أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - لا ينطقون مع النَّفَس الأخير إلا كلمة «أمى»














المزيد.....

لا ينطقون مع النَّفَس الأخير إلا كلمة «أمى»


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6439 - 2019 / 12 / 16 - 10:59
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


مفارقة تاريخية مازلنا ندفع ثمنها الباهظ حتى الآن، رغم أن المرأة هى التى اكتشفت الحروف منذ سبعة آلف سنة، وعلمت اللغة للبشر، لم نسمع عن «لغة الأب» بل هى «لغة الأم»، التى يتعلمها الإنسان منذ الولادة، وفى لحظة الموت لا ينطق فى أغلب الحالات إلا بها، ومع ذلك حرمت النساء من الكتابة والإبداع الفكرى على مدى القرون. شهدت بعملى الطبى الكثير من الموتى، من مختلف الأجناس والمذاهب، لا ينطقون مع النفس الأخير إلا كلمة «أمى»، وأنا أيضا إن حلت بى كارثة، لا أنادى إلا «أمى»، رغم أننى فقدتها فى مقتبل حياتى، وأدرك تماما أنها لن تعود بالنداء، أو بأى شىء آخر. لكنه الاطمئنان النفسى، ولو وهمًا.

تعود بى الذكرى إلى «أمى»، أشد ما تكون، حينما أعاصر التقدم الذى أحرزته النساء فى كل العالم. نظمت النساء فى كل البلاد، مسيرات بالشوارع يهتفن بسقوط النظام الرأسمالى الأبوى العنصرى، القائم على القوة والعنف بالدولة والعائلة، والضرب والتأديب للأمهات والزوجات. والقتل باسم الرجولة والشرف والأخلاق، كانت أمى «زينب شكرى» تريد مواصلة دراستها لتصبح باحثة بمجال الطب وتكتشف علاجا لمرض السرطان الذى قتل أمها، لكن الأب أخرجها من المدرسة بالضرب، وتم تزويجها لأبى، وهى فى الخامسة عشرة، لتلد تسعة أطفال، ثم تموت بالسرطان وهى فى ريعان شبابها.

ثبت طبيا أن الحزن يحدث خللًا بخلايا الجسم، مما يؤدى لأورام سرطانية حميدة أو خبيثة، حسب درجة الحزن، إن كان مؤقتا بريئا، أو مزمنا خبيثا، كان أبى زوجا فاضلا يعامل أمى باحترام وحب، لم يتعلق حزن أمى بزوجها أو إحباطها فى حياتها الخاصة، بل إحباطها فى حياتها العامة، لم تحقق أمى شيئا من طموحاتها الفكرية والعلمية، وكانت تنصحنى دائما بعدم إهمال طموحى الفكرى والأدبى لأجل أى رجل، وإن كان إمبراطور الصين.

يظهر وجه أمى أمامى بعد ستين عاما من موتها، وأنا أشهد وجوه النساء الخارجات للشوارع فى بلاد العالم، يشوحن بأيديهن فى وجه الظلم والقهر والهوان، يهتفن فى نفس واحد: يسقط العنف والتحرش بالنساء، تسقط الرجولة الزائفة، تسقط الأنوثة الذليلة، تسقط تعرية أجسامنا للسوق والأرباح، تسقط تغطية رؤوسنا باسم الدين والأخلاق، تسقط الازدواجية والتفرقة بين البشر، تسقط عبودية القرن الواحد والعشرين. تختنق أصوات النساء بالدموع، يخرج هتافهن مبحوحًا بعمق الألم ومرارة القهر، من قلب الجروح النازفة رغم الزمن، على مدى سبعة آلاف سنة تراكمت الأحزان، لم تلتئم جروح الأمهات والزوجات والبنات، ما إن يلتئم الجرح حتى ينزف من جديد، ما إن تتحرر البنت من سجن الأب حتى تدخل سجن الزوجية، ما إن تتحرر من خدمة الزوج والأطفال والأحفاد حتى يهلكها التعب والمرض والإحباط.

