أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - البلطجة الفكرية وخدّام الاستبداد















المزيد.....

البلطجة الفكرية وخدّام الاستبداد


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 6441 - 2019 / 12 / 18 - 09:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



شرّفتني صحيفة «الأخبار» اللبنانية بصفحتين كاملتين مخصّصتين للقدح والذمّ بي في عددها الصادر يوم الإثنين الماضي. ذلك أن كل افتراء عليّ من قِبَل أنصار النظامين الإيراني والسوري وغيرهما من أنظمة الاستبداد، إنما أعتبره وسام شرف على صدري. والحال أن مقاليّ الكاتبين اللذين أوكلت الصحيفة إليهما مهمة التشهير بي هما من الغباوة بمكان، كأنّ «الأخبار» أرادت المغالاة في تطبيق قول الشاعر المأثور: «إذا أتتك مذّمتي من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأنّي كاملُ».
هذا ولو اقتصر الأمر على تينك الصفحتين المليئتين بالأكاذيب لما لزم أن أعلّق عليهما في مقالتي الأسبوعية، وقد اعتدتُ أن أتجاهل أطنان القمامة التي استهدفتني طوال السنين ومن شتّى المنابر (من الصهاينة إلى «الممانعين» ومن أنصار آل سعود إلى أنصار آل الأسد و«المرشد الأعلى»)، وذلك عملاً بالحكمة العربية القديمة المشتقّة من تراث البادية: «الكلاب تنبح والقافلة تسير». لكن بما أن التشهير صدر هذه المرّة في صحيفة تخضع لقانون المطبوعات اللبناني، سوف أستخدم حقّي في الردّ في أقرب وقت على صفحاتها، ليس لأنّي أرى أن المقالين المذكورين يستحقان الردّ، بل لأبيّن مدى الانحطاط الثقافي والأخلاقي الذي وصلت إليه صحيفةٌ كنتُ من المساهمين فيها عندما كان يدير تحريرها الصديق الراحل جوزيف سماحة ومن بعده خالد صاغية. ومن المعروف أن خالد استقال من الجريدة احتجاجاً على تحوّلها إلى بوق «يساري» للنظام السوري مثلما استقال منها مؤخّراً خمسة من كتّابها احتجاجاً على انتقال البوق إلى التشهير بالانتفاضة اللبنانية.
أما الآن وهنا، فأكتفي برواية القصة المحيطة بصدور صفحتيّ «الأخبار» يوم الإثنين، إذ أنها قصة معبّرة تماماً عن البلطجة الثقافية التي ترافق البلطجة الجسدية وتحرّض عليها. فقد ذهبتُ إلى بيروت ممثلاً «مركز الدراسات الفلسطينية» الذي ساهمت في تأسيسه في جامعتي اللندنية، لحضور اجتماع دعتني إليه «مؤسسة الدراسات الفلسطينية». وقد مكثت في المدينة بضعة أيام كي أرى عن كثب أين وصل الفصل اللبناني لما وصفته منذ عام 2011 بأنه «سيرورة ثورية طويلة الأمد» ستمتد عقوداً من الزمن وتشمل كافة أرجاء المنطقة العربية. فرأى بعض الناشطات والناشطين في الانتفاضة اللبنانية أن ينظّموا ندوة أتكلّم فيها عن «السياق الإقليمي للانتفاضة العربية»، أي عن الموجتين الثوريتين اللتين شهدتهما المنطقة خلال السنوات التسع المنصرمة منذ أن فجّرت الانتفاضة التونسية برميل البارود الإقليمي.

