أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - كوپه-ديناري














المزيد.....

كوپه-ديناري


هاشم مطر

الحوار المتمدن-العدد: 6443 - 2019 / 12 / 21 - 06:02
المحور: الادب والفن
    


تريثْ؛ قلتُ تريثْ يا ولدي، سألدُكَ من جديد، لا تطرقْ جدارَ الرحمِ برجليكَ، فما زلت صغيراً حتى أولدك، فلا تظن أنني أخافُ على نفسي من وجعٍ، لكنَّ فؤادي يوجعني لأجلِ قدميك، فهما ما زالتا صغيرتين على طرق الجدرانِ ومكابدةِ الآلامِ والسعي لحقوقِ الأيتام. وكما تعرفني من قبل حين ولدتك معافى، فانا اعتني بك وبأخوتكَ كما كل الأشياءِ المحبوبة لوحام الأم لتخرج منتبهاً لضيم الأزمانِ وهوانِ القدرِ المعقوفِ كلدغةِ عقرب. لكنك لم تولدْ بوحمةٍ يا ابني، بل كنتَ مشاكساً فنقشتُ على صدرك رسمَ (الديناري)* تيمناً بالحظِّ ودرئاً لمكروهٍ يترقبُ أو ألماً يتأصَّلُ، فلا تتعجلْ فما زال دمُكَ في سَنَكِ الساحةِ سَنَكاً*، ورقةً صعبةً، اعرفُ ذلك، حصلَ ذلك بالأمس ِفقط أمامَ المرأبِ، قبل الجسر، أم أراك تفقدُ وعيَكَ مرة أخرى أو تنسى أو بالأحرى تتناسى أين سقطتَ، فالساحاتُ كثيرةٌ يا ولدي.
حسناً سأروي لكَ كيفَ حصلَ.

خرجتَ مساءً تتسلى بأهازيجِ النصرِ وتنتظرُ بزوغَ الفجرِ كما في كلِّ الأيامِ المليحةِ، في وقت ما زلتُ ادعكُ الحناءَ على ظاهرِ يديّ، قلقاً أو خوفاً من خبرٍ طائر، هكذا تقولُ القصةُ: الشغبُ شاغلناهُ والشعبُ شعاباً وصلوا الساحةَ، قلت عنها آخر مرة: جموعٌ غفيرةٌ ليستْ غفورةً هذه المرة، وما زلتَ في عنادٍ نافرٍ، فخيطُ البياضِ هذه الأيام ليس كعادتهِ لم يشقْ حاجبيّ السواد المعقودين بدلال الأمِّ، يحجبهُ الدخانُ ويأفلُ كلما حاولَ، ظننتُهُ معاقاً، وانا ألوبُ وأنتَ تضحكُ، تسرقُ من السحر لحظاتهِ وتشاغلُ بهرتَها كسباً للوقتِ، لتجلبَ لأخوتِكَ رغيفَ الخبزِ الحارِ مع الفجرِ من مخبزِ جارِنا برأس الشارعِ، "فرنُ الأحباب".

مازلنا أحباباً يا ولدي، بل طوفةً على طوفة1، أو كنا كذلك أيام الندرة، بناها أبوك المقعد الآن أمامي بتفجير إرهابي في الصدرية لأنه يبيع الخضرة هناك! والآن وبأمر من دائرة الأمن وحتى شيخ الجامع: الطوفة مع الجيران عمل مخل بالأخلاق، فلا بد أن تعلو بأكثر من مترين، ومازال جارنا، صاحبَ الفرن، ينتظرك كما في كل صباح، ولا يسألك ثمناً، أطالَ اللهُ بعمرهِ، إنهُ فاعلُ خيرٍ، برغمِ قائمةِ الديونِ المتراكمةِ، بعض منها نقداً يسجلُها خجلاً كعددٍ إضافيٍ لأقراصِ الخبز، بل يسقطُها من قائمتهِ، هذا رجلٌ أخافُ عليه كذلك من بطش (العلّاس)2. حينها عدتَ محمولاً على كتفِ رفيقكَ، لا أتذكر اسمه، فالأسماءُ تتشابهُ بعد الموتِ فلا فرق إنْ كنتَ ولدتَ من رحمي أو من رحم جارتنا التي تحصي أعقابَ السجائر، تفلها وتلفها وتفتلها كحبل القنب، صَنْعَتَها، لتكون وجبتها الوحيدة ليوم تالي، وهي بانتظار سكونِ الرصاصِ، لكنّه لم يخمدْ فخمدَ حبيبها جثة.
عاد صديقُكَ قبلَكَ يحمل عقب سيجارتها طلقةً خلف أذنه بدلاً من عقبِ سيجارةٍ تُشعله وتهدّأ صدرَها. لا بأس، إنها لن تدخنَ بعد اليوم، فالتدخين مضر بالصحةِ حسب "منظمة الصحة العالمية" المنشور ضمن مواصفات الإنسان المعافى من أمراض العصر، وكما تعلم نحن نتابع نشرات العالم وهو مشغول عنا، لا بأس نسامحه حبيبي فهذا العالم يقظ لحماية مصالحه، لكنَّ القائمةَ طويلة ونحن في الذيل كما تعرف، فلا يصلنا شرفُ التفاتته لحاجتنا حتى بعد فوات أوانه، قطعاً بالمرة لا!، فما لجتك هذه إذن لتولد سريعاً يا ابني؟ ها أنك عدت ببضعة أقراصٍ من خبزٍ مرشوشٍ بالدم! نمْ وارتحْ قليلاً. أراك عجولاً يا ولدي!

