أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم المحبشي - النظرية الموجية للحضارات عند فيلسوف التاريخ الأمريكي أولفين توفلر















المزيد.....



النظرية الموجية للحضارات عند فيلسوف التاريخ الأمريكي أولفين توفلر


قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)


الحوار المتمدن-العدد: 6463 - 2020 / 1 / 12 - 02:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تمهيــــــــد:
شهد العالم المعاصر منذ منتصف القرن العشرين أحداثاً عاصفة ومتغيرات متسارعة في مختلف الصعد الحضارية والثقافية والمدنية، متغيرات لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من حيث جدتها وسرعتها وأثرها وقوتها الصادمة للروح والعقل معاً، إذ بدا الأمر وكأن التاريخ يترنح والأرض تميد بأهلها، والقيم تهتز والحضارة تضطرب، والفوضى الشاملة تجتاح كل شيء، وبازاء هذا المشهد القيامي المجنون تحيرت افضل العقول، وفقد العقل الإنساني بصيرته وقدرته النيرة في رؤية الأحداث وما ورائها، ومن ثم تفسيرها وتحليلها والكشف عن ثيماتها العميقة المتخفية في سبيل فهمها وعقلنتها وإدراك معناها. ووسط هذا السديم الحالك من الاضطراب العظيم والعمى الشامل، آخذ العلماء والمفكرون والمؤرخون يبحثون عن تفسير معقول لما يعتمل في لواقع ويدور في عالم جن جنونه وأصاب الناس جميعاً بالدهشة والذهول1. فهذا المؤرخ الإنجليزي المشهور " جفري باراكلاف" من جامعة اكسفورد يكتب تحت تأثير الإحساس العميق بالأزمة:" إننا مهاجمون بإحساس من عدم الثقة بسبب شعورنا بأننا نقف على عتبة عصر جديد لا تزودنا فيه تجاربنا السابقة بدليل أمين لسلوك دروبه، وان أحد نتائج هذا الموقف الجديد هو أن التاريخ ذاته يفقد، إن لم يكن قد فقد سلطته التقليدية ولم يعد بمقدوره تزويدنا بخبرات سابقة في مواجهة المشكلات الجديدة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً منذ آدم حتى اليوم" 2. هذا الإحساس المتشائم بعدم جدوى التاريخ سرعان ما سرى كما تسري النار في الهشيم بين قطاعات واسعة من الفئات المثقفة الأورأمريكية وهذا ما افصح عنه المؤرخ البريطاني " ج. هـ. بلومب " في كتابه " حيرة المؤرخ" عام 1964م، بقوله: " ليس للتاريخ معنى أو فاعلية أو رجاء، فقد اندثرت فكرة الرقي والتقدم الصاعد بين المشتغلين بالتاريخ، فــ 90% منهم يرون أن العمل الذي يمارسونه لا معنى له على الإطلاق"3. وقد بلغ هذا الموقف المتشائم من التاريخ والمعرفة التاريخية عند المؤرخ الأمريكي " دافيد رونالد" من جامعة هارفارد حد الرفض للتاريخ والتشكيك بقيمته وأهميته في كتاب يحمل الاستفزاز والتحدي صدر عام 1977م بعنوان ( تاريخنا بلا أهمية) أكد فيه عدم فائدة التاريخ الحاضر والماضي والمستقبل وأعلن: أن التاريخ يظهر مقدار ضعفنا وأننا لا نتعلم من اخطأ الماضي، وما اقل تأثيرنا فيما ينزل بنا من أحداث وما أشد عجزنا في قبضة قوى طبيعية أساسية هي التي تشكل الوجود الإنساني"4 ويمكن لنا تتبع حيرة الفكر المعاصر إزاء ما شهده العالم ولا يزال يشهده من اضطراب شامل في ذلك السيل المتدفق من المحاولات التنظيرية التي ترغب في توصيف ونمذجة وعقلنه المشهد التاريخي الراهن في أطر مفهومية مجردة وكلية، إذ أخذ الفلاسفة والمفكرون منذ أواخر القرن العشرين يتسابقون ويتنافسون في صياغة وإبداع ونحت المفهومة المعبرة أو الصورة الفكرية التي يمكن لها ان تعبر عن العالم المعاش، وتمنح الحقبة الجديدة اسمها ومعناها. ومن تلك التوصيفات يمكن الإشارة إلى اشهرها وهي: العولمة، ما بعد الحداثة، ما بعد القومية، ما بعد الحرب الباردة، ما بعد الأيديولوجيا، ما بعد الاستعمار، ما بعد البنيوية، ما بعد التنوير، ما بعد الشيوعية، ما بعد المجتمع الصناعي، ما بعد التاريخ، نهاية التاريخ والإنسان الأخير"،  عصر الليبرالية الجديدة، عصر التفكيك، مجتمع الفرجة، أو الاستعراض، عصر الكمبيوتر، ثورة المعلومات والاتصالات، أو صدام الحضارات، القرية الكونية، نهاية عالم كنا نعرفه" مجتمع الاستهلاك، عصر الديمقراطية، عصر التقنية، عصر التنوع الثقافية، العهد الأمريكي، أو الأمركة، عصر الإرهاب العالمي، السوق الحرة، والوطن السيبرنيتي، عصر الفضاء، والكوكبية وغير ذلك من التوصيفات الكثيرة في أبعادها المتنوعة.5 من وسط هذا الفضاء الثقافي المزدحم بالنظريات والروأ يطلع علينا ( آلـڤ---ين توڤ---لر) بتوصيف مختلف لازمة الحضارة العالمية، ولكنه مثير وجدير بالاهتمام والتأمل، هو ما أسماه بــ ( عصر الموجة الثالثة ). غير أننا قبل أن نميط اللثام عن نظرية ( الموجة الثالثة ) عند توفلر، ربما نحتاج إلى التعرف على شخصيته ونتاجه الفكري. فمن هو آلفين توفلر:
حياته وأعماله:
ولد آلـڤ---ين توڤ---لر في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي في ولاية بنسلفانيا الأمريكية من أسرة عمالية بسيطة، وبعد أن أنهى تعليمه الأساسي والثانوي ذهب للاشتغال في أحد مصانع السيارات لمدة خمس سنوات كعامل مبتدى، ثم التحق  بسلك التجنيد كما يقول: » وقد استفدت كما فعل كثير من المجندين السابقين من منحة أتاحت لي الذهاب إلى الجامعة«6
وفي جواب عن سؤال من هو آلـڤ---ين توڤ---لر، يروي توفلر بلسانه أهم المحطات في حياته بقوله: " عندما كنت ما أزال في المدرسة كنت أريد أن اكتب، وكنت اهتم بالمشكلات الاجتماعية وبالتغيرات السياسية وحلمت بكتابة رواية عظيمة عن حياة العمال ".
ومنذ أواخر الأربعينات يرتبط توڤ---لر مع رفيقة عمره " هيدي توڤ---لر " ليتقاسما تجربة الحياة العملية والفكرية، العمالية والسياسية، الثقافية والنظرية يقول: " جاءت معي هيدي التي كانت خطيبتي حينئذ وتقاسمنا هذه التجربة".
في أواخر الأربعينات يذهب توڤ---لر إلى الجنوب للنضال من اجل قضية الحقوق المدنية ويشارك في المظاهرات الشعبية هناك، ويكتشف الماركسية التي سحرته براديكاليتها القوية وتعاليمها الثورية الجذرية.
