أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بسام العيسمي - الديمقراطية خياراً وطنياً وإنسانياً لمجتمعاتنا معوقاتها وشروط الانتقال إليها-الجزء الاول















المزيد.....

الديمقراطية خياراً وطنياً وإنسانياً لمجتمعاتنا معوقاتها وشروط الانتقال إليها-الجزء الاول


بسام العيسمي

الحوار المتمدن-العدد: 1566 - 2006 / 5 / 30 - 11:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تلجأ الأنظمة الشمولية لاستدامة سيطرتها على مقاليد الحكم على احتكار كل الوسائل التي تمكنها من ذلك. فتحتكر السلطة والثروة والإعلام وتمسك بيدها كل الأمور الصغيرة والكبيرة. وتتحكم بالبلاد والعباد. وتنتهك حيادية الدولة بوصفها حقلاً سيادياً. وتتماهى بها وتسخّرها لمصالحها ومآربها وتضّيقها إلى حدود مصالحها لتضفي على سلوكياتها وتصرفاتها الإطار السيادي. أي تدمج السيادة بالسياسة. ليصبح من يعارضها وينتقد سياستها مشكوكاً في وطنيته. أو خارجاً عن الإجماع الوطني. أو يعمل على النيل من هيبة الدولة... إلخ ذلك من نعوت. وبذلك تقسم الناس أو تنظر إليهم من منظارين لا ثالث لهما إمّا مقدسين وهم من والوهاه وإمّا مدنسين وهم من يختلفوا معها في الرؤية أو ينتقدوا سياساتها أي مشكوكاً في وطنيتهم. وما على الأفراد إلا التسابق لمدح تلك الأنظمة والتصفيق لها. وتمجيدها. والتغني بحكمتها وصوابية مواقفها وسلامة تصرفاتها والولاء الأعمى لها حتى ينالوا صكوك الغفران وإثبات الوطنية على قاعدة الكل متهم حتى يثبت براءته.
فُخطفت الدولة التي هي كيان سيادي أو حقلاً سيادياً يحقق الإجماع العام إلى السلطة التي هي كيان سياسي أي إلى حقل السياسه الذي هو حقل التناقضات حقل الاختلاف والائتلاف، حقل تلاقح الرؤى والتصورات، ميدانه المجتمع بكافة مكوناته وشرائحه ومؤسساته وجمعياته تلك الطريقة التي تلجأ إليها الأنظمة الشمولية لتُضفي على سياستها وتصرفاتها وسلوكياتها الصفة السيادية فتختزل الوطن والوطنية والقداسة بوكالة حصرية لها دون الآخرين مما يعطيها الذريعة باحتكار وتوجيه العمل السياسي والاجتماعي والفكري على إيقاع مصالحها الضيِّقة وفرض اللون الواحد والمعتقدات الإكراهية بذهنية استبدادية لا تقبل الاختلاف ولا تتسع للرأي الآخر وملاحقة معارضيها والتنكيل بمن يختلف معها والتضييق على الحريات العامة وكم الأفواه. فمن يختلف معها وينتقد سياستها فهو يختلف مع الوطن ويخرج عن الإجماع الوطني. مما أدّى ذلك لإقصاء المجتمع من دائرة الفعل والمشاركة وفرض الوصاية عليه واعتبار أفراده أجزاء ميكانيكية من آلة السلطة ليس لهم دور في التفكير أو المناقشة أو إبداء الرأي المخالف أو الانتقاد. فما عليهم إلاّ أن يسمعوا ويطيعوا، ينفذون ما يؤمرون به فقط ولا ينظر إليهم بكونهم إرادات أصيلة عاقلة وواعية ومواطنون كرماء لهم حق التفكير والانتقاد وتوصيف الأزمات واقتراح الحلول والمشاركة السياسية ومن أجل ذلك تسعى هذه الأنظمة إلى امتلاك الفرد من الصغر للتأثير على عقله وتهيئته ذهنياً لقبول الاستبداد من خلال حقنه بفكر أحادي يمجد النظام وقدرته الفائقة والخارقة والاستثنائية في قيادة الدولة والمجتمع عبر آليات الخضوع والإخضاع القسري وفرض المعتقدات الإكراهية والانخراط الجبري في تنظيمات جاهزة من خلال سياسة العصا والجزرة أو العصا والعصا.
