أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد زكريا توفيق - سارق الدراجة















المزيد.....

سارق الدراجة


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 6452 - 2019 / 12 / 31 - 11:37
المحور: الادب والفن
    


سارق الدراجة أو لصوص الدراجات، كما يذكر في بعض الأحيان، هو فيلم إيطالي يمثل الواقعية الجديدة في عالم السينما. إخراج فيتوريو دي سيكا، عن رواية بهذا الاسم ل "سيزار زافاتيني". قبل التعليق على الفيلم، تعالوا معي نستعرض قصته.

بعد الحرب العالمية الثانية، في أحد أحياء مدينة روما، تتجمع أعداد وفيرة من العاطلين أمام مكتب تشغيل. أنطونيو، رب أسرة في الثلاثينيات من العمر، يبحث عن عمل بفارغ الصبر في ظروف اقتصادية صعبة.

بشبه معجزة، عرض مكتب التشغيل على أنطونيو وظيفة لصق إعلانات على حوائط المدينة. الأجر مغري، لكن بشرط امتلاكه دراجة. أنطونيو كان قد رهن دراجته لإطعام عائلته من قبل. خوفا من ضياع هذه الفرصة، قال لمكتب التشغيل أنه مستعد لاستلام العمل وعنده دراجته.

يخبر أنطونيو زوجته ماريا بالوظيفة، ويقول لها بغضب أن الوظيفة تشترط امتلاكه دراجة، لذلك عليه أن يرفضها. ثم يلعن اليوم الذي ولد فيه. لكن ماريا ترفض انهزام أنطونيو وتشاؤمه.

قررت ماريا بكل عقلانية بيع ملاءات السرير الخاصة بهم لفك رهن دراجتهم. "نحن نستطيع النوم بدون ملاءات"، قالت ماريا بكل ثقة وإصرار. حصيلة البيع كانت 7500 ليرة إيطالية، وهو مبلغ كاف لفك رهن الدراجة.

ذهب أنطونيو مبكرا لمقابلة رئيسه. في صباح اليوم التالي، يبدأ أنطونيو العمل بكل حماس. تذهب ماريا إلى العرافة التي تنبأت بحصول أنطونيو على وظيفة لمكافأتها.

يلحق بها أنطونيو معاتبا: "كيف يمكن لامرأة لها طفلان ورأس فوق كتفيها أن تصدق مثل هذه الخزعبلات؟ ثم يتساءل، هل لدينا من المال ما يكفينا حتى تبدديه هكذا؟ " تقتنع ماريا وتعود قبل أن تعطي العرافة النقود.

في أول يوم في الوظيفة الجديدة، طلب منه لصق إعلان سينما لنجمة هوليود ريتا هيوارث في الأربعينات. بعد ذلك ينهمك أنطونيو في عمله ولا يعير انتباهه لدراجته المركونه بالقرب منه. فيأتي صبي ، يقفذ على الدراجة ويا فكيك، يزوغ بها بأقصى سرعة.

في محاولة يائسة، يطارد أنطونيو اللص. يتشعبط في سيارة تسير في نفس الاتجاه، لكنه يفقد اللص داخل النفق. يذهب أنطونيو المحطم لكي يقدم بلاغا في قسم البوليس. فيقول له الشرطي، من الأفضل أن تبحث عن اللص بنفسك. مثل الشرطة في بلادنا.

يجيبه أنطونيو: "أبحث في كل روما؟ ثم ما هي الفائدة من تقديم البلاغات إن كان الأمر كذلك؟" يأتي الجواب ببساطة من الشرطي: "علشان لما نلاقيها بنفس النمرة، نبدأ نحقق، فهمت؟"

يعود أنطونيو مهزوما منكس الرأس يجر قدميه إلى ماريا وابنيهما، الرضيع وبرونو البالغ من العمر 9 سنوات، فلا يجرؤ على إخبارهم بالكارثة. لكنه يذهب إلى صديقه الذي يعمل في مسرح للهواة لكي يستشيره. فينصحه بالبحث في ميدان فيتوريو الكبير.

يذهب أنطونيو وصديقه وابنه برونو إلى الميدان للبحث عن الدراجة، فيجدوا العديد من الدراجات وقطع الغيار. يتفقوا على أن يتفرقوا ويبحث كل منهم في ناحية عن أجزاء من الدراجة المسروقة أو رقمها إن وجدت.

ثم ينصح الصديق أنطونيو بالبحث في ميدان آخر. هناك يجد رجلا عجوزا وصبي يتبادلان الحديث. فجأ يتذكر شكل اللص فيجده يطابق شكل الصبي. يبدأ أنطونيو وابنه في مطاردة الرجل والصبي.