لكنه فيما بعد يقول: » تحت بزة الوقاد لم أكتشف لا " المتوحش الطيب " ولا "البروليتاري المجيد" لقد تعلمت في المصنع بقدر ما تعلمت في مدرجات الجامعة، وتأكدت بنفسي من حماقة وغطرسة مثقفي اليسار الذين يعطون لانفسهم مهمـــــــــــة " إيقاظ الوعي الطبقي" عند العمال «7 ويروي توڤ---لر، كيف تنقل بين عدد من المهن والأعمال الصناعية والميكانيكية من منظف عوادم السيارات إلى ميكانيكي للسيارات إلى لحَّام وكيف أنه كان يتعلم في تلك الأثناء اللغة الإنجليزية والكتابة الصحافية، إذ بدأ منذ الخمسينيات يكتب في الصحافة العمالية كتب مقالات لحساب مجلات مختلفة بأجر ثم عمل مراسلاً للصحافة في واشنطن منذ نهاية 1950م، إذ غطى لمدة ثلاثة أعوام أخبار البيت الأبيض، لحساب صحيفة يومية في " بنسلفانيا" وكتب في مجلة كريستيان ساينس مونيتور وفي الواشنطن ستار، وفي كثير من المجلات والصحف الخارجية، وفي عام 1961م أنجز دراسة حول النتائج البعيدة للناظمة آلية والأتمتة على صعيد المنظمات الإدارية للمشروعات، وهذا ما منحه الفرصة للطواف بإرجاء الولايات المتحدة الأمريكية ومقابلة الباحثين الذين كانوا قد أرسوا أسس الإنجازات الحالية في مجال الذكاء الاصطناعي«8 وفي عام 1964 ينشر توڤ---لر أول كتاب له بعنوان " مستهلكو الثقافة" وهو تحليل للفن في أمريكا من وجهة نظر اقتصادية ونقد للنخبوية الثقافية. ومنذ ذلك الحين توالت الإصدارات الفكرية لتوڤ---لر ، وذاع صيته في معظم الدوائر الثقافية والأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية سيما بعد نشر كتابه المثير " صدمة المستقبل" عام 1970م. ثم عمل في المجلة السنوية للأكاديمية الأمريكية للعلوم السياسية والاجتماعية، وشغل كرسي علم الاجتماع المستقبلي في " المدرسة الجديدة للبحث الاجتماعي" ثم أصبح أستاذاً في جامعة ( كورنويل)9. تجدر الإشارة إلى أن كتاب " صدمة المستقبل" يعد منعطفاً حاسماً في حيـاة توڤ---لر ، إذ يعترف بأنه هو الذي غير مجرى حياته، بقول " لقد غيرها بأشكال عديدة فالوابل الرائع من ردود الفعل التي أثارها الكتاب قد كان له أثرُ حاسم على حياته… كان ثمة شلال حقيقي من الاتصال من زوايا البلاد الأربع بل ومن زوايا العالم الأربع فقد اتصل بي أناس في الساعة الثانية صباحاً ليخبروني بأنهم انتهوا لتوهم من قراءته وانهم يحبون أن يروني…"وبغض النظر عن حقيقة ما يقوله توڤ---لر عن اثر كتابه وما يحتمل من مبالغات، فقد كان لهذا الكتاب اثر الصدمة القوية في أذهان ونفوس معظم الذين قراءوه. إذ حقق نجاحاً باهراً في أمريكا وخارجها وكان أكثر الكتب رواجاً في فرنسا وألمانيا الغربية واليابان وفي عشرات من البلدان الأخرى، وبسبب هذا الكتاب فتحت الأبواب لتوڤ---لر وزوجته لمقابلة شخصيات عديدة في أمم كثيرة، رؤساء دول وحملة جوائز نوبل وعلماء ومن كل الأنواع، إذ التقى بالرئيس الروماني " شاوشيسكو" والرئيس الكندي "ترودو" وانديرا غاندي" رئيس وزراء الهند ورئيس وزراء اليابان سوزوكي والقيادة الصينية والروسية الاشتراكية آنذاك)10. وقد تم تمثيل كتاب " صدمة المستقبل" في السينما وعقدت عشرات الندوات والمؤتمرات لمناقشته في بلدان كثيرة، ثم اصدر بعد ذلك الكتب الآتية: كتاب ( خرائط المســتقبل) 1975م، وكتاب ( الموجة الثالــثة ) 1980م، وكتـــاب ( تحول السلطة ) ( المعرفة والثروة والعنف ) في بداية القرن الواحد والعشرين) 1985م، وكتاب " بناء حضارة جديدة" 1994م، وغير ذلك من الكتب والمقالات والدراسات الأخرى. إن غرضنا من تلك اللمحة السريعة عن حياة توڤ---لر التنويه إلى الأهمية التي تنطوي عليها طروحاته فمن الواضح انه مؤلف واسع الاطلاع كبير الشهرة وقد ترجمت كتبه إلى معظم لغات العالم وأحدثت باستمرار ضجة كبيرة، ليس هذا فحسب- بل تكمن أهميته فيما يثيره من قضايا خطيرة على صعيد الفكر التاريخي والفلسفي المعاصر، فهو خلافاً للكثيرين من الكتاب الأمريكيين أمثال فرانسيس فوكوياما، وهنتجتون ينتهج وجهة نظر جديدة ويعتمد أدوات منهجية فريدة في دراسته للتاريخ والحضارة، محاولاً إعادة بناء المعرفة التاريخية في نسق نظري ومنهجي مختلفا ومتميز وغير مألوف بالنسبة لنا. وإذا كنا غير مؤهلين للمشاركة في إنتاج الثقافة العالمية فمن أضعف الإيمان أن نطلع على ما ينتجه الآخرون ونتعرَّفه ونتبين موقعنا منه.
النموذج الموجي للحضارات: يلزمنا في البدء توضيح أن التصور الموجي للتاريخ أي تشبيه حركة التاريخ " بموجات " تغيير، ليست من إبداع توقلر كما يزعم في كتابه " بناء حضارة جديدة " بقوله: " إن تشبيه التاريخ " بموجات " تغيير -  في اعتقادنا – أكثر تعبيراً عن ديناميكيه، و أنسب من الحديث عن الانتقال إلى " ما بعد الحداثة ". فالموجة حركة. وعند اصطدام الموجة بالأخرى تتولد تيارات قوية متلاطمة، وعند تصادم موجات التاريخ فإن حضارات بأسرها تتصادم، و يلقى هذا الضوء على كثير مما يبدو في عالم اليوم عشوائياً أو بلا معنى"11. يبدو أن توقلر هنا مزهواً بنفسه و كأنه مبدع النظرية الموجية للتاريخ إذ أنه لم يشير إلى أحد ممن سبقه إلى استخدم هذه الفكرة المنهجية التي أعتمدها بؤرة تركيز ومحور انطلاق لبناء نسفه الفكري عن حضارة الموجة الثالثة، و هو بذلك جانب الأمانة العلمية و التاريخية معتقداً أن شهرته الدعائية الواسعة تبيح له سرقة الأفكار وتوظيفها في نظامه النظري لتغدو من بنات أفكاره.
إذ أننا وجدنا أن أول من قال بنظرية التاريخ الموجية – التي هي عند توڤ---لر " النظرية الموجية للصراع. لأن التغييرات الجسيمة في المجتمع لا يمكن أن تحدث بدون صراع" .
وجدنا أن المفكر العربي الشهير عبد الرحمن ابن خلدون 1332-1406م هو أول من اكتشف هذه النظرية و أجاد توظيفها في كتابه " المقدمة " بقوله " إن أحوال العالم و الأمم و عوائدهم و نحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة و منهاج مستقر إنما هو اختلاف على الأيام و الأزمنة و الانتقال من حال إلى حال" و ليس التاريخ عند ابن خلدون إلا موجات صراع بين التوجش والتأنس، بين البداوة والحضارة، بين الزراعة و الصناعة، بين العصبيات و أصناف التقلبات للبشر بعضهم على بعض"12إن الأفق الواسع لابن خلدون هو الذي جعله يتصور التاريخ العالمي بوصفه  حركة مستمرة للصراع و التدافع و التنافس و التغالب و التقاتل بين " العصبيات"ومعنى العصبية هنا هو الجماعة المتحدة التي تتوحد حول مصلحة معينة مشتركة سواء كانت هذه الجماعة عشيرة صغيرة أو قبيلة أو شعب أو أمة أو دولة أو إمبراطورية أمريكية، وقد سمى – هنتجتون في كتابه " صدام الحضارات " سمى الحضارات المتصارعة اليوم بالقبائل الكبيرة و هذا هو معنى العصبية الخلدونية.كما أن المؤرخ الإنجليزي  Fisherكان قد استخدم مفهوم " الموجات " بالحرف حينما تحدث عن رفضه للمسار الخطي التقدمي للتاريخ الذي شاع في عصر التنوير والقرن التاسع عشر، حيث قال " إنني أحسد أولئك الذين يرون بأن التاريخ يسير في خط صاعد نحو هدفه المنشود، أما أنا فأنني لا أرى في التاريخ إلا تدفق موجات من الأحداث موجه تلحق موجة"13
و قد عبر الفلاسفة و المفكرون عن إحساس أو تصور مشابه لذلك أمثال هيجل ( ت 1831م وماركس ( ت 1883م) أو حتى شبنجلر ( ت 1838م) - وتوينبي ( ت 1975م)، حينما تصوروا التاريخ بوصفه صراع " الروح من أجل الحرية" أو صراعاً بين التشكيلات الاقتصادية، أو تعاقب دورياً حيوياً وثقافياً للحضارات14.وسوف نلاحظ فيما بعد وجه التشابه بين ماركس و توڤ---لر في توظيف هذا الأخير لمفهوم الصراع في بعده الاقتصادي إذ يرى أن تغير أسلوب الإنتاج الاقتصادي يؤدي بالضرورة وعلى المدى القصير أو الطويل، إلى تحول عميق في السلطة، أو المكانة، أو صفة القائمين عليها، فكأننا أمام البنية الفوقية أو البنية التحتية اللتين أشاع ماركس استخدامهما في تحليل التشكيلات الاجتماعية.
وسوف نلاحظ كيف اعتمد توڤ---لر في تحليل التاريخ على البعد الاقتصادي التقني ومهمشاً كل الأبعاد الأخرى الثقافية و الدينية والأخلاقية والسياسية و القومية وغيرها.
توقلر و المستقبليـــة:
أشرنا في مستهل البحث إلى تلك النزعة التشاؤمية التي انتشرت في معظم الدوائر الفكرية و الثقافية الاوروأمريكية منذ منتصف القرن العشرين، بشأن النظر إلى الماضي التاريخي و الخبرات والتقاليد السابقة، إذ سادت عقيدة قوية من الشك والريبة تجاه التاريخ وعلومه، وأخذ كثير من المثقفين يفقدون الثقة بالتاريخ والمعرفة التاريخية ويعلنون عدم جدوى التاريخ، وقد حاول المؤرخ الأمريكي ( شارلس اوستن بيرد ) أن يفسر (  أزمة التاريخ ) بقوله: " إن جوهر الأزمة في الفكر التاريخي ينبع من فقدان اليقين. والعلم الذي انتزع يوماً منا اليقين اللاهوتي عاجز أن يقدم لنا وصفاً أو نظاماً مماثلاً للسياسة القومية و للسلوك، فنحن محرمون من أي تفسير أو دليل واضح بيّن ومحرومون من الأمل بيقين قادم.. و بات لزاماً على البشر أن يسلموا بقابليتهم للخطأ ويرضوا العالم مكاناً للمحاولة والخطأ"15 وإذا كنا نعلم أن عقيدة التاريخ لم تكن راسخة عند الأمريكيين، كما هي عليه عند الشعوب الأخرى، وذلك بحكم حداثة الولايات المتحدة و عمر العالم الجديد، وربما كانت الروح الأمريكية عموماً تتميز بالنزعة المستقبلية، أكثر منها التاريخية، إذ أن الفلسفة البراجماتية التي تشكل الأساس الثقافي للمجتمع الأمريكي – تقوم على أساس النظر إلى المستقبل في كل التصورات، فبدلاً من الاهتمام بالماضي و التاريخ والبحث عن أصول الأشياء والظواهر والأفكار والمؤسسات، انصرفت البرجماتية للبحث في النتائج العملية والمفيدة للحياة والتقدم فهي لا تسأل كيف نشأت المعرفة أو ما هي الحقيقة بقدر ما تسأل عن النتائج التي تترتب على هذه الفكرة أو تلك في عالم الخبرة الواقعية.
