أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الحلقة الثلاثون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكارثة















المزيد.....


الحلقة الثلاثون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكارثة


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 6442 - 2019 / 12 / 19 - 10:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفصل عاشر
سيناريوهات الخروج من الأزمة السورية
1-مقدمة:
إن نظرة موضوعية فاحصة لمسارات الأزمة السورية من موقع نهاية العام التاسع على بدئها، سوف تسمح برؤية كل تعرجاتها ومآلاتها، والعوامل والقوى التي رسمت هذه التعرجات، وهي تحدد اليوم مآلاتها. في هذا الفصل يتم البحث في هذه التعرجات بتكثيف شديد، للوصول إلى أهم السيناريوهات المحتملة للخروج منها. وفي ختام هذا الفصل نعرض تصور احتمالي لما سوف تكون عليه سورية في المستقبل.
2-المراحل التي مرت بها الأزمة السورية
مرت انتفاضة الشعب السوري ضد النظام المستبد منذ انطلاقها في الخامس عشر من آذار لعام 2011 بخمسة مراحل رئيسة متمايزة، بدأت في أولها على شكل تظاهرات سلمية مدنية، ركزت راياتها على الوحدة الوطنية، وعبرت شعاراتها عن مطالب الشعب المحقة في الحرية والكرامة والديمقراطية. لقد استمرت هذه المرحلة ما يقارب الستة أشهر.
وفي المرحلة الثانية بدأ الحراك الشعبي يزاوج بين المظاهرات السلمية وحمل السلاح بذريعة الدفاع عن النفس. في أواخر هذه المرحلة التي استمرت ما يقارب التسعة أشهر بدأت الانشقاقات عن جيش النظام تتسارع لتشكل ما صار يعرف بـ"الجيش الحر".
في المرحلة الثالثة فإن الصراع المسلح بين قوى النظام العسكرية والأمنية وحلفائه من جهة وما سمي بالجيش الحر والمقاتلين المحليين والأجانب من جهة ثانية أخذ يرسم معالم مشهد سورية . خلال هذه المرحلة تراجعت المظاهرات السلمية، وما صاحبها من شعارات وطنية جامعة حتى كادت تختفي ، لصالح بروز دور المسلحين، فكثرت كتائبهم لتغطي كامل جغرافية سورية، ولتنتقل من وضعية الدفاع عن النفس وعن المتظاهرين السلميين كما كانوا يزعمون، إلى الهجوم، وصار هدفهم الوحيد هو إسقاط النظام بالقوة العسكرية لبناء دولة إسلامية. منذ هذه اللحظة التاريخية دخلت سورية في أزمة عميقة، وصار الحديث عن ثورة شعب، أو انتفاضة شعبية مجرد تعبيرات مجازية.
لقد تفاقمت الأعمال العسكرية خلال هذه المرحلة، وامتدت لتشمل معظم المحافظات ، مدنا وأريافا، وأصبح استخدام الدبابات والمدفعية والطيران الحربي في قصف الأحياء أمرا يوميا، مما تسبب بسقوط الضحايا بالجملة من كلا الطرفين، ومن الشعب المغلوب على أمره على وجه الخصوص. لقد صارت مشاهد الدمار والنزوح، وتدهور الوضع المعيشي لملايين السوريين ، واعتماد أعداد متزايدة منهم على المساعدات الإنسانية لتأمين قوت أطفالهم، جزءا من حقائق الحياة المرة للشعب كله. وللمرة الأولى في تاريخ بلادنا المعاصر تحول ملايين السوريين إلى لاجئين في البلدان المجاورة ، يقيمون في مخيمات أنشئت لإيوائهم ، ويعتمد وجودهم كليا على جهود المنظمات الإنسانية. لقد استمرت هذه المرحلة نحو ثلاث سنوات على وجه التقريب، دخلت البلاد خلالها في حالة كارثية بكل المعاني الإنسانية، والسياسية، والأمنية، والاقتصادية، وأخذت الأوضاع تتفاقم وتنذر بما هو أسوأ ، حيث أخذ الضغط على التمايزات الدينية و الطائفية والقومية يزداد، خصوصا مع ظهور داعش على مسرح الأزمة، وكل ذلك زاد من مخاطر انهيار الدولة، وانتشار الفوضى، وتمزق الوحدة الاجتماعية للشعب.
