أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - عشاء رأس السنة














المزيد.....

عشاء رأس السنة


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6450 - 2019 / 12 / 29 - 15:46
المحور: الادب والفن
    


مع اقتراب رأس السنة يفرح قلبه، تشرق عيناه، ويبدأ إعادة ترتيب الكون في رأسه الصغير، يرسم لوحة طقس الاحتفال، لوحة كبيرة كمساحة غرفة تستلقي فيها الأفكار والأحلام ومشاريع الطفولة:

ستؤدي صوبا المازوت بطاستها المتخمة على غير العادة واجبها في هذا اليوم حتماً لمدة زمنية أطول بكثير من المعتاد، ستتراقص قطرات المازوت وتتلاحق بتسارعٍ استثنائي غير منتظم، سيسخن صاج الصوبا حتى الاحمرار والتوهج، سيسمح لهيبها الدافئ بالجلوس بعيداً قليلاً عن بواريها، ستعبق رائحة بقايا الخبز المقمّر تحت الصوبا أو فوقها، ستمتزج حتماً مع رائحة الليمون ومع رائحة حطبٍ يحترق، رائحة قادمة من دكان الجيران، سيعلو أنين إبريق الشاي الأسود الراقد فوق غطاء الصوبا الصغير، سينتظر ورق الشدة/الكوتشينة امتداد الأيادي، سيفرح الجميع بلعبة الباصرة، ستكون المنافسة صاخبة حول الرهان المُتفق عليه كالعادة ولا سيما في البيوت الفقيرة: علبة راحة وثلاث علب من البسكويت، سيكتمل الضجيج عندما يصطهج الأطفال فرحين بلعبة الطرة والنقش، طامعين بالمزيد من الفرنكات من أجل شراء حبات الفول المسلوق والمبهّر أو بذور عبّاد الشمس المحمّصة أثناء ذهابهم إلى المدرسة، سيتركون البطون خاوية بانتظار العشاء، لعله سيكون بيضاً على لحمة ناعمة مثلاً، لحمة مطحونة حتى الألم كي تختفي الرغبة باكتشاف محتواها ونوعيتها.

سيُسخن زيت الزيتون في المقلاة لبرهة، سيُضاف إليه البصل المفروم واللحم الناعم مع قليل من الملح والبهارات، سيُحمس الخليط لدقائق، سيتم كسر عدة بيضات وخلطها جيداً، ثم إضافتها إلى المزيج الشهي، ستُغطى المقلاة وتُترك على حرارة منخفضة كي تنضج الوجبة الحلم. قد يأكلون إلى جانبها الخبز والخبز والبصل اليابس والبندورة والخيار، في أحسن الأحوال بعض اللبن من دكان سلطاني.

عند العصر ستبدأ التحضيرات لمداواة انقطاع التيار الكهربائي المعتاد منذ البعث الجديد، سوف يتم إحضار ضوء الكاز بقاعدته النحاسية، سيتم التأكد من نظافة البلّورة الزجاجية ومن ملئه بالكاز، سوف يُجدّد فتيله، لعل أحدهم سيحضر"قزازة" الكاز من دكان عدسو، سَتُسمَعُ بالتأكيد أصوات العيارات النارية عند حلول الساعة الثانية عشرة، ستتعالى أصوات الجيران خلال زياراتهم الخاطفة اللطيفة لتبادل الأماني والتهاني.

مع اقتراب رأس السنة، تحديداً في يوم رأسها قد ينهمر المطر، قد تعصف ريح عاتية مفاجئة، قد تصرخ الصوبا الهرمة المريضة بآلام العظام، قد تنفض غضبها في جو الغرفة، قد ينتشر دخانها الأسود في الغرفة، قد تتساقط بقاياه في كل مكان، قد يكون للسرير المغطى بالشرشف الأبيض النصيب الأكبر، ذاك القابع في غرفة الجلوس والضيافة والنوم، قد تعلو الأصوات بالشّتائم والسّباب واللعنات، قد يغضب رب الأسرة، قد يترك البيت متذرعاً بالنفضة/الرعشة سبباً، قد يأخذ طريقه إلى خمارة رويش أو خمارة دليلة أو خمارة عزيز، لا فرق، لا هم، فكلهم أصدقاء لأرباب الأسر.

