أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - العشبُ الداعشيُّ … والأراضي البور














المزيد.....

العشبُ الداعشيُّ … والأراضي البور


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6449 - 2019 / 12 / 28 - 06:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سنواتٍ طوالًا، فاضت عيونُنا بالدمع مع أخبار اغتصاب ضواري الدواعش للفتيات الإيزيديات ثم بيعهن سبايا ورقيقًا أبيضَ لوحوش آخرين ليكملوا اغتصابهن وهدر آدميتهن وإراقة دماء عفافهن على مذابح الشهوات والرذيلة والجوع الجنسي الرخيص. سنوات سود ارتفع فيها نجمُ داعش المظلم، كانت صور الأيزيديات تطارد أحلامنا وتصرخ في وجوهنا طلبًا للغوث، فتُشعرنا بالعجز وقلّة الحيلة. لم يخطر ببالنا أن يومًا قريبًا آت سوف نشهد بذات عيوننا التي فاض دمعُها، تلك الضحايا المغتصبات، في مواجهاتٍ جسور مع جلاديهن الذين اغتصبوهن قبل سنوات، لتدور الدوائرُ وتبدأ الضحيةُ الكسيرة في محاكمة جلادها الجبار وهو ذليلٌ خافضُ الرأس وقد نُزعت مخالبُه وانتزعت أنيابُه وصار جرذًا أهتمَ لا حيلةَ له، إلا دموعُ التماسيح الكذوب التي لم نصدقها، ولم تصدقها ضحاياه.
“أشواق حجّي"، إحدى الضحايا الجميلات. فتاة ذات التسعة عشر عامًا التي واجهت مغتصبها في معتقله. كانت باكيةً ثائرةً، وكان صامتًا خائفًا عيناه مصوبتان تجاه الأرض.
(هل تدري كم كان عمري حين كنت تغتصبني بالضرب والإذلال كل يوم؟ أجب. تكلم ولا تصمت.)
وكانت تكلّم صنمًا أخرسَ. بعدما كررت السؤالَ عدة مرات، أدرك السفاحُ المُكبَّل أن الفتاة لا تعبث وأنها قررت عقد محاكمة أشرس من المحاكمة القضائية التي تنتظره. علمنا من المواجهة الغضوب أن الفتاة البائسة كان يجري اغتصابها اليومي وهي طفلة في الرابعة عشر من عمرها. (كنتُ في عمر ابنتك. فكيف لم تحترم جسدي؟ كيف لم تشفق عليّ وترحمني؟) وكان يجيب بعبارات مقتضبة تفيد الندم والاعتذار. فأي اعتذار وأي ندم نقبل من هاتك أعراض الطفلات؟
لم نصدق صمته وإطراقه خجلا من نفسه لأن تلك الأفكار المسمومة تدخل رأس المتطرف ولا تبرحه إلا بتفجير الرأس المريض. فالأفكار الشاذة إن دخلت رأسًا، سارت مسرى الدم وأصبحت جزءًا أصيلا من تلك الرأس.
"الداعشية" فكرةٌ شيطانية لا تُعالج فقط بالاحترازات الأمنية والاستخباراتية والاستباقية والاعتقال والمحاكمة والعقاب. وليس فقط بالمداهمات الأمنية لأوكار الإرهابيين كما نفعل في سيناء وينجح الجيشُ المصري كل يوم في وأد خلايا إرهابية وعناصر داعشية كامنة تنتظر لحظة التمكين. العلاج لابد أن يكون كذلك فكريًّا وثقافيا ودينيا. العلاج يكمن في إنهاض المنظومة التعليمية والعمل الجاد على تنقية الرؤوس الصغيرة قبل أن تُلوّث، وتحصينها بالعلم والأخلاق والقيم والمبادئ الرفيعة في صغرها وفي جميع مراحل تطورها من الطفولة فالصبا فاليفوعة فالشباب؛ حتى يستحيل تجنيدها حين تنضج. هذا ما تفعله الدول الناضجة بتنقية مناجه التعليم من جميع سمات العنف والطائفية والإقصائية والتمييز، وهو ما بدأته مصرُ كذلك منذ العام الماضي على يد وزير التعليم الراهن د. طارق شوقي. العلاج يكمن في تطوير المنظومة الإعلامية بضخ برامج تثقيفية تنويرية تنهض بالعقل الجمعي للمجتمع وتقوده نحو الترقي والتحضر ومحاربة الطائفية والتمييز العقدي. العلاج يكمن في عمل برامج توعوية شاملة للأسر حديثة التكون حتى إذا ما استقبلت أطفالا عرف الآباءُ والأمهات الجدد كيف ينشئون أطفالهم على مبادئ احترام الآخر والقيم الرفيعة التي تزرع الفضيلة في الروح، في سن مبكرة قبل الانتظام على مقاعد التعليم.
الداعشية لم تنته بمقتل أبو بكر البغدادي، مثلما لم تنته القاعدةُ بهلاك أسامة بن لادن، ولم تنته طالبان، وبوكو حرام بتصفية عناصرها. الداعشيةُ فكرةٌ تخبو وتظهر وفق الشرط المجتمعي الذي قد يكون أرضًا خصبة لنموها فتظهر، أو يكون أرضًا بورًا تلفظها ولا تسمح لها بالنمو والترعرع؛ فتختفي وتموت قبل ميلادها. المجتمع الذكي الواعي يجهد في أن يجعل أرضه بورًا وجدبًا للعشب الداعشي الخبيث. الداعشيةُ فيروس مسموم يسهل حقنه في الأدمغة حين لا تكون محصّنة بمصل القيم والمبادئ والعلم. العقول المحصنة لا يسهل اختراقها، والعكس صحيح. المجتمع المثقف الواعي يجهد في أن يُطعِّم أبناءه بالمصل الواقي من فيروس الداعشية والطائفية منذ طفولتهم.
تحية احترام لكل ضحية كريمة من الأيزيديات الفاضلات اللواتي تحمَّلن ما لا يتحمَّلُه إنسانٌ، وكُتب لهن الصمودُ حتى يحاكمن الدواعش الجبناء على الهواء وأمام نظر العالم وسمعه. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجميلةُ ... المَنسيّة!
- الغرابُ الجميلُ … المجنيُّ عليه!
- مصرُ الطريق … في باريس
- موتُ الكاتب …. وازدراءُ الأديان
- فتحي فوزي مرقس … طبيبٌ برتبة فارس
- لفرط حضورك … لا أراك!
- حين حاورتني الصغيرةُ آنجلينا
- الإنسانُ … مفتاحُ السرّ في دولة الإمارات
- هل طفلُك أحمق؟ هل طفلتُك غبية؟
- أولئك كانوا صخرتي … في محنتي
- -وسام زايد- على صدر كل مصريّ
- نبالٌ في يد البرلمان … لقنص العقول!
- كُن متطرّفًا في إيمانك … وانبذِ التطرّف!
- أخطاؤنا الصغيرة .. هدايا وبركةٌ وفرح!
- الأيزيدية شيرين فخرو … العُقبى لداعش
- عيدُ الحبّ المصري … والڤالنتين الإيطالي
- 7 أرطال … من اللحم البشري!
- التذكرةُ قاتلةٌ … لأن القانونَ طيبٌ وأمّي
- سهير العطار … نجوى غراب … أكذوبةُ الخريف
- حتى لا تموتَ الشهامةُ في بلادنا!


المزيد.....




- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - العشبُ الداعشيُّ … والأراضي البور