لالا يا حبيبي لا أوبخكَ، بل أعينكَ على قسطِ الراحةِ، فجارتُنا ولدتْ هذا اليوم فوضَعْنا بصدر المولودِ دعاءً مزموماً على نحو (كوپه)* علامتهُ القلب بدل الديناري أقوى الأوراق نملكها فلا نستخدمها، فنحن لا تستهوينا القوة، نحب الكوبه فلونها أحمر كالديناري، كذلك قلبها مضطربٌ كما قلبُ العاشقِ، حتى أنت تحبُّها فلن ترفسَني في موضعِ قلبي وأنتَ ببطني وهذه علامةُ أنك ابن أبيك ومن ظهره حملتك وفديتُ وريديكَ نهرينِ صغيرينِ لنهرين كبيرين، آه كم يشغلك حبُّهما، حتى من دون أن تعرفَ منبعيهما وأين يصبان!. هل تذكر حينما فاجأكَ المعلمُ وسألكَ عنهما في يومٍ قائظٍ، وهما شحيحان، صادَرَهُما الجيرانُ، فقلتَ أنهما ينبعان من العالم ويصبان في وطني! تلك هي الكوپة يا ولدي أنْ تعشقَ وتغامرَ برسمتها فهي حدود العالم ومآل النهرين وقلبيهما.
تمهلْ؛ فولادتُك ستأتي مع عددِ أوراق الكوپه الساقطةِ على أديمِ الأرضِ، ولكثرتها ستسيحُ وتتحولُ الى رسم الديناري رمزاً للنصرِ، فالنصرُ شبيهُ الشبانِ المولودينَ من دونِ قماطٍ مثلكَ، وسأولدكَ حتماً لتحضرَ مراسيم العرس، وسأقبلُكَ أينما يشتدُّ النبضُ بموضعِ وحمتِكَ الديناري، والكوبة يبقى رسماً منقوشاً في صدرِكَ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) من رموز اوراق اللعب
(1) : الطوفة: الجدار الحاجز بين مكانين، اصلها من (الطّوف، طافة) عربية.
(2) : العلاس: استحداث عراقي دارج كنعت للغدر



#هاشم_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حبيبا الساحةِ
- -قافل-
- -شو بدي بالبلاد الله يخلي لأولاد-
- لنْ نخذلكَ في الخامسِ والعشرين
- سنغنيكَ لأنك غيرتَ العالمَ! حبيبي...
- وشمٌ على خصرِكَ أيلول - الى وليد وإبراهيم وكلِّهم
- هوية / سبع دقائق قبل الموت
- بطنها المأوى / دنى غالي: التركيب الخاص والسلوك الظاهر
- عادل مراد/ موقف انساني باسل «شيء يشبه الحكايات»
- عبد الحليم المدني، سيرة في سيرة السيد عبد الكريم المدني
- تحولات أسئلة النص في رواية -عشاق وفونوغراف وأزمنة- للكاتبة ل ...
- القلادة: حداثة النص بين الإسقاط والتناص والتأويل
- جنان جاسم حلاوي وغابة النخيل الإنسانية
- غروب الوليد - الى وليد جمعة
- سودوكي (رحيل صباح المرعي)
- الزمان والسرد في النظام القصصي لشاكر الأنباري في روايته أنا ...
- الخيال: التقديم والنهايات - دراسة نقدية في أدب برهان شاوي من ...
- المدني في رحلته الأثيرية الى نبتون
- فاطمة الفلاحي: الصورة ومنجم الضوء ورحلة الألم وحداثة النص
- محاولة في فك لوازم العشق


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم مطر - كوپه-ديناري