أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذياب فهد الطائي - الطريق الى أمستردام /رواية -الفصل الرابع عشر















المزيد.....


الطريق الى أمستردام /رواية -الفصل الرابع عشر


ذياب فهد الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 6443 - 2019 / 12 / 20 - 01:27
المحور: الادب والفن
    


على جانبي الطريق الى (لاهاي )كانت مساحات خضراء تسترخي فيها أبقار مترفة ،واحيانا نمر بحقول للزهور على شكل مستطيلات كل بلون تمنحني بهجة وشعورا مفعما بالراحة ،كنا مأخوذين بمستطيلات الزهور، ازرق، أحمر وأصفر كل مستطيل بعرض 50 مترا وبطول ربما اكثر من ثلاثمئة متر، كنت استنشق الهواء الرطب الذي يعبر الحقول الى الشارع ،
قالت صفية –سنعيش هنا!
تحاول أن تتأكد ، كان صوتها عميقا و بدا إنها تتحدث الى نفسها ،غامت عيناها فأغمضتهما لتحتفظ بالحلم الذي يملأ كيانها بالطمأنينة ،أمسكت بيدها فتطلعت إليّ كمن يستفيق من إغفائة خفيفة وابتسمت .
حين دخلنا مدينة لاهاي بدت لي كأنها قد استنسخت شوارعها ومبانيها من نسخة أصلية قبل الحرب العالمية الاولى ووزعتها على أحياءها المختلفة، شعرت إني ربما أتيه إذا ما خرجت يوما للتسوق وإن علي أن أرقّم مساري لأضمن عدم فقداني طريق العودة ،تعطي المدن التي ندخلها لأول مرة انطباعا مشوشا وغائما حتى نتعرف عليها عن كثب .
توقف السائق الذي لم يتكلم طوال الطريق عند باب عمارة من ثلاثة طوابق، كان الباب الحديدي مقفلا ،ترجل وقام بالقاء نظرة الى المدخل علّه يجد شخصا يسأله عن ممثل الشركة ، عاد ليقول انه سيتصل هاتفيا بالشركة المالكة للبناية، رد علية صوت نسائي بتثاقل .... المندوبة غادرت منذ عشر دقائق انتظروها،
قال السائق – هل ترغبان بشرب شيء
طوال الطريق الى لاهاي لم يبادلنا أي حديث عدا (الجو جميل هذا النهار ...غدا ستمطر )....الأجمل انه لم يدخن ، جاءت المندوبة تحمل ملفا بلاستيكيا فيه بضع أوراق باللغة الهولندية
-ستستلمان الشقة المخصصة لكما باسم عائلة النجار
تقدمتنا الى المصعد الصغير ، لم يكن أحد في الممرات ولم نشاهد اي من السكان يتطلع نحونا من وراء الستائر ، صمت شامل عدا وقع اقدامنا على الممر المرصوف بالكاشي المزجج بلون تركوازي ،كان الممر نظيفا ولامعا، ربما تم رصفه حديثا ،
كانت الشقة مطلية باللون الابيض والابواب الخشبية بلون بيج لامع ،صاله واسعة فيها طقم كنبات بني والستائر بلون بني فاتح ،في الواجهة جهاز تلفاز صغير موضوع على طاولة خشبية مسدل عليها شرشفا أبيض ، غرفة النوم كانت تضم سريرا حديديا لشخصين عليه فراش تفوح منه رائحة خفيفة تنتشر في جو الغرفة ، على غطاء السرير بجعة سوداء على خلفية وردية ،كانت البجعة تحتل مساحة كبيرة من الغطاء ولم أجد من المناسب أن تكون بهذا الحجم كما إن الخلفية الوردية غير موفقة في نظري ، والى اليمين خزانة خشبية مدفونة في الحائط للحفاظ على مساحة الغرفة ،مطبخ مؤثث بشكل كاف ، غرفة صغيرة يمكن استخدامها مكتبا أو لاستقبال ضيف طارئ.
-ارجوان توقع على الإيصال
قرع جرس الباب ، كان رجلا يرتدي طقما كحلي طويل القامة نحيلها على وجهه ابتسامة ودودة ، رحّب بنا في بيتنا الجديد وقال انه من البلدية
-لن اشغلكم فانتم متعبون ، أنتم في مدينة آمنه وفي دولة آمنة ايضا ،غدا أرجو أن تحضرا في العاشرة صباحا الى البلدية على هذا العنوان، المترو على بعد عدة أمتار ، هناك بعض التعليمات والاجراءات لتمارسا حياتكما المعتادة في دنهاخ .
