إضافتها إلى الاتفاقية القضائية المعقودة بين البلدين قبل خمسين عاما !
لو كنت مكان جنبلاط ومروان حمادة لما ترددت لحظة واحدة في الذهاب إلى دمشق والمثول أمام هذا القضاء الإنكشاري ، ليس احتراما له واعترافا بشرعيته وبقوانينه المملوكية ، ولكن لأثبت لهذا النظام أنه أجبن من أن يتعامل مع نواب البرلمانات المنتخبة ديمقراطيا ، وصحفيي الصحافة الحرة ، كما تعامل مع نواب " برلمانه" الكاريكاتوري وصحفيي صحافته الأكثر كاريكاتورية . وليأت عندئذ رستم غزالي ويعتقلهم في دمشق. وهذا ما نتمناه ، لأن في ذلك سيكون ليس خلاص لبنان فقط من داء " الشقيقة " والصداع ، ولكن خلاصنا نحن أيضا !
حقا ، إنه نظام من عجائب الدنيا التي تستحق التأمل !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
(1) ـ تنص المادة الثالثة من اللائحة الناظمة لعمل منظمة الإنتربول ، وهي اتفاقية دولية ، على ما يلي :
Toute activité ou intervention dans des questions ou affaires présentant un caractère politique, militaire, religieux ou racial est rigoureusement interdite à l Organisation.
والترجمة الحرفية لذلك : " يحظر كليا على المنظمة (الإنتربول) التدخل في أو القيام بأية أنشطة ذات طبيعة سياسية أو عسكرية أو دينية أو عرقية " .
(2) ـ اعترف أحد المسؤولين (ضابط مخابرات؟) في مداخلة مع البرنامج بوجود مذكرتين من كاتب هذه السطور إلى مكتب الأمن القومي تتضمن المعلومات المشار إليها ، ويبلغ كل منها حوالي 60 صفحة . انظر الهامش (3).
(3)ـ من أجل التفاصيل المتعلقة بهذه الجرائم الأربع ، راجع رابط الجزيرة :
http://www.aljazeera.net/programs/no_limits/articles/2001/8/8-19-1.htm



#نزار_نيوف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدلّة علمية جديدة تثبت إمكانية حلْب التيس !
- علويّون مرّيخيون، وتاريخ حَيْزَبوني !ملاحظات برسم طريف العيس ...
- مشروع قرار في اليونيسكو لوضع النظام السوري على قائمة المحميا ...
- دمه لنا .. ودمه عليهم!..فليتوقف كل طعن بميشيل كيلو وكل نقد ل ...
- توضيح خاص بشأن اجتماعي المزعوم مع عبد الحليم خدام !
- كي لا تتحول المعارضة إلى مزبلة لنفايات النظام ، وكي لا تصدر ...
- أربعة وجوه لدمشق : عبد العزيز الخير ، ديتليف ميليس،عبد الكري ...
- صفحات مجهولة من سجلات الدم والفساد في سجن المزة
- كيماويات شهود علي الكيماوي !
- إلى أي مدى يمكن أن يكون نشر تجربة الاعتقال أمرا مفيدا قبل سق ...
- وما صلبوك ، ولكن شُبّهت لهم !
- أن تكون مع فلسطين ... يعني أن تكون مع كردستان أو : من - المد ...
- إلى جهاد نصرة : بلغ تحياتي إلى تركي حامد علم الدين !!
- لم أعد وحدي مصابا بفصام الشخصية :أكثم نعيسة يشرب حليب السباع ...
- من أجل إحياء وتطوير مفهوم -الكولونيالية الداخلية-: أفكار للن ...


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نزار نيوف - قانون - الحسبة البعثية - في سوريا : محامون سوريون يتقمصون الإسلاميين المصريين ... - علمانيا -!؟