أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عرفات حجازي - لماذا نذهب إلى السينما؟














المزيد.....

لماذا نذهب إلى السينما؟


محمد عرفات حجازي
كاتب وباحث أكاديمي ـ رئيس اتحاد الفلاسفة العرب

(Mohamed Arafat Hegazy)


الحوار المتمدن-العدد: 6438 - 2019 / 12 / 15 - 04:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يتلقّى المشاهد العربي سنويًّا، فيضًا من الأفلام السينمائية، العربية والأجنبية، ليُقرِّر في كلّ مرة، رغم ضغوطات الحياة، الذهاب إلى السينما ومُشاهدة تلك العروض، في حين تُفضّل شريحة أخرى الانتظار ومُشاهدة تلك الأفلام من خلال الانترنت أو القنوات الفضائية.. ومن هنا نتساءل: ما الذي يُميِّز السينما عن التليفزيون أو الانترنت ويجعلها تأسرنا إلى هذا الحدّ؟
يرى ريجيز دوبري (1940ـ ) أنّ التليفزيون، كالكمبيوتر، هو أداة للتشتيت؛ فبرغم إضاءته من الداخل، إلا أنّهما لا يعكسان شيئًا. ولكونهما نادرًا ما يُطفآن، فهما يبقيان ـ بلا مُبالاة في غُرف مُتنوِّعة من كلِّ منزل ـ جزءًا من البيئة.
ويجعل مُشاهدو التليفزيون والانترنت ـ الفيلم تحت رحمتهم؛ بمُشاهدته كيفما ومتى ما يشاؤون، بمفردهم غالبًا، أو بصُحبة أفراد العائلة والأصدقاء؛ حيث يُمكنهم إيقاف الفيلم، أو إعادة مشهد مُعيّن وفق اختيارهم.
أبعد من ذلك، فلا يُشاهد الأفراد الأفلام على حواسيبهم الشخصية بطريقتهم الخاصة وحسب، ولكنّهم يُشاهدونها في نافذة واحدة من بين بضع نوافذ قد تكون عاملة في اللحظة نفسها (البريد الالكتروني؛ مدونة مفضلة؛ حالة الطقس... إلخ)، في حين تُشكِّل السينما نوعًا واحدًا فقط من محتوى البرامج المُتاحة لنظام "ويندوز". ما يعني أنّه بانتشار الشاشات الصغيرة، بكلّ أشكالها، يتحكّم المُشاهد في التجربة، بشكل أو بآخر.
وعلى النقيض ممّا سبق، يرى جان لوك غودار (1930 ـ ) أنّ السينما، بوصفها سينما، لا توجد إلا في فضاء عام؛ حيث يجلس جمهور مُتنوّع ساكنًا، بينما ترسل آلة العرض من فوق رؤوسهم صورًا تُصوِّر عالمًا مُكبّرًا. وأضاف ساخرًا: ينظر المرء لأعلى في السينما ولأسفل على التلفزيون.
إنّ الذهاب إلى السينما، بذاته، يُمثِّل نقلة دراماتيكية غير مُتاحة لمُشاهد التليفزيون في المنزل؛ إذ يتميّز العرض السينمائي بواقعية تتجسّد في: أحجام الممثلين التي تبدو كالحجم الطبيعي تقريبًا؛ التركيز والانتباه المُتواصل، وإن كان بوتيرة مختلفة بين بداية الفيلم ونهايته؛ إلى جانب انعدام الدعايات. كذلك فإنّ الشاشة المُسطّحة، ذات الحجم الضخم، كشاشات السينما، تفضي إلى بعدٍ ثالث كأنّه عُمقٌ أو زمن.
إنّنا ندخل الأفلام من خلال مجموعة من العتبات بدءًا من ديكور دور العرض والبهو الذي يحوي مُلصقاتها، مرورًا بالباب الذي يُفضي إلى قاعة العرض، لنجد مقاعدنا في ضوءٍ خافت بينما يبدأ عرض دعايات الأفلام التي تجتذب انتباهنا وتُركِّز رؤيتنا على الشاشة تدريجيًّا، وتُظلم القاعة كليًّا. وحتى في هذه المرحلة، يجب علينا المرور عبر شعار الاستوديو، وشارات البداية، ومجموعة من المُقدِّمات التمهيديّة النصِّية التي تُسمِّيها نظريّة السرد بدقّة "أدوات التأطير". هذه الأدوات هي عتبات السينما التي نعبر من خلالها في طريقنا إلى ما تحمله الشاشة وما لا تحمله.
