أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - امال قرامي - روائح المطبخ السياسيّ














المزيد.....

روائح المطبخ السياسيّ


امال قرامي

الحوار المتمدن-العدد: 6449 - 2019 / 12 / 28 - 06:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


لن نتناول، في هذه الافتتاحيّة، وقع الزيارة المثيرة للجدل للرئيس التركيّ على الرأي العامّ التونسيّ. فقد كتب غيرنا في الموضوع وتنافس «المحلّلون»

من أجل إبراز وجاهة قراءتهم لأهداف الزيارة وأبعادها، وما سيترتّب عنها من نتائج محليّا وإقليميّا. وإنّما سنكتفي بالتركيز على جانب من التفاعل الّذي حدث بين الرئيسين على مستوى الخطاب السياسيّ. ونحن إذ نهتمّ بعبارات تندرج في إطار حسيّ يشمل حاسّة الشمّ نتساءل: ما الروائح التي لفتت انتباه رئيس دولة فجعلته يغادر الإطار المعهود والرسميّ لإلقاء الكلمات ليشير إلى «قوّة الروائح» السائدة في القاعة، وليحذّر من التهاون البرتوكوليّ في مراعاة المعايير الصحيّة، فيختم كلمته بتقديم نصيحة «المحب» الغيّور على مصلحة الآخر إلى صديقه؟

وكان ردّ رئيس الجمهوريّة التونسيّة مندرجا في إطار التوضيح: أليس من مهامّ الأستاذ الشرح، والتعليل؟ فالروائح ليست في علاقة بالتبغ المضرّ بالصحّة بل هي روائح محفّزة على الأكل، وهي منبعثة من المطبخ الرئاسيّ الّذي أعدّ طعاما يليق بالضيف من عناصره الثمينة: زيت الزيتون. وهنا يكون حديث الرجلين متماهيا مع ما ضبطه الجاحظ في نوادر البخلاء: «كلام بكلام».

قد يتوقّع البعض، بحكم جندرنا، والأدوار التي تسندها الثقافة للنساء أن نتعمّق في دلالات الروائح، ونشير إلى ما وفّرته أنتربولوجيا الروائح من أدوات للفهم تسمح لنا بتحليل أثر الرائحة في سلوك الفرد، وبنية علاقاته بالعباد والأشياء، وحياته الجنسيّة... ولكنّنا سنبقى في مجال السياسة لنتطرّق إلى ما وراء الحديث عن الروائح، وعراقة المطبخ التركيّ الذي أثّر في الطبخ التونسيّ. فكان الناس يمدحون الأطايب التركيّة : البقلاوة، والقهوة، وغيرها، وكان علية القوم يتباهون بالغليون العثمانيّ.

الحديث عن الروائح ظاهره التزام صديق بنصح صديقه، و«النصيحة كما نعلم من الدين». ولكنّه، في تقديرنا، تموقع سياسيّ. فأردوغان يصطف وراء السلطان مراد الرابع الذي تصدّى للتدخين سنة 1633 فطلب من مفتي إسطنبول أن يصدر فتوى بتحريم الدخان وقرارًا بإعدام من يدخّن في المقاهي والأماكن العامّة. ولذلك لم يجد «أردوغان» حرجا في تحذير المدخنّين، والرئيس التونسيّ من بينهم، من عواقب هذا الجرم. ولا يغيبنّ عن الذهن أنّ الرئيس أردوغان كان قد تعهّد منذ 2010 ببذل مزيد من الجهد من أجل مكافحة التدخين وذلك على إثر تسلّمه جائزة من منظمّة الصحّة العالمية لمساهماته الشخصيّة في هذا المجال على الصعيد العالميّ. ولكن بين أردوغان المتخلّي عن فخامة الغليون والمهتمّ بفتاوى التحريم وواقع المدرّسين المنهكين والمكدودين الذي يحوّلهم إلى مدمنين على السيجارة والقهوة مسافة لا يدرك رمزيتها إلاّ ذوو الألباب.