في هذه البيئة الثقافية المتحررة من آسار التاريخ و أثقاله والمتجهة بنظرها إلى المستقبل واحتمالاته عاش وفكر توقلر، وكان مشدود إلى المستقبل أكثر من الماضي، وفي جوابه عن سؤال هل أنت مستقبلي؟ أجاب توقلر  " لستُ أرفض كلمة مستقبلي لأنها لا تحمل أي معنى شائن... والنظر إلى المستقبل هو وسيلة لتحسين القرارات التي يجب اتخاذها في الحاضر..فما من أحد في رأيي يستطيع أن يستمر في العيش عشر دقائق دون أن يخصص جزاءاً مهما من نشاطه العقلي لإعداد فرضيات لها صلة بالمستقبل ... وفي مرحلة من الاضطرابات الثورية كالتي نعيشها، فإن الماضي لم يعد دليلاً موثوقاً عندما يتعلق الأمر بقرارات مباشرة وبإمكانيات يخبئها المستقبل، بل لابد من امتلاك فكرة واضحة عن المستقبل كضرورة جوهرية من أجل البقاء...  ولكل ثقافة في نظري موقف خاص تجاه الزمن فمنها ما هو مستقطب حول الماضي إذ حيث يرسخون في أذهان الأطفال الفكرة القائلة بأن الحكمة والحقيقة تكمن في الماضي..ومثل هذه الثقافة تبقى قروناً وآلاف من السنيين حبيسة العش البيئي نفسه "16
غرضنا من إيراد هذا النص الطويل نسبياً هو الكشف عن الأطر الثقافية والدوافع الفكرية التي تفسر النزعة المستقبلية عند توفلر في معظم كتاباته من (صدمة المستقبل ) إلى ( الموجه الثالثة) .. و إذا كان هيجل يقول " إن بومة ميرفا تطلق جناحيها للريح مع مقدم الأصيل " وهو يعني بأن الفلسفة التي تتأمل التاريخ  تأتي في آخر النهار،بعد اكتمال ونضج الظاهرة التاريخية المراد تفسيرها، فإن توڤ---لر يقف على الطرف النقيض من هيجل حينما يبدأ تفسير المستقبل قبل أن تتجلى صورته وتتضح معالمه.
على كل حال لقد كان لكلمة " المستقبلية " في أوروبا منذ بداية القرن العشرين معاني و دلالات متنوعة، لكن المعنى الذي يهمنا بالنسبة لأغراض هذا البحث هو الآتي:
المستقبلية  Futurism  حركة فكرية ثقافية ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية وكان الألماني " اوسيب فليشتهايم، أول من نادى بضرورة توقع المستقبل وتعلمه في المدارس، وفي سنوات الستينات اجتمعت زمرة من المثقفين الأورأمركيين، وكــان توڤ---لر من بينهم، شنوا حملة من أجل الاهتمام بصورة أكثر منهجية بمضامين التغير على المدى الطويل، ثم ظهرت معاهد دراسات المستقبل و مجلات المستقبل، وعلوم المستقبل، وكان للفرنسي ( برترانددي جوفنيل ) أكبر الأثر في تأسيس نادي رواد المستقبل Futurism  الذي  يقوم على إدارته اليوم ولده ( هوغ )17. وفي هذا السياق يمكن النظر إلى كثير من الكتابات الفكرية الأوربية الأمريكية المعاصرة، إذ تعد كتابات مستقبلية مثل كتاب " دانييل بيل " " المجتمع ما بعد الصناعي " أو كتاب " جان فرانسو ليوتار " ( الوضع ما بعد الحداثة، تقرير عن المعرفة ) أو كتاب " الفضاء السيبرنيتي " لعالم المستقبليات المشهور " جون بري بارلو ) John Perry Aar الذي يستهله بالخطاب الآتي:
" يا حكومات العالم المصنع، أيها العمالقة المتُعبون المصنوعون من اللحم و الفولاذ لقد جئتكم من الفضاء السيبرنيتي المأوى الجديد للفكر ( ... ) نحن لا نرحب بكم عندنا. لستم أسيادا في هذا الفضاء الذي نجتمع فيه، إن مفاهيمكم القانونية عن الملكية، والتعبير والهوية، والحركة والسياق لا تنطبق علينا، أنها مؤسسة على المادة. و لا مادو هنا. نحن بصدد إنشاء حضارة للروح في الفضاء الجديد ستكون أكثر إنسانية وأكثر عدلاً من العالم الذي شيدته حكوماتهم وفي هذا المنظور، من البديهي أن الدولة لن تعود مصدراً للسلطة ولا لشرعيتها،و لا للهوية"18هكذا أخذ التفكير المنهجي بالمستقبل يشغل الأفق الثقافي الأوربي والأمريكي والصيني و الياباني وكل الشعوب الناهضة من سباتها التاريخي والمتصدرة موكب التاريخ العالمي المعاصر.
إن السؤال عن المستقبل لم يعد اليوم من باب الرجم بالغيب أو التنجيم أو التنبؤ أو التخمين و الظن و الشطح الصوفي، بل غدا اليوم ضرورة حيوية وجودية واستراتيجية للبقاء والعيش في عالم تعصف به الأحداث و المتغيرات بخطى متسارعة، )فلا مستقبل لمن فقد موقده و ضيع بوصلة اتجاهه( ويرى توفلر أن الأمم التي تجعل ماضيها هو مستقبلها تشبة ذلك الذي راح يبحث عن روح أجداده في رفات الرماد، فأيهما يحكم الآخر عندنا الماضي أم المستقبل ؟!، وبدون تحرير المستقبل من الماضي والماضي من المستقبل لا يمكن لنا أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام بينما نتراجع خطوات كثيرة إلى الخلف، لقد أصبحنا اليوم نهرب إلى الماضي ونقرأ فيه مستقبلنا، فاضعنا الحاضر والماضي والمستقبل ولفظنا التاريخ في زوايا الهامش المنسي19
نظرية الموجة الثالثــــة:
على مدى نصف قرن من العمل و النشاط السياسي والتأمل الفكري و الكتابة يحاول توڤ---لر تفسير الأحداث و المتغيرات التي يشهدها العالم بما يجعلها قابلة للفهم والعقلنة، ويحدد فترة دراسته في مدة بدأت في منتصف الخمسينات، لتنتهي تقريباً بعد خمس وسبعين سنة، أي في العام 2025، كما يقول- وهذا زمن يمكن أن يُعرف بأنه نقطة من أكبر نقاط الفصل في التاريخ، أو فترة يأتي بعدها من خلال سلسلة من الصراعات التي ستهز العالم، حضارة غير الحضارة الصناعية التي سادت العالم، خلال قرون. وهي حضارة جديدة مختلفة بعمق عن الأولى"20ويرى توڤ---لر أن التغيرات السريعة التي نلاحظها في عالم اليوم ليست بهذه الدرجة من الفوضوية والعرضية، التي يهيئوننا لتصديقها، بل أن وراء الأحداث المعروضة بعناوين كبيرة، جملة من البنى ليست ملحوظة فحسب، بل هناك قوى يمكن تحديدها وهي التي تتحكم في تلك البنى و تهبها صورتها ومتى استطعنا أن نفهمها، يكون في وسعنا أن نتبنى تجاهها استراتيجية كلية. بدلاً من أن نتصدى لها كأجزاء متفرقة وبمجرد الصدفة.
وكتاب ( صدمة المستقبل ) ينظر في صيرورة التغير بالطريقة الذي يؤثر فيها هذا التغير في حياة الناس والمنظمات والمؤسسات،  أما كتاب ( الموجه الثالثة ) فإنه ينظر إلى الاتجاهات التي تمضي إليها هذه التغيرات الحالية، أما كتاب ( تحول السلطة ) فإنه يعالج قدرتنا السيطرة على التغيرات التي ستأتي و المشكلة هي أن نعرف من هو الذي يقودها، وكيف يتصرف إزاءها، أما كتاب " بناء حضارة جديدة" فيبسط فيه توقلر نظريته في الموجة الثالثة ويحدد معالم الحضارة الجديدة التي أخذت تبزغ من أحشاء حضارة الموجة الثانية، الحضارة الصناعية الغاربة، أما في كتاب (خرائط المستقبل ) فيعرض توڤ---لر آخر صورة لمفاهيمه ويتحدث عن سيرته الذاتية ويدافع عن طروحاته ضد منتقديه، ويوضح نموذج الموجه الثالثة21.
 إن توڤ---لر إذ يعد الحضارة الوحدة الأساسية في دراسة حركة التاريخ مثله في ذلك مثل ارنولد توينبي وهنتجتون، فهو يختلف في تحديد معنى الحضارة.