3- التدخل الروسي المباشر في الأزمة السورية وتغيير مجراها.
في خريف عام 2015 وتحديدا مع بدء التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية بدأت مرحلة جديدة في مسار الأزمة السورية. بالطبع كانت قد سبقت التدخل الروسي تدخلات مباشرة غير معلنة رسميا لدول عديدة عربية وإقليمية وبعيدة ساهمت في تأجيج الصراع المسلح في البلد، وبعد ظهور داعش على مسرح الأحداث في العراق وسورية تشكل ما سمي بالتحالف الدولي بقيادة أمريكا لمحاربتها.
في ضوء الوقائع التي حكمت المراحل الثلاث السابقة قبل التدخل الروسي، لم يطرح الحل السياسي بصورة جدية لذلك تخلت الجامعة العربية عن دورها، واستقال كل من كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي لإدراكهما المبكر بأن لا احد من الأطراف المحلية والدولية والإقليمية يريد الحل السياسي، فظروفه لم تنضج بعد. في هذه الظروف جاء التدخل العسكري الروسي في سورية ليغير مجرى كثير من الأحداث نذكر منها:
أولاً؛ منع انهيار الدولة السورية، وأعاد التوازن إلى الميدان خلال السنة الأولى من تدخله، ليجعله يميل بصورة حاسمة لصالح الجيش السوري في سنته الثانية.
ثانياً؛ لقد سرع كثيرا من هزيمة قوى الإرهاب، وخصوصا داعش والنصرة.
ثالثا، غير المعادلة الإقليمية لجهة الحد من تدخلها في الأزمة السورية دعما للقوى الجهادية المتطرفة، فصارت جميع القوى المتدخلة في الأزمة السورية تدرك استحالة إسقاط النظام بالقوة، بوجود روسيا على الأرض، فأخذت تميل إلى الحل السياسي، وإلى الواقعية بالتعاطي معه.
رابعا؛ بفضل التدخل الروسي صار مسار أستانا ممكنا، وحقق نجاحات جيدة لجهة خفض
التوتر وصون أرواح وممتلكات السورية في تلك المناطق، وصار التعاطي مع مسار جنيف أكثر واقعية.
خامسا"؛ إن التدخل الروسي الذي حمى الدولة السورية من الانهيار والسقوط، حال أيضا دون سقوط النظام بالقوة من قبل المجموعات المسلحة. هذا الأثر الجانبي، لكنه الجوهري، للدخل الروسي المباشر في الأزمة السورية ناجم أصلا عن خصوصية الاستبداد في سورية، إذ أن مركزية الرئيس فيه حاسمة، وإن إسقاطه بالقوة يعني عمليا إسقاط للسلطة وللدولة والشعب.
هذا الفهم لطبيعة النظام الاستبدادي القائم في سورية هو الذي جعل المعارضة بكل أطيافها قبل الأزمة تدعو إلى "تغيير تدريجي سلمي وأمن" للنظام حفاظا على الدولة. ونحن اليوم، بعد كل الدمار الذي حل بسورية، ومن أجل الحفاظ على ما تبقى من الشعب والبلد، نرى أن هذا القول لا يزال صحيحا في ظل التوازنان المحلية، والإقليمية، والدولية، نصوغه في مطلب رئيس هو "التغيير الجذري والشامل للنظام الاستبدادي إلى نظام ديمقراطي تعددي علماني لا مركزي". ليس من الحكمة تصور أن روسيا كدولة عظمى يمكن أن تحمل مصالحها الاستراتيجية على نظام آيل إلى الزوال عاجلا أم آجلا، وأن تأخذ جانب النظام المستبد في مواجهة أغلبية الشعب السوري. نحن نعتقد أن روسيا من مصلحتها الانتقال إلى نظام ديمقراطي في سورية وسوف تعمل عليه، ولهذا الغرض فهي تطرح مبادرات عديدة لجهة التأسيس الدستوري والقانوني لهذا النظام.
4- الواقع السوري الراهن بعد هزيمة داعش ومآلا ته المحتملة.
