أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مناقشة رواية خريف يطاول الشمس















المزيد.....


مناقشة رواية خريف يطاول الشمس


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6447 - 2019 / 12 / 26 - 10:29
المحور: الادب والفن
    


ضمن الجلسة نصف الشعرية التي تعقدها دار الفاروق تم مناقشة رواية «خريف يطاول الشمس» للروائية الفلسطينية «نزهة أبو غوش»، وقد افتتح الجلسة الروائي محمد عبد الله البيتاوي الذي رحب بالروائية نزهة أبو غوش وبالضيوف الكرام، ثم قال: رواية خريف يطاول الشمس متميزة في تناولها لتاريخ محدد من تاريخ الشعب الفلسطيني، فهي ترصد التاريخ الشفوي للمأساة التي تعرَّض لها الفلسطيني عام 1948، من هنا كانت شخصيات الرواية شخصيات بسيطة، من عامة الشعب، وهي تروي الأحداث ضمن لغة سهلة عادية، فكثرة الأحداث جاءت بسبب كثرة الرواة، الذين تحدثوا عن المأساة الفردية/الشخصية، لكنها تمثل جانب من مأساة عامة للشعب الفلسطيني، فالتهجير كان المشكلة الأكبر بالنسبة لنا كفلسطينيين، لأننا فقدنا الأرض، وفقدنا الوحدة الاجتماعية والأسرية.
ثم فتح باب النقاش فتحدث الفنان سمير عودة قائلاً: الرواية أعادتنا إلى التاريخ وإلى القرى المهجرة وإلى الناس المشردين، فالرواية توثق حالة زمنية من تاريخ فلسطين وما تعرّض له شعبها من ظلم وتهجير وقتل، والرواية تكشف دور بعض الانتهازيين الذين يستغلون الظروف بغض النظر عن المأساة الجماعية للشعب، نجد في الرواية دور النساء أكبر وأهم من دور الرجال، فالمرأة باعت ذهبها لشراء السلاح وحماية الوطن، ونجد القرية بتفاصيلها حاضرة في الرواية، وهذه التفصيل تعطي وتشير إلى مكانة الوطن عند الفلسطيني، الذي يتحدث عن شيء عزيز عليه ونتعلق به، نهايات المهجرين كانت موجعة وقاسية على القارئ، وطريقة تقديم موت المهاجرين كانت صادمة ومؤلمة، وهذا يحسب على الرواية وليس لها، واللافت أن الرواية تخلو من أي ذكر للمقاومة، وقدمت الفلسطيني كمهاجر لا يملك أي إرادة للوقف في وجه الاحتلال.
أما الشاعر عمار خليل فتحدث قائلاً: كعادته يأبى هذا الألم التاريخي والإنساني إلا أن يجعلنا في أتون الذاكرة الملحمية لشعب أقتلع من أرضه، وعاش فصولاً من المأساة التي جعلت كثيرون يكتبون عنها، فكانت الكاتبة نزهة أبو غوش ممن نزفوا هذه الحروف على صفحات الزمن المر .
القضية الفلسطينية مليئة بالتفاصيل والمشاهد التي لا تبخل على القلب والنفس بأوجاعها، وإنه من السهل على من أراد أن يكتب عن هذه القضية أن يقفز على كثير من الروايات التي أثبتت وجودها على الساحة الأدبية المحلية والعالمية، رغم أن المهمة سوف تكون صعبة بل صعبة جداً. وفي هذه الرواية رصدته ما يلي:
أولاً: اللغة السهلة والسلسة، والتي طرزتها الكاتبة ببعض اللغة العامية والمحكية، وكثير من النصوص التراثية والفلكلورية وحتى بعض الشعر العربي الذي وظيفته خدمة الفكرة والمضمون.
ثانياً: الشخوص الذين امتلأت الرواية بهم، ولم تعهد الكاتبة دور البطولة لشخص واحد، بل لشخوص تطورت حالتهم ضمن السياق الزمني في الرواية .
ثالثاً: المكان، ولعل المكان هو البطل الحقيقي، صاحب السيادة والوجود، وكيف لا؟ وهو الأرض والوطن، الأم والحبيبة، الذاكرة والهوية .
