أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم المرعبي - سعدي يوسف في -أوراقي في المهب-: تعرِيَة ثقافة سائدة واستشراف العاصفة















المزيد.....

سعدي يوسف في -أوراقي في المهب-: تعرِيَة ثقافة سائدة واستشراف العاصفة


باسم المرعبي

الحوار المتمدن-العدد: 6439 - 2019 / 12 / 16 - 23:45
المحور: الادب والفن
    


كتاب كهذا، يكاد أن يقدّم سعدي يوسف كاملاً، أي في جُل اهتماماته وانشغالاته، إن لم يكن كلّها. كتاب يضع قارئه في قلب هذه الانشغالات، مجسِّدَةً صورة الشاعر في كدحه المعرفي والثقافي، في اطلاعه الغزير وتطلّعه، تحفّ بكلّ ذلك أو تعلوه نظرةٌ نافذة، ناقدة لما تلتقطه من الثقافي والسياسي وحتى الاجتماعي. ليتبدّى الشاعر في ما يستبطنه أو يستشرفه، واحداً من قلائل الرائين، المجاهرِين. غير أنّ، معالجة "العناوين" الكبيرة، هذه لم تحُل دون تمتّعه بالالتفات إلى تفاصيل بدت أنها في صلب تكوينه الشعري والإنساني، أو قل هي من مهامه: كترقّب استيقاظ عصفور أو متابعة حركة غيمة في السماء أو انتظار إيناع نبتة في حديقة المنزل أو أصيص عند النافذة. وفي الأفق ذاته، لكن على صعيد معرفي، يصرف الشاعر انتباهه، على سبيل المثال، إلى طبعة جديدة من كتاب بالإنكليزية، مقارِناً بين لغته قبل قرنين ولغته اليوم، دون أن يفوته إبداء ملاحظة على طبيعة تبدل الاستخدام لمفردةٍ ما. وهو ما يؤكد قوله: "أعتبرُ نفسي، في ما أعتبر، قارئاً مثابراً، بل مبالِغاً في المثابرة ". ليس، وحدهما، التدقيق والتحرّي في ما يقرأ، علامة من علامات امتياز الشاعر ـ القارئ، بل في تنوّع هذه القراءات وشموليتها، حتى ليتساءل قارئه إزاء ما يعرض له الكتاب، عن كمّ القراءات والمتابعات والملاحظات المنجَزة وكيفية اتساع وقته لكلّ ذلك، خاصةً مع الشغف الذي عُرِف به في الترحال والتطواف أو الاندفاع إليه، اضطراراً. وهو ما يعيدنا ثانيةً، إلى صلب التساؤل عن كمّ الوقت لدى الشاعر وكيفية ترتيب هذا الوقت واستغلاله. و"أوراقي في المهب"، في وجه من أوجهه العديدة، الشائقة، كتاب اعترافات بما تضمنه من يوميات ومذكرات وفصول من ملامح سيرة شخصية. وهو كتاب مواجهات بما يثيره من آراء ومواقف نقدية صادمة بكشفها وصراحتها وتسميتها لشخصيات وجِهات وواجهات تندرج في ما هو سائد فاسد ومتواطئ، من سياسي وثقافي. ولم تكن مجاهَرَة كهذه ومواجهة من دون ثمن، فقد جرّت على الشاعر، وكما هو متوقّع، عداوات شتى، خصوصاً وأنّ التردّي والتواطؤ واختلال القيَم يكاد يكون، اليوم، هو القاعدة، بإطلاق. يقول، في سخرية مريرة، في مقال بعنوان "عن الكُتّاب والكتاب والحكمة": (حكمتي هي حكمة الحمقى، لا حكمة ذوي الألباب. ذوو الألباب، لا تعنيهم حكمتي، التي تدعو إلى الجهرِ بالقول، ومناهضة الظلم، وممالأة الاعتراض، إذ أن ذوي الألباب هؤلاء معنيّون بالزائل والزائف من أموال وأعمال، عارفون بمآكل الكتف معرفتَهم بأسمائهم)، مسميّاً الثقافة العربية في راهنها، بـ "البقرة الميتة" ومن العبث احتلابها. ولأهمية وخطورة ما يلي من كلام في المقال ذاته، ولصلته بما سبق نورده هنا رغم طوله النسبي: (من مِهَن الاحتيالِ التي جاء بها الزمانُ الفاسد، مقاول الصحافة والثقافة. هذا المقاول هو أنموذج الجاهل ومثاله، وهو الغبي، لكن البارع في استعمال الهاتف الذكي، والبسمة الكاذبة، والبدلة الأنيقة. هو أيضاً العارف بالمقصف والملهى والنادي الليلي ذي فتياتِ المواعيد. مقاول الصحافة والثقافة، لا يفقه أمراً من أمور الصحافة والثقافة، لكنه ينجح بسبب من " فهْلوَته" في الحصولِ على صفقة يُصْدِر بموجبها، مجلة، أو صحيفة، بالعربية أو سواها، كما ينجح بسبب من الفهلوة ذاتها في تأسيس جمعية أو منبر أو جماعة. إلاّ أن هذا المقاول الأوّل، الجاهل بالصحافة والثقافة، سوف يواجه عقَبة أولى: كيف ينفّذ مقاولته أو مقاولاته؟ آنَها يستعين بمقاول ثانوي، مثقّف بلا ضمير، ولا شرف، ليتولّى المشروع). إنّ دأب سعدي يوسف على تعرية الواقع الثقافي العربي بوقائعه وشخوصه لم يكن في عمقه سوى استجابة لنداءٍ من ضمير لا يركن إلى المهادنة وممالأة ثقافة سائدٍ متفسخ، وهو ما يفسّر قوله في مقال آخر، بأنه يشعر بالفزع من المثقفين. وهو ما يفسّر، أيضاً اختياره العزلة والمقاطعة: (وفي لندن، حيث أعيش، كالناسك، في الضواحي، لا أزور، ولا أُزار). لكنها العزلة المثمرة، فمن تجلياتها، بلغ عدد صفحات أعماله الشعرية، في مجلداتها السبعة الصادرة عام 2014، ثلاثة آلاف وخمسمائة صفحة، وهذا يعادل كل المتن الشِعري العربيّ، من الجاهلية حتى القرن الثالث الهجريّ، كما يؤكد. بل أن مجموع كتبه بمختلفها قد بلغ المائة، كما