يمكن القول أنه في نهاية العام الثامن من عمر الأزمة السورية ،أي بعد أن شارفت هزيمة داعش على التحقق الكامل، أن مرحلة جديدة من تطور الأزمة السورية قد بدأت. في هذه المرحلة بدأ يطرح بجدية الحل السياسي، وسؤاله الرئيس المتعلق بشكل سورية بعد تجاوز الأزمة الراهنة والسيناريوهات المحتملة للحل في سورية.
بداية ينبغي القول أن الأزمة التي عصفت بسورية خلال السنوات الماضية كشفت هشاشة البناء الاجتماعي والسياسي للدولة السورية وللمجتمع السوري. لقد برهنت الأزمة على أن الهويات الصغرى الطائفية والمذهبية والاثنية والقبلية والعشائرية وحتى الهويات الضيقة ذات الطابع الثقافي والسياسي للنخب وأشخاصها هي الهويات الحقيقية الفاعلة، وما عداها لا يعدو كونه مجرد هويات متخيلة(قل أيديولوجية). لنتذكر كيف تحول الحراك الشعبي المطالب بالحرية والديمقراطية بسهولة ويسر إلى حراك لمجموعات متطرفة وإرهابية لكل منها أجندته الخاصة الحقيقية على خلاف ما هو معلن من أجندة متخيلة لمشروع سياسي إسلامي، يقاس صخبه الإعلامي، بقدر تمويله من دول باتت معروفة للجمهور العام. وحتى النظام الذي يفترض به أن يمثل الدولة كقوة جامعة ذات طابع وطني، لجأ أيضا إلى الهويات الصغرى الطائفية والمذهبية المحلية والخارجية للدفاع عنه، في تقاطع للمصالح السياسية والاستراتيجية هي الأخرى باتت معلومة للجمهور العام. مشهد سورية اليوم رسمت معالمه قوتان رئيسيتان هما: النظام وحلفاؤه من جهة، والمجموعات المسلحة وداعميها من جهة أخرى، وهي معالم لم تستقر بعد من جراء استمرار الصراع بينهما. وحتى ما تم التوصل إليه عبر مسار أستانا من تحديد لمناطق خفض التصعيد أو التوتر، لا يعدو كونه نوعا من الاعتراف بأن سورية الدولة والمجتمع قد تغيرت كثيرا بحيث صارت لا تشبه نفسها قبل الأزمة. سورية اليوم صارت موزعة إلى مناطق نفوذ شبه متبلورة، منطقة نفوذ أمريكي في الشمال الشرقي محمولة على أطراف كردية، منطقة نفوذ تركية في الشمال الغربي من سورية، محمولة على مجموعات متطرفة وإرهابية غير مستقرة، ومنطقة نفوذ اسرائيلية في الجنوب الغربي محمولة هي الأخرى على قوى متطرفة، ومنطقة نفوذ روسية إيرانية محمولة على النظام السوري. بطبيعة الحال ليست مناطق النفوذ هذه على المستوى ذاته، من الناحية السياسية، ولا من ناحية دورها في صوغ شكل سورية في المستقبل. فتركيا توظف نفوذها في المنطقة الثانية للحيلولة دون قيام أي كيان كردي بحسب ما يصرح به قادتها، فهم لم يعودوا مهتمين جديا بتغيير النظام السوري ولا بقيادته، إلا بما يخدم هدفهم المركزي، الذي على ما يبدوا لم يكن في حسبانهم عندما تدخلوا في سورية دعما لقوى التطرف والإرهاب، أو ، وهو الصحيح في الأغلب الأعم، لم يحسبوا احتمال تنامي القوة الكردية من خلال دفاعها عن نفسها ضد هذه القوى التي كانت تدعمها تركيا وراهنت عليها للجم طموحات الأكراد السياسية، بحيث صارت اليوم القوة الثانية الفاعلة على الأرض بعد النظام، ولها مطالبها السياسية الخاصة بها إلى جانب المطالب السياسية العامة على مستوى سورية.
أما المنطقة الثالثة التي استعاد النظام السيطرة عليها فان اسرائيل مع ذلك قد وظفتها بالتعاون مع أمريكا والأردن لمنع امتداد الوجود الإيراني المباشر، أو غير المباشر، عبر حزب الله والمليشيات الأخرى المتحالفة معه، إلى الحدود الإسرائيلية كهدف مركزي، وفرضت على النظام العودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل الأزمة.