إذْ لا يوجد جزر يكفي جموع الناس وإنما شعور المواطن أن العصا تلوح فوق رأسه ولو كانت في متحف التاريخ كافٍ لدفع الأفراد إلى إتباع سلوك مزدوج مرذول أنتج وينتج باستمرار لفيفاً من المدّاحين والنواحين والمصفقين للطالع والنازل والانتهازيين والمزاودين. يعطوك دروساً في النـزاهة وهم شيوخ الفساد، وفي الوطنية و حب الوطن وهم اللذين لا يرون الوطن إلاّ بحجم جيوبهم وثرواتهم. وفي الغيرية والتضحية وشد الأحزمة على البطون، وكروشهم متورمة إلى أقصى حدود التخمة. وفي الأخلاق وهم بحقيقتهم وجوهرهم وصوليون ونفعيون هم رجال اللحظة الراهنة يتّلونون بألف لون. ليس لهم موقف إلاّ ما كان ينسجم مع رؤاهم النفعية الضيقة. وليذهب في قاموسهم الوطن إلى الجحيم.
فالاستبداد في العالم العربي، ونقص الحريات وقوانين الطوارئ التي هي سيفاً مسلطاً على الحريات المدنية والسياسية والعسف والقمع والمنع أدّى إلى تنظيف الساحة السياسية من الرأي الآخر. وأوصل الوعي إلى درجة اللا مبالاة السياسية. وأصيب المجتمع بالنكوص والانغلاق. وفقدان الثقة بالذات. ما عزز ذلك الهزائم المتلاحقة التي مُني بها النظام العربي الرسمي وإخفاقه حتى تاريخه من إنجاز أي مهمة من المهام القومية والتحررية والنهضوية والتنموية التي تصدى لها واستمد شرعية حكمه منها فشعار الوحدة الذي طرحه دعاة المشروع القومي جاء رداً على التجزئة أي رداً على اتفاقية سايكس بيكو المؤامرة. ومنذ أكثر من خمسين عاماً يتسابق هذا النظام العربي بتضمين خطاباته الفصامية أقوى عبارات السب والشتم على هذه الاتفاقية الاستعمارية التي قسمت العرب إلى كيانات قطرية معزولة.
خرج الاستعمار ولم يستطع هذا النظام أن يهدم حداً واحداً من حدود سايكس بيكو لا بل عند حدوث أي مشكلة حدودية بين دولة وأخرى يتسابقون في وضع خرائط سايكس بيكو على الطاولة ويدافعون عنها باستماتة أليست هذه إشكالية؟؟
يقدّمون حججاً تبريرية لفشلهم يعزونها إلى الخارج واستهدافه لمنطقتنا. بالله أليس ذلك! استخفافاً بعقل الناس ووعيها؟؟ أليس المنطق والتاريخ يقول إن خطر الخارج يوحد ولا يفرق؟؟
طرحوا أهدافاً سياسية كبيرة موجه للناس مستغلين لحظة توهج العاطفة التي بلغت ذروتها ما بعد الاستقلال بفعل بعض الحوادث التي ساهمت بتأججها وسهلت عليهم تعبئة قطاعات كبيرة من الشعب مثل تأميم قناة السويس وفشل العدوان الثلاثي على مصر. غلفوا هذا المشروع وأسندوه إلى معطيات اللغة الواحدة والتاريخ والجغرافية والمصير المشترك. لكن هذا المشروع القومي أُصيب بالفشل الذريع لعدم قدرة دعاته بتحويله إلى مشروع فكري واجتماعي وثقافي وديمقراطي إنساني، لأنه أسقط من حساباته الديمقراطية. وحدّد مفاهيم الوطنية وجعلها معادلاً للولاء له وأي رأي أو تصّور مخالف أو مجرد مناقشة لتلك الثوابت التي عممها أو النظر إليها بمنظار نقدي حركي أُعتبر ذلك خروجاً عن الإجماع الوطني.
وبذلك قدموا مفهوماً سكونياً ثابتاً للوطن والوطنية. متناسين أن الثوابت هي إنتاجات إنسانية في لحظات زمنية معينة تنمو وتتفاعل مع الجديد والمتغير فأخرجوها من سياقها التاريخي وحولوها إلى مسلّمة لا تقبل الحوار.