فماذا يقصد توقلر بالحضارة؟ يجيب توڤ---لر قائلاً: " قد تكون كلمة " الحضارة " طنانة أو ذات رنين عال، خاصة على الأذن الأمريكية، ولكن لا توجد كلمة أخرى تحتوي كل هذه الأمور المختلفة، مثل: التكنولوجيا والحياة الأسرية، والدين، والثقافة، والسياسة، والأعمال والتراتب، والقيادة، والقيم، والنظرة الأخلاقية للجنس ونظرية المعرفة"22.في هذا التعريف للحضارة يخلط توڤ---لر بين التاريخ وقواه التي هي الثقافة والمدنية والحضارة، ونعني بالثقافة: التطور الدائم المستمر في العلم و الأدب والفن وهي القوة الإبداعية في التاريخ. ونعني بالمدنية: التطور الدائم المستمر في الزراعة والصناعة و العمارة، وهي القوة المادية السلعية في التاريخ. ونعني بالحضارة: التطور الدائم المستمر في السياسة والأخلاق والتشريع وهي القوة التنظيمية في التاريخ. وعلى أساس من هذا الفهم الملتبس و المضلل للحضارة مضى توڤ---لر في تحديد نموذجه المفهومي لحركة التاريخ. إذ يرى أن جميع الحضارات تتشابه في امتلاك بعض المعطيات الجوهرية التي حددها في خمسة أفلاك أساسية.
1- الفلك التقني:
و يشتمل على قاعدة طاقية مهما يكن نوعها، وطريقة لإنتاج السلع والخدمات ونظام توزيع الثروة، والنظام الطاقي ونظام الإنتاج ونظام التوزيع ترتبط بعضهما ببعض ارتباطاً وثيقاً وتشكل فلكاً تقنياً"
2- الفلك الاجتماعي:
تمتلك الحضارات جميعها علما للبيئة Ecologicبصورة ما،ومؤسسات اجتماعية : الأسرة، القرابة، الزواج، القبيلة جماعة العمل والمصالح والعلاقات الاجتماعية بين الناس، وهذا هو " الفلك الاجتماعي "
3- فلك المعلومات:
تمتلك الحضارات جميعها أنظمة للاتصالات والمعلومات وطرق التبادل الإعلامي والمراسلات، وطرق إنتاج المعرفة وتبادلها واستخدامها وهذا ما اسميه " فلك المعلومات "
4- الفلك السياسي أو فلك السلطة:
تمتلك الحضارات جميعها أنماط سياسية محددة في تنظيم المجتمع وحمايته وإدارة شؤونه والسيطرة على قراراته العامة، من خلال مؤسسات بعضها رسمي وبعضها الآخر غير رسمي، شخصي، وهذا هو فلك السلطة.
5- الفلك النفسي:
وهو فلك العلاقات الحميمية و الذاتية و الشخصية، ويشتمل على القيم العاطفية والانفعالية والجمالية، وغيرها.
وهناك فلك سادس يسميه توڤ---لر بالفلك البيولوجي، ربما يقصد به، اللون والعرق والخصوبة والتطور البيولوجي للأنواع.
هذه الأفلاك الخمسة، فلك التقنية والفلك الاجتماعي وفلك المعرفة، وفلك السلطة والفلك النفسي والفلك البيولوجي يصعب الفصل بينها، فهي مترابطة ومتداخلة ومتكاملة، وهي تشكل كما يقول توڤ---لر " ما نستطيع تسميته بالعناصر البينوية لكل حضارة موصولة بطريقة متنوعة كما هي معقدة" 23 ويرى توڤ---لر أن هناك بُعداً آخر في جميع الحضارات يتداخل مع جميع الأفلاك ويهيئ عقيدة فوقية  Super ldeologie  أيدلوجيا نوعية لكي تبررها وتعقلنها وتضفي الشرعية على وجودها.
على أساس من هذا النموذج ذي الأفلاك الخمسة أو الستة المتداخلة يفهم توڤ---لر الحضارة التي هي بحسب قوله: " مصنوعة من أناس يعشون حياتهم وينصرفون إلى مهامهم اليومية ويتصارعون ويحبون ويموتون ويولدون. والطفل الذي ينظف أسنانه بالفرشاة صباحاً ( قبل أن يذهب إلى المدرسة حيث يعدونه لكي يمضي كل حياته في المصنع أو في المكتب ) هو ممثل لحضارتنا شأنه شأن كبار الفنانين أو القادة الساسيين العظماء الذين يزدحمون في المتاحف وفي كتب التاريخ. 24
في ضوء ما تقدم و بالاستناد إليه يمكن القول: إن توڤ---لر وهو النموذج الممثل للمفكر المستقبلي قد نظر نظرة خاطفة إلى التاريخ ليس بغرض دراسته وتحليله كما فعل ارنولد توبيني مثلاً أو حتى كما فعل هيجل قبلهما، بل كان هدف توڤ---لر من التاريخ أن يجد فيه المرتكز الذي يبني عليه فرضيته، و نموذجه المستقبلي في الحضارة الجديدة إذ انتخب من مجموع الظاهرات ما يناسب " فرضه " و عرض الشواهد المختارة بالطريقة التي تلائمه وفسرها تفسيراً مواتياً للفكرة " الامثولة " الجاهزة المسبقة التي بدأ منها، و اخضع  التاريخ كله لتبريرها. وهذا ما سوف نراه لتونا.
موجات التاريخ الثلاث: يقسم توڤ---لر التاريخ على ثلاث مراحل كبرى أو ثلاثة عصور، أو ثلاث موجات حضارية.
1- عصر الموجة الأولى:
بدأ منذ زها 8000 سنة قبل الميلاد حينما بزغت لأول مرة في التاريخ الحضارة الزراعية، وانتقلت المجتمعات من أساليب الرعي والصيد والترحال إلى ممارسة الزراعة في القرى والمدن المستقرة، إذ يرى توفلر أنه "قبل الموجة الأولى كان غالبية البشر يعيشون في جماعات صغيرة، كثيرة الترحال غالباً، تتغذى بجمع الثمار والقنص وصيد السمك والرعي. وفي وقت معين، منذ حوالي عشرة آلاف عام بدأت الثورة الزراعية، وزحفت ببطء عبر الكوكب، ناشرة القرى والمحلات، والأراضي الزراعية وأسلوبا جديد للحياة" 25
وقد انمازت حضارة الموجة الزراعية ببساطة أفلاكها التقنية والاجتماعية والمعرفية والسياسية والنفسية إذ كانت مصادر طاقتها المستخدمة من الطبيعة الفجة كالشمس والريح والماء والنار والقوة العضلية للحيوان والإنسان وكانت أدواتها بسيطة، من الحجر والخشب والحديد والنحاس في الحراثة والحرب مثل المحراث الخشبي والرمح والسيف والخناجر وعلى صعيد الفلك المعلوماتي " ووسائل الاتصال، كانت تستخدم الحمام الزاجل والمراسلين من الفرسان، وكانت الأمية الأبجدية هي الحالة السائد فيها.