بغض النظر عن الطموحات السياسية لكل من تركيا وإسرائيل فإن هذه الطموحات تتأسس في المنطقتين المذكورتين على حوامل إرهابية، مما يجعلها غير ثابتة وغير أكيدة على المدى المتوسط والبعيد. فمجرد أن تستقر التسوية السياسية سوف يعود القرار لجمهور السكان في تلك المناطق ولسلطة النظام. بالنسبة للمسلحين فإن الخيارات المتاحة أمامهم تراوح بين استيعابهم في الجيش السوري، وهو احتمال ضعيف، أو الانضمام إلى قوات حفظ الأمن المحلية من خلال المصالحات، أو التحول إلى أحزاب سياسية. لكن في هذه الحالة سوف تكون غير قادرة على منافسة الأحزاب الأخرى القومية أو الليبرالية الديمقراطية أو حتى الإخوان المسلمين، في حال تم التوافق على السماح لهم بالعمل السياسي، وهو احتمال ضعيف على كل حال، مما يعجل بخروجها من المشهد السياسي السوري.
أما بالنسبة لمنطقة النفوذ الروسي الإيراني وهي المنطقة الأهم ليس فقط من ناحية عدد السكان المتواجدين فيها ، وشمولها للمدن السورية الرئيسة، بل أيضا من ناحية ما تمتلكه من عوامل القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية. أضف إلى ذلك فإن النظام في هذه المنطقة هو قوة حقيقية سوف يناور بها النظام جاهدا حتى لا يغير جوهريا بتكوينه السياسي الأمني القائم، وهذا ما يفعله على الأرض وفي محادثات مسار جنيف، ويحظى مسعاه هذا بدعم قوي من إيران التي تنظر إلى قضية تغيير النظام في سورية كقضية داخلية، ولذلك فهي لن تتساهل بشأنها لاعتبارات استراتيجية تتعلق بالمجال الحيوي لنفوذها. إن ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة لا يعدو كونه مجالا للنفوذ الإيراني، وسوف يتعزز هذا المجال مستقبلا لأن القوى المعاكسة له حاولت تقويضه بأدوات متطرفة وإرهابية، مما ساهم موضوعيا في تعزيزه وتقويته بدلا من تحجيمه والقضاء عليه. فكما أن غزو أمريكا للعراق في عام 2003 بدعم مكشوف من دول الخليج العربي جعل العراق بكامله منطقة نفوذ إيرانية، فهي اليوم من خلال دعمها لقوى الإرهاب والتطرف، تساهم موضوعيا في تعزيز هذا النفوذ. بكلام آخر فإن الصراع ضد الإرهاب جعل موازين القوى السياسية والعسكرية تميل لصالح ما يسمى محور المقاومة. فنجاحات العراق الميدانية ضد داعش، وكذلك نجاحات الجيش السوري والقوى الرديفة له، سوف يجعل دور هذا المحور قويا في صوغ مستقبل سورية ونظامها السياسي.
لكن من جهة أخرى فإن كلا من النظام وإيران بحاجة حيوية للدور الروسي، وبالتالي لا يمكنهما تجاهل مصالح روسيا الاستراتيجية في سورية، وهي ليست بالضرورة متطابقة مع مصالح إيران، ولا مع مصالح النظام ذاته. روسيا بلا شك استفادت من الأزمة السورية لكي تفرض نفسها كقوة عظمى على المسرح الدولي، بعد الاهانات السياسية التي ألحقتها أمريكا بها في البلقان وفي ليبيا وفي جورجيا، وكان أول رد اعتبار لها بهذا المعنى، وفي هذا السياق تدخلها في أوكرانيا وفي جورجيا، وهذا ما وجه رسائل واضحة تعبر عن جدية المواقف الروسية، وانه لا تساهل بعد الآن في كل ما له علاقة بالمصالح الروسية.
