أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 3














المزيد.....

سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6457 - 2020 / 1 / 6 - 12:57
المحور: الادب والفن
    


أبلغت سارة قريبَ رجلها بالخبر السعيد، وكانت هيَ سعيدةً أكثر من أجل زوجته المسكينة؛ لما علمناه عن نيّته الإتيان لها بضرّة، متحججاً بعدم حبلها. كون امرأة الزعيم من منبتٍ ريفيّ، فضلاً عن الدماء الكردية بعروقها، أضحت مقربة لزوجة عليكي آغا الكبير. وكان الحاج حسن بدَوره صديقاً لهذا الأخير ووالده، وذلك بحُكم القرابة وأيضاً منصبه المحتم عليه معاشرة كافة الأجيال. في حقيقة الحال، أنه السيد نيّو مَن كان تقريباً من جيل والد الحاج حسن. كان يمر بمرحلة الشيخوخة المتأخرة، مع كل ما تجلبه من متاعب صحية جمّة. إلا ذاكرته، وكانت هيَ من تحثه على الاستمرار بالحياة كي يبقى على تواصل مع الصور القديمة.
قابلة الحارة، عليها كان بعدئذٍ أن تسيرَ إلى منزل محمد آغا ديركي، من أجل أن تعودَ ابنته، وكان حملها في الشهر الثاني. لقد وصلها خبرٌ من جهتهم، يفيد بأن نورا ليست على ما يرام. كانت هذه متزوجة مذ بلوغها الثالثة عشرة، وربما خشيةً من أن تكرر فعلة شقيقتها الكبيرة، الراحلة، التي عشقت شاباً بدوياً وهربت معه ثم أجبرت أسرتها على الاعتراف بزواجها منه. لكن نورا أظهرت اختلافاً بيّناً عن طبيعة الشقيقة المتمردة، في مستهل شبابها على الأقل. إذ رضيت بزوجٍ اختاره والدها، وكان ابن أخيه، في وقتٍ تعيّن عليها مشاركة رفيقاتها الصغيرات ألعابهن ولهوهن. مع ذلك، لم تكن هذه شيمة فريدة في أعراف عصرها.
كان نهاراً مشرقاً، ولو أنه يتنفسُ بعدُ رطوبةَ الأيام الأخيرة الممطرة، حفلَ فيه بالسابلة على طول طريق الجادة الرئيسة. كان بعضهم يركب حماراً أو بغلاً، متجهاُ إلى ناحية سوق الجمعة أو المدينة، ولن تعدم أيضاً مصادفة جملٍ محمّل بالحطب أو بقرة تاهت عن صاحبها وراحت تعبث بقمامة أحد المنازل. علاوة طبعاً على المتسوقين من المحلات على جانبي الجادة، وكانت قليلة متناثرة. على الجانب الأيسر، غير بعيدٍ عن مدخل زقاق الحاج حسين، كانت دار محمد آغا تتمدد بجدرانها السامقة على نصف المساحة الفاصلة عن الزقاق المجاور. سارة، الملتفعة بلباس أسود من قمة رأسها لأخمص قدميها، أحست بمزيجٍ من الغبطة والرهبة، حالما أضحت أمام المدخل الكبير المقوس، ببابه الحديديّ ذي النقوش: رجت الربَ ألا يفتح لها الآغا، كيلا يستقبلها بعينين حادتين تحت حاجبين كثيفين كشوك البراري، وبفمٍ مغطى بنفس النبات القبيح، لا يعرف لسانه مجاملةَ الضيوف ( إن كانوا نساء خصوصاً! )، أو حتى الترحيب بهم.