رابعاً: الزمان، يا له من زمان تعيس، كان الألم بوصلتَه، حيث لا انتهاء من الوجع، زمان اللجوء، وقد يحق لنا أن نقول زمان الهروب، سؤال طرحته رواية «الست زبيدة» بعمق وتمرد، ويبقى الجواب ثقيلاً أو لنقل جدلياً غير ذي فائدة .
خامساً: الحبكة الروائية، إذ يمكن لنا اعتبار هذه الرواية سيرة ذاتية وغيرية في ذات الوقت، فهي توثق وتسجل الأحداث التاريخية والمفصلية من حياة شعب مورست عليه أبشع أنواع القتل والتشريد، فقد ظهرت السرعة في السرد، منسجمة مع الأحداث في الرواية، وقد تداخلت ضمائر المتكلمين في بعضها، دون أن تشرعنا الكاتبة بفواصل الأمور، مما كان له الأثر في تشتيت القارئ بعض الشيء.
سادساً: السرد والخطاب الروائي، مما يساعد على سهولة السرد في الرواية هو الطريقة التي يتناول بها الكاتب روايته، تحكمت الكاتبة في طريقة قراءتنا للرواية، فقد سيطرت على أذهانا من خلال رسم التفاصيل داخل النص، ولم تترك لنا مجالاً للتفكير داخل هذه الأحداث الكبيرة.
سابعاً: العقدة أو الصدمة، على الرغم من غزارة الأحداث وكثافة الشخوص، لم تتمكن الكاتبة من تحقيق هذا العنصر الروائي المهم إلا في قليل من المرات، إذ كانت الفنيّات الروائية شحيحة وهذا في رأيي جعل الرواية تميل إلى السردية المطولة.
أخيراً.. لقد نجحت الكاتبة في توثيق هذه المرحلة المؤلمة من تاريخ الفضية الفلسطينية، نجحت في تدوين أسماء القرى والمناطق، نجحت في رسم الحياة الاجتماعية في ذلك الزمن الفلسطيني الحزين، ونجحت بل تفوقت من تعميق الوجع والألم، وهنا أعترف كم كانت هذه الرواية قاسية ومؤلمة وعاطفية، ولعل هذا الشيء يحسب للكاتبة في مكان ويحسب عليها في آخر.
إن من مهام الكاتب المقدسة، خاصة حين يكتب عن قضيته، هي تبيان الحقيقة، دون اللجوء المطلق إلى العاطفة في استجداء الرأي وتبيان الأحداث، وإن كان هذا الشيء مهماً، ولكن يجب أن لا يغفل الكاتب عن استخدام الأحداث الفكرية والمنطقية والحقوقية ويوظفها داخل نصه بذكاء وحيوية.
أستطيع القول أن رواية «خريف يطاول الشمس» أضافت للقضية الفلسطينية توثيقاً مهماً من تاريخ لا ينسى، ذلك التاريخ الذي ما زالت آثاره واضحة المعالم والظلال على عالمنا اليوم.