كان أبو علي قد اعلمني إن الاسم المتداول للاهاي هو دنهاخ ، فلم اتفاجأ
غادرنا الرجل وموظفة شركة السكن ، كانت الثلاجة فارغة
قالت صفية انها بحاجة الى الشاي ، قلت لها وأنا أشعر بالجوع ،سأبحث عن بقالة قريبة .
هدوء شامل يرين على البناية وفي طريقي الى الشارع لم التق بأحد ،على الناصية كان صبي ربما هرب من مدرسته ،سألته عن بقالة باللغة الانكليزية نظر نحوي بحيرة ثم مط شفتيه ،قلت له سوبر ماركت ، إبتسم واشار بيده الى نهاية الشارع وان انحرف يمينا (ديرتخ ميترز ) رددت في سري ثلاثون مترا،
حين عدت محملا بمواد تموينية كانت صفية تغفو، خصلات شعرها الأسود تغطي وجهها فيما كان تردد انفاسها منتظما ،لم تتغطى بالشرشف وهي تتقرفص في نومتها العميقة ، ولكن غلالة من السحر كانت ترف فوقها على نحو آسر ، كائن بالغ الجمال والعذوبة ، شعرت إنها قريبة جدا مني ،
في اليوم التالي أخذنا الترام الى مبنى البلدية ،كانت غرفة السيد جونس فان دايك في آخر ممر تنعكس الاضاءة على أرضيتها اللامعة وتبدو جدرانها صقيلة بلونها الرصاصي الفاتح،
حين طرقنا الباب طلب شخص ما أن ندخل ، كان في الغرفة ثلاثة موظفين، امرأتان والسيد جونس ،حين صافحنا وهو يبتسم انتشرت رائحة عطر اولد سبايس ، كنت مولعا به أيام الدراسة الجامعية ميزته بسهولة .
كان يتحدث بإنكليزية سلسة
-عليكما ان تفتحا حسابا في أحد البنوك في المنطقة يمكن أن يكون مشتركا أو منفردا وترسلاه بالبريد الالكتروني لي لتحويل مبلغ المساعدة الشهرية كما عليكما ان تراجعا المدرسة لتنظيم التحاقكما بدورة اللغة الهولندية ، أود أن أشير الى إن الاحاطة باللغة ستساعدكما على إنجاز أعمالكما والتعرف على المجتمع الهولندي ولكن أهم من كل ذلك إنكما لن تحصلا على الجنسية الهولندية دون معرفة لغتها
لحظت إن صفية هزتها مشاعر فرح بدت في إشراقة على وجهها ،شعرت اننا يمكن أن نصبح جزءا من هذا المجتمع.
كانت المدرسة على بعد نصف ساعة مشيا ولهذا وجدنا انه لابد من شراء دراجتين مستعملتين ،قالت زميلتنا في الصف وهي من الأحواز في إيران إنها تستطيع مساعدتنا ،و إن علينا أن نحرص على شراء قفل يصعب كسره
-سرقة الدراجات بركة
قالت ذلك ضاحكة
كانت سميرة تتكلم العربية ولكن بلهجة اقرب الى ابناء الخليج العربي مع تغيير بعض مخارج الحروف أو قلبها ، تمشي باسترخاء ، داخل الصف وحين تخلع الجاكيت تفتح قميصها لتترك لنهديها حرية أكبر في الحركة والتعرض للهواء ،ورغم إنها جديدة في المدرسة الا إن لغتها الهولندية كانت الأفضل بين طلاب صفنا العشرين ،تعلمت اللغة في المخيم الذي قضت فية حوالي السنتين وكانت تعمل في المطبخ ،بسبب حرية نهديها تشاجرت مع زوجها فانفصلا، ذهب هو ليسكن في الجنوب وجاءت هي الى لاهاي ،
كنت أستعمل الدراجة في كركوك حين أذهب للمدرسة ، والعودة اليها سهلة تحتاج ربما الى مران ساعة واحدة ، أما صفية فهي لم تركب الدراجة يوما، كان ركوب الدراجة امرا معيبا للفتاة ،وأقل ما يحمله الشباب من انطباع عن راكبة الدراجة إنها مستهترة !