يلحق أنطونيو بالرجل العجوز، الذي تركه ودخل مسرعا إلى كنيسة. لحق به أنطونيو وسأله عن الصبي أثناء التراتيل. لكن الرجل تجاهل أنطونيو وطلب منه مغادرة الكنيسة. لم ييأس أنطونيو وظل يلح على الرجل حتى حصل منه على اسم وعنوان الصبي.

يرفض الرجل مرافقة أنطونيو وابنه إلى مكان الصبي اللص، ويزوغ منهما. ينتصف النهار، أنطونيو يفقد الأمل في استرجاع دراجته. فينعكس هذا على سلوك أنطونيو نحو ابنه الصغير برونو. يقوم بصفعه لأتفه الأسباب. يتساءل برونو وهو يبكي: "لماذا تضربني؟" فيجيبه، لأن برونو يستحق الضرب.

يفترق أنطونيو وابنه برونو للبحث عن الرجل العجوز. بالقرب من بحيرة، يرى أنطونيو جمهرة من الناس يصرخون، وتتعالى الأصوات بموت طفل. يرتعب أنطونيو لغياب ابنه برونو والذي لا يعرف مكانه الآن. لكن لحسن الحظ يظهر برونو سليما معافا. فيدرك أنطونيو من تلك اللحظة، مدى أهمية ابنه له.

يقرر أنطونيو نسيان موضوع الدراجة مؤقتا. أخذ ابنه إلى مطعم فاخر. قال بينه وبين نفسه: "لماذا أقتل نفسي كمدا، إذا كنت سأموت مثل كل الناس في نهاية المطاف؟"

المطعم خاص بالطبقة البرجوازية، يبين لأنطونيو وابنه وضعهم الاجتماعي المتدني. بعد تناول الوجبة، يتحقق أنطونيو من أنه لا مفر ولا بد من البحث عن الدراجة وإيجادها، إذا أراد أن يطعم عائلته.

يذهب أنطونيو إلى نفس العرافة التي كانت عندها زوجته لاستشارتها في محنته. لكنها تجيبه بما لا يشبع ولا يغني من جوع. قالت له: "إما أن تجد دراجتك غدا، أو أنك لن تجدها أبدا." يعطيها أنطونيو قليلا مما تبقى معه من نقود.

أثناء خروجه من عند العرافة، يعثر بالحظ على اللص. يلاحقه حتى يمسك بتلابيبه. ينكر الصبي التهمة. يتجمع الجيران وسكان الحي لكي يخبروا أنطونيو بأنه ليس من حقه اتهام أي شخص بدون دليل مادي أو شهود.

يستدعي برونو الشرطة. عندما يحاول انطونيو نزع الاعتراف من اللص، يتسلبط ويرتمي على الأرض، ويتظاهر بنوبة صرع قد أصابته. يلوم الجيران أنطونيو ويتهمونه بالظلم والمسؤولية عما قد يصيب الصبي من ضرر.

يخبر رجل الشرطة أنطونيو أن قضيته خاسرة. ليس لديه شاهد واحد قد رأى اللص وهو يسرق الدراجة. كما أن جيران الصبي سوف يشهدون لصالحه. فيترك أنطونيو وابنه المكان مودعا بصراخ الجيران ولعناتهم.

يجلس أنطونيو وبرونو على حافة الرصيف خلف استاد كرة قدم. مئات الدرجات تحيط بالمكان. يلمح أنطونيو من بعيد دراجة وحيدة بدون حارس. يعطي ابنه برونو نقودا لكي يعود بالترام إلى البيت. ثم أخذ يمشي بخطى بطيئة إلى الأمام وإلى الخلف وهو يشاور عقله.

اقترب أنطونيو من الدراجة التي بدون حارس، وقفذ فجأة فوقها ويا فكيك. "حرامي، حرامي"، "امسكوه اللص، اللص" جاء الصراخ من كل جانب. ابنه برونو الذي فاته الترام، يشاهد والده وقد حاط به الجمهور الغاضب، يشبعونه ضربا ولكما وركلا. ابنه برونو يصرخ وهو يبكي : "بابا بابا".

يقبض الجمهور على أنطونيو وهو متلبسا بسرقة دراجة، ويقودونه لمركز الشرطة. صاحب الدراجة لاحظ الطفل برونو وهو يبكي وينادي: "بابا بابا"، ولا يستطيع الوصول لوالده أو الدفاع عنه. يرق قلب صاحب الدراجة للطفل، ويطلب من الجمهور تركه قائلا: "اتركوه، لقد تنازلت عن حقي. الرجل لديه من المشاكل ما يكفيه".

يخرج أنطونيو وبرونو من وسط الحشد بصعوبة. أنطونيو مكلل بالخزي والعار. منكس الرأس، يكابد وخز الضمير، ويقاوم البكاء. برونو يبكي والدموع تنهال من عينيه مثل السيل. ينحني لكي يلتقط قبعة والده، التي تمرغت في الوحل، من الأرض لكي يعطيها له. ثم يمسك بيد والده ويستمرا في السير عائدين إلى منزلهما.