أكثر ما يهلك المرأة هو الحزن على ضياع عمرها فى الخدمة والطاعة دون جزاء، إلا القهر أو الغدر والخيانة، من الأحبة والأقرباء قبل الغرباء والأعداء، تحزن المرأة على فقدان نفسها واسمها وطموحها العقلى، يقولون لها: ليس لك طموح خارج الجسد، ليس لك حياة خارج الزواج، ليس لك ذات مستقلة يمكنك تحقيقها خارج بيتك وزوجك وأطفالك، يتهمون المرأة الطموح فكريًا بالانحراف النفسى والأخلاقى، تدافع المرأة عن نفسها، وإن كانت كاتبة أو طبيبة أو وزيرة، بالإعلان عن طاعتها الكاملة لزوجها، وتلبية رغباته وأهوائه، بما فيها فنون العشق بالفراش، وطبخ المسقعة والكوسة، رأينا بالصحف صورة الوزيرة المصرية الأولى مرتدية فوطة المطبخ تقدم الطعام لزوجها، وأظهرت أشهر محامية مصرية الزهو بمسح حذاء زوجها، وصرحت إعلامية معروفة بأن لزوجها حق تأديبها بالضرب دون إحداث عاهة مستديمة، وبالفضاء الإلكترونى رفعت مجموعة نساء شعار «زوجى هو زوجك» لتشجيع الرجال على الخيانات الزوجية.

شهدنا أضخم المظاهرات النسائية، بالفلبين وكوريا وأفغانستان وبولندا والأرجنتين وأوروبا وأمريكا، وفى إسبانيا وأيسلندا، نظمت النساء إضرابًا عن العمل بالبيوت «يوم واحد»، الذى أدى لتوقف جميع دواليب العمل والحركة بالدولة، بما فيها الطائرات والقطارات، ولزم الرجال البيوت يرضعون الأطفال ويطبخون، رفعت النساء الشعار «إن توقفت النساء عن العمل يتوقف كل شىء».

تربط النساء الواعيات بين العنف الزوجى وعنف الأنظمة السياسية، بين الاستبداد الخاص والاستبداد العام، بين الفساد فى الأسرة والفساد فى الدولة.

كان الفضل لاحتجاج النساء وتمردهن على النظام العالمى، الإدراك كيف أن هذا النظام العالمى يهدر المليارات من الدولارات للقتل وسفك الدماء، بينما يترك الغالبية من سكان الأرض يعانون من الفقر والمرض. ولهذا شاهدنا مظاهرات النساء على مستوى العالم ترفع شعار «الاستثمار فى الصحة وليس الاستثمار فى الأسلحة».



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرغبة فى عبادة وتقديس السلطة الفردية.. مرض مزمن عالمى ومحلى
- أحاسيس دنسة تسللت إلى جسدها غير الطاهر
- الكاتب الكبير والكاتب الحر
- كيف تتحقق ديمقراطية المجتمع فى ظل ديكتاتورية الأسرة؟
- قانون واحد للأسرة المصرية
- أعطونا كتاب الله وأخذوا أرضنا وأموالنا
- من يكون الهومو ديوس؟
- مع صديقة العمر فى هدوء الليل
- حينما تتلاشى المسافة بين «البيت الأبيض» وغرفة نومى فى شبرا
- حين تكون القراءة النقدية إبداعًا
- فتاة الليل تقتحم عالم الكتابة
- أنوثة الفلاحة في الحقل.. وأنوثة الطبيبة في المدينة
- الكاتبة ورئيسة الحكومة
- حملة شعبية ضد التجارة بالطب
- وتبقى البؤرة الفاسدة المتوارثة دون مساس
- مأساة المفكرة المبدعة في عالم ديني ذكوري
- شهادة الزوج الثاني في المحكمة
- نوال السعداويأمر الله والانفجار السكاني
- الصراع الدامي التاريخي بين الآلهة والبشر
- مذكرات طبيبة بعد 63 عامًا من القهر


المزيد.....




- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...
- هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
- اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر ...
- “الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - لا ينطقون مع النَّفَس الأخير إلا كلمة «أمى»