بعد ثلاثة ايام من التدريب المسائي في منطقة زراعية قريبة ، قمنا بأول (رحلة ) الى المدرسة وحين ركنا الدراجتين في الموقف المخصص
قالت صفية-اشعر بالحرج فقد كان الجميع يتطلع نحوي
قلت مداعبا-كانت الفتيات ينظرن الي بإعجاب فانا راكب ماهر ،ولا اعتقد ان أحدا كان يتطلع نحوك
ضربتني على كتفي
اللغة الهولندية صعبة ، ولكن كنا حريصين أن نتعلمها ولهذا اشترينا برنامجا مسجلا وبدأنا نتعاون في الحديث ،كان مقترح صفية ان نتحدث بالهولندية في البيت وأن نتعرف على أسماء الحاجيات المنزلية ونتابع بعض المسلسلات الهولندية على التلفاز .
قالت المعلمة مركريتا الطويلة –الثنائي العراقي من أفضل طلابي
كانت مركريتا هي من اعلمتنا إن عائلتها كانت تلقبها بالطويلة وهي صبية، فقد كانت اطول العائلة الذين هم طوال القامة كما هو الحال مع الهولنديين بشكل عام ، ولم تكن تكتفي بتعليمنا اللغة ،كانت تتطرق الى العادات الاجتماعية وقواعد السلوك ....حين تتحدث مع احد انظر في عينيه ...حين تصادف اثنين يتحدثان وانت تمر من جانبهم ...لا تسلم عليهم ...واذا سلمت ولم يرد عليك أحد لا تأخذ هذا الموقف أنه موجه ضدك .
كنا عشرين طالبا سبعة من العراق وخمسة من افغانستان واربعة من كوبا وأربعة من ايران ،كان الجميع ينصتون باهتمام وفي الفرصة نتجمع للحديث بمواضيع مختلفة ، كالعادة نشأت علاقات بين بعضهم البعض وكانت الكوبيات الاربع اسرع الجميع في توطيد تلك العلاقات، ولكن في الجانب الاخر كان الجميع منسجمون تسود بينهم علاقات ود متبادلة،
في النصف الثاني من السنة قدم الى الصف طالب من بلغراد ،كان ممتلئا يحمل وجهه تجهما ربما مزروعا فيه منذ فترة المراهقة ،لم يتحدث مع أحد تحتل عيناه مساحة ملفتة للنظرفي وجههه المكتنز، فيهما انطباعا بالترفع وشيء من العدوانية ، شعره مفروق من الوسط يلمع بسبب كمية( الجيل ) التي وضعها فيه ،حتى اني فكرت ان ساعة في شمس بغداد ستجعل الدهن يسيح حتى الركبتين !
قالت سميرة –ربما كان في مخابرات الحكومة ، في المعارضة قد تجد شخصا محتالا ولكن لن تجد مترفعا أو عدوانيا بالمجان،ورجال الأمن كلهم ابناء عواهر
كانت تتحدث بمرارة من تعرض لموقف بالغ الصعوبة في مركز أمني ،ربما شيء ابعد من الضرب.
قالت صفية –رغم نشاز التوصيف فإن الملاحظ انها قالته بعفوية وكأنها تختزن كما من الكراهية لرجال الامن
قالت سميرة- أنا اعرفهم ، كان شقيق طليقي في المخابرات ، ورغم إنه ترك العمل وأعلن توبته مما اقترفه ،إلا أن خمس عشر سنة في الخدمة لن تجعل منه إنسانا سويا حتى لو رغب في ذلك .
كان اليوعسلافي يرد على فتاة كوبية كانت تحاول المجاملة بالقول إن عليه أن ينتظم بالدراسة – أنا أوربي ، لست مثلكم
كانت رائحة نبيذ رخيصة تنتشر من فمه وهو يتحدث فيما تطرف عيناه الغائمتان بلونهما الأزرق بنظره لامبالية أقرب الى الإستهانة بمن يتحدث معه,
لم ترد عليه وقد بدا إنها صدمت بالجواب ،جمعت كتبها وغادرت الصف، قالت صفية-ربما هو فعلا من رجال أمن بلغراد وهذا السلوك المتغطرس والهمجي من بقايا سلوكه السابق وتعامله مع المعتقلين
-حسنا ..من الواضح إنك تعلمت بعمق الجوانب النفسية لتاثير العمل على السلوك
نظرت نحوي بعتاب
- كنت أمزح ...صدقي انك فاجأتيني
قالت صفية - كان جارنا شاب في الثلاثينات وهو عضو شعبة في حزب البعث وضابط في المخابرات ويتصرف بالكثير من الوقاحة مع من يتصل به لسبب أو آخر.كان ضيق الافق اقرب الى البلادة الفكرية ولكنه يعرف كيف يوجه إهانة مباشرة تتسم بالفضاضة ....ربما اكتسب هذه المعرفة من تكرارها في دائرته مع المتهمين .