يكتشف أنطونيو أثناء أحداث الرواية أن ابنه أعز لديه من دراجته البائسة أو أي دراجة أخرى. كان يهمل ابنه من قبل، أثناء بحثه عن دراجته. لقد كان مهوسا بإيجاد الدراجة، لكنها كانت مثل ابرة في كومة قش. الدراجة كانت ضرورية لاستعادة وظيفته وبقاء أسرته والاحتفاظ بكبريائه.

عندما سمع ضجة عند غرق طفل، يخفق قلبه بشدة وهو يردد، هل هو برونو؟ وعندما يجده سليما معافا، يعرف قيمة أن يكون للإنسان طفل رغم كل شئ. يشعر بتأنيب الضمير لضربه له أثناء غضبه منذ فترة وجيزة، فيأخذه إلى مطعم فاخر غير مبال بما قد تكلفه هذه الوجبة الطارئة.

الدراجة تمثل الأمل الذي سوف ينتشل هذه الأسرة البائسة من الفقر والعوز. تستحق التضحية بالنوم على السرير بدون ملايات.

قبعة أنطونيو تمثل كبرياء الإنسان. عندما حصل على الوظيف، طلب من ماريا زوجته ضبط حزام القبة حتى تناسب رأسه. الوظيفة سوف تحسن من وضعه الاجتماعي. لذلك يجب أن يظهر بصورة لائقة في عمله الجديد.

عندما حاول أنطونيو سرقة الدراجة خلف الاستاد، سقطت قبعته على الأرض وداستها الأقدام فعلق بها الوحل. لكن يلتقطها برونو الابن لكي يعيدها لوالده، وهو في حالة خزي وعار لا يحسد عليها.

صاحب الدراجة، يغفر لأنطونيو زلته. فمهما كانت خطيئة الإنسان، هو بائس يستحق الغفران. إحساسات مرهفة، نادرا ما نجدها في كثير من الروايات والأفلام السينمائية. تذكرنا بالقاضي ميريل عندما عفا عن جان فالجان بعد أن سرق الأواني الفضية من منزله في رواية البؤساء لفيكتور هيجو.

ونتساءل مع الرواية، هل نعفوا عن أنطونيو سارق الدراجة لظروفه العائلية؟ وهل يمكننا تصنيف الناس إلى أخيار وأشرار، فنضع الأشرار في السجون وينتهي الأمر. أم الحكاية أكبر من كده؟ وأن الخير والشر يمتزجان داخل نفوسنا؟

يقول الفقير على لسان فؤاد حداد في رائعته على باب الله:
اشمعنى قلبي ضناه الشیب
من الشقا مھري ومنكوت
قال اللي قال العیب في الجیب
والجیب ما فیھشي ولا سحتوت
والعمر فایت بیقول آه
والقطر فایت بیقول توت
علي المحطة یا ولداه
حتى المحطة كمان حتفوت

كيف ينحدر الانسان إلى هذا الدرك ويتحول من صاحب حق يريد أن يضع من سرق دراجته في السجن، إلى مغتصب حق، يريد أن يسرق دراجة رجل لا يعرفه؟

إنه الفقر يا سادة والحاجة. إنها الحروب والتعليم الردئ والحكومات العاجزة والإفلاس الديني والسياسي والثقافي، وغيرها. كل هذه العوامل، فرادا أو مجتمعة، تطحن الغلابة وتحول الفقراء في لحظات إلى مجرمين، لصوص وقتلة.

الفيلم من الروائع. موجود على اليوتيوب.
https://shahidwbas.com/watch.php?vid=2712b94f7:
إخراج فيتوريو دي سيكا
بطولة:
لامبيرتو ماجيورياني في دور أنطونيو
إنزو ستايولا في دور برونو
لينيلا كاريل في دور ماريا



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زوربا اليوناني
- الشفاء بالإيحاء
- الرفق بالحيوان
- أرشميدس (287-212ق.م.)
- تعاليم أبكتيتوس الرواقية
- رواية 1984 لأورويل
- مزرعة الحيوانات لجورج أورويل
- رحلة إلى بيت جدتي
- الديموقراطية هي الحل
- حرية الرأي يا قوم
- رينيه ديكارت
- هوراس – الاعتدال
- يوم جميل من الزمن الجميل
- نظام نقر الدواجن
- ثيسيوس بطل أثينا الإنسان
- السر في بير
- غباوتك حتودينا في داهية
- قم للنملة واوفها التبجيلا
- من أقوال وتأملات ماركوس أخيلوس
- صديقي الحر أحمر اللون


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد زكريا توفيق - سارق الدراجة