وبدخولنا دور العرض، كغيرنا، فإنّنا نعبر لعالم آخر من خلال طقس يُصبح فيه التماهي شديدًا. نرتاح من أنفسنا لِبُرهة، ونتواصل مع رفاقنا، ومع الآخرين الغامضين المُحتجبين وراء نطاق إدراكنا، ونعود في النهاية لحيواتنا حينما ينتهي العرض، مُتجدِّدين حسب ما هو مُفترض، وهو ما يعني مرورنا بحالة من التطهُّر ـ أو قريبة جدًا منها. وهو ما جعل السرياليّون ينظرون إلى السينما على أنّها مهرب الحداثة من الروتين الفاتر للحياة في العصر الصناعي للقرن العشرين.
يكمن جلال السينما في التوقُّعات التي تُيرها وفي الجهد الإدراكي الذي تتطلَّبه. وقد حذّر جون لوي فورنييه (1938ـ )، من أنّ السينما هي نموذج حديث لـ "كهف أفلاطون" حديث يُحدِّق فيه الناس في الظلال، مُقيّدين بسلاسل الأيديولوجيا. لكن لأنّ المُشاهدين يختارون دخول هذا الكهف ـ بل يدفعون المال ليدخلوه ـ فبإمكانهم تحويل افتتانهم بالشاشة إلى نقاش بشأن ما يرونه مُنعكسًا هناك: رؤية للعالم، وجهة نظر عن كيفية العيش فيه أو كيفية تغييره.
إنّ الذهاب إلى السينما، يعني، الذهاب مع "الفيلم"، ومُلاقاة رؤيته للعالم برؤية من عندنا. وشاشة السينما، هي مكان اللقاء الذي تُعرض عليه شظايا من عوالم غير محدودة؛ إذ تمتزج مجموعة من الأصوات والصور (رغم أنّه تمّ التقاطها وتنظيمها من أجل هذا) وتنصهر مع الأفكار والمشاعر المجلوبة من المُشاهدين القادمين من الشارع. وبذلك يعمل الفيلم، تمامًا، بالطريقة التي يصف بها بول ريكور (1913ـ 2005م) الاستعارة؛ فحينما يُفاجئ خطاب موضوع في نطاق لغةٍ ما بتعبير جريء دخيل، فإنّ مُفردات نطاق لغوي آخر ومنظوره يجرفان الأول، مُظهرين جوانب جديدة للموضوع.
وبعد انتهاء الفيلم، فإنّنا، سواء كُنّا نُقّادًا مُحترفين أم مُشاهدين عاديّين، سنُدخل ما شاهدناه وفهمناه ضمن نطاق ما نُدركه ونعقله، ونُوطّن الفيلم داخلنا بأسهل ما يُمكننا. وبذلك، فإنّ مُشاهدة فيلم ما تتبع سيناريو مُحبِطًا: يبدأ بالأمل، والاستثارة، والوعد بشيء جديد بالفعل، مع بدايات الفيلم، وتنتهي بنا على قارعة الطريق وليس معنا سوى قصة أخرى، يُمكننا الحديث عنها، وتصنيفها، أو نسيانها ببساطة.
إنّنا نلعب دور صُنَّاع الفيلم بِمُشاهدتنا للفيلم نفسه؛ فنحن لا نستقبل كلّ ما يُعرض على الشاشة بقدرٍ مُتساوٍ؛ ولكوننا كائنات أخلاقية، نقوم بتصفية الفيلم عند مُشاهدته، وبذلك، فإنّ عرض الفيلم، يتجاوز ما تمّ تصويره وتنظيمه، والرؤية "عبر" ما هو موجود، ليكون العرض بذلك مُركِّزًا الرؤية لتجاوز ما هو مرئي إلى القدرة على الرؤية والوصول إلى الخيالي. وبالتالي، فإنّ عرض الأفلام على المُشاهدين له تبعات سياسية اجتماعية لا يُمكن التنبؤ بها.



#محمد_عرفات_حجازي (هاشتاغ)       Mohamed_Arafat_Hegazy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوس الجنسي قراءة فلسفية
- الدعاء للميت: مُزايدة على الله؟


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عرفات حجازي - لماذا نذهب إلى السينما؟