وتذكرنّا هذه الحادثة المرتبطة بآداب السلوك في حضرة السلاطين والخلفاء بحادثة سابقة لحاكم خليجيّ أراد تأديب الرئيس السابق المنصف المرزوقي وتلقينه درسا في آداب التحيّة. وفق هذا الطرح تبدو العلاقات الدولية قائمة على حسن التموقع وين تحطّ نفسك تصيبها . فإذا أردت أن تفاوض وترسي قواعد المعاملات عليك أن تبهر الآخر وتصدمه وتختبر مدى قدرته على الردّ لاسيما «إن فاحت روائح مطبخه».

وفي بلد سكب عدد من الفلاّحين منتوجهم في الطريق حليبا وزيتا ورابطوا أمام الوزارة معبّرين عن غضبهم من وزير لم ينصفهم وآثر إرضاء المستهلك كان على الرئيس أن يراعي مصلحة «الشعب» فيروّج بنفسه للمنتوج التونسيّ المقدّس ذلك أنّ الزيتونة «شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء» ومن يغزو أسواق العالم، ويفيد من علاقته بالإخوان في تونس عليه أن يقبل بمبادلات تجارية تراعي مصلحة الأصدقاء.

يبدو اللقاء بين الرئيسين منافسة على ركح السياسة: كلّ يحاول أن يبرز مهاراته الأدائية performance ولكن تقبّل الجمهور كان سلبيّا. فما دامت الشفافية مفقودة وما يدور بين الرؤساء غير معلوم للعوام فإنّ تكهنات الناس تسير في اتّجاه توقّع الأسوإ لاسيما بعد أن فاحت رائحة المطبخ السياسيّ، وتعثّر «الشاف» في إيجاد الوصفة المناسبة لإشباع العقول والبطون.



#امال_قرامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهجانة السياسيّة
- الشجاعة في مواجهة الظاهرة: العنف ضدّ النساء والسياسة
- في محاولات صناعة الشخصية السياسية الكاريزماتية
- في طرق استقبال مبادرات الشباب
- مساءلة
- في أداء المترشّحين وأشكال عرض الذات
- النسوان في قلب العمليّة الانتخابيّة
- ساعة الحسم
- الوصم السياسيّ: قراءة في سلوك الناخبين
- حيرة الناخبين
- أن تكوني سياسيّة في تونس2019
- أسئلة غير بريئة أطرحها في زمن ديمقراطية المشاعر
- هل يؤمن السياسيون بمبدإ التداول ؟
- جثث المهاجرين تفضح الصمت المخجل للفاعلين السياسيين
- محاولات ترسيخ «الأبوية السبسيّة»
- الجهاد بالوكالة
- حدث ومواقف أو انقسام التونسيين حول موت محمّد مرسي
- الأعمال الخيريّة في الدولة المدنيّة
- التونسيون والمسؤوليّة الاجتماعيّة
- «محتسبون»: في مواجهة الحريّات الفرديّة


المزيد.....




- تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر تجمع عدد من راقصي الباليه ...
- قطر: نعمل حاليا على إعادة تقييم دورنا في وقف النار بغزة وأطر ...
- -تصعيد نوعي في جنوب لبنان-.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إ ...
- البحرية الأمريكية تكشف لـCNN ملابسات اندلاع حريق في سفينة كا ...
- اليأس يطغى على مخيم غوما للنازحين في جمهورية الكونغو الديمقر ...
- -النواب الأمريكي- يصوّت السبت على مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- شاهد بالفيديو.. العاهل الأردني يستقبل ملك البحرين في العقبة ...
- بايدن يتهم الصين بـ-الغش- بشأن أسعار الصلب
- الاتحاد الأوروبي يتفق على ضرورة توريد أنظمة دفاع جوي لأوكران ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - امال قرامي - روائح المطبخ السياسيّ