لا يمكن فهم الوطنية خارج إطار احترام حقوق الإنسان واحترام الذات العاقلة وإرادة الفكر، مما أوصل تلك الشعارات السياسية ومفردات الخطاب العربي الرسمي الذي ملأ الساحة صراخاً وتحريضاً إلى العزلة وعدم المصداقية، في ظل واقع بائس ومحاصر ومجتمع مقصىً ومهمش. خطاباً ضعيفاً في مستواه الحداثي ومتصدع حيث لا زال ينطلق من الثوابت والدعائم والأدوات التي انطلق منها ولم يستطع استيعاب التعابير والمفاهيم الجديدة التي اقتحمت علم الاجتماع العربي مثل الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان فبدأ يعوض عنها ويجابهها بمواقف إنشائية كلامية لاستنفار المخزون الروحي الكامن في المجتمع من خلال تركيزه على الهوية والسيادة وتصوير قيم الحداثة والديمقراطية على أنها وسيلة لاختراق مجتمعاتنا مما يعطيه الحق لتبرير قمعه الحريات العامة بدواعي الحفاظ على الهوية والأوطان من التفتت والضياع.
لكن بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية هذا النموذج الذي قلدناه بصور ومستويات متعددة هذا السقوط السريع الناتج عن أزمات بنيوية حادة عصفت به ولم يحسن قادة هذا النظام التعامل معها في حينه أو إدارتها لا بل إنهم لم يعترفوا بوجودها أصلاً، وكان نصيب من تحسس تلك الأزمة وأشار إلى مخاطرها النفي والتشريد والقمع والسجن من منطق الإنكار لها حتى آخر لحظة فكان الذي حصل.
ومن يعتقد أنه بإسكات صوت المجتمع وتأييد عزله وتهميشه وإقصائه يتخلص من الأزمات أو يستبعدها فهو واهم فاتساع مساحة الخطاب الديمقراطي في عالم غاب عنه الاتحاد السوفييتي وغالبية الدول الشمولية فرض علينا جدياً إجراء تعديلات وتحولات وإصلاحات في بنية الدولة والمؤسسات لمواجهة تلك الأزمة التي تبدت على مجموعة من الأصعدة الفكرية والثقافية والتربوية والأيديولوجية والاقتصادية.
وها نحن الآن نعيش ما بين استحالة الانغلاق إذ لا يمكن في عصر العولمة المنفلتة من عقالها أن تكون الأوطان شققاً مغلقة محكومة بمسلمات سقطت على وقع ثورة الاتصالات والتقانة والمعلوماتية وبين أزمة التكيف مع الواقع الجديد إذ تحوّل العالم إلى قرية كونية صغيرة عجز النظام العربي الرسمي على ما يبدو حتى الآن التعامل معها. ولا زالت الأنظمة العربية تسعى للحفاظ على دولة الرعية، وأفعالها وممارساتها تدل على أنها حتى الآن تعيش بعقلية الماضي واجتراره ليل نهار. وتراوح في المكان في عصر يموج بالحركات المطالبة بالديمقراطية وتكريس سياسة الحوار وقبول الآخر والحفاظ على حقوق الإنسان وحرية التعبير والنشر واحترام إرادة الفكر التي تطلق العقل وروح الإبداع والمغامرة مما وضعنا أمام إشكالية وأزمة كبيرة شعوباً وحكومات سلطة ومعارضة إضافة إلى الأزمات الأخرى التي تعصف بمجتمعنا ولا زالت تتفاقم وتتورم في ظل غياب الإرادة الحقيقية في مواجهتها.



#بسام_العيسمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفساد و ظاهرة اللامبالاة
- المرأة.. بين مطرقة التشريع وسندان المجتمع الذكوري


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بسام العيسمي - الديمقراطية خياراً وطنياً وإنسانياً لمجتمعاتنا معوقاتها وشروط الانتقال إليها-الجزء الاول