***
ما يتبادر لذهن الداخل لأول مرة إلى منزل الآغا، أنه في قصر محاط بالخرائب. ولا كذلك سارة، التي كانت تعتبر نفسها في دارها؛ هي من رضعت حليب المرحومة فوزية خانم، إضافة لما ربطها من وثاق الصداقة مع الراحلة الأخرى، فاتي. في الواقع، أن حذرها من سيّد الدار لم يكن له أساس، سوى ما ترسخ في باطنها من ذكريات الطفولة. فإن الرجل يكن تقديراً كبيراً لذكرى جد سارة لأمها، مثلما أنه لم يكن يخفي إعجابه بالسيدة أديبة، كامرأة أعمال متمرسة وشديدة البأس؛ " أخت رجال " على حد التعبير الشامي. لو تركنا كل تلك الاعتبارات، لتوجبَ القول أن مَن تعهد فتح الباب كانت المرأة النوبية، التي كان وضعها في الدار سابقاً بين المربية والخادمة، ثم أوكل إليها أمر المطبخ أيضاً على اثر وفاة الخانم: لن يكون مجدياً، إعادة التذكير بشحّ وحرص محمد آغا، لأن الأمر في حالة المرأة النوبية يتعلق بحُسن التدبير والاقتصاد!
وإذاً، فتح الباب بسرعة على الوجه الأسمر اللطيف الملامح، وكما لو أن صاحبته كانت بانتظار القابلة. لعلها كانت كذلك، ما لو علمنا أنها هيَ مَن أغرت أحد الصبيّة بثمرة برتقال ناضجة شهية المنظر، كي يذهب وينده على حرم زعيم الحي. كان الصبيّ ليفعل ذلك طائعاً، وبلا حاجةٍ لمكافأة، طالما سيملأ نفسه بالزهو. ولجت سارة وراء الخادمة، باتجاه القسم العلويّ من الدار، المقيمة فيه نورا ورجلها. كان ثمة باب داخليّ مزجج، مفتوح المصراعين، يتعين اجتيازه أولاً من خلال درجتين، ومن ثم يجد المرء نفسه مباشرة في الفناء. ثمة، زفرت حديقةُ الدار بأنف القابلة أنفاسَها العطرة من مئات الأزهار والورود والرياحين وعرائش الياسمين. إلى ما تيسّر من عبق زهور شجيرات الحمضيات، المُسكرة نداتها من الأشجار المثمرة كالتفاح والكرز والخوخ والدراق والتين. يفصل أحواضَ الحديقة ممراتٌ محجّرة، يفضي أحدها إلى أيكة صبّار، تقع على الطرف الغربيّ؛ أينَ الجدار المغطى بتعريشة المجنونة، الكامن خلفه الإسطبل وبيت المؤن والحظائر مع عليّة للحمام. لولا الأوراق المسحورة للمجنونة، لكان في الوسع رؤية لوحة مرسومة بشكل سيء على الجدار، تمثل الكعبة، مع كتابة بالعربية أكثر سوءاً؛ وذلك للدلالة على أنّ صاحبَ الدار قد حجّ لبيت الله الحرام.
" تفضلي من هنا، يا سيدتي "، خاطبت مدبّرةُ الدار السيدةَ القابلة ببالغ اللطف والاحترام، مشيرةً إلى الممر الرئيس. عرفتها ولا شك مذ أن كانت طفلةً رضيعاً من أيام أصياف الزبداني، وكثيراً ما حملتها إلى فوزية خانم كي تنهل حليبَ صدرها. ابتسمت سارة على أثر الدعوة، كونها تحفظ الطريق ولو كانت مغمضة العينين. الممر الرئيس، حيث همت باجتيازه، كان مغطى بدقران كرمة من النوع الحلواني، المعروف في الشام ب " عنب الجنّة "، ويتصل مع القسم العلويّ من المنزل، الذي يمكن الارتقاء إليه عن طريق سلّم حجريّ عريض من عشر درجات. هناك، عند عتبة الدرجة الأخيرة، انتصبت نورا بطولها الفارع وابتسامة عذبة على ملامحها الجميلة، الشاحبة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل العاشر
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل التاسع
- سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثامن
- سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل السابع
- سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 1
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل السادس
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل السادس
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 3


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 3