أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - في ذكرى إميل حبيبي














المزيد.....

في ذكرى إميل حبيبي


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1566 - 2006 / 5 / 30 - 12:05
المحور: الادب والفن
    


قبل أيام، في صحيفة "هآرتز" الإسرائيلية، كتب الصحافيّ والمؤرّخ الإسرائيلي جوزيف الغازي (المولود في مصر) يروي بعض ذكرياته عن حرب 1967، حين استُدعي من صفوف الإحتياط، وكان في التاسعة والعشرين من عمره، يشرف على تحرير الأسبوعية الناطقة باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح). والرجل ارتأى، في هذه الأيام بالذات وبعد 40 سنة، كشف النقاب عن واقعة شخصية مفادها أنه تعمّد إطلاق النار على راحة يده لكي يتجنّب الإنخراط المباشر في المعركة، على جبهة العريش: "كنت أعرف دائماً أنني عاجز عن إطلاق النار على شخص آخر، أو جرح أو قتل أحد. كنت أعرف أنه، في ساحة القتال، يوجد نمطان من البشر: الذي يَجرَح والذي يُجرَح، القاتل أو القتيل".
السلطات العسكرية الإسرائيلية لم تحقق في ملابسات الواقعة، رغم أنّ الغازي كان قبلها بسنوات قد ضُبط وهو يوزّع منشورات سياسية شيوعية في إحدى الوحدات العسكرية. كما أنّ الرجل لم يكشف هذا السرّ إلا لثلاثة: إميل حبيبي، والكاتب والشاعر الإسرائيلي مردخاي آفي شاؤل، وزوجة الأخير. وذات زيارة مشتركة إلى موسكو، في أيلول (سبتمبر) 1967، تطرّق الغازي وحبيبي إلى هذه الواقعة، فتوقفا عند حالات التباين القاطع بين سلوك يقتضيه الضمير الشخصي، وسلوك آخر يتطلّبه انتماء المرء إلى منظمة أو حزب. ورغم أنّ حبيبي تحدّث عن الواقعة بفخار، ولعلّه رواها بالروحية ذاتها إلى أصدقاء مشتركين في الضفة الغربية ومصر، إلا أنه ناقش الغازي هكذا: لو استشرتنا في الحزب، من المؤكد أننا كنّا سنمنعك. ولو كشفتَ النقاب عن السرّ ونقلتَه إلى العلن، من المرجح أنّ الحزب كان سيتنصّل منه.
ومادّة الغازي هذه تذكّر بالمفارقة الكبرى التي عاشها الروائي والقاصّ الكبير الراحل إميل حبيبي (1921 ـ 1996) منذ أن أخضع بعض وجدانه الشخصي لإرادة الحزب، فوافق أوّلاً على قرار التقسيم سنة 1947، ثمّ اعتبر أنّ بقاءه في حيفا ليس مصدر قيمة وكبرياء وصمود ومقاومة (وهذا صحيح تماماً) فحسب، بل أيضاً صيغة تعاقد تفرض عليه قبول مقتضيات المواطنة الإسرائيلية أياً كانت عقابيلها، وليس دون حماس شخصيّ في بعض الأحيان. كذلك فإنّ نشر اعتراف الغازي في هذه الأيام بالذات يتصادف مع الذكرى العاشرة لرحيل حبيبي (3 أيار/ مايو الجاري)، حين كانت بعض آخر سجالاته تدور حول قبوله جائزة إسرائيل للإبداع سنة 1992، مقترنة بسلسلة تصريحات إشكالية كان بينها ما نقلته صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية: عبد الناصر جرّ المأساة على الفلسطينيين، وصدّام حسين أخرس الإنتفاضة.
