أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد أبو قمر - رفع المبتدأ وشنق الخبر














المزيد.....

رفع المبتدأ وشنق الخبر


محمد أبو قمر

الحوار المتمدن-العدد: 6448 - 2019 / 12 / 27 - 05:58
المحور: كتابات ساخرة
    


تابعت كثيرين ممن تناولوا موضوع اليوم العالمي للغة العربية ولاحظت أن فعاياتهم الاحتفالية لا تتعدي مسألة الجماليات وقابلية اللغة الغير محدودة للنحت ورصانة التعبيرات والقدرات النحوية التي تتميز بها العربية وما إلي ذلك من الشكليات التي لا تعبر إلا عن الخواء ، الأمر الذي منحني انطباع بأن الاحتفال باللغة العربية عند الكثيرين منهم يتشابه كثيرا مع الاحتفال بمولد أحد الأولياء الصالحين بما يعني في النهاية أنهم يحتفلون بميت ، أليست اللغة هي وعاء التفكير ، وأليس النظر إليها ينبغي أن يكون من زاوية ما تم إنجازه بهذه اللغة علي مستوي الوعي ونوعية المعرفة التي تم انتاجها باستخدام هذه اللغة؟؟!! ، أما كان من الأفضل - خصوصا في أوضاعنا الحالية التي نعاني فيها من نكوص مريع علي مستوي الثقافة والفكر والإبداع - أن نتذكر مفكرينا العظام ونعيد إحياء ما أنجزوه بهذه اللغة في مجالات العلوم المختلفة كالطب والهندسة والفيزياء والفلسفة وعلم الاجتماع والنقد أمثال ابن رشد وابن طفيل والفارابي وابن خلدون وابن سينا ومحمد أبي بكر الرازي فضلا عن أبي حيان والجاحظ وابن عربي وطه حسين وكثيرين غيرهم ؟؟!!.
من المفترض أن المحتفلين باليوم العالمي للغة العربية مثقفون ، ومن المفترض أيضا أن الاحتفال بيوم كهذا لا يأتي في صورة زفة بلدي ينقط فيها المثقف ..الفرح ...وأصحاب الفرح ..واللغة ...ومعلمين اللغة ...والنحو ...وملوك البلاغة ...ومعلمين الصور البيانية ...والمعلم بعجر إللي بيرفع الفاعل وهو سايب إيده ويجرجر المضاف لأقرب مزبلة ...رقصني ياجدع ، من المفترض ألا يأتي الاحتفال بيوم كهذا علي هذه الصورة الفاضحة ، فالمثقف مسئول عن كون اللغة وسيلة لإنقاذ الوطن من مأزقه الحضاري ، هل كان هذا اليوم في هذا العام فرصة ذهبية للتذكير بالفرق بين استعمالات ابن رشد للغة وانتاجه العقلاني والتنويري وبين الاستعمالات الظلامية لابن تيمية لها؟؟!!
في ظني أن بقاء اللغة وعظمتها وتطورها وجمالها وأناقتها يتعلق فقط بما احتوته من مضامين علمية وفكرية وفلسفية وإنسانية وبما أنجزته من معارف وبما لعبته من أدوار مهمة في الحياة الإنسانية ، وأن الشكل الذي ركز الكثيرون عليه يأتي - كما يقول يحي الطاهر عبد الله رحمه الله - يأتي تابع للمضمون .
لقد لفت نظري أن اليوم العالمي للغة العربية تزامن مع اليوم العالمي للإفتاء ، وقد تصادف أيضا أن الواقع الفكري والثقافي والاخلاقي والإبداعي والتعليمي يزداد سوءا مع الاحتفال بهذين اليومين العالميين ، وقد داخلني إحساس بأن هذه البروباجندا الدعائية الإعلامية ربما تعود إلي الشعور بالورطة الحضارية المترتبة علي استعمالات اللغة في إبداعات جافة وبائسة وإطلاق الفتاوي أيضا بطريقة أدت إلي هذا المستوي من الغياب الحضاري وانتشار الخرافة وغلبة الثقافة النقلية وشيوع الكراهية والتكفير .
اللغة العربية لغة عظيمة ، لكنها شأن كل لغة ليست هدفا في حد ذاتها وإنما هي وسيلة وأداة لإعادة تشكيل الحياة الفكرية بما يؤدي إلي إحداث انقلابات عظيمة غاية في الرقي والتحضر في الحياة العلمية والعقلية والوجدانية والروحية لمن يتعايشون في ظل هذه اللغة ، إن كثيرين ممن علا صوتهم ابتهاجا باليوم العالمي للغة يتعاملون مع اللغة وكأنها قطعة نادرة من الحلوي ويظنون أن الصحة النحوية والصرفية التي تأتي في كتاباتهم مثل اللطخ الطينية اللزجة هي دلالة قوية علي قدراتهم الإبداعية وهي دلالة أقوي علي امتلاء اللغة بالغني الذي يتيح لهم فرصة إثبات ذواتهم ، ولقد كان الرافعي أكثر قدرة لغويا من طه حسين ، وكانت عباراته أكثر جمالا وأناقة وسيولة منه ، وفي معاركهما معا أثبت الرافعي أنه أكثر قدرة نحويا ونحتيا منه ، لكن الفرق بين ما أنجزه طه حسين وما أنتجه الرافعي باللغة شاسع وقاهر ومهول ، إذ كانت ذات الرافعي أطغي علي كل هدف آخر في استعماله للغة - ويمكن ملاحظة ذلك في كتابه تاريخ الآداب الذي قدمه للجامعة للحصول علي الدكتوراه - بينما كانت ذات طه حسين متوارية تماما خلف أهدافه التي بلورها في كتابه مستقبل الثقافة علي سبيل المثال.
من الواضح الجلي أن اليوم العالمي للغة العربية سوف يمر كما لو كان يوما عالميا للعسلية المحشية بالمكسرات ، وأن المحتفلين به سوف ينامون آخر الليل سعداء لأنهم أثبتوا للعالم أنهم قادرون علي رفع المبتدأ ونصب المفعول به وتسكين المجزوم في مستشفي التخلف والخواء



#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجميلة فيوليت
- الكذابون
- أنا لا أعرف
- سقوط حتمي
- وردة في شعر الحبيبة
- البزازة
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- هلوسات
- لا صوت يعلو فوق صوت المرأة
- أنا مصري ثم مسلم مسيحي أو مسيحي مسلم
- فن الشعر وحدودنا البحرية
- وهم إصلاح الخطاب الديني
- كيفية صُنع آلهة من العجوة
- الحشمة ومساءل أخري
- تمثيلية قتل الزعيم
- مفتاح الحياة في الزمن الميت
- باختصار
- السؤال الكبير
- تشوهات
- حتي لا ننسي


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - محمد أبو قمر - رفع المبتدأ وشنق الخبر