نُشرت بالتالي في وسائل التواصل الاجتماعي دعوة إلى الندوة التي كان من المفترض أن تُقام في أحد المنتديات في بيروت مساء الإثنين الماضي. ولا بدّ هنا من ذكر السياق الذي جاءت فيه الدعوة، وهو اعتداء عنيف قام به قبلها بأيام قليلة حشدٌ من البلطجية لمنع ندوة كان مزمعاً أن يتكلّم فيها مثقفان معروفان في لبنان. وقد اتّهم أحدهما، وهو أستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت اسمه مكرم رباح، اتّهم نائب رئيس تحرير صحيفة «الأخبار»، بيار أبي صعب، بالمسؤولية عن الاعتداء من خلال حملة التحريض التي شنّها الأخير بتغريدات حسابه على تويتر ومقالات صحيفته. ومهما كان الاختلاف مع مكرم رباح أو لقمان سليم الذي كان سوف يشاركه الكلام في الندوة، فإن الفكر يُردّ عليه بالفكر، ولا يلجأ إلى القوة للحؤول دون المناقشة سوى المعتادين على البطش وأنصار الدكتاتوريات على غرار العصابات الفاشستية وشبّيحة أنظمة الاستبداد الإقليمية على اختلاف أنواعها.
في هذا السياق المظلم، ناهيكم من السياق التاريخي الذي شهد في لبنان اغتيال مفكّرين بارزين من مهدي عامل وحسين مروّة إلى جورج حاوي وسمير قصير، تحرّك من جديد المدعو بيار أبي صعب، وهو رجلٌ بدأ رحلته السياسية في صفوف «حزب الكتائب اللبنانية» خلال أولى سنوات حرب لبنان وانتهى به (حتى الآن) مطافٌ سياسي عجيب إلى لعب دور مسؤول التكفير بامتياز في صحيفة «الأخبار». فقد أطلق تغريدة كتب فيها عن الدعوة إلى الندوة ما يلي: «عنوان مثير للفضول في أفضل الحالات. في أي اتجاه يحاول أن يأخذنا منظمو هذه المحاضرة؟ ماذا سيقول لنا جلبير الأشقر عن «السياق الاقليمي» لحركة احتجاجية تطالب بالعدالة والاصلاح وترفض نظام الطائفية والفساد؟ طبيعي أن نتساءل. ولنحضر بكثافة الاثنين للاستماع إليه وفهم اطروحته ومناقشتها».
وقد فهم قرّاء التغريدة أنها دعوة مبطّنة إلى الهجوم على الندوة، إذ تبدأ بلغة التشكيك «عنوانٌ مثير للفضول في أفضل الحالات» وتنتهي بالدعوة إلى الحضور «بكثافة». وكما كتب الصحافي الفلسطيني راشد عيسى على هذه الصفحات يوم أمس في فقرة عنوانها «ليس باسم فلسطين»: «الكل فهم تغريدة الصحافي الممانع الاستباقية لمحاضرة المفكر اللبناني جلبير الأشقر، التي يستضيفها ثوار لبنانيون في بيروت، عندما دعا إلى الحضور «بكثافة»، على أساس «للاستماع إليه وفهم أطروحته ومناقشتها». مفهوم تماماً ماذا يعني أن يدعو أحد أبرز الناطقين باسم «حزب الله» للنزول بكثافة إلى فعالية كهذه، في عزّ موجة حرق خيام الثوار بحجة نقاشها بأمور التطبيع مع إسرائيل، وإلصاق تهديدات تمجّد كاتم الصوت». وقد ختم عيسى فقرته بالقول «ليس باسمنا!».
كانت النتيجة الطبيعية أن خشي المسؤولون عن المنتدى الذي كانت ندوتي سوف تُقام فيه من أن يؤدّي الأمر إلى تخريبه، فطلبوا إلغاءها وقد تمّ ذلك وأعلِن يوم الأحد. غير أن بيار أبي صعب كان قد أعدّ العدّة لتوسيع حملة التحريض، إذ طلب من كاتبين سخيفين أن يكتبا مقالين في التكفير والتخوين بحقّي ليصدرا في عدد يوم الإثنين تمهيداً للندوة المزمع عقدها مساء اليوم ذاته. ويبدو أن أبي صعب كتب مقدّمة للصفحتين في اللحظة الأخيرة نوّه فيها بإلغاء الندوة وعدّل في المقال الأول الذي كان ينتهي بتكرار دعوته التويترية إلى الحضور الكثيف، فجعل فقرته الأخيرة تبدأ بالقول إنه «كان من المهم بالطبع الاستماع لمحاضرة البروفيسور لو أقيمت»، يلي ذلك نعتي بشتيمة «المُخبِر» التي تكرّرت في المقال. غير أنه نسي أن يحذف نهاية الفقرة، وقد دعت بأمر عسكريّ اللهجة: «كونوا هناك!»
هكذا تعمل البلطجة الفكرية بالتحريض على البلطجة الجسدية، وهو أسلوبٌ يقود بخط مستقيم إلى أنظمة الاستبداد القائمة على تعليق المشانق وقطع الرؤوس في الساحات العامة مروراً باغتيال المعارضين أينما وُجدوا.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكم آل الأسد: رفعت نموذجاً
- تحية لشعب إيران الثائر والمعارضة الوطنية
- الطائفية بوصفها سلاحاً أيديولوجياً
- الثورة على أصحاب المليارات
- «الممانعة» والطغيان الأجنبي
- العراق ولبنان والنموذج السوداني
- تحيا «المؤامرات»!
- حراك لبنان، الطائفية والسيرورة الثورية في المنطقة
- الثورة عنوان هذا الزمن… وستبقى
- هديّة ترامب وأردوغان لبوتين والأسد
- في مخاطر الاتكال على «عرّاب» غريب الأطوار
- مصر تحت الاحتلال
- ثورة مصر والمعضلة العسكرية
- أهم دروس الانتخابات التونسية
- تضارب المصلحة الانتخابية بين نتنياهو وترامب
- صفاقة التفكير الصهيوني والاستعماري
- السلاح بيد الجهلة يجرح
- المملكة السعودية والعداء للإسلام
- هنيئاً لمناضلات المملكة السعودية والسودان!
- الثورة السودانية ومعضلتها الراهنة


المزيد.....




- بسبب متلازمة -نادرة-.. تبرئة رجل من تهمة -القيادة تحت تأثير ...
- تعويض لاعبات جمباز أمريكيات ضحايا اعتداء جنسي بقيمة 139 مليو ...
- 11 مرة خلال سنة واحدة.. فرنسا تعتذر عن كثرة استخدامها لـ-الف ...
- لازاريني يتوجه إلى روسيا للاجتماع مع ممثلي مجموعة -بريكس-
- -كجنون البقر-.. مخاوف من انتشار -زومبي الغزلان- إلى البشر
- هل تسبب اللقاحات أمراض المناعة الذاتية؟
- عقار رخيص وشائع الاستخدام قد يحمل سر مكافحة الشيخوخة
- أردوغان: نتنياهو هو هتلر العصر الحديث
- أنطونوف: واشنطن لم تعد تخفي هدفها الحقيقي من وراء فرض القيود ...
- عبد اللهيان: العقوبات ضدنا خطوة متسرعة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - البلطجة الفكرية وخدّام الاستبداد