أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - ثقافة التوكل














المزيد.....

ثقافة التوكل


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6462 - 2020 / 1 / 11 - 15:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في كل المجتمعات التي يحكمها الله وبدون إستثناء، تعشش في عقول المواطنين والمواطنات فكرة ثابثة وملحة وغير قابلة للتغيير.. وهي وجود سلطة عليا وسماوية مقدسة مسؤولة مسؤولية مباشرة عما يحدث في هذا العالم، من العواصف والزلازل والكوارث الطبيعية التي تجتاح الكرة الأرضية من حين لآخر، إلى مرض الزكام الذي أصاب الوزير الياباني الأسبوع الماضي ومنعه من حضور إجتماعه الأسبوعي. وهذه السلطة العليا والميتافيزيقية، تساندها قوة أخرى، أرضية هذه المرة، وهي المسؤولة عن كل ما يحدث وما يمكن أن يحدث وعن ما لا يحدث في بلدنا وفي مدينتنا وفي حينا وفي شارعنا، من جمع القمامة والأوساخ من أمام المنازل وتنظيف الشوارع إلى نشر الثقافة وتشجيع الشعر وتطوير اللغات الأقلية والأصلية وتفجير الطاقات الإبداعية لدى الشباب، إلى أسعار الخبز وثمن البترول والدولار في البورصة العالمية. هذه السلطة السحرية، تسمى في هذه المجتمعات بـ "الدولة"، والتي لها هيبتها وقدسيتها كمعبد من معابد السلطة الروحية والمادية معا. وأحيانا تنتقل هذه السلطة إلى الوزارة المعنية: ماذا تفعل وزارة الصحة فيما يتعلق بالمعاقين؟ ماذا تفعل وزارة الثقافة لتشجيع الرواية والمسرح والفنون التشكيلية؟ أو ماذا تفعل وزارة التعليم .. إلخ وتتشخص أحيانا في الوزير ذاته ليصبح المسؤول المباشر عن إنقطاع الكهرباء أو المياه أو عن تردي مستوى التعليم في المدارس، ونطالب برأسه كلما سائت الأمور.
" توكل على الله " تترجم حرفيا في مجتمعاتنا المتخلفة بـ " توكل على الدولة "، وننسى أو نتناسى بأن الدولة لها مصالحها وبرامجها الخاصة، وليس لها الوقت الكافي للإهتمام بمشاكلنا اليومية المزرية. فوزارة الثقافة، على سبيل المثال، لا يهمها بأي حال من الأحوال الوضع الثقافي في البلاد ولا الإهتمام بالشعر أو الرواية أو المسرح أو الفنون التشكيلية، الذي يهم الوزارة في المجال الأول هو الحفاظ على مصالح الدولة ونشر فكر الحزب أو المجموعة أو العائلة الممارسة للسلطة والذي مكن الوزير المعني ليكون وزيرا، والإشتراك في أكبر عدد ممكن من المعارض والإحتفالات والمناسبات العربية والدولية بدون أي إهتمام حقيقي بمحتوى هذه الأحداث. القصة في غاية البساطة ولا تحتاج لكثير من الذكاء، لا أحد يعرف مصالح الناس أكثر من الناس أنفسهم، ولكن الناس في أغلب الأحيان يسكنون خارج قصور السلطة.
ثقافة التوكل .. ليست جديدة وليست ظاهرة فريدة تتعلق بالمجتمعات العربية والإسلامية المتخلفة، إنها ظاهرة عامة وترتبط إرتباطا وثيقا بالديموقراطية البرلمانية، حيث تتمكن مجموعة من الأعيان والأغنياء من السلطة ولا يتركونها لأولادهم إلا بعد إنتقالهم إلى المقبرة. إنها ثقافة التوكيل، حيث نعين أحد الأعيان ليدافع عنا وعن مصالحنا اليومية، ولا نطلب منه في المقابل أية ضمانات، له الحرية المطلقة في الدفاع عمن يشاء ولا أحد يحاسبه، متحصنا بشرعية مقدسة هي شرعية الإقتراع.
فبعد أن تمت سرقة الثورات الشعبية في تونس ومصر وليبيا وتم تشكيل حكومات موالية للسماء وتتلقى أوامرها من الله مباشرة، وتشكلت هوة عميقة بينها وبين هموم المواطن العادي، بدأ الناس يشتكون من غياب الدولة ومن عدم قدرتها على ضمان الأمن أو العمل أو العدالة أو حتى تنظيم حركة المرور. وبدلا من إقتناص هذه الفرصة التاريخية - غياب الدولة ـ والبدأ في عملية النتظيم الذاتي لأمورهم البسيطة، وبداية التفكير في كيفية إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل التخلف والفقر، فإنهم بدأوا يطالبون هذه الحكومات الوهمية بإيجاد الحلول الأمنية والإجتماعية وغيرها، المطالبة بإنشاء أجهزة للشرطة وبناء جيش قوي، تعيين أو إقالة بعض الوزراء أو مطالبة أمازيغ ليبيا على سبيل المثال للحكومة القائمة بدسترة اللغة والحقوق الأمازيغية، مطالبين بذلك تدجين الثقافة الأمازيغية وتحويلها من ثقافة الرفض والنضال الشعبي إلى ثقافة حكومية رسمية تابعة وخاضعة للقوانين التي لن تكون في صالحها في أي يوم من الأيام .
نحن هنا بطبيعة الحال نقول هذا الكلام للتنبيه فقط، حتى لا يفجأ المواطن ويشتكي فيما بعد من الخدعة، الحكومة لا تخدع أحدا، وظيفتها الأساسية هي خدمة مصالح الأغنياء والأعيان، لأنها حكومة الأغنياء والأعيان ـ لا يوجد في أي برلمان في العالم المتقدم أو المتخلف عامل واحد أو فلاح واحد - إن الذي نريد قوله وقد قلناه مرارا هو أن نظام إدارة أي مجتمع وتنظيم أمور حياته هو مسؤولية مباشرة لمواطني هذا المجتمع، لكل المواطنين وليس لطبقة معينة منه، وأنه لا فرق نهائيا بين النظام البرلماني في ليبيا مثلا وبين النظام المتخلف في قطر وفي الإمارات الخليجية المختلفة. الأمر لا يختلف إلا قليلا وشكليا فقط بين شرعية الوراثة القبلية وشرعية القوة والسلاح أو شرعية الإقتراع، لأن هذه الشرعيات كلها تمنع المواطن البسيط من ممارسة حقه الطبيعي في إدارة حياته بنفسه.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سريالية الأشكال
- الأدب والمخدرات
- فاغنر وسيمفونية الكلاشنكوف
- محمد البوعزيزي
- رموش الحجر
- بؤس الكلمات
- بؤس الكامات
- مباراة الشطرنج الخاسرة
- الهروب في الليالي الممطرة
- جنون الوحي
- فاغنر وحفتر وطباخ بوتين
- نهاية اللعبة
- الحرب القذرة في ليبيا
- مرتزقة من روسيا لمسانده حفتر
- اللامبالية
- المسكالين والإدراك
- عناقيد المطر
- عن الصبار المكسيكي
- الحجاب والغياب
- من الجنون للجنون


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - ثقافة التوكل