مع اقتراب رأس السنة، تزداد وتيرة توفير فرنكات الطفولة، مصروف الجيب اليومي في المدرسة، سَتُشتَرى بها في المساء الموعود حفنات قليلة من القضامة المغبرة من دكان أبو زاهي، سيضع حبات قليلة في فمه، سيلحس ملحها، سيمصها، سيلوكها ويمضغها دون أن يبلعها، سيبصقها من جديد، يكورها بين أصابعه، سيسوّي سطوحها، يضعها تحت الصوبا، أو يُلصق الكرات المطحونة بأسنانه والمبلّلة بلعابه على جوانب الصوبا، سيتركها تسخن حتى يحترق سطحها، سيتناولها ويمضغها من جديد، ثم يبلعها، ويعيد الكرّة من جديد.

في المساء الموعود، سيأخذ نصيبه من البرتقال/الليمون، برتقالة بالحد الأدنى، سيقشرها حزوزاً، سيأكل قسماً بتلذذ، ويترك القسم الآخر لوقت لاحق، سيطوي قشرة الليمون بين أصابعه، يقترب من الأقرب، سيمازحه ثم يفاجئه بالقشرة المطوية، يضغطها بقوة أمام عينيه، تنزف القشرة، سيصيب رذاذها العين، ستفوح رائحة الليمون، سيضحك، ليبكي الآخر، ستعلو الأصوات، ليبدأ العراك.

ستكتمل اللوحة في يوم رأس السنة، ستعلو هامة الفرح، لكن الوقت تأخر بعض الشيء، كم ثقيل هو الانتظار، لم يعد رب الأسرة إلى المنزل بعد، لعله تأخر في السوق، الزحمة لا ترحم، طاسة المازوت تحوي أقل من ربعها، تأجَّلَ سباق المسافات القصيرة لقطرات المازوت إلى المساء، لا بأس في كل الحالات ، فإمكانية تعبئتها من دكان عدسو ما زالت قائمة وإن تأخر الوقت، لا بأس حتى لو كان اللّحّام أبو زاهي يبيع بقايا اللحم الأخيرة، قد يجلب إله الأسرة اللحم الناعم معه، تحديداً من شارع العنّابة، لعل كيس الليمون قد ضل الطريق إلى البيت، لعله يصل متأخراً بعض الشيء، لا همّ، المهم أن يصل.

أخيراً يعود ربّ الأسرة إلى المنزل، هيئته تفصح عن قدومه من الخمارة مباشرةً، البرد لاسع، شهوة الاحتفال ما زالت كبيرة، يدخل الرب عابساً، لا بأس، كل الأرباب عابسون، كلهم منشغلون بتأمين لقمة العيش، تسأله إحداهن بلطف: هل جلبتَ معكَ اللحمة الناعمة؟

ينظر الربّ باتجاه طاولة الفوراميكا الجديدة، تقبض أصابعه على جهاز الراديو الأحمر، يرفعه عالياً، يرميه بما تبقى لديه من قوة إلى أرض الغرفة، تَتَطَايَر منه نشرات أخبارٍ عن القائد وحركته التصحيحية، تَتَطَايَر منه أغانٍ وطنية تُمجّد الانتصارات التشرينية، يُمسك بيده القوية كأساً زجاجياً و يُلْحِقُه بالراديو، لتَتَطَايَر شظاياه، يفك حزام بنطلونه، يبدأ بمعاقبة الطاولة، يضربها حتى تتشقّق شرائح الفوراميكا، يرتعد الأطفال، يتجمعون حول صوبا المازوت الباردة.
***

من كتاب "اعتقال الفصول الأربعة"



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العباءة السوداء
- فرس النبي
- صوتك
- لا أعرف مدينتي
- عادة عسكرية
- هندسة وصفية
- البيان الطلابيّ
- هكذا يفكر جورج
- برغل ناعم
- تربية سوداء
- حوار قصير عن حجر الجلخ
- اعترافات لم تكتمل
- روائح طيبة
- غسيل زيزفون
- اعتقال الفصول
- عن الرأسمالية الشريفة
- قصيدة أبراهام
- قصيدة إِنْزيغْتن
- المِلزَمة
- صلولين


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - عشاء رأس السنة