أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم المرعبي - مصائر الشعراء انطباعات واستذكارات متناثرة عن كمال سبتي















المزيد.....

مصائر الشعراء انطباعات واستذكارات متناثرة عن كمال سبتي


باسم المرعبي

الحوار المتمدن-العدد: 1566 - 2006 / 5 / 30 - 11:50
المحور: الادب والفن
    


1
لو كانَ في البلادِ لي مالٌ

بَكيتُهُ كَصَرّافٍ عجوزْ

لو كانَ في البِلادِ لي بَيْتٌ

بَكَيْتُهُ كَمالِكِ البِيوتْ

لكنَّما أنا فَقيرٌ كُلَّ عُمْري سَيِّدي القاضي،

وإِذْ أَبْكي فَلا أَدري لماذا ؟
..........................

يلخص هذا المجتزء من قصيدة "أمام القاضي" صورة كمال سبتي الى حد كبير.
هذه القصيدة التي سمعتها منه للمرة الأولى في ما يشبه الأمسية المصغرة لعدد من الشعراء في فندق "كاستيلا بلازا" في مدريد على هامش مؤتمر "من أجل عراق ديموقراطي"، وكان الحضور خليطاً من الشعراء والمثقفين والسياسيين العراقيين.

وكما في قصيدته هذه كان كمال يجاهر فخوراً، في أحاديثه، بفقره وخساراته وانه قد قدّم الشعر على كل شيء في حياته، وهو ما كان حقاً.
يقول عن ذلك: "أفتخر أمام نفسي انني ماسعيت الى شيء في حياتي غير الشعر ومن أجله فحملته معي أقيس به العالم وهذا سبب خرابي.."

وهاهو رحيله المأساوي يثبت و يتوج خساراته المتلاحقة في الصداقات والمرأة والعائلة والوطن بل الحياة عموماً وقد أدرك كمال ذلك فكان كمن يصارع لأجل الخروج من "قدره" غير انه في الوقت نفسه يسلّم في أكثر من مناسبة بأنه كائن غير محظوظ في هذه الدنيا.


2

لقد أحببتُ في كمال اخلاصه للشعر ووفاءه ومسالمته رغم الضجيج الذي يعلو هنا أو هناك، لكن من يعرف كمال عن كثب يلمس ذاته المسالمة فهو لا يميل الى العنف بل على العكس وقد يكون قوله: الكتابة ملجئي الوحيد للثأر خير تعبير عن نزعته هذه.

3

غادر كمال العراق أواخر السبعينات وعاد في الأشهر الأولى للحرب العراقية الإيرانية وقد كان في تركيا، وقتها، هذه العودة التي سيبدي كمال ندمه عليها لاحقاً، خصوصاً، بعد ان تحولت البلاد بـ "همة" صدام الى قفص مروّع. هذه البلاد التي لم يكن له نصيب منها، سوى التشرد والفقر والنوم في الفنادق الرخيصة.
ولم يكن مفاجئاً لي على الأقل انسلال كمال من الوفد العراقي الذاهب الى ليبيا للمشاركة في مهرجان "النهر الصناعي العظيم"، عام 1989 وقد كنت متيقناً من عدم عودته التي تلقينا نبأها في مقهى حسن عجمي. أتذكر ذلك جيداً فقد كان الأمر يهمني بشكل أو آخر فقد كنت من المدعوين الى ليبيا، لذات المناسبة، غير اني لم أتمكن من السفر.
قلت لم يكن مفاجئاً هرب كمال فالمفاجأة هي أن يعود الى العراق بعد كل الإحتدام الذي عاشه.. كيف لشاعر بأسمال "جندي" في عراق الثمانينات أن يعود الى السجن الذي خطا خارجه...؟ وهذا هو التيقن الذي قلت به قبل سطرين؟.