وفي أساس جوائز إسرائيل هذه (وعددها 12 جائزة، بعدد أسباط إسرائيل!) أنها تُمنح في إطار الإحتفالات بما تسمّيه الدولة العبرية "عيد الإستقلال"، تشديداً على موضوعتَيْ البطولة والدفاع، في الجانب العسكري والقتالي المحض عموماً. ففي احتفال 1956 قال زلمان آران، وزير التربية والثقافة آنذاك: "ثقافة إسرائيل كانت هادية لنا في حرب التحرير، والتوراة والشعر العبري جزءان لا يتجزآن من الأسلحة الفردية لمقاتلينا"، الأمر الذي قد يكون صحيحاً تماماً بالنسبة إلى غالبية كبيرة من عسكريي إسرائيل. ولكن... هل كان يصحّ على رجل مثل إميل حبيبي؟ وكيف يُساق صاحب سعيد أبي النحس المتشائل، بطل الرواية البديعة الشهيرة، إلى عيد لا مناص له فيه ـ بصفة إجبارية، وحسب البروتوكول ـ من إقرار الإعلان التالي: "إنني مستعدّ وراغب في تلاوة وقائع حرب التحرير التي انتصرنا فيها على عدوّنا، وفتحنا أرضنا، لنقيم عليها دولتنا، ملكية خالصة لنا ولذرّيتنا ولكلّ المنفيين منّا"؟
وكان اختيار حبيبي للجائزة ينطوي على الكثير من الخبث، في افتراض وجود نمطَين من "الآخر" الفلسطيني: الأوّل إرهابي، بشع، دموي، متوحش، عرفاتي (لم تكن "حماس" لافتة التأثيم الرائجة في تلك الأيام)؛ والثاني، سامريّ، طيّع، مرن، يمكن إلحاقه أو حتى انتخابه لعضوية الكنيست، وتكريمه لا بما هو عليه بل بما ينبغي أن ينقلب إليه! "العربيّ الجيد هو العربيّ الميّت" في الصيغة الصهيوينة الأثيرة، ولكنه أيضاً يمكن أن يكون العربيّ الذي يشعر باعتزاز من أيّ نوع، لأنّ الإحتلال الإسرائيلي "اضطرّ" إلى اكتشاف إبداعاته، فاستثناه واستثناها، وكرّمه وكرّمها.
صحيح أنّ الراحل تبرّع بقيمة الجائزة المالية إلى مؤسسة فلسطينية تُعنى بعلاج الجرحى، إلا أنّ القيمة الرمزية ما كان لها أن تُهدى إلى الفلسطيني الذي كان آنذاك يعيش شرط البيوت المهدّمة، والأراضي المحروقة، وأشجار الزيتون المقتلَعة، والمؤسسات التربوية والثقافية المختومة بالشمع الأحمر، والإبعاد، والإعتقال، وتكسير العظام، والرصاص المطاطي، والإغتيال. ولم يكن ممكناً لأيّ نصّ أدبي ـ ونصّ حبيبي خصوصاً ـ أن يغربل من شيفراته هذه المشهدية العنيفة الحاشدة، الحبلى بالقيمة ـ النقيض لكلّ ما يسوّغ تكريم هذا الفلسطيني الطيّب... وأيّ فلسطيني طيّب.
وإذا صحّ أنّ الموقف من حبيبي، كما يعبّر عنه اليوم يهودي طيّب مثل جوزيف الغازي، لم يتأثّر بواقعة منح الجائزة؛ فإنّ من الصحيح كذلك أنّ موقف الليكود (الحزب الذي منح حبيبي الجائزة، في شخص رئيس الوزراء الأسبق إسحق شامير) لم يتأثر كذلك: راجعوا على الإنترنيت الموقع الشخصي لرئيس الليكود الحالي بنيامين نتنياهو، وستجدون أنّ صفة إميل حبيبي باقية لا تتبدّل: العربيّ الكذّاب بين ظهرانينا!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحملة ضدّ المثقفين السوريين: حين يصبح البوق سوط الجهاز
- سينما دمشق
- الاستبداد السوري بوصفه ستراتيجية بقاء وسيرورة حفظ نوع
- اللآلىء والخنازير
- دومينو التفاح الفاسد في عوالم ما بعد الحرب الباردة
- حاوية العقارب والقردة
- جنبلاط وإخوان سورية: البقاء البسيط أم البقاء الأفضل؟
- أرخبيل النفاق
- سنة على الإنسحاب السوري من لبنان: أزمة تشتدّ ولا تنفرج
- فلسطين: الماعز أم التمساح؟
- قانا في الذكرى العاشرة: المجازر ومساكنة الذاكرة
- ...كلما ازداد الضوء
- محمد الماغوط: مناشدة البصيرة واستفزاز الباصرة
- إيران النووية: حاضنة التأزّم ومفتاح الحلول
- عبد السلام العجيلي معارضاً
- فرنسا: ردع الليبرالية الوحشية، أم تصويب الديمقراطية؟
- ومضة النفس الأردنية
- الشرنقة والكازينو: ديمقراطيات النقض... ونقض النقض
- اللكمة المضادة
- بوش في سنة الغزو الثالثة: المياه الراكدة، أم غليان الأعماق؟


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - في ذكرى إميل حبيبي