أما الروائية خلود نزال فقالت: رواية «خريف يطاول الشمس» ذاك الخريف الذي لا ينتهي رواية واقعية للكاتبة المقدسية نزهة أبو غوش تجسد ما عاشه الفلسطيني ولا زال منذ النكبة وحتى يومنا هذا والكاتبة تروي لنا مشافهة ما سمعته من جدتها وردة التي عايشت تلك الحقبة موضحة حياة الرغد التي كانوا يعيشونها والطبيعة الجميلة من جبال وسهول وأشجار وزهور. لغة سهلة واحدة تكاد تصل حد الركاكة أحياناً والتي جاءت على شكل حشو زائد في بعض الأحيان وكان يمكن الاستغناء عنها كما في ص(40-41) فالكل يعرف موقع فلسطين الجغرافي ومناخها وطبيعتها، الأمر الذي جعلها مطمعاً للمحتل على مر العصور. الصور والتشبيهات البسيطة جاءت بلغة اقرب الى العامية كما جاء في ص(39) «راح صدر فاطمه يعلو ويهبط مثل الحليب الذي يفور على النار».. وص(130) «شعرت أن شرشفاً أسود كبيراً جداً يفصل ما بينها وبين البشر» ومواقع أخرى. تعدد الرواة لكن بصوت واحد فنحن لا نميز بين رقية أو ربيعة او وردة أو علي إلا من خلال الأحداث. أوردت كثيراً من الأغاني الشعبية في كل المناسبات السعيدة والحزينة وغيرها الامر الذي يسهم في الحفاظ على تراثنا وهويتنا. المقارنة بين الحكم العثماني وتحت الانتداب البريطاني وكيف أنهم عاشوا حياة أفضل مع الإنجليز كما في ص(65) «الوضع تحسن كثيراً وأصبح الناس يجدون لقمة العيش». خلط اللغة العامية بالفصحى وهذا برأيي أوقع القارئ في حالة التباس للفهم الصحيح لمقصد الكاتبة. احتوت الرواية على كثير من الآيات القرآنية في مواضع كثيرة. الراوي العليم الذي يعرف ما يدور برأس الشخصيات مثال ص(115) حديث علي مع نفسه وكيف تحول إلى راو بقية الصفحات. التأكيد على أن الفلسطينيين هم من تركوا أرضهم دون مقاومة وإنما خوفهم من الموت هو ما دفعهم للخروج ص(9،83) وحديث العم صالح عن النشاط اليهودي والتمهيد للاحتلال ص(103) في حين أنهم وقفوا متفرجين ولم يفعلوا حيال ذلك شيئاً. لم تشبع الكاتبة القارئ بوصف ما حدث بالفعل حين هاجمهم اليهود في البداية واكتفت بذكر الخبر من مجازر وتخريب نقل على لسان عبد الواحد ص(18). استخدام مفردة يهود بدون ال التعريف معظم المرات لا أدري إن كان مقصوداً تنكيرهم أم ماذا؟. استعمال كلمة أسود بدلاً من أسمر إذ جاءت قاسية على المتلقي توحي بالنفور رغم أن الحديث عن الحبيب علي. كما في ص(22) «يعلو وجهه الأسود الاحمرار من شدة الخجل» وص(110) «بشرتها قمحية مائلة للسواد» في وصفها لأم خليل.
وردت كثير من الأخطاء اللغوية مثل: أهداني عقلي بدلاَ من هداني ص(94)، واجهتي بإضافة ياء والصحيح واجهتِ بالكسرة ص(9)، كادت أن أقول بدلاً من كدت أن أقول ص(102)، استعملت عبارة(شريط لاسلكي طويل) وهنا لا يمكن الجمع بينهما فهو إما شريط وإما لاسلكي ص(170)، وردت عبارة (راح دماغه يحلق بعيداً) ص(138) ربما كان من الصواب استخدام مفردة الخيال أو الفكر للتحليق أما الدماغ فهو الجزء المادي المحسوس الذي لا يمكن أن يغادر مكانه الكائن في الجمجمة، وردت عبارة على لسان رفيقة ص(12) (يا قوة مكنونة في أعماقنا..) شعرت أنها ليست من لغة الساردة ولا تنتمي للنسيج العام للرواية ولغتها. أكدت الكاتبة في أكثر من موضع على أن الفلسطينيين تركوا أرضهم طائعين بدافع الخوف ص(9،25،103) الأمر الذي جعلنا نشعر بالغصة والتحسر على ما ضاع دون أن يفدوه بأرواحهم سيما وأن من بقوا بقوا هناك ووجدوهم في بيوتهم حين حاول بعضهم الرجوع عن الطرق الجبلية والعودة ربما بعد فوات الأوان ومعظم الذين قتلوا قتلوا وهم يحاولون الخروج أو الهروب.
وتحدث الأستاذ سامي مروح قائلاً: خيوط الرواية مترابطة ومتشابكة، وهذا يخدم حبكة الرواية، فكل الشخصيات كانت تروي وقائع وأحداث عن الهجرة وهذا ما جعل الرواية أقرب إلى السيرة الذاتية رغم تعدد الشخصيات الراوية للأحداث، وأعتقد أن قسوة الهجرة وأثرها انعكس سلباً على الصور الأدبية في الرواية، فالرواية تكاد تخلو منها، ومع هذا نجد الرواية (تدفع) القارئ ليكون جزء من الأحداث، من خلال دمجه فيها، فاللغة البسيطة والأغاني الشعبية كلها تقرب القارئ من الرواية، وتجعله يندمج فيها، فالسرد كان سريع وبوتيرة عالية، بحيث لم يترك مساحة للقارئ ليبتعد عن الأحداث، وهذا ما يجعلها مقبولة من كافة الأعمار، فكل من يقرأها سيندمج معها.