4


قرأت كمال سبتي منذ أواسط وأواخر السبعينات من القرن الماضي، قبل أن تصدر له اية مجموعة، عبر قصائده المنشورة في مجلة الأقلام التي ابتدأ النشر فيها عام 1976، وقد تعرفت عليه لاحقاً وكان اسمه حاضراً ضمن السبعينيين العراقيين، كما كاظم جهاد وشاكر لعيبي وهاشم شفيق وكزار حنتوش وفاروق يوسف وسلام كاظم وصاحب الشاهر وخزعل الماجدي وغيرهم هذا الجيل الذي قسمته ـ بداية ـ للأسف الأحزاب لا التيارات الثقافية أو الشعرية، فالسبعينيون "البارزون"، وقتها، صنّفوا الى شيوعيين وبعثيين وأذكر من مقابلة للشاعر سعدي يوسف في مجلة "الوطن العربي"،أواسط أو نهاية السبعينات ـ لا اتذكر بالضبط ـ أورد فيها ستة شعراء: ثلاثة من الذين يحسبون على البعثيين وثلاثة ممن عُدّوا كشيوعيين ومن الأخيرين ذكرَ هاشم شفيق وشاكر لعيبي وخليل الأسدي اما الجناح البعثي يحضرني منه الآن اسم عبد المطلب محمود وقد أطرى سعدي الجميع وأثنى عليهم. وهذا يشير الى انّ وهم "المحاصصة" قد سرى على الشعر أيضاً.


5

لشدّ ما أحزنتني احدى اجابات كمال في اللقاء الذي أجراه معه محمود عبد الغني/ القدس العربي: 29ـ 06ـ 2005 خصوصاً الفقرة التي يشير فيها الى اقتصار مخالطته الهولنديين على مراجعته الأطباء:

"انا لم اختر عزلتي هذه. قوانين اللجوء اختارت لي بلدة سيتارد في الجنوب الهولندي، فوجدتني فيها وحيدا، مع أناس البلدة الهولنديين فاعتكفت في بيتي لا أتكلم العربية مع أي كائن لأنني لا ألتقيه إلا مصادفة وقلما وقعت تلك المصادفة، ولأن العرب الموجودين في البلدة لا يعرفون أساسا من أكون. واعتكفت من الهولنديين أيضا إلا في مراجعتي لهم في المستشفيات أو في اجراءات تحتاجها بلدية البلدة دوريا".

وغير بعيد عن هذا المعنى قوله في احدى قصائده الأخيرة: امشي خجلاً في الشوارع....

ذروة المفارقة التراجيدية الشخصية لكمال سبتي هو ان نقول: بأنه خسر الحياة لكنه ربح ميتة الشاعر.


6

أستعيد، هنا، مقالاً كنت قد نشرته في صحيفة "القدس العربي"، لندن، قبل حوالي ست سنوات ولن أنسى ردّ فعل كمال حين اطلاعه عليه، فقد قال لي متأثراً: لقد بكيت..
أعرفك يا كمال لقد كنتَ سريع الدمعة، فكم من المَواطن التي بكيتَ فيها، وهذا يشير الى رقة قلبك ومشاعرك.



حين تكون القصيدة الملجأ الوحيد، الأخير
القدس العربي ـ الثلاثاء: 7تشرين الثاني ـ نوفمبر ـ 2000