حين انقطع اليوغسلافي عن المدرسة ظل موضع تندر الطلاب ،فعندما يحاول أحدهم أن يسخر من آخر يقول له ...يعني أنت من يوغسلافيا !!!.
حين نتجول في أمستردام اشعر ان المدينة تقف على اكثر من ركيزة ثقافية، التشكيليون العظام ،المفكرون ، الشعراء ، الروائيون ،وانها تمتلك إرثا إنسانيا بحيث كانت واحدة من المدن التي لجأ اليها المضطهدون فكريا في أوربا، القنوات المائية والجسور تمثل نتاجا لهذه الثقافة التي مثلت نجاح التحدي الذي انعكس على قدرة مهندسيها على قهر بحر الشمال ،
انهينا المستوى الثالث في اللغة وكنت وصفية قد اجتزنا الامتحان بدرجة كاملة وأصبح لدينا القدرة على التحدث في الشارع أو في الملتقيات التي عادة ما تحصل في الجمعيات ، كنا مصرين ان نتمكن من اللغة الهولندية ، فقد قررنا أن نواصل دراستنا ، قام السيد جونس فان دايك بمساعدتنا في إرسال شهاداتنا لمعادلتها
مرت ثلاثة اشهر قبل أن نستلم الرد الذي تضمن الاعتراف بالشهادتين بدرجة أدني، من أجل الحصول على البكالوريوس لا بد من البدء في الصف الثالث ، بمعنى فقدان سنتين دراسيتين،
وافقت الجامعة على ان نباشر الدوام في شهر سبتمبر بعد ان اجتزنا امتحانا باللغة الهولندية ،
العودة الى الدراسة بعثت فينا روحا جديدة ربما أكثر حيوية وشبابا ،تصرفاتنا عادت لمرحلة سابقة .... نحن طلاب جامعيون !، لم تواجهنا صعوبات في إستيعاب مواد الدراسة بسبب إنا درسنا الأسس العامة التي تمثل أرضية للمواد المقررة وكذلك لأن كلينا مارس موضوع الدراسة سنوات طويلة ،كان ا سلوب الدراسة هو المختلف ،في النهاية أصبحنا نحمل شهادة جامعية .
اثناء فترة الدراسة إنقطعنا عن التواصل مع الاخرين ،كنت اذاكر في الغرفة الصغيرة التي حولتها الى مكتب يزدحم بالكتب والمجلات القانونية وبملاحظات كنت أسجلها وأنا أحضر بعضا من جلسات المحاكم الهولندية، على الجدار الى يساري كانت صورة كبيره باطار خشبي أسود عن لوحة (أصفر أحمر أزرق ) لكاندنسكي ،كانت تترك انطباعا بقوة التجريد في الرسم حين يتلاعب بالالوان في تناغم هرموني ،أمامي كان شباكا على مساجة الجدار ، وعلى المنضدة جهاز كومبيوتر أستمع منه الى سوناتات شوبان الحالمة والتي كانت تسمح لي بالتفكير العميق في ربط التناقضات في تفاصيل الدعاوى التي ادرسها .
كان يستهويني محام من أصول هندية ،طريقة عرضه للموضوع وقدرته على استنباط توجهات غير مسبوقة من تفسيره المدهش لمواد القانون ، وقد تعلمت منه الكثير .