وتحدث الكاتب همام الطوباسي قائلاً: التهجير محور الأحداث في الرواية، وهذا ما جعلنا نتوقف عندها، فهي تتناول مأساتنا كفلسطينيين، فالموت والهجرة كانا الحدثين البارزين في الرواية، ورغم هذا الألم والقسوة إلا أن استخدام الساردة للغناء الشعبي خفّف من وطأة السواد في الرواية، ونجد فيها مجموعة كبيرة من الشخصيات التي تتحدث عن مأساة الهجرة، وهذا جعل الإطار العام للرواية سلبي، فموضوع الهجرة جعل الأحداث والشخصيات غارقة في السلبية.
وتحدث رائد الحواري قائلاً: إنما مأساة الفلسطيني تكمن في استمراريتها، فهي ما زلت فاعلة ومؤثرة وحاضرة من خلال المخيمات، الأرض المحرومون منها، المحروم والمنوع من مشاهدتها والعيش فيها، ومن خلال جنود الاحتلال الجاثمين على الأرض، فهم ما زالوا فيها، يقومون بتهويدها، ويقتلون ويطردون الفلسطينيين منها، من هنا تناول المأساة/التغريبة الفلسطينية ليست من باب الترف/ المحاكة/ الموضة بل هي ضرورة يفرضها الواقع على الفلسطيني.
لهذا نقول أن الأديب/ة الفلسطيني هو الحصن المنيع الذي يواجه الواقع ويقدم المجتمع من الحقيقة، والدور الموكول له حيوي وضروري، فهو يثبت حق الفلسطيني في فلسطين، في الرواية «خريف يطاول الشمس» نجد الحالة الفلسطينية قبل قيام دولة الاحتلال وبعد قيامها، والملفت للنظر أن الساردة قدمت لنا المجتمع الفلسطيني، قبل قيام دولة الاحتلال،بشكل متجانس، ويعيش في حالة سوية: «لو عرفتم بلدتي لفتا... كنا مجاورين الأحياء اليهودية في (دفعات شاؤول، ومحنى يهودا، وروميما) عدا عن ذلك أهل بلدتنا كانوا أكرم ناس، ويحبون التعليم، وتخرج من بلدتنا كثير من الأطباء والمهندسين والمعلمين» ص(5،6).
وتأكيداً على حالة الرفاهية التي تمتع بها الفلسطيني قبل قيام دولة الاحتلال تُحدثنا وردة عن نفسها: «...يحسدنني على ثيابي الحريرية الملونة، والمقصبة، وعلى سبرات الشعر من كل الألوان، التي كان يحضرها لي أبي من مدينة القدس» ص(52)، مثل هذا المشاهد تؤكد على أن الفلسطيني كان يعيش حياته كإنسان سوي ـ رغم وجود الاحتلال الانجليزي ـ وقد عبرت «رفيقة» عمة «وردة» عن خطورة قيام دولة الاحتلال بقولها: «كان الأتراك قاعدين على قلوبنا، نهبونا، وسجنونا، وعلقوا أولادنا على المشانق، وما رحلنا، وبعدهم الإنجليز، عملوا فينا العجائب، وما رحلنا، لماذا؟ ما هو السر في هؤلاء اليهود؟ هل هم أقوى من هؤلاء الناس أو أشد وحشية؟» ص(97)، أسئلة مثيرة تستوقف القارئ، فالوقائع تؤكد صمود وثبات الفلسطيني رغم بطش الأتراك ووحشية الإنجليز، لكن دولة الاحتلال نسفت هذا الصمود وجعلت من الفلسطيني مهاجر خرج وطنه وأرضه، إجابة على الأسئلة التي طرحتها «رفيقة» هي: لأننا أمام دولة احتلال استيطاني، تسعى على السيطرة على الأرض وتهجير/تفريغ السكان.