في العدد الأول من مجلة "غجر" وهي مجلة طموحة, يصدرها ثلاثة شعراء: شعلان شريف, فلاح الصوفي وحميد حداد. وقد كانوا أصدروا من قبل مجلة متميزة أسموها " واحد" واليوم يعاودون التجربة بآسم جديد (ولا أدري لمَ غجر), لكن بالأحلام ذاتها.
وضمن توجه المجلة "لإلقاء الضوء على تجارب خاصة في الشعر العربي أغنت عوالمه وحاولت أن تترك ما أمكنها من بصمات على هذا المشهد الكبير", كما جاء في التقديم, تلتقي المجلة بالشاعر كمال سبتي في حوار مهم يضيء الكثير من جوانب تجربة هذا الشاعر الحياتية والكتابية, ومن خلال ذلك نتبين كمال سبتي واحداً من الشعراء القلائل الذين يخلصون للشعر حد تدمير حياتهم, فهو ساع في حلمه الشعري, غير ملتفت إلى امتيازات أو وجاهات اجتماعية, كما يسعى في ذلك وإليه الكثير من طلاب المهرجانات بمختلف أنواعها .
إن الاكتفاء بالشعر وحلمه يقود لا محالة, إلى زهد وعزلة, وإن بالمعنى الثقافي, وهو حقاً ما يبرهن عليه الشاعر, فهو قليل النشر حد الانقطاع*، يعكف على تجربته تعميقاً وتوكيداً لحلم هو وجه من أوجه الجنون الذي يكابده الشعراء, فمنذ ديوانه "آخر المدن المقدسة" الصادر في دمشق عام 1992, وقد كتبتُ عنه حينها في "ملحق النهار" وهو ملتفت إلى السيرة, في شكل كتابي طموح, كان قد ابتدأه في العراق منطلقاً في ذلك من فكرة عبّر عنها في بيان شعري أسماه "البيان البدائي" كما تذكرنا بذلك إجاباته هذه .. إجابات متينة, تكشف عن مدى ثقافة ووعي الشاعر لمسائل الشعر والمجتمع والحداثة, ولم تكن تنقصها الجرأة والوضوح, وضوح من يعي ما يقول وما يريد, فردّاً على سؤال المجلة الذي يقول .. ما الذي يعنيه وجود الشاعر, خارج الوسط الذي عاش تفاعلاته شعراً وتجربة ومكابدة حياتية؟ يستفيض الشاعر في الإجابة ويخلص إلى القول : "الآن من الممكن أن أقول أنني من كثر ما أصرح بما كنت لا أستطيع أن أصرح به هناك .. من كثر ما أفعل ما كنت لا أستطيع فعله هناك, فأنني لا املك الحرية!! هذه مفارقة لا يفهمها الناس: أنت هربت من هناك ففقدت المركز ولكنك هنا لم تحصل على ما كان سبباً للهروب. ويستشهد بقول سارتر في هذا الصدد : "لقد كنا أكثر حرية في زمن الاحتلال".

نحن غرباء .. كتابتنا غريبة

هذا ما يقوله كمال سبتي, ومن مثل هذا الفهم, أو هذه الروح تصدر كتابته الشعرية, وهي كتابة غريبة بمعنى إنها جديدة, منفية خارج سياق تاريخ من الاجترار والاطمئنان, إنها كتابة أعماق, شأنها شأن كل كتابة حقيقية, ويجيء نص "مكيدة المصائر" الملحق بالحوار امتداداً لمشروع الشاعر في كتابته الجديدة هذه, التي تتجلى أكثر في ديوانه الخامس "آخر المدن المقدسة".
"مكيدة المصائر" نص مسكون بالوحشة, نص أمكنة مهجورة وأمكنة محلومة نص يخلط الأزمنة, فما من ماض أو حاضر أو مستقبل بالمعنى النثري, فالزمن الفيزيائي هنا, ينهدم انه زمن آخر يدل عليه الشاعر, وهو زمن عصي أو هو اللا زمن, وهذا من سمات الرفض, رفض الشاعر لعالمه ولكل ما يعين هذا العالم, مستعيناً في ذلك, بطاقة الحزن واليأس الذي يحكم مثل هذه النصوص:

".. ذلك ما كنته منذ تعثرت بنفسي في بيت الجراحين, أصغي إلى سرير مدمى تحرسه أقنعة الحديد, لأعرف إن ميتاً قد كنته سوف يهرب إلى قبر في بلاد لا أعرفها .."

نص جارح هو الذي يقدمه كمال سبتي هنا, مثخن بالحزن والندم, لكن في الوقت
ذاته هو نص رؤيا وتطلع, نص مهارات يثأر من خلالها الشاعر, من أعدائه, شخوصاً وأشياء, فالقصيدة وكما يقول في لقائه هذا ملجأه الوحيد للثأر, وكأنه يؤكد مع كل سطر يكتبه اقتصاصه من الأشياء, الزمن, الموت, الأخطاء, الخسارات .. الخ ليربح في الأخير, القصيدة, ويخسر كل شيء !

".. تمطرنا سحابة الموتى بشتاتها, لا أستدلّ عليّ, أراني كاتماً هذه القصيدة عني .. تبخل عليّ بنشيد البهجة فأتسور برثائها, ماشياً إلى حتف من ضيّع كل شيء من أجل لا شيء".

كمال سبتي شاعر مهموم بالقصيدة , يمشي بها ومعها وحيداً تظلله الوحشة .

* كان الشاعر منقطعاً عن النشر وقت كتابة هذه المادة انقطاعاً ملحوظاً.



#باسم_المرعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم المرعبي - مصائر الشعراء انطباعات واستذكارات متناثرة عن كمال سبتي