في الواقع لم يهتم توڤ---لر  بتحليل خصائص الحضارة الزراعية المختلفة، بقدر اهتمامه بتأكيد مسألة واحدة هي أن الأرض كانت المصدر الوحيد للثروة. وقد سادت هذه الموجة العالم كله دون منازع حتى بداية العصور الحديثة ما بين 1650م – 1750م ومنذ ذلك الحين فقدت الموجة الأولى قوتها الدافعة، لتبزغ من أحشائها الموجة الحضارية الثانية.26
2- عصر الموجة الثانية:
عندما اندلعت الثورة الصناعية في أوروبا أطلقت موجة التغيير الكوكبية الثانية الكبرى وشرعت هذه الظاهرة ( يقصد الحداثة الأوربية ) تتحرك بسرعة أكبر بكثير من سابقتها عبر الدول والقارات إلى أن وصلت إلى ذروتها القصوى في الخمسينات من القرن العشرين. ويشير توڤ---لر إلى اختلاف وجهات النظر بشأن البداية الفعلية للموجة الثانية، غير أنه يرى أن الحياة لم تبدأ في التغيير الجذري بالنسبة لأعداد كبيرة من البشر إلا منذ حوالي ثلاثة قرون. حدث هذا مع صعود العلم النيوتوني " نسبة إلى عالم الفلك إسحاق نيوتن " وتم استخدام الآلة البخارية استخداماً اقتصادياً وبدأت المصانع تتكاثر في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وشرع الفلاحون ينتقلون من الريف إلى المدن وبدأ تداول أفكار جديدة جسورة: فكرة التقدم، وحقوق الفرد وفكرة روسو عن العقد الاجتماعي، والشرائع الدينوية وفصل الدين عن الدولة، وسقوط فكرة الحــــق الإلهي" وانمازت الموجة الثانية بسمة جوهرية هي ظهور وسيلة جديدة لخلق الثروة – ألا وهي الإنتاج في المصنع، إذ أن المصنع والصناعة عموماً تعد المحور الأساسي لجميع التغيرات الحديثة ولم يمض وقت طويل إلا وكانت هذه العناصر المتفرقة قد تجمعت لتتشكل على أسس التصميم الجديد للنظام الصناعي، ( الإنتاج الجمعي ) والاستهلاك الجمعي، والتعليم الجمعي والإعلام الجمعي، ترابطت كلها معاً وفي خدمتها المؤسسات المتخصصة: المدرس والشركات والمستشفيات والأحزاب السياسية والجامعات وحتى البناء الأسري تغير من العائلة الكبيرة ريفية الطراز التي تضم أجيالا عديدة وصولاً إلى الأسرة النووية الصغيرة التي أصبحت نمظا يميز المجتمعات الصناعية. وفي سبيل التمهيد للفكرة التي يود توفلر البرهنة على صحتها ألا وهي "صدام الحضارات الحتمي " فإنه كان يرى أن الموجة الصناعية لم تولد بيسر و بسلام بل نشبت معارك مريرة – غالباً ما كانت دموية – بين جماعات الموجة الثانية "الصناعية التجارية "  من جانب وجماعات الموجة الأولى " ملاك الأرض في تحالف مع الكنيسة التي كانت أكبر مالك للأرض في أوروبا من جانب آخر. وكانت الحرب الأهلية الأمريكية بين الشمال والجنوب وثورة الميجي في اليابان والثورة الإنجليزية والثورة الفرنسية تعبيراً عن ذلك الصراع الجوهري بين الموجة الثانية والموجة الأولى. إذ أصبحت الحرب بين مصالح الموجتين الأولى والثانية هي أم الصراعات، إذا انفجرت الاضطرابات والتمردات ونزاعات الحدود، و حروب التوسع الاستعماري، وكانت أكبر الحروب وأكثرها دماراً في العصر الصناعي هي الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين نشبت بين الدول الصناعية بهدف السيطرة العالمية، وكانت النتيجة النهائية انقساماً واضحاً بين الحضارة الصناعية المسيطرة وعشرات المستعمرات من الموجة الأولى.28
3- عصر الموجة الثالثة:
تختلف وجهة نظر توڤ---لر بشأن أزمة النظام العالمي الجديد، و بشأن طبيعة الصراع الجوهري فيه، إذ هو على العكس من كثير من الكتاب الأمريكيين المتشائمين أمثال: ( جون كينيت جالبريت ) في كتابه ( أزمة الديمقراطية الأمريكية) أو ديفيد هـ. دونالد المبشر بـ ( جدب الحقبة الجديدة ) أو كتاب( يول كيندي ) (قيام وسقوط القوى الكبرى " 1987م وكثير من عنوانات الكتب الجديدة –" الفجر الكاذب"، و"فقدان الأمل"، و"الجمهورية المجمدة"، و"بيع أمريكا" و" إفلاس أمريكا و" الحلم الأمريكي المهدد". وكتاب آرثر هيرمان ( فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي ) الذي قال فيه : " إننا نعيش حقبة أصبح التشاؤم فيها هو القاعدة فقد ظهرت سلسلة طويلة من كتب الأزمات تعدنا لاستقبال القرن الواحد والعشرين كمرحلة من التشوش العميق وعدم الثقة يبدو فيها الغرب – الذي يعني إلى حد كبير الولايات المتحدة، عاجزاً عن التأثير على ما ينتج عنه بأي شكل من الأشكال".29
إن تفاؤل توڤ---لر القوي بالمستقبل هو تفاؤل من نمط مختلف عن تفاؤل فرانسيس فوكوي كوياما في كتابه " نهاية التاريخ والإنسان الأخير" كما أنه يختلف عن هنتجتون في تشخيص " صدام الحضارات ".30
إن توڤ---لر يقر بوجود أزمة عميقة في قلب المجتمع الغربي لكنه لا يرى في الأزمة دلالة انهيار أو أفول الغرب بل بشارة ميلاد جديد لحضارة جديدة أخذت تبزغ لتؤها من هشيم الحضارة الصناعية الغاربة إذ يكتب في مقدمة كتابه ( بناء حضارة جديدة ) البيان الآتي:" تواجه أمريكا ( وهي رمز الغرب ) تجمع أزمات لم يسبق لها مثيل منذ أيامها الأولى: نظامها الأسري في أزمة وكذلك نظام الرعاية الصحية ونظامها القيمي والمدني، أما نظامها السياسي فهو أشدها تأزماً. وهو الذي فقد – من كافة الوجوه العملية – ثقة الشعب به. والسؤال هو: لماذا أصيبت أمريكا بهذه الأزمات في وقت واحد، كما لم يحدث في تاريخنا؟ هل هذه دلائل على اضمحلال نهائي لأمريكا؟ هل نحن في نهاية التاريخ؟ و يجيب توفلر على تساؤلاته بالقول " إن أزمات أمريكا ليست نابعة من إخفاقها، و إنما هي نابعة من نجاحاتها المبكرة. وأحرى بنا أن نقول: إننا لسنا في نهاية التاريخ، و إنما نحن نشهد نهاية ( ما قبل التاريخ )". 30 هكذا نكون مع توڤ---لر مع التاريخ الذي لما ينتهِ والتاريخ الذي لما يبدأ. ويرى توڤ---لر أن ذلك الاضطراب الشامل الذي يعم الحياة الراهنة وما يخلفه من إحساس بالارتباك والخوف وفقدان الأمل والاتجاه يمكن أن يكون مصدره المباشر  ذلك الصراع في داخلنا وفي داخل مؤسساتنا السياسية، الصراع بين حضارة الموجة الثانية المحتضرة وحضارة الموجة الثالثة البازغة، القادمة بهديرها لتأخذ مكان سابقتها. ويذهب توڤ---لر  إلى أن الناس بدأوا متأخرين في إدراك أن الحضارة الصناعية تقترب من نهايتها وإذ تقترب من النهاية فإنها تجلب معها مزيداً من الحروب، وإن تكن حروباً من نوع جديد.وفي نقده لطروحات هنتجتون وبول كنيدي وفوكوياما يرى توفلر أن الصراع الأساسي الذي نواجهه ليس بين الإسلام والغرب، أو " الآخرون ضد الغرب " كما أعلن كنيدي، و لا نحن في نهاية التاريخ، بل نواجه انقسام للعالم على ثلاث حضارات مختلفة ومتمايزة الصدام بينها وارد، ولايمكن رسم حدودها وخرائطها باستخدام المفهومات والتعريفات التقليدية31. على هذا النحو الاحتفالي يبشر توڤ---لر بقدوم الحضارة الجديدة، ( حضارة الموجة الثالثة )، الذي يرى تباشيرها تلوح في الأفق في مظاهر كثيرة رصدها في كتبه ( تحول السلطة ) و ( وخرائط المستقبل ) ( وبناء حضارة جديدة ) أما بداية ميلاد الموجة الحضارية الثالثة فيحددها توڤ---لر في عام 1955م، الذي يعدُّه نقطة من أكبر نقاط الفصل في التاريخ، إذ شهد لأول مرة زيادة عدد العاملين ذوي الياقات البيضاء وأولئك الذين يعملون في قطاع الخدمات على عدد العمال ذوي الياقات الزرقاء. وهذا هو نفس العقد الذي شهد انتشار استخدام الكومبيوتر، والطيران التجاري النفاث، وحبوب منع الحمل.. وغيرها، من المستجدات بعيدة الأثر. وهذا بالتحديد هو العقد الذي بدأت فيه الموجه الثالثة تستجمع قوتها في الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين بدأت تصل في أوقات متقاربة إلى غالبية البلاد الصناعية الأخرى واليوم يصيب الدوار كل بلاد التكنولوجيا المتطورة بسبب التصادم بين الموجة الثالثة من جانب، واقتصاديات ومؤسسات الموجة الثانية التي أصبحت جامدة وانتهى زمانها من جانب آخر. إن هذا الفهم هو مفتاح السر الذي يعطي معنى لكثير من الصراعات الاجتماعية والسياسية من حولنا. 32
هكذا يعلن توڤ---لر بيان البشارة تحت عنوان ( الكفاح الأكبر) فيقول: " تنبثق حضارة جديدة في حياتنا، وفي كل مكان يحاول رجال فاقدو البصر والبصيرة أن يوقفوا بزوغها، تجيئنا هذه الحضارة الجديدة بأساليب عائلية جديدة، وأساليب مختلفة لمزاولة العمل، والحب والحياة، كما تجيئنا باقتصاديات جديدة، وصراعات سياسية جديدة، وفوق كل ذلك: تجيئنا بوعي مختلف تواجه البشرية قفزة هائلة إلى الأمام، تواجه أعمق فوران اجتماعي، واشمل عملية إعادة بناء في التاريخ. ونحن اليوم مندمجون في بناء حضارة جديدة متميزة بدءاً من البداية، وإن كنا غير واعين تماماً لهذه الحقيقة وهذا ما نعنيه بـ ( الموجة الثالثة ) 33
على هذا النحو الخطابي الاحتفالي يقرأ توڤ---لر أزمة العالم المعاصر، إذ يرى في الأزمة الماحقة التي تجتاح العالم بشائر ميلاد جديد لحضارة جديدة تحمل العالم إلى العصر القادم السعيد !!
من الطريف أن نشير إلى أن تلك النبرة المتغطرسة في تبشير توڤ---لر بالعالم الجديد تذكرنا بخطاب مماثل لكاتب أمريكي من القرن الثامن عشر الميلادي هو (توم بين ) الذي كتب ،على أثر تحقيق الاستقلال الأمريكي عام 1783م يقول:
" نحن الأمريكيون نملك القوة و القدرة على أن نبدأ العالم من جديد، وإن العالم لم يشهد موقفاً مماثلاً منذ أيام نوح حتى الآن، ونحن نقف على عتبة ميلاد عالم جديد  " وفي عام 1858م كتبت مجلة ( هاربرز منثلي الأمريكية ) إن كل ماله علاقة بوضعنا وتاريخنا وتقدمنا، يعين الولايات المتحدة أرضا للمستقبل " 34وإنها من مفارقات القدر أن يعيد توڤ---لر بعد قرنين من الزمن ترديد هذه الأنشودة الصاخبة بقوله: " إن أمريكا هي البلد الذي عادة ما يأتيه المستقبل قبل غيره وإذ نحن نعاني من انهيار مؤسساتنا القديمة، فإننا أيضاً رواد حضارة جديدة".35 وإذا كان كتاب " هنتجتون " " صدام الحضارات " قد آثار موجات عاتية من ردود الأفعال الناقدة والرافضة والمستنكرة، فإن توفلر في معظم كتبه هو أخطر بكثير من هنتجتون في تبرير وشرعنة الصدام الحضاري الراهن.