كانت صفية تذاكر في غرفة المعيشة ،حولت منضدة الطعام الى مكتب، استعمالها لمفردات اللغة في دراستها ،أقل مما يواجهني من شروحات المحامين وتوجيهات القضاة ودفوع المتهمين وعرض الشهود لمعطيات شهادتهم،
كانت مولعة بثلاث مغنين هم ناظم الغزالي وحسين نعمة ومائدة نزهت،وحين تبدأ الاستماع الى أي منهم تغلق باب الغرفة وتخفض درجة الصوت ،كانت اكثر مني انشدادا الى العراق ،وكان هذا الاختلاف بيننا نتجاوزه بهدوء فهو في الدرجة وهوليس قطيعة بين متناقضين ،كانت تضحك بصفاء حين أقول لها ذلك وترد-اعرف انك ستجد تخريجا قانونيا
التحقت صفية مكتب محاسبة قانوني في وسط لاهاي والتحقت بمكتب المحامي الهندي ،حين قابلته لأعرض عليه التمرين في مكتبه ،قال –حسنا ماذا تعرف عمليا عن الاجراءات القانونية في المحاكم الهولندية،
بعد مناقشات استمرت نصف ساعة قال-أنا سعيد بأن تعمل في مكتبي
كانت هناك فتاة من سيرينام من أصول هندية تكشف جزءا من بطنها وتضع في منتصف الجبهه نقطة بنية تتحدث بهدوء وبنبرة عميقة وكأنها تفترض إن من تحدثه بطيء في إستيعاب كلامها ،كانت تعمل سكرتيرة للمحامي وموضع أسراره ،وهناك شاب من تشيلي هو الاخر تحت التمرين ولكنه يحضر ثلاثة أيام في الإسبوع ،كان صامتا لايبادر بأي حديث ولكنه يجيب عما قد يوجه اليه،
كنت أحضر مع المحامي الى جلسات المحاكم التي لديه فيها دعاوى ، اهيئ ملف الدعوى واكتب ملاحظاتي ،كان يبدي إعجابه ببعضها ويصحح لي البعض الاخر.
تكونت لدي افكار عن الاجراءات القضائية واسلوب القضاة الهولنديين فقررت أن اكتب دراسة مقارنة بين ما يجري في العراق وما يجري في هولندا ،بعد اكثر من شهر في الكتابة والتدقيق قررت ان ابعثها الى المجلة القانونية (الحرية والقانون ) وهي مجلة يسارية في توجهاتها العامة.بعد اسوعين وجدت المقال منشورا مع ملاحظة من هيئة التحرير بان أحاول الاتصال بهم ،
حين دخلت إدارة المجلة ،كان الوقت مساء ،وراء مكتب عريض إمراة على مشارف الاربعين لم تكن تضع اية مساحيق للمكياج ولهذا بدا وجهها باهتا ، في فمها سيكارة مما يصنعه المدخنون الهولنديون،على المنضدة مجموعات من أعداد المجلة السابقة وكراسات وكتب في القانون ،على الجدار خلفها قصاصات عليها ملاحظات متنوعة مثبتة بدبابيس على لوح خشبي على امتداد الحائط ،على الجانبين خزانات زجاجية فيها كتب متنوعة وقد استرعى انتباهي وجود المجموعات الكاملة لدستويفسكي وكافكا وهوارد فاست ،ثلاث دول ليس منها هولندا.
-ميشيلا
-عمر النجار
-تفضل بالجلوس
سحبت نفسا عميقا من سيكارتها ,اطفأتها
-عادة مضرة ولكنها متحكمة ،كان لابد ان أدخن خارج المكتب،على أية حال ..يسرني ان التقي بك
-شكرا
كنت أفكر بصفية فقد تركتها وحيدة ، اشعر بشيء من الحرج حين أخرج وحيدا ،قد يصل الى الشعور بالذنب اذا ما تأخرت لسبب أو آخر
-كان مقالك مدهشا فهو ينم عن ثقافة عالية ودقة محايدة في عرض المقارنات،هل تفكر بالاستمرار بالكتابة؟
-إذا وجدت الفرصة ....نعم
قالت بارتياح
-حسنا ...نحن بحاجة الى مشرف على باب (من القضاء) ،فإذا قررت الموافقة على تولي هذه المهمة فستكون محررا ، ولكن انتبه نحن لا ندفع الكثير، سيكون التعويض الشهري مئة (خلدن )
-يسرني أن أتعاون معكم ...ما يهمني هو العمل في المجلة أما الذي تسميه تعويضا فهو مسألة ثانوية ...نعم ساتولى المهمة
انفرجت أساريرها الجادة وقامت تفتح باب براد عمودي لتخرج قنينة نبيذ، كانت الزجاجة مضببة ، سكبت في قدحين كانا على رف زجاجي الى جانبها ،
-سنحتفل ببساطة بانضمامك الى مجلتنا
شربت قليلا من النبيذ الاحمر ،كان لذيذا حاد المذاق، قالت انه نبيذ جزائري وهي تفضلة حد الادمان وقد تعودت علية حين كانت مراسلة لاكثر من صحيفة هولندية في الجزائر ،كنت معجبة بالنضال الجزائري والقدرة على التضحية
انتضمت علاقتي بالمجلة وبميشيلا التي وجدت فيها انسانة صادقة وعمليه ومباشرة في طروحاتها ، بعض الناس لا يمكن أ ن تكتشفهم إلا اذا عاشرتهم أو تعاملت معهم .
حين استلمت كتابا من البلدية باجراء مقابلة للحصول على الجنسية الهولندية،
قالت صفيه وهي تبدي ارتياحا عميقا – يمكنني القول ان متاعبنا قد انتهت فعلا، ويمكننا ان نسافر عبر العالم
كان اللقاء حسب ما توقعت ،تحدث موظف البلدية المكلف بتقييم سيطرتنا على اللغة الهولندية عن العمل وعن نشاطاتنا ، وحين أخبرته أني احرر في مجلة القانون والحرية ، لم يعلق ، انهى المقابلة وهو يهنئنا وأعتذر لأنه أخذ من وقتنا
قالت مشيلا -سنحتفل في بيتي ، أنت والمدام وكل العاملين في المجلة
مساء جائنا زميلنا البرتو ، قال –ميشيلا انسانة رائعة
كان بيتها في شارع فرعي ، حديقة أمامية سياجها من نبات الياس الكثيف بعرض حوالي المتر وبارتفاع 150 سنتمترا تمت العناية بقصه على مستوى واحد ، عند المدخل تحول النبات الى باب معقود فوقه قوسا ثبّت النبات فيه على أقواس من الشيش الرفيع ،على الجانبين أصص لورود بالوان زاهية وفي الوسط نافورة صغيرة كان رشاش الماء الصامت يندفع رذاذه الى مسافة قصيرة ، الباب الخشبي بظلفتين لا تخطئ العين تشخيص الملامح الشرقية في زخرفته ،المدخل العريض في جانبه الأيسر حمالة للتخفيف من الملابس وعلى الأيمن لوحة كبيرة لمجموعة خيول عربية ، القاعة الواسعة كانت معدة للاحتفال، الى الحائط منضدة عليها قناني مشروبات متنوعة والى جانبها منضدة ثانية عليها صحون كبيرة صفت فوقها شطائر بالجبنة واللحم والخضار ،
كانت ميشيلا ترتدي فستانا طويلا باكمام عريضة مزدانا بقطع كرستال ملون، كانت امرأة أخرى بطلّة مشرقة ، شعرها المصبوغ حديثا يتدلى على كتفيها ، ولاول مرة أراها بمكياج انثوي متكامل .
همست صفية –بدأت أغار ،كنت تصفها غير ما أراه
-وأنا أراها غير ما كنت أراها ، ولكني أذهب ابعد قليلا ، نحن الان مواطنان هولنديان، يمكن أن أنظر الى المستقبل...



#ذياب_فهد_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق الى أمستردام / رواية -الفصل الثالث عشر
- الطريق الى امستردام / رواية - الفصل الثاني عشر
- الطريق الى أمستردام /رواية - الفصل الحادي عشر
- الطريق الى امستردام/رواية -الفصل العاشر
- الطريق الى امستردام /رواية -الفصل التاسع
- الطريق الى امستردام /رواية - الفصل الثامن
- الطريق الى امستردام/رواية -الفصل السابع
- الطريق الى امستردام/رواية / الفصل السادس
- الطريق الى امستردام /رواية الفصل الخامس
- الطريق الى امستردام /رواية ...الفصل الرابع
- الطريق الى أمستردام /رواية _الفصل الثالث
- الطريق الى امستردام /رواية
- الطريق الى أمستردام /رواية
- اليمين الديني السياسي يحكم العراق
- قراءة في رواية داعشتاين للروائي جاسم المطير
- النتائج العملية لتراكم رأس المال في صناعة تكنولوجيا المعلوما ...
- الريح والبوصلة - رواية - الفصل السابع الاخير
- الريح والبوصلة - رواية - الفصل السادس
- الريح والبوصلة - رواية - الفصل الخامس
- الريح والبوصلة - رواية - الفصل الرابع


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ذياب فهد الطائي - الطريق الى أمستردام /رواية -الفصل الرابع عشر