الرواية تقدم لنا المجتمع الفلسطيني مجتمع واحد وموحد في مواجهة الأعداء، فلا نرى أي خلاف بين شخصيات الرواية إذا ما استثنينا الخلاف الذي نشأ بين «خديجة أم نمر ومحمود أبو حسن حول تزويج وردة، لأن زوجها عبد الباسط ذهب إلى حرب تركيا ص(65).
إذا ما تجاوزنا عن هذا الخلاف تبقى بقية الشخصيات منسجمة فيما بينها، وهذا ما يجعلنا نقول أن الفلسطيني قبل قيام دولة الاحتلال كان يعيش في حالة (سوية)، لكن بعد دخول الإنجليز والسماح للمهاجرين اليهود بدخول فلسطين أصبح هناك الخلل في فلسطين وتركيبة شعبها. وبعد قيام دولة الاحتلال تغير الحال، وأصبح الفلسطيني يعاني الفاقة والتشرد، وأصبح هناك فجوة في المجتمع بعد أن ظهرت كلمة «لاجئ» في القاموس الفلسطيني.
وتفاقمت حالة اللجوء لتصبح عقدة الفلسطيني، وإذا ما قارنا بين الحال قبل قيام دولة الاحتلال وبعدها نجد الهوة الكبيرة والشاسعة بين الحالتين، وهنا تكون الساردة قد قدمت لنا أثر ووقع قيام دولة الاحتلال على المجتمع الفلسطيني بطريقة غير مباشرة.
وإذا ما توقفنا عند هجرة الفلسطيني لوطنه ومحاولته العودة إليه، يمكننا إيجاد الفرق بين الهجرة والعودة،، فالهجرة رغم أنها شاقة ومؤلمة، إلا أنها لم تكن تحمل مخاطر وصعوبة وقسوة العودة، فالهجرة بدت وكأنها رحيل قصري مؤقت، لا يزيد عن بضعة أيام، ومع هذا إذا ما قارناه مع رحلة العودة وما فيها من مخاطر الموت على يد جنود الاحتلال، والظروف التي تلازم العائدين، وطول فترة سرد فترة العودة يمكننا القول أن الساردة استطاعت أن تقدم فكرة تشبث الفلسطيني بوطنه بطريقة مقنعة، فقد تعرض العائدون إلى ظروف قاهرة، ومع هذا أصروا على العودة.
ومن ميزات الرواية أن الساردة أعطت الحرية للعديد من الشخصيات لتروي الأحداث، حسين، ربيعة، خديجة، راجحة، وردة، علي، عبد الحكيم، وهذا ما أعطاه فضاء أكبر لنتعرف على طبيعة الشخصيات، دون هيمنة أو تدخل الساردة، فاللغة البسيطة والشعبية سمة عامة في الرواية، وهذا ما جعل الشخصيات قريبة من القارئ، فتناولها للأمثال الشعبية والغناء الشعبي الفلسطيني والثقافية الدينية أسهم في جعل الرواية أكثر قرباً من القارئ.
وإذا ما أخذنا دور النساء في الرواية فإن عددهن أكبر من الرجال: رفيقة، خديجة، أم خليل، وردة، أم العبد، ربيعة، ثرية، فاطمة، راجحة. كما أن فاعليتهن ودورهن في الأحداث أكبر، لهذا نقول أننا أمام رواية نسائية، ليس لأن كاتبتها «نزهة أبو غوش» بل لأنها تضمن عدد كبير من النساء، كن أكثر فاعلية وأقوى وأهم من الرجال، فعلى سبيل المثل كان «محمود» يحاول أن يستميل زوجة أخيه «عبد الباسط»، ونجد «أبو مرزوق» لا يهمه سوى المال، الذي يعتبره أهم من حياة الناس ومن الوطن، بينما لا نجد أية امرأة قامت بدور سلبي، إذا ما استثنينا تلك التي تحدثت عن اللاجئين.
الرواية من منشورات المؤسسة الفلسطينية للنشر والتوزيع والطباعة، رام الله، فلسطين، الطبعة الثانية، دون ذكر سنة الطباعة.