إذ يرى أن العالم اليوم يصطف اصطفافاً حضارياً مختلفاً في ثلاثة أقسام متناقضة ومتنافسة في ثلاث موجات حضارية متمايزة.
الموجة الحضارية الأولى: التي كانت ولا تزال، مرتبطة ارتباطاً لا ينفصم بالأرض. و أياً كانت الأشكال المحلية التي تتخذها، أو اللغات التي تتكلمها شعوبها، أو الديانات والمعتقدات التي تؤمن بها، فإنها نتاج الثورة الزراعية. وحتى ايامنا هذه، وما زالت أقوام كثيرة تخربش أديم الأرض بحثاً عن الرزق، كما كان آباؤهم وأجدادهم منذ قرون.
 والموجة الصناعية الثانية: التي تضم كل الشعوب والدول التي لا تزال تتدافع وتتزاحم لتبني مصانع صلب وسيارات ونسيج ومواد غذائية، وسكك حديدية، أي كل الدول التي تحتاج إلى التصنيع بغض النظر عن اختلاف قومياتها ولغاتها ودياناتها وثقافاتها.
والموجة الثالثة: تضم مجتمعات ودول التقنية العالية مثل أمريكا واليابان وأوروبا..  ثلاث حضارات متصارعة الأولى التي لا تزال يرمز إليها بالفأس، والثانية بالمصنع  والثالثة بالكمبيوتر.
وفي هذا العالم المنقسم على ثلاث موجات حضارية يحدد توڤ---لر وظيفة كل حضارة في العالم الجديد. إذ يرى أن قطاع الموجة الأولى يقدم الموارد الزراعية والمنجمية وكل المواد الخام، ويقدم قطاع الموجة الثانية العمالة الرخيصة والإنتاج الجمعي والثقيل. بينما يصعد قطاع الموجة الثالثة الذي يتوسع بسرعة – ليحقق السيادة المؤسسية على الأساليب الجديدة التي يخلق بها المعرفة ويستثمرها.إذ تقوم أمم الموجة الثالثة ببيع المعلومات و الإعلام والمبتكرات، والإدارة، والثقافة الرفيعة والفنون الشعبية، والتكنولوجيا المتقدمة، ولسوفت وير (برامج العقل الإلكتروني Software و التعليم، و التدريب المهني، والرعاية الطبية، والخدمات المالية وغيرها للعالم. ومن بين تلك الخدمات الأخرى يمكن أن تقدم أيضاً الحماية العسكرية القائمة على امتلاكها لقوات عسكرية متفوقة تنتمي إلى الموجة الثالثة.
( وهذه في الواقع، هي التي قدمتها دول التكنولوجيا المتقدمة إلى الكويت والمملكة العربية السعودية في حرب الخليج، وسوف نلاحظ فيما بعد بعض أوجه الشبه بين توڤ---لر ومنظري ما بعد الحداثة أمثال ليوتار في كتابه ( الوضع ما بعد الحداثة ).36
خصائص حضارة الموجة الثالثة: يرصد توڤ---لر مظاهر وتجليات الحضارة الجديدة في جملة من الخصائص الأساسية يمكن الإشارة إلى أهمها و أكثرها جوهرية  في النقاط الآتية:
أولاً: المعرفة:
يعرف توڤ---لر المعرفة تعريفاً عاماً بعدها تشتمل على البيانات، والمعلومات، والإعلام، والصور، والرموز، والثقافة، والأيديولوجية، والقيم، وهي المورد المركزي لاقتصاد الموجة الثالثة. 37
والمعرفة بهذا المعنى الواسع هي " البديل الجوهري " عن القوة الطبيعية الممثلة في الأرض التي سادت في الحضارة الزراعية، وعن القوة الصناعية الممثلة في  المصنع التي سادت حضارة الموجة الثانية.
إذ يرى توڤ---لر أن كل الأنظمة الاقتصادية اليوم تقوم على أساس " قاعدة معرفية (معلومات، بيانات، حسابات أرقام ... الخ ) وتعتمد المشروعات المعاصرة جميعها على الوجود المسبق لهذا المورد المبنى مجتمعياً. 38
وإذا ما أدركنا أنه يستحيل أن يدور دولاب عمل إذا لم تكن هناك لغة، وثقافة، وبيانات، ومعلومات، ومهارات وخبرة مدربة وذكية، فإن الحقيقة الأعمق هي أنه من بين جميع الموارد اللازمة لخلق الثروة، تتميز المعرفة بأنها متعددة الجوانب والاستعمالات أكثر من أي شيء آخر. لقد تحققت نبوءة فرنسيس بيكون ( بأن المعرفة هي القوة أو السلطة) و إذا كانت قوى السلطة في الماضي تتمثل في العنف والمال والمعرفة، هذه المصادر الثلاثة للسلطة والسطوة والسيطرة، ظلت على مدى التاريخ الإنساني الطويل تحتل المكانة الأرفع بين إمكانات أخرى لا متناهية العدد، و اتخذت صوراً شتى في لعبة السلطة، وكما كانت السينما والتمثيل الغربي عموماً تتمحور حول هذا اليالوث الرمزي " العنف والمال والمعرفة " وكذا يمكن التعرف على تاريخ القوة في الشرق في السيف والمال والقلم، ففي الأسطورة اليابانية تذكر الأشياء الثلاثة المقدسة المقدمة إلى آلهة الشمس الكبرى بالسيف والجوهرة والمرآة، التي لا تزال إلى يومنا هذا رموز السلطة الإمبراطورية 39
وبعد أن يورد توڤ---لر كثيراً من الشواهد التاريخية بشأن القوى التي استخدمت في الماضي كمصدر جوهري للسلطة ويحلل ويفسر خصائص كل رمز على حده ينتهي إلى أن السلطة ذات الجودة العالية هي حصيلة استخدام المعرفة.. إذ أن المعرفة هي أعظم وسائل السلطة لأنها الأكثر قدرة على التلاؤم، والإسراع إلى رفع قيمة الدولار، وهي تصلح للعقاب كما تصلح للمكافأة، وتصلح للإقناع، كما تصلح لتطوير النفوس. وفي وسعها أن تجعل من العدو صديقاً وحليفاً، ثم إن المعرفة عامل مضاعف للثروة وللقوة.
حتى زمن قريب ، كانت القوة العسكرية مجرد امتداد لقوة القبضة، قبضة اليد، أما اليوم فإنها كلها تقريباً في يد " الذكاء المختزن، وما الطائرة المقاتلة الاحاسوب طائر وحتى الأسلحة " الخرساء هي نفسها إنما يتم إنتاجها بفضل حواسيب وعناصرها إلكترونية مؤنقة إلى أبعد مدى. لقد حدد البتاجون الأمريكي مشروع تصور منظومة من الأسلحة، قادرة على القيام " بمليون استنتاج منطقي في الثانية "
وينتهي توڤ---لر إلى تأكيد أن الهيمنة على المعرفة، سيكون العنصر الحاسم في التنازع على القوة، على المستوى العالمي، ذلك التنازع الذي سيقوم عما قريب داخل كل المؤسسات الإنسانية.
"كان نابليون يقول ششيئان يحيرانني؛ هما صراع السيف والعقل، فعلى المدى الطويل سينتصر العقل على السيف40. في الواقع أن توفلر لم يكن هو صاحب ذلك الاكتشاف الرائع لوضع المعرفة في العالم الراهن،بل سبقه إلى ذلك الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار في كتـــــابه ( الوضع ما بعد الحداثة  تقرير عن المعرفة ) إذ يعد أول من بحث هذه المسألة وشخصها وحللها تحليلهاً ضافياً من وجهة نظر منهجية فلسفية ما بعد حداثية إذ ذهب إلى أن وضع المعرفة قد تغير منذ دخول المجتمعات الصناعية عصر ما بعد الصناعة وما بعد الحداثة منذ نهاية الخمسينات" ومن السهل ملاحظة أن توفلر قد نقل فكرة ليوتار نقلاً حرفياً فكرة " أن المعرفة ستظل تمثل رهاناً رئيساً في المنافسة العالمية على السلطة فمن المتصور أن الدول القومية ستحارب بعضها يوماً من أجل السيطرة على المعلومات، مثلما تقاتلت في الماضي من أجل السيطرة على الأرض وبعدها من أجل التحكم في الوصول إلى واستغلال المواد الخام وقوة العمل الرخيصة" ويضيف ليوتار:" لقد تم فتح مجال جديد أمام الاستراتيجيات الصناعية والتجارية من جهة والاستراتيجيات السياسية والعسكرية من جهة ثانية.41. وفي تحليله لأنماط المعرفة المتمايزة حدد ليوتار ثلاثة أنماط للمعرفة الإنسانية في ثلاث مراحل تاريخية وبدا وكأنه يعيد صياغة قانون المراحل الثلاث عند عالم الاجتماع الفرنسي اوغست كونت إذ أشار فرانسو ليوتار إلى أن هناك ثلاثة أنماط من المعرفة هي:
- نمط المعرفة الحكائية التي تعود إلى المجتمع القبلي البدائي، وربما الزراعي الرعوي وهي معرفة سحرية أسطورية خرافية.