يُشير في مناسبة أُخرى. ما بدا أنه يعيش الحياة أدباً، بعبارة مالك حدّاد. لكن الشاعر من طرف آخر يأنس بالناس، عامّة الناس، لا "المثقفين"، وهو لا يكتم ابتهاجه حين يجد نفسه وسطهم، بعد أن يخلّف وراءه "أوروبا الكالحة"، كما في زياراته للبلدان العربية، وكما بشكل خاص، مصر التي يُحبّ. والتفصيل الأخير هو في ضوء ما كتَبَه، راهناً، وإلّا فتاريخ سعدي الشعري هو تاريخ الناس، بمعنيَي الانتماء والفن. وإن لم يمنعه ذلك من النظر مع المتنبي نظرةً ساخطة إلى أُناس عصره. يقول سعدي في قصيدة "كلام في غير وقته": (بَعُدَ الناسُ عن كونهِمْ بشَراً أسوياء..). من هنا كانت هذا الأوراق في المهب، مهب الجدل والمواجهة وما ينجم عنهما، سواء مع العموم، في تدنّيهم، أو مع حراس قيَم الانتهاز والسمسرة من "نُخَب" المقاولات الثقافية والسياسية وسواهما، بل انّ في التعرّض لكلّ ذلك تغدو الكتابة ذاتها هي المهبّ. هذا افتراض أول لمهب العنوان أما الافتراض الثاني، فقد يفيد معنى البعثرة والقلق، كما يمكن التماسه في الحرية التي شاءها الشاعر لأوراقه وموضوعاته المتعددة، المتنوعة، فليس من منهج يحكم الكتاب لناحية وحدة الموضوع وحتى التبويب، إنه نوع من حديقة تُركت لهواها في تَجاوُر أشجارِها وشتلاتها، المتباينة، وهو ما يحمل المفاجأة، في كلّ مرة، لزائرها ومتصفحّها، فثمة قصيدة إلى جوار قطعة من سيرة أو استذكار، إلى جانب تقرير مترجم عن كارل ماركس كتبه عميل شرطة، وآخر عن ساعات تروتسكي أو جيفارا الأخيرة، إلى يوميات رحلة، إلى عرض أو نقد كتاب أو تناول عرض مسرحي، إلى مادة عن جنكيز خان أو قراءة في كتاب لسولجنيتسين عن لينين وترجمة نص منه، إلى مقال عن إدغار ألن بو وآخر عن نزار قباني ورأي فيمَن غنّى له من المطربين، ورؤية في عمارة حسن فتحي، وطبعاً ثمة ودائماً المقال السياسي، كذلك نصوص التأمل، هذا الأخير الذي هو في صلب مادة الكتاب. إنه السِفر والسَفَر بما يخرج على نمطية المتعارَف عليه أو المعهود في أكثر الكتب. وثمّة جاذبية خاصة في هذا النوع من الكتب التي تتمرد على قسرية المنهج والانصياع لعنوان واحد. إنه نوع من "كشكول"، أي ما يُحيل، باللغة الحديثة، إلى الموسوعي. هذه الحرية التي طبعت الكتاب ليغدو نسق ذاته، هي نفسها كانت سمة مقال سعدي يوسف، كما يعهده قرّاؤه، فالشكل الفني لمقاله يبتعد عن النمط الشائع، وهو يقوم على الانثيال الحر، ما يسبغ عليه نفَساً تأملياً، كخصيصة عضوية ملازمة له، وحتى توزيع الأسطر فيه يكون أقرب إلى تقنية الشكل في القصيدة الحرة، فضلاً عن لغته الخاصة. وفقاً لذلك، ليس من الغريب أن نلمس ما يُقارب المنحى الفلسفي في بعض تنظيرات الشاعر أو رؤاه، مثال ذلك، ما جاء في مقال "عن المرء وما يرسم في حياته ويترسّم": (أعودُ إلى نفسي. أعود إلى سيرتي التي أراها، إذ أُراجعها، سيرةً غريبةً في ما اتّصل بالمغادَرات، أعني أنها ذات مغادراتٍ متّصلة. هذا يعني في ما يعني أن المغادَرة هي الأصل، والإقامة هي المؤقّت). لو حملنا الجملة الأخيرة في الفقرة السابقة محملاً وجودياً، فإنّ "شبهة" الفلسفي تتحقق هنا، وهو ما عناه القول، بدءاً. ومن الأفكار إلى معالجة الأحداث كما في الشأن العراقي، الذي يواكبه الشاعر بدقائقه، وإن بدا أحياناً، للبعض، عازفاً عن ذلك أو لا مُبالياً، لكن الأمر ليس كذلك، لمن يعرف الشاعر، وكما قال في رد على مَن سأله أسباب الانقطاع عن الكتابة في الشأن العراقي، ضمن مقال حمل عنوان "كتبت كثيراً عن بني اللقيطة": (العراقُ، لديّ، ليس خبراً يومياً، أو متابعةً لوحلِ السياسة الراهنة./ إنه تكوينٌ في الروحِ، ومُكَـوِّنٌ لها). وفي مقال بعنوان "خريف باريس.. ربيع الأمل"، يتحدّث فيه عن مهرجان خريف باريس الثقافي الذي دُعي إليه الشاعر، يحضر العراق، أيضاً، يكتب وكأنه يعبّر بلسان حال شباب ثورة تشرين العراقية 2019، وكان ذلك قبل اثني عشر عاماً، والمصادفة أنه مؤرخ في "تشرين" أيضاً: (في خريف باريس هذا، شعرتُ بأملٍ ما/ شعرتُ بأن ثمّتَ تأنيب ضمير/ فداحة الجريمة التي تُرتكَب ضد الشعب العراقي، يومياً، لا مثيل لها في تاريخ بني الإنسان المتمدن/ لقد شرع الناس يتساءلون. وعلينا، نحن بني العراق الأحياء، أن نقول كلمتَنا/ لن يدافعَ أحدٌ عنا، إنْ لم ندافع نحن أوّلاً عن أنفسنا/ لن يرتفع صوتٌ إلى جانبنا إن هادَنّــا الجريمةَ ومنفّذيها/ ليس من شجاعة هنا/ لِمَ لا نستجيب لغريزتنا، غريزة الدفاعِ عن النفس، ونحن مهدَّدون بالإبادة شعباً وهُوِيّةً وكياناً؟). وفي موضع آخر، وقبل اثني عشر عاماً، أيضاً، يكتب، مستشرفاً العاصفة:
إنهم ذاهبون مع أول هبّةٍ للريح...
ولقد بدأ موسمُ العواصف!