أما الروائية فاطمة عبد الله فقالت: إن ما يميز الرواية الفلسطينية استنادها إلى منهج واحد موحد، فرغم وفرة الروايات وتعددها إلا أنها ثابتة الصياغة، وإن كانت أغلبها في إطار التعبير العاطفي والبكائي عن صورة الضحية. يرتكز الفلسطيني إلى الذاكرة الشفوية في عموم الرواية فيما يتعلق بالنكبة، باعتبارها القادرة على إنقاذه من الاغتراب والافتراق عن الذات. وفي «خريف يطاول الشمس» توثق الكاتبة نزهة أبو غوش كيف فقد الفلسطيني أرضه التي كانت أحد المصادر الأساسية لثروته ونفوذه على مدى قرون، فبالرغم من الكوارث المتتالية عليها، ورضوخها عقود طويلة تحت الحكم العثماني تلاه الانتداب البريطاني لم يتخل الفلسطيني عن أرضه أو يفرط فيها، لتأتي بعد ذلك النكبة مثل كابوس يبدد أي بشائر للاستقلال ويدمر مجتمعاً كاملاً برمته، في لحظة تاريخية تناثر فيها الفلسطينيين كأوراق الشجر في كل البلاد، وهذا هو الخريف الذي طاول الشمس ونقطة التحول في حياة لن تعود يوماً كما كانت، خريف ترك فجوة بين الماضي والحاضر كالمسافة بين الأرض والشمس، صورة الغلاف سنبلة وحيدة تقطر دماً والسنبلة هي الخير والعطاء وحبوب سنبلة تموت ستملأ الوادي سنابل (محمود درويش) أخلصت الكاتبة في سرد أحداث واقعية تمكنت منها بالاطلاع وبامتلاك مفردات الثقافة وعناصر الحياة اليومية رفدت السرد بروافد كانت تجري دون تصلب وبانسجام وسهولة مطوعة المادة التاريخية من الذاكرة الشفوية في عرض تجارب وأحلام وهموم شعب، مكونة حبكة سردية نقية في قالب زماني ومكاني يُعلي من شأن حدث ويهمش آخر، تبرز بعض الشخصيات وتتعمق في طبقات وعيها وتسطح أخرى، فكانت وردة التي رأت القمح مر في حقول الآخرين والماء مالح (محمود درويش) فتسللت عائدة إلى قريتها أبو غوش، وعليّ الذي امتلأ بالتشتت والتضارب، فكان أبطال الرواية يحكون أنفسهم بلهجتهم المحلية، ومع أن الكاتبة كتبت بلغة عربية فصحى تارة وباللهجة المحكاة تارة أخرى إلا أنني كقارئة فلسطينية كنت أقرأ حتى الفصحى باللهجة الفلسطينية المحكاة فأغلب الفصحى تبدو شاذة في سياق النص، هذا الأمر قد لا يتيسر لغير الفلسطيني فتبدو له الجمل مخلخلة ضعيفة غير مترابطة بعيدة عن مرماها، كما كلمة «يهود» التي كانت تكتبها في بداية الرواية دون ال التعريف، ص(27،40،43،44)، فبدت الجمل مشوهة، هذا بالإضافة إلى جملة كبيرة من المفردات الخاصة بالبيئة الفلسطينية. أبرزت الرواية كثيراً من العادات والتقاليد التي كانت سائدة في تلك الحقبة من الزمن لقرى متاخمة للقدس (أبو غوش، صوبا، لفتا)، وقدمت شريطاً لا بأس به من الأهازيج والأغاني والأمثال الشعبية. وُفّقت الكاتبة في اختيار عناوين الفصول فكانت عتبات مريحة للدخول إلى السرد الروائي. في النهاية من الجميل أن تكتب المرأة الرواية الواقعية والتاريخية، فمن المؤكد أن للمرأة رؤية تختلف عن رؤية الرجل، وربما لديها حلول ومقترحات مختلفة رغم انغماسها بذات الهم، وما قد يخطر على بال المرأة قد لا يخطر على بال الرجل، فللحرب آثار نفسية واجتماعية تترك لها حزناً خاصاً بها، وتترك أثراً في حياتها وتفكيرها، حيث تسبر المرأة أغوار الذات بشكل مغاير عن الرجل.