- نمط المعرفة " الميتا – حكائية " – أي ما بعد الحكاية، وربما قصد بها المعرفة الفلسفية التي تعود إلى المجتمع الحديث إذ تسود فيه ما يسمى بالحكايات الكبرى "العقل – والقومية – والتقدم " وهي المنظومات الفلسفية المتنافيزيقية الشمولية التي شهدها العصر الحديث عند كانت وهيجل وماركس.
- نمط المعرفة العلمية:  التي تميز المجتمع ما بعد الحداثي الراهن إذ تتحول المعرفة إلى سلطة عليا تختفي معها كل السلطات الأخرى، المشروعية المرجعية والغائية والتقدم والتنوير، إذ " تبدو نوعاً من ألعاب اللغة المستندة على قواعد محددة فورية تنبع من طبيعة اللعبة ذاتها وتمنحها عقلانيتها وشرعيتها" 42
هكذا نرى أن الإحساس المتزايد بسطوة التقدم المعرفي العلمي النظري والتطبيقي وما أفضى إليه ذلك التقدم من نتائج مذهلة على صعيد التفوق التقني وثورة المعلومات والاتصالات و الإنترنت كان إحساساً عاماً بين الشرائح المثقفة الاوروأمريكية.
إذ يتفق الجميع في المبدأ على أن المعرفة أصبحت على نطاق واسع القوة الرئيسية للإنتاج  و الثروة والتوزيع والمنافسة، ويختلفون في تشخيص هذه الظاهرة في نتائجها القريبة والبعيدة وابعادها المختلفة، و هذا ما يراه الدكتور توفيق مجاهد في أطروحته " التحولات الفكري للعولمة " من اشتراك مجموعة من النظريات والنماذج الفكرية (نظرية ما بعد الصناعة أو " مجتمع المعرفة " عند دانيال بيل، وتصورات توڤ---لر حول المجتمع عالي التصنيع أو مجتمع المعلومات" وغيرها من التصورات الأخرى، التي تلتقي جميعها في أنها تعتبر التقدم العلمي والتقني المحور الأهم والمحدد لاتجاه تطور البشرية.43
ما يهمنا من هذه الاستشهادات المقارنة هو التحقق من مشروعية دعـــــوى توڤ---لر وخطورتها، والكيفية التي يعالج بها توفلر هذه الظاهرة – ظاهرة المعرفة الإنسانية-.
ربما يختلف توڤ---لر مع ليوتار في زاوية النظر المنهجية في تشخيص ظاهرة المعرفة بما هي محور الموجة الحضارية الثالثة، ففي حين ينطلق ليوتار من منهجية فلسفية أكاديمية، نرى توڤ---لر يغلب عليه المنهج التطبيقي، إذ  نظر توڤ---لر إلى المعرفة في بعدها التقني والعملي في الممارسة الاجتماعية والسياسية المشخصة وهو بذلك جمع بين الماركسية والبرجماتية، في إلحاحه على النتائج الاقتصادية من جهة وعلى النتائج العملية المتحققة أو التي سوف تتحقق جرى انتصار ثورة الموجة الثالثة.
إذ يرى أن صعود اقتصاد الموجة الثالثة عالية الترميز لا يفسرها الإفراط في استخدام الكمبيوتر أو مجرد المناورات المالية للتأثير في الأسعار، وإنما يجد تفسيره في الفوران الهائل في القاعدة المعرفية للمجتمع  44
ويرصد توڤ---لر نتائج ثورة الكمبيوتر في حياة المجتمع ما بعد الصناعي في عدد من المظاهر والتجليات في مختلف أنساق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية والأسرية أي أن كل شيء في حياة الإنسان أخذ يتغير بعنف، وكل من سيقدر له أن يعيش على ظهر هذا الكوكب في هذه اللحظة المتفجرة سيشعر بالصدمة الكاملة للموجة الثالثة في حياة هذا الجيل. 45
فالموجة الثالثة ستجيء بأسلوب حياة جديدة تماماً، يتأسس على: مصادر طاقة متنوعة ومتجددة، وأساليب إنتاج تجعل خطوط الإنتاج في المصانع أشياء عتيقة انتهى زمانها، وأسر وعائلات جديدة غير نووية، ومؤسسة من نوع جديد يمكن أن نسميها " الكوخ الإلكتروني " ونرى مدارس وشركات ونقابات مختلفة مستقبلية تختلف عن المألوف حالياً اختلافاً جذرياً، وتخط لنا الحضارة البازغة قواعد جديدة للسلوك، وتحملنا إلى ما بعد التنميط والتزامن والتمركز بعيداً عن تركيز الطاقة والمال والسلطة.
هذه الحضارة الجديدة لها رؤيتها المميزة للعالم، وطرقها الخاصة للتعامل مع الزمان والمكان والمنطق والسببية ولها مبادئها الخاصة لسياسات المستقبل. 46
بيد أن المثير للفزع في رؤية توڤ---لر لبزوغ الحضارة الجديدة يكمن في كونه لا يرى في ما يشهده العالم الراهن من صراعات وتمزقات وأزمات وحروب- إلا مظهراً من حالات المخاض و الآم الوضع للجنين القادم، إذ أنه لا يعير أهمية تذكر لمشكلات حيوية متفاقمة كمشكلات: الفقر ومشكلة التخلف والأمية والهيمنة الأمريكية والتسلح النووي، والقيم الاستهلاكية، وتفكك المجتمع والتفسخ الأخلاقي، ونتائج العلم والتقنية لا سيما في الثورة البيولوجية وعلم الوراثة والاستنساخ على حياة الإنسان المعاصر وغيرها، وهي المشكلات التي يرى فيها آخرون أمثال ( روجيه جارودي ) وجاك دريدا، وناعوم توشوفسكي، تهديداً قوياً للحضارة الغربية الأمريكية.  
الخلاصـــــة:
حاولت هذه الدراسة أن تسلط الضوء على واحد من ابرز فلاسفة التاريخ الأمريكي المعاصر " الفين توفلر" في نظريته " حضارة الموجه الثالثة" إذ كشفنا عن ما تنطوي عليه هذه النظرية من معاني ودلالات خطيرة على حياة الشعوب المعاصرة والمستقبلية.
وقد توصلنا بعد الدرس والتحليل إلى الاستنتاجات الآتية:
1- ثمة إحساس متزايد بسرعة المتغيرات التاريخية العاصفة التي يشهدها العالم المعاصر، ويتجلى ذلك بكثرة الدراسات والكتابات المتواصلة التي تحاول توصيف حقيقة المشهد التاريخي الراهن.
2- هناك اعتراف واسع النطاق بعمق الأزمة البنيوية التي أصابت الحضارة الأوربية الغربية الأمريكية؛ وهذا ما افضى إلى صعود النبرة التشاؤمية التاريخية والثقافية عند عدد كبير من المفكرين الغربيين بشأن مستقبل الحضارة الغربية الأمريكية.
3- وسط هذا المشهد المضطرب بالفوضى والتصورات الكثيرة تأتي نظرية "حضارة الموجة الثالثة" الفين توفلر بمثابة نجدة من السماء لإنقاذ مشروع الليبرالية الأمريكية الجديدة الذي يتخبط في جملة أزمات ساحقة.
4- يعد الفين توفلر الصوت المعبر عن رغبة وارادة الليبرالية الأمريكية الجديدة التي تعترف بأزمتها التاريخية ولكنها لا ترى في هذه الأزمة إلا تباشير ميلاد حضارة جديدة.
5- حاول توفلر تفسير التاريخ بما يخدم ويبرر فرضيته التي يرغب في تحقيقها، إذ لم يرى في التاريخ الإنساني كله إلا تدفق ثلاثة موجات حضارية أساسية، هي: حضارة الموجة الزراعية، وحضارة الموجة الصناعية، وحضارة الموجة المعرفية التي هي حضارة الموجة الثالثة.
6- يعيد توفلر الصراعات والحروب المشتعلة في عالمنا المعاصر اليوم، إلى أزمة ميلاد حضارة الموجة الثالثة وما يعترضها من مقاومة يأسة من فلول الموجتين الأولى والثانية.
7- تتميز حضارة الموجة الثالثة بقدرتها على تركيز وتمركز عناصر القوة والسلطة في المعرفة بمعناها الواسع، فالهيمنة على المعرفة سيكون العنصر الحاسم في الصراع عن القوة في العالم الجديد.
- الكمبيوتر هو رمز الحضارة الجديدة كما أن الفأس كان رمزاً للحضارة الزراعية والمصنع رمزاً للحضارة الصناعية.
- يعلن توفلر بان أمريكا واليابان وأوروبا هم رواد حضارة الموجة الثالثة الجديدة التي يتعين  أوان عليها أن تخوض الحروب والصراعات الدولية حتى يتم لها النصر المحتوم في القرن الجديد.
- أكد توفلر بان دول الحضارة الجديدة ستتحول إلى دولة خدمات بتحقيقها السيادة المؤسسية على الأساليب الجديدة لخلق المعرفة واستثمارها.
ختــــاماً: آنا وان كنا لا نتفق مع الفين توفلر في تفسيره لمسار التاريخ العالمي المعاصر، فمن الأولى بنا التعرف على المنطلقات الفكرية والأسس الفلسفية التي  تفسر إلى أقصى حد ممكن فكرو سلوك القائمين على إدارة قوة التاريخ العالمي الراهن إي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان والصين...