مع "أوراقي في المهب"، يجد القارئ نفسه حيال كتاب شامل في موضوعاته، ينبثق من الشعر وإلى الشعر يؤول، وإذا ما بدا الشاعر حادّاً وعنيفاً في مواضع، حدّ نفاد الصبر، فما ذلك إلّا لأنّ القلب مترع بالمرارة والألم متفاقم.

سعدي يوسف: أوراقي في المهب
دار التكوين، دمشق 2019
302 صفحة.



#باسم_المرعبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحرب لا تبحثوا عني: أنطولوجيا إيطالية للشعر العربي: الره ...
- سحرية الكلمة: مقدمة، ربما
- الإيمان بماذا؟ - محاورات أُمبرتو إيكو وكارلو مارتيني: والاحت ...
- (صياد القصص) للأورغوائي إدواردو غاليانو: كتابة الدم والتجوال
- الكاتب المغربي حسن أوريد في سيرته (رواء مكة): الإطاحة بأصنام ...
- -غزلان الليل- كما يطلقها الخيال الأمازيغي.. لنقرأ قبل تلاشي ...
- رواية -متاهةُ الأذكياء شاعران ودكتاتور- للكاتب إبراهيم أحمد ...
- دليلك الى كتابة رواية في 777 صفحة، بمساعدة شبح!
- مجزرة قاعة الخلد.. ملامح احتلت وجه وطن بأكمله!
- صورة الإرهابي آكل الساندويتش
- السلام بأيّ ثمن سوريا مثالاً
- المِلح بالكردي والعربي
- منشورات الثور المجنّح شذرات*
- رواية الوهم... مصادر -فرانكشتاين في بغداد-!
- العرب موحّدون كما لم يتوحّدوا من قبل!
- الفرق بين سردشت عثمان وفخري كريم
- يوميات/ مواقف وتأملات نقدية
- حين يُفيق الرئيس فلا يجد نفسه رئيساً أو أما آنَ للرئيس أن يم ...
- أما آنَ للرئيس أن يموت..؟
- أعوامُ الفلول هل حدثت الثورة، حقاً!


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - باسم المرعبي - سعدي يوسف في -أوراقي في المهب-: تعرِيَة ثقافة سائدة واستشراف العاصفة