أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ندى مصطفى رستم - كاميرا














المزيد.....

كاميرا


ندى مصطفى رستم

الحوار المتمدن-العدد: 6439 - 2019 / 12 / 16 - 02:54
المحور: الادب والفن
    


الحياة جميلة، هكذا يقال ومن كانوا يرددنوها، كانوا بشراً غير عاديين، ممتلئين بالأوجاع والقهر والحرمان، عندما تلقاهم، ينظرون إليك نظرة تشد عودك وترفع رأسك إلى أعلى، ويقولون لك الحياة حلوة، وحلاوتها بسبب مرارتها التي نتذوقها كأنها تُحضر لك أو أن تكون من صنع يدك، قمت بتحضيرها دون قصد. كانت تعجبني تلك المقولة منذ صغري، أكررها بداخلي مرات ومرات كي لا أنكسر. أنا وحيدته وأميرته ومدللته، قبل أن يغيب عني قسراً. كنت أشعر بقوة كبيرة بداخلي، ألعب براحتي أضحك متى أشاء، أفرض رأيي على الآخرين، بالأكل واللباس وحتى بالمشوار، كوني ضوء عينيه، عندما كان يسافر كنت أحس بأني تائهة، أنطوي على ذاتي رغم أن لا أحد يزعجني، الكل من حولي يريد أن يدللني، ولكنهم لا يشبهونه، وقد كان كثير السفر، أما أنا فكنت أنتظر لحظة عودته بفارغ الصبر، بقلب يرقص بين ضلوع، كنت أحب أن يجدني في فراشه نصف نائمة قبل أن يصل، ذات مرة اصطنعت المرض، كان عمري سبعة أعوام، اقتربت مني حبيبة قلبه ورفيقة عمره وقالت لي، خذي خافض حرارة وأذهبي لفراشك! لكنني بدل من أن أدخل غرفتي، دخلت غرفتهما وبدأ النوم يتسلل بدون استئذان فسريرهما يشعرني بالأمان، وفجأة تعالت الأصوات بالخارج وسمعت أحدهم بقول، وصل وصل الحمدالله، وصل، كنت سعيدة بتلك الأصوات وبدأت أنادي النوم ليأتي مسرعاً لأجل أن تتركني حبيبته بسلام، للأسف خذلني فدخل الغالي غرفته، اقترب مني، قبّل جبيني وكالعادة تجاهلته وعيوني نصف مغلقة وإذ بصوت فوق رأسي: لماذا أنتِ هنا؟ ألم أقل لكِ إذهبي لغرفتك! ماذا تفعلين هنا؟ انهضي! وبدأت تصدر أوامرها ضاحكة، وإذ بضوء قوي يسطع في الغرفة، إنه فلاش كاميرته الحديثة التي تظهّر الصورة مباشرة! رنّت ضحكته قائلاً، صورة رائعة لحبيبتي وأميرتي الشقية! ثم يؤكد لها، حبيبتي، انظري إنها نائمة! والصورة تثبت ذلك! دعيها قليلاً. أصرّتْ أن أنهض وأذهب لغرفتي بمفردي وبتلك اللحظة اقترب مني ورسم قبلة وضمني إلى صدره الدافىء وأخذني بين ذراعيه وأنا أشم رائحة أنفاسه وعطره وأسمع دقات قلبه الحنونة، هكذا تبدأ رحلتي معه، حقاً لحظات لا تُنسى! تمنيتُ لو كانت غرفتي بعيدة كبعد القمر عن الأرض، كي أظل أطول فترة بين ذراعيه، يمشي ببطئ باتجاه غرفتي ويحدّث نفسه: أصبحتِ صبية كبيرة وثقيلة! ولما ندخل غرفتي أمسك برقبته وأقبله وأقول له بالعامية: إجيت؟! ماذا أحضرت لي هدايا؟ يضحك بصوت عال، فتدخل حبيبته وتقول له: قلت لك إنها غير نائمة! يضعني في فراشي ويقبلانني كلاهما وتنتهي رحلتي الجميلة. كل اليوم على ذات المنوال يتم ترحيلي بذات الطريقة، لا أستطيع أن أصف مدى سعادتي حينها، وكأنني ملكتُ الكون ومجراته وعندما أخرج الى الشارع كي ألعب مع أصدقائي، أخبرهم عن رحلتي وهم مندهشين كيف يحملني ويغني لي ويلعب معي ويقوم بتصويري وكيف يسجل لي صوتي وأنا أغني، كنت طفلة سعيدة. وفي أحد الأيام اختفى ولم يعد يأتي إلى البيت كعادته، أصبحتْ حبيبته صامته والدموع جامدة في عينيها الواسعتين ولم تعد ترتدي الألوان الجميلة، كانت تكتفي باللون الأسود والكحلي وشحب وجهها بعد أن كان وردي اللون وبدأتْ جدران المنزل تتغير ويبهت لونها، النوافذ لم تعد مفتوحة، الستائر مسدولة والحديقة مهملة وأوراق أشجارها على الارض ميتة كأن الربيع لا يعرف طريقاً إليها، إخوتي كانوا هادئين جداً أما أنا كنت مضطربة أبحث عنه في كل الغرف والزاويا أكثر من مرة، بدأت أشعر بأن هناك أمر ما قد حصل! ولم أجد تفسيراً له، لماذا اختفى، وأنا بحاجة إليه؟! لم أتعلم منه بعد! كيف أتصرف؟ ولا أعلم كيف يريدني هو أن أكون؟ كيف أتكلم؟ كيف سأفكر؟ كنت أرغب أن أقلده! غيابه شكّل فراغاً كبيراً، كنت أحاول أن أدخل غرفته لأشعر أنه هنا لم يغب! أنا الوحيدة التي كان يحق لها أن تعبث بأشياءه وأن ترتدي ثيابه. كانت حبيبته تنظر إلي دون أن تتكلم أو تغضب! فتكتفي بضمي وتهمس بأذني أنه سيأتي في يوم ما، أبتسم وأقول لها: مللتُ الإنتظار! ماذا أفعل لكي يأتي ولا يغادرنا؟ في يوم من الأيام قررتُ أن أرتدي طقمه الرسمي وأخرج به الى الشارع، كي تراني حبيبته. تحاول منعي وأعاندها كالعادة كي تضطر أن تتصل بحبيبها وتشكوني إليه، ربما يأتي مسرعاً؟ للأسف خرجت ولكن لم يحدث شيء. اجتمع أصدقائي حولي متسائلين لماذا ترتدي طقمه، هل أتى؟ كيف سمح لك؟ فقلت لهم أنا طفلته المدللة، أفعل ما أرغب به، أنا الوحيدة التي يحق لها أن ترتدي ثيابه. فاجأتني دموعي وبكيت بقوة أمامهم، قلت لهم إني مشتاقة له ولرائحته ولضحكته ولسماع صفيره لأغنية يامرسال المراسيل. نظروا إلي ودموعهم قد ملأت وجوههم. "لا تبكي أيتها الشقية كلنا نحبك سيأتي قريباً، أنت تعرفين أن طبيعة عمله فيها سفر دائم ربما هذه المرة سفرته طويلة ياترى كم دولة سيزور وكم لعبة سيجلب معه؟!" فضحكت وقلت لهم: أووووووو، كتير "بحجم جبل قاسيون". مسحت دموعي وبدأت أخرج لهم جميع الألعاب وأشرح لهم حكاية كل لعبة وكيف تحكي وكيف تغني ولباس كل لعبة يدل على هويتها ومن أي بلد جاءت. كل يوم نكرر الحديث ذاته وأحكي لهم، كيف كان يلعب معي ومع أخوتي دون ملل او تذمر، كانت تسعدني أسئلتهم حوله وأحب أن أجيب عنها بفرح واصفة لهم حبه الكبير لأسرته طبعاً مع التأيد أن حصتي كانت الأكبر بقلبه! وأسرد لهم حكايات حصلت وحكايات من نسيج الخيال ربما لو لم يختف لحدثت! تخيلت أني سافرت معه برحلة حول العالم، ولكن اللعبة انتهت وانتهى الكلام ولم أستطع أن أحكي شيئاً جديداً، حين علمت أن غولاً قرر أن يخطفه مني! وأنا بأمس الحاجة له، من سيكون سندي! ومن سيحملني لفراشي! ومن سيصورني! ويسجل لي الأغاني بصوتي؟! وبدأت حياتي تأخذ منحىً آخر، فعم الصمت حياتي والوحدة كانت دوماً تجالسني، هكذا كنت أبتعد عن الجميع، اختفت تلك الضحكة التي كان يحبها حقاً، كانت حياتنا حلوة ولكن الغول سرقها مني ومن إخوتي ومن حبيبته الجميلة صاحبة العيون العسلية والضفيرة المنسدلة على ظهرها الصلب الذي لا يعرف الانحناء. كانت قوية جداً، فغياب حبيبها جعلها كاللبوة، وزرعت بداخلنا حب كبير للحياة وعلمتنا لغة الصبر بانتظار عودة حبيبنا..!.



#ندى_مصطفى_رستم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هوية مفقودة!
- لن ألومك!
- تساؤلات /3/ اهمية التقويم
- عداوة الكورد تجارة خاسرة!
- تساؤلات -2-
- علبة بين الحقيقة والحلم،،،
- رسالة لم تصل بعد!
- وبقي الوشاح
- لحد عاشق!
- آه يا ثلج
- الوضع السوري عامياً
- تساؤلات
- قراءة في كتاب -بوح-


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ندى مصطفى رستم - كاميرا