المراجع والهوامش:
1- يصف المفكر الفرنسي ( جورج بالانديبة ) المشهد العالمي الراهن بقوله: " سرعان ما تأتكل الكلمات في محاولة التعبير عن هذا الزمان، عن هذا العالم المضطرب حيث الحركة تصبح القانون. والرجوع إلى الماضي لا يسعف كثيراً في فهم هذا الزمان، فهناك كثير من المستجدات التي توهن العزم على الاستعانة بالمماثلة .. إن المشكلات التي تراكمت في آواخر القرن العشرين جعلت العالم يبدو للإنسان وكأنه تيه جورج بالانديبة، (في الطريق إلى القرن الواحد والعشرين – التيه – ترجمة محمد حسن إبراهيم، دمشق وزارة الثقافة " دراسات فكريـة ( 6) 2000م ط1 ص3
2- تبدو، س. هيمور، تأملات حول التاريخ والمؤرخين عرض وتحليل مصطفى العبادي، مجلة عالم الفكر الكويتية المجلد العشرون.. العدد (1) يونيو 1989 ص260
3-  المرجع السابق ص 261
4-  في هذا السياق يمكن الإشارة إلى ما كتبه الفيلسوف الفرنسي هنري لوفيفر، في كتابه ( نهاية التاريخ ) إذ أكد " إن النزعة الماضوية تفقد معناها والرجوع  إلى الوراء أمر ممتنع ... والرغبة في استعادة نموذج ما للعالم لم تعد هدراً للوقت فحسب بل تنطوي أيضاً على مخاطر .. لقد تغير العالم كثيراً وفقد التاريخ ( بالحرف الكبير ) هالته الخرافية واضحى شكل من اللامعقول".
ينظر هنري لوفيفر، نهاية التاريخ، ترجمة د. فاطمة الجيوشي، دمشق وزارة الثقافة 2002 ط1 ص7
5- نشير هنا إلى سلسلة الكتب التي ظهرت في آواخر القرن العشرين والتي تعبر عن قوة القطيعة الأنطولوجية والاستمولوجية بين ما فبل وما بعد، إذ أن معظمها جاءت مسبوقة بكلمة " ما بعد Post " التي غدت الصيغة المرموقة للدلالة على حركة واسعة من عمليات الهدم وإعادة البناء التي تُنجز بلا انقطاع في الحياة والفكر المعاصؤين في أوروبا وأمريكا، والتي طمحت جميعها إلى إعطاء تفسيرات عقلاني للأحداث والمتغيرات التاريخية المعاصرة.
6-  آلفين توفلر، خرائط المستقبل، ترجمة أسعد صقر، إتحاد الكتاب العرب دمشق، 1987 ط1 ص 252.
7-  آلفين توفلر، المرجع نفسه ص 254
8  توفلر المرجع نفسه ص 255
9-آلفين توفلر، تحول السلطة بين العنف والثروة والمعرفة ترجمة فتحي بن شتوان ونبيل عثمان، الدار الجماهيرية للنشر، ليبيا ط1 1992 ص 15
10- الفين توفلر، خرائط المستقبل ص 258
11-  آلفين توفلر، بناء حضارة جديدة، ترجمة سعد زهران مركز المحروسة للبحوث، القاهرة ط1 1996م ص20
12- أبن خلدون المقدمة، دار العودة، بيروت دون تاريخ ص 50
13- ادوار كار، ما هو التاريخ، ترجمة ماهر الكيالي، بيار عقل، المؤسسة العربية للدراساتوالنشر ط3، 1986 ص 108
14- ينظر قاسم المحبشي، (فلسفة التاريخ في الفكر الغربي المعاصر، ارنولد توينبي موضوعاً) اطروحة دكتوراه إشراف أ مدني صالح، جامعة بغداد كلية الآداب قسم الفلسفة 21/9/2004م
15- دافيد مارسيل، فلسفة التقدم، جميس، ديوى، بيرد، وفكرة التقدم الأمريكية، ترجمة خالص المنصوري، معطيات ناقصةص 178
16- آلفين توفلر، خرائط المستقبل ص 287
17- توفلر، المرجع نفسه ص 282
18- محمد عابد الجابري، الماضي والمستقبل.. أيهما يحكم الآخر؟ الوحدة العربية بيروت، ط2004 ، نشير هنا إلى المصيرالمأساوي الذي آل ألية حال الحضارة العربية الإسلامية، وما اصابها من تدهور وتفكك وفوضى افقدها عدم القدرة على التمييز بين ابعاد الزمن الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل، التي غدت أشبة بالحلقة المفرغة تتحرك في حركة دائرية إذ مازالت تتعايش وتتداخل في وزمننا هذا قيم وأفكار أساطير ونظم وأفعال وانفعالات ومعتقدات تعود أصولها  إلى آلاف السنين وتمارس حضوراً طاغياً على حياتنا المعاصرة وأكثر من الحاضر نفسه، وبهذا المعنى تحدث البعض عن خروج العرب من التاريخ.
19- آلفين توفلر، بناء حضارة جديدة ص 25
20- آلفين توفلر، حضارة الموجة الثالثة، ترجمة عصام الشيخ قاسم، الدار الجماهيرية للنشر، ليبيا دون تاريخ ص 25
21- آلفين توفلر، بناء حضارة جديدة، ص 30
22- آلفين توفلر، خرائط المستقبل ص 301
23- توفلر، المرجع نفسه ص 305
24- توفلر، بناء حضارة جديدة ص 30
25- توفلر، المرجع نفسه ص 35
26- توفلر، حضارة الموجة الثالثة ص 65
27- توفلر، بناء حضارة جديدة ص 33
28- في ذات السياق يرصد ارثر هيرمان عدد واسع من الكتب التي تتحدث عن اضمحلال الحضارة الغربيةومنها : كتاب تشارلز مواري ( منحنى الجرس ) 1994م وكتاب البرت جور ( الأرض في الميزان ) 1992م وكتاب جيرمى ريفكين  ( مابعد لحم البقر 1992م وكتاب ديفي فورمان ( الأرض أولاً ) 1995م وكتاب  روبرت صمويلسون ( المجتمع الجديد ومساوئه ) 1995م وغيرها وهذه النزعة يسميها التشاؤمية الثقافية، والمتشائم الثقافي يدعي أن العالم الحديث والإنسان الحديث مأسوران في فخ عملية اضمحلال وتدهور وسقوط حتمي "
ينظر، ارثر هيرمان، فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي ترجمة طلعت الشايب، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة ط 1 2000 ص 35-43
29- نشير هنا إلى كتابي، فرانسيس فوكوياما، نهاية التاريخ والإنسان الأخير، ترجمة حسين الشيخ، دار العلوم العربية بيروت، لبنان ط1 1993، نهاية الإنسان عواقب الثورة البيوتكنولوجية، ترجمة أحمد مستجبر الهيئة المصرية للكتاب القاهرة ط 1 2003. وكتاب( صموائيل هتجيون صدام الحضارات، ترجمة ودار الشرق الأوسط بيروت ط،1995
30- توفلر، حضارة الموجة الثالثة ص35
31- توفلر، بناء حضارة جديدة ص 21
32- توفلر، حضارة الموجة الثالثة ص 75
33- توفلر، بناء حضارة جديدة ص 17
34- ديفيد مارسيل، فلسفة التقدم ص 51
35- توفلر، باء حضارة جديدة ، ص111
36- توفلر، المرجع السابق ص 21- 25
37- توفلر، تحول السلطة ص 48
38- توفلر المرجع السابق ص 41
39- البيركامو الإنسان المتمرد
40-  جان فرانسو اليوتار، الوضع ما بعد الحداثي، تقرير عن المعرفة، ترجمة أحمد حسان دار شرقيات، القاهرة ط 1994
41- فرانسوا ليوتار، المرجع نفسه
42- توفيق مجاهد، التمولات الفكرية للعولمة، اطروحة دكتواره بإشراف د. محمد فرح، جامعة عين شمس – كلية الآداب 2005م.
43- توفلر، بناء حضارة جديدة ص 18
44- توفلر، حضارة الموجة الثالثة ص 120
 



#قاسم_المحبشي (هاشتاغ)       Qasem_Abed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهيجلية رحاب العزاوية تستأنف الدهشة الفلسفية
- الفلسفة من حب الحكمة إلى حكمة الحب.
- مدخل جديد للدراسات التاريخية
- صراع الإنسان من أجل الاعتراف في عام مضطرب.
- متى يتجاوز العرب الحالة الخلدونية؟! مقدمة في استئناف الفعل ا ...
- البارحة مع ديوان معشوقتي في دار الهلال المصرية
- لست راضيا ولم اندم وهذا ما استطعته
- اليوم لي .. فيما يشبه المعايدة بالعام الجديد 2020م
- فيما يشبه التمهيد.. لمقاربة فيلسوف الأنا العربي
- أمس مؤتمر النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، باتحاد أدباء وك ...
- العلمانية ليس ايديولوجيا بل تقنية سياسية ناجعة ومجربة
- عبد الستار الراوي ورحلته الفلسفية من بغداد الى الاسكندرية.
- مقاربة المجتمع المدني المفهوم والسياق
- ملاحظات أولية في فلسفة الفن والجمال
- يوم أمس في زيارتي الثانية لأهرامات الجيزة
- في توقع مآلات ثورة الفرصة الأخيرة .. خاب ظنه وصدق حدسي
- فاطمة مصطفى و بحث العلاقة بين الفلسفة والسينما
- الثورة: تحولات المفهوم وسياقات المعنى؛ من وحي مؤتمر العقل وا ...
- في الثورة والعلم والثقافة والأيديولوجيا
- في إستشكال مفهومي العقل والثورة.


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم المحبشي - النظرية الموجية للحضارات عند فيلسوف التاريخ الأمريكي أولفين توفلر