وإذا كانت إيران ومعها النظام السوري سوف يقاومان إلى النهاية أي احتمال لإجراء تغييرات أساسية في بنية وقوام النظام السياسي في سورية، تحوله من نظام استبدادي شديد المحافظة، متمركز حول الرئيس، إلى نظام منفتح على خيارات ديمقراطية يمكن أن تفتح احتمالات للتعددية السياسية ولتبادل السلطة سلميا عبر صناديق الاقتراع، فإن روسية لديها رؤية مختلفة بعض الشيء. ترى روسيا ضرورة انفتاح النظام على إجراء تغييرات حقيقية في بنيته وقوامه بحيث يمكن أن يتطور لاحقا إلى نظام ديمقراطي، فهي تعتقد أن حماية مصالحها على المدى البعيد في سورية لا يضمنها النظام الحالي، فهو نظام أيل إلى الزوال في المستقبل. وهي إذ ترى ضرورة استمرار رأس النظام فذلك بهدف الحفاظ على تماسك الدولة السورية، فهو اللاحم الأكبر والأقوى لهوياتها الصغرى، وكذلك لأجهزتها وبصورة خاصة للجيش والأجهزة الأمنية، التي تشكل العمود الفقري لبقاء الدولة ، فإزاحته، بحسب القيادة الروسية، بدون تأمين بديل مناسب، لم يسمح النظام بوجوده أصلا، ولم تؤمنه المعارضة للأسف، سوف يعني انهيار الدولة وفشلها. من هذا المنطلق رفضت روسيا أية دعوة لإزاحة الرئيس في بداية أية عملية تسوية للازمة، كما كانت تطالب بذلك دول إقليمية وبعيدة، وترجع صداه بعض قوى المعارضة السورية، وبصورة خاصة معارضة ما يسمى بمنصة الرياض وهيئتها العليا للمفاوضات. ورفضت روسيا أيضا أية عملية انتقال سياسي تفضي إلى إزاحته من رأس السلطة والنظام، بل على العكس كانت ترى ولا تزال بضرورة قيادته لأية عملية إصلاح سياسي محتملة في المستقبل. لهذه الاعتبارات تركز روسيا في كل نشاطها السياسي المتعلق بالأزمة السورية على ضرورة أن يجري التغيير السياسي في سورية بطيئا، يبدأ بتوافق السوريين على دستور جديد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تقود مرحلة انتقالية يتم الاتفاق عليها أيضا، حتى موعد الانتخابات القادمة، التي سوف يكون من حق الرئيس أن يرشح نفسه فيها.
من الواضح أن الرؤية الروسية بدأت تحظى بقبول من أطراف دولية عديدة، فلم يعد يحظى مطلب إزاحة الرئيس في بداية أية عملية سياسية بالأولوية في كل من فرنسا وبريطانيا وأمريكا، وهي دول فاعلة في الأزمة السورية. وذهب ماكرون الرئيس الفرنسي الجديد أبعد من ذلك إذ وجد في بقاء الرئيس السوري في موقعه ضرورة لكي لا تتحول سورية إلى دولة فاشلة. يلاحظ الأمر ذاته بالنسبة للسعودية وتركيا وقطر وغيرها من الدول الإقليمية، خصوصا بعد تفجر الأزمة بينها.
أما بالنسبة لمنطقة النفوذ الأولى، اعني منطقة النفوذ الكردي الأمريكي فهي اعقد منطقة وأكثرها التباسا، مع ذلك سوف يكون لها دورها الأكيد في صوغ مستقبل سورية وشكل نظامها السياسي. فمن جهة الكرد الذين يملكون قوى فاعلة على الأرض تحارب الإرهاب ونجحت في تحرير مناطق واسعة في شمال شرق سورية من إرهاب داعش لديهم طموحات سياسية خاصة بهم تتعلق أساسا بما يعدونه قضيتهم العادلة التي يتمثل جوهرها في حقهم بإدارة شؤونهم الخاصة. وترى القوى الكردية الرئيسة أنه لا يمكن تحقيقه إلا ضمن سورية الموحدة على أساس فيدرالي، يتضمن نوعا من الإدارة الذاتية لشؤونهم الخاصة.