وفي نهاية اللقاء تحدثت الروائية نزهة أبو غوش قائلة: أنا سعيدة بهذا اللقاء وبوجودي بينكم، سأتحدث عن بداية ممارستي الكتابة التي كانت في عام 1980، فأسرتي كانت تسميني المتعلمة، وهذا أعطاني ثقة بنفسي أكثر، فقد كنت أكتب الرسائل التي يمليها على أبي ليرسلها لعمي في الأردن، بعدها أخذت في النشر في الجرائد والمجلات المحلية، وكنت ألاقي التشجيع والترحاب من أهلي وزوجي، وهذا ما جعلني أستمر في الكتابة، لكن أتذكر طرفة حدثت معي عندما مرضت، وكنت أخاف من الذهاب إلى الطبيب، وقد جهدت أمي في إقناعي بالذهاب لكني كنت مصرة على الرفض، لكنني اقترحت عليها أن أكتب للطبيب رسالة عن مواضع الألم ومكانه، وفعلاً تم كتابة رسالة للطبيب الذي تفاجأ باللغة وبالأسلوب الأدبي وأصر على الحضور ليقابلني، وحضر إلى منزلنا وشجعني على الاستمرار بالكتابة.
بالنسبة للرواية، هي نتاج ما كنت أسمعه من أمي وأبي عن الهجرة، فقد كنت أدون ما يقولانه على شريط كاست، لكن بعد وافتهما وجدت نفسي ملزمة بكتابة وتثبيت تلك الأحداث في عمل أدبي، أطلع عليها أحد الأصدقاء وأبدى بعض الملاحظات وشجعني على نشرها كرواية، وكانت رواية خريف يطاول الشمس، فالرواية هي شهادات حية واقعية، وبما أنني كنت أستمع لأمي التي تروي عن نساء القرى التي هُجّرت، فجاءت أغلب الشخصيات أيضاً نسائية، وما جعل تلك الشخصيات حاضرة في وجداني هو أنني كلما كان يرويها أو يسمعها أبي يبكي بمرارة، وهذا جعلني أهتم بتلك الأحاديث أكثر، ففي البداية لم أفكر في كتابة رواية، بل شيء أدبي يثبت أحداث الهجرة، وكما أن قسوة ووحشية الاحتلال جعلت إخراج الرواية إلى الحياة إلى القُرّاء مسألة ضرورية.
وقد حضر اللقاء أهل وأخوات الكاتبة.
وفي نهاية اللقاء تم تحديد الجلسة القادمة يوم السبت الموافق 4/1/2020 لمناقشة كتاب «اقتفاء أثر الفراشة» للكاتب الفلسطيني «نبيل طنوس».



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبود الجابري والومضة
- جهاد عواملة -هي أنت-
- قصيدة -سِرُ الشِفاءِ من الحنين-- كميل أبو حنيش
- رواية -زمن الخراب- لمحمود شاهين 3
- محمد علوش ديوان هتافات حنجرة حالمة
- رواية زمن الخراب 2 لمحمود شاهين الملف الثاني
- رواية زمن الخراب لمحمود شاهين الملف الأول
- إبراهيم نوفل قصيدة مطر
- الأحواز أرض عربية سليبة إبراهيم خلف العبيدي
- مناقشة كتاب امرأتان في دار الفاروق
- قراءة في قصيدة مازن دويكات -سلام عليك.. على أرضنا-
- الومضة السوداء عند سمير التميمي
- رضوان قاسم -نأي على وجع الفراق-
- التجميل في مجموعة -حارة الياسمينة- طلعت شناعة
- أدب الحرب في -ذاكرة الغد- شهادات ورؤى وتجارب
- الشاعر والمكان سامح أبو هنود
- علاقة الكاتب ببطله جربت أن أموت جمعة الفاخري
- مناقشة ديوان على بعد عمرين للشاعر عمار دويكات في دار الفاروق
- مجموعة فتيان الحجارة سعادة أبو عراق
- حسين جبارة -موج أنا- وعالم البحر


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مناقشة رواية خريف يطاول الشمس