في منطقة النفوذ هذه لا تزال موجودة مؤسسات الدولة السورية المختلفة، وهو وجود مهم لما يحمله من رسائل سياسية، وبصورة خاصة لجهة التأكيد على وحدة سورية من جهة، ومن جهة ثانية يؤشر ذلك إلى وجود احتمالات حقيقية وواقعية لتعاون الكرد والنظام لحل القضية الكردية. في هذا المجال تفيد بعض المصادر من داخل النظام على أنه جاهز لمنح الكرد شكلا من أشكال الحكم الذاتي، وهذا يتوافق مع ما توصل إليه فريق من الخبراء الكرد، وليس على الفدرالية كما يطرحونها.
فيما يخص النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة فهو متعدد الأهداف وهو ليس بالضرورة متوافق مع أهداف الكرد، بل يمكن القول إن تحالف الكرد مع الأمريكان ليس استراتيجيا، إذ لا يمكن أن تضحي أمريكا بحليفها الاستراتيجي تركيا من أجل أن تكسب صداقة كرد سورية.
من المعلوم أن أمريكا قبل أن تتوجه نحو الكرد السوريين للتعاون معهم في محاربة داعش، كانت قد راهنت على ما يسمى الجيش الحر وغيره من قوى متطرفة، لكنها فشلت. فهذه القوى التي دربتها أمريكا وسلحتها سرعان ما التحقت بالنصرة وغيرها من قوى إرهابية. لقد وجدت أمريكا في كرد سورية نوعا من تقاطع المصالح، رغم طابعه غير الاستراتيجي. إنه أقرب إلى التعاقد العسكري الذي يركز على محاربة داعش فقط، دون أن يتجاوز ذلك إلى أفاق سياسية، هذا ما هو معلن. لكن أمريكا حقيقة تطمح إلى إضعاف الدولة السورية وإنشاء حاجز إداري بين شرق الفرات وغربه يحول دون تواصل النفوذ الإيراني كما تزعم.
ثمة أمر آخر أكثر خطورة تسعى أمريكا إليه، في حال فشل الطرح الفدرالي على مستوى سورية، بما يضعف السلطة المركزية للدولة، وهو قيام إدارة خاصة شرق الفرات. إن هكذا احتمال لا يملك حقيقة فرص جدية لتطبيقه نظراً لمعارضة النظام له، وكذلك أغلب قوى المعارضة السورية ، وهيئات المجتمع المدني الأخرى تعارضه أيضاً، وهو غير مقبول أيضاً من قبل تركيا. ثمة خشية حقيقية من أن ينشب صراع جديد مدمر بين النظام وحلفائه من جهة والكرد من جهة ثانية، أو ما يسمى بالصراع بين غرب الفرات وشرقه. في حال نشب هكذا صراع( نأمل أن لا يحدث) سوف تتخلى أمريكا عن الكرد، كما تخلت عنهم في العراق، فهي تدرك جيدا مواقف الدول الإقليمية من هذا الموضوع، وبالتالي لن تنخرط في صراع معها، خصوصاً وأنها لا تملك القوات الكافية على الأرض. إن تحالف الكرد مع أمريكا يمثل نقطة ضعف كبيرة لهم، ومع أنهم يحاولون معادلته بتحالف سياسي مع روسيا، لكنهم لم يحققوا نجاحا كبيرا حتى الآن.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلقة التاسعة والعشرون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير ...
- الحلقة الثامنة والعشرين: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير ...
- الحلقة السابعة والعشرين: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير ...
- الحلقة السادسة والعشرين: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير ...
- الحلقة الخامسة والعشرون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير ...
- الحلقة الرابعة والعشرون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير ...
- الحلقة الثالثة والعشرون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير ...
- الحلقة الثانية والعشرون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير ...
- الحلقة الواحد والعشرون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير ...
- الحلقة العشرون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكا ...
- الحلقة التاسعة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى ...
- نقطة نظام
- الحلقة الثامنة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى ...
- الحلقة السابعة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى ...
- الحلقة السادسة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى ...
- الحلقة الخامسة عشرة: حراك الشعب السوري من الحلم بالتغيير إلى ...
- الحلقة الرابعة عشرة: حراك الشعب السوري من الحلم بالتغيير إلى ...
- الحلقة الثالثة عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى ...
- الحلقة الثانية عشرة: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى ...
- اللجنة الدستورية مخرج لأطراف الأزمة


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الحلقة الثلاثون: حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكارثة