أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - صباح راهي العبود - منتفضون ... سلاحهم علم ,وهمرهم تكتك.















المزيد.....


منتفضون ... سلاحهم علم ,وهمرهم تكتك.


صباح راهي العبود

الحوار المتمدن-العدد: 6432 - 2019 / 12 / 8 - 13:31
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


بعد سقوط النظام السابق في نيسان 2003 حدث في العراق انفتاح على مواقع الشبكة العنكبوتية (الأنترنيت) من خلال الحاسبات الالكترونية ومن ثم التلفونات المحمولة والآيباد التي كانت ممنوعة على المواطنين , وغدت فيما بعد حاجة أساسة لا يستطيع الفرد الاستغناء عنها بما فيهم الصبايا والصبيان.ونتيجة لهذه التطورات التقنية واعتباراً من عام 2004 والسنوات التي تلت تم إطلاق تطبيق الفيسبك ثم تلاحقت التطبيقات الأخرى منها الواتساب,ماسنجر,استكرام,ويشات,كيوزون,تيك تكتوك, سناب شات,يوتيوب, تويتر,لنكدإن,سكايب,فيس تايم....ألخ , مما أتاح لمستخدمي وسائل الاستلام الإلكترونية التعليق والاعجاب وحفظ الملفات الشخصية, ثم الاتصالات التلفونية (صورة وصوت) ,وإرسال الرسائل وتلقيها ,ومشاركة العديد من المقاطع الصوتية ,وتطبيقات الألعاب, ومعالجة الصور (الفوتوشوب) وكثيرغيرها.وزادت سرعة التسابق بارتفاع سقف المنافسات الشعبية بين الشركات المعنية بهذا الأمر والتي سعى المختصون لتحقيقها في جميع هذه المواقع للحصول على أكبر عدد من المتابعين ,واستحضار المعلومات ,والاطلاع على الأخبار,ونقل الأحداث المصورة أولاً بأول سعياً للربح وجني الأموال الخيالية حتى أن المتابعين والمتواصلين فاق الأربعة مليارات نسمة حول العالم. كما ارتفع معدل زمن الاستعمال لكل شخص من 90 دقيقة في اليوم عام 2012 إلى 145 دقيقة في اليوم نهايات عام 2019. حتى أن كثير من هؤلاء بلغ به الأمر حد الهوس والادمان في إستعمال هذه الوسائل.
لقد مثل الاعلام الاجتماعي (السوشيل ميديا) قفزة كبيرة للاعلام والتواصل من خلال الحاسبات الالكترونية والتلفونات المحمولة والآيباد بما تحمله من إيجابيات وسلبيات . وفي الوطن العربي كان لهذه المواقع دور كبير في إندلاع ما عرف بالربيع العربي. وأسفر الاستعمال المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي عن ضعف الروابط الأسرية بعدما أمسى كل فرد من أفراد العائلة صغاراً وكباراً يحدق بشاشةهاتفه المحمول منزوياً داخل غرفته أو في صالة الجلوس وعلى أريكة واحدة أحياناً من دون كلل أوملل ليجدوا أنفسهم معزولين عن الأهل ,وبهذا وصل الأمر إلى تفكك العوائل وانتهاء ظاهرة الأسرة الكبيرة المتماسكة ,ومعها تراجعت اللقاءات والزيارات والتجمعات العائلية وانتهى معها السمر ولياليه الجميلة. ومع بروز هذه الظاهرة التي فرضت نفسها على العوائل ظهر جيل جديد من الشباب من الجنسين وجدوا ضالتهم في وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة من خلال شبكة الأنترنت ,فالتقوا مكونين مجتمعاً شبابياً واسعاً مختلطاً, يتناغمون فيه مع بعضهم بتناغم وتوافق عمري رائع, يتعارفون ويمارسون الألعاب المتاحة, ويتبادلون الآراء والأسرار والمتعة والمعلومات التي كانت خط أحمر يخفيها الآباء على الأبناء, حتى غدا هذا التجمع مرجعية لهم بديلاً عن كل المرجعيات الاجتماعية بما فيها مرجعية الأهل, التي عدوها قديمة بالية ومتخلفة لما تحمله بين ثناياها من تعصب ديني وطائفي وعرقي وشوفيني وما رافقه من تراجع إجتماعي . وظهر هذا الرفض واضحاً وبالأخص من خلال طلاب وطالبات المدارس والجامعات .
في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وتسليم السلطة إلى أحزاب الإسلام السياسي بطائفتيه لتسيير دفة الحكم وما نتج عنه من محاصصة طائفية مقيتة, شاعت ظاهرة الفساد الاداري والمالي من قبل القادة الجدد, وشاعت معها ثقافة التزوير للشهادات الدراسية ولجميع الوثائق لمختلف الأغراض, وكذلك السرقات والرشوات التي تمارس من لدن هؤلاء بالسراء والعلن دون رادع ولا خجل .و شكلوا عصابات للسلب والنهب (وتوزيع الكيكة) . سماسرة رافقت المسئولين وفي كافة المستويات جلهم من الأهل والأقارب والأصدقاء لعقد إتفاقيات مع شركات وهمية في الخارج تُسلم مبالغ العقد بالكامل للمسئول من دون إنجاز !!. وتحولت الوزارات والدوائر إلى ضيعات تباع فيها الدرجات الوظيفية بالمزاد كل بسعره وحسب ما يدر المنصب من مال سحت حرام ,منها مثلاً قبض رواتب لأكثر من (50000) شخص بأسماء منتسبين لا وجود لهم (فضائيين) فضلاً عن أعداد كبيرة أخرى من العسكريين والشرطة .وشملت السرقات أيضاً سرقة أراض ومقاطعات زراعية ودور تابعة للدولة ولمواطنين هاجروا إلى المنافي ,وشاعت عمليات غسيل الأموال وتهريب العملات الصعبة من خلال البنوك الأهلية أقطاب النظام (9832 قضية فساد مالي مثلاً في ثلاثة أشهر فقط) , وسرقة الآثار و (30) مليار دولار صرفت لتوفير الكهرباء للمواطنين التي لم تتوفر لحد اللحظة !! وتهريب النفط المسروق .فعلى سبيل المثال ظل أحد قادة الأحزاب يهرب النفط ومنذ عام 2003 بمعدل 300000 برميل تدر عليه 15 مليون دولار يومياً !! وفي ظل هؤلاء خونة الشعب وسارقي خبزه إستشرى الفساد وتدهورت أحوال العراقيين في كل المناحي الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتربوية,ودمروا الصناعة والزراعة على وفق خطط مدروسة لم يسلم منها حتى النخيل والأسماك . أقفلت آلاف المعامل والمصانع أبوابها بعد أن ضربها الكساد نتيجة الاستيراد المفتوح للبضائع ,وللسبب نفسه غادر الفلاحون الجائعون أرضهم ( مجبرأخاك لا بطلاً ),غابت وانعدمت الخدمات وعم الفقر وانغلقت سبل العيش الكريم وانتشر الفساد الذي بلغ ذروته نتيجة لإنعدام فرص العمل وعدم الحصول على الوظائف التي أصبحت من حصة الذي يدفع الرشوة حسب حتى وإن كان أمياً .أما السرقة الأكبر فكانت (149) مليار دولار من حصة وزارة الدفاع لتسليح الجيش كانت قد صرفت على عقود وهمية وأسلحة فاسدة وجنود وهميين (فضائيين) . فساد يتبعه فساد في سلسلة متصلة كبدت الاقتصاد أكثرمن 800 مليار دولار ليرزح 25 % من المواطنين تحت خط الفقر ويحول إقتصاد البلد إلى ريعي يسهم النفط بأكثر من 95% من إجمالي دخل البلاد. في حين يبقى اللصوص طلقاء داخل البلاد وخارجه.
وكنتيجة حتمية للمحاصصة الطائفية حدث صراع وحراب اجتماعي وعنف طائفي عام 2006 وما تلاه من أعوام خسرنا بسببه الكثير من أبنائنا (بحدود 50 ألف شهيد) وما خلفه من أرامل وأيتام وثكالى بلا معيل يبحثون عن طعامهم في أكداس الأزبال التي انتشرت في كل مكان , وحل التراجع الأخلاقي والقيمي والوطني , فضلاً عن ضياع المال وتدمير في البنى التحتية وغيره .كما اختفت كثير من المثل العليا التي تميز العراقيين الأصلاء لتسود قيم أخرى بديلة لم يألفها العراقيون من قبل. وأزاء هذا التدمير والتخريب المتعمد من قبل لقطاء السياسة وسقط المتاع اللصوص وجد الجيل الجديد من الشباب أنفسهم في حالة يأس واحباط وفقدان الثقة بالنفس,فلا فرصة عمل حتى للخريجين وحملة الشهادات العالية الذين قمعت مظاهرتهم المطلبية السلمية في أكتوبر الماضي بالضرب والمياه الساخنة .
بعد أن بلغ السيل الزبى وضاقت فسحة الأمل وانسدت أبواب وسبل العيش الكريم بوجه الشباب الذين أصيبوا بخيبة أمل حادة وحالة عجز تام من امكانية التخطيط لمستقبل بدا حالك السواد قاتماً ,وعندما تجاوز الأمر حد الانفجار, خرجوا بمظاهرات مطلبية سلمية تكررت وتطورت على مراحل زمنية متعاقبة ,وتجددت بكثافة عالية غصت فيهم ساحة التحرير ببغداد والشوارع والأزقة المحيطة بها بدءاً من الأول من تشرين الأول (اكتوبر) من العام الحالي في إثر مظاهرة قامت بها جموع واسعة من حملة شهادات الدبلوم العالي والدكتوراه المطالبين بالتعيين تم قمعها من قوات حكومية بضربهم ورشهم بالماء الحار.وعلى الرغم من أن مظاهرات أكتوبركانت سلمية, ومطاليب الشباب مشروعة ( توفير الكهرباء والماء الصالح للشرب وإصلاح البنية التحتية وغيرها من أمورحياتية أساسة, إلى جانب المطالبة بمحاسبة الفاسدين وإعادة الأموال المسروقة ومحاسبة الفاسدين) لكن السلطات الأمنية جابهتهم بوابل من الرصاص الحي والمطاطي ورصاص القناصة وقنابل الغازات المسيلة للدموع برمي مباشرتسببت بسقوط شهداء وجرحى مما ألهب الحماس وأجج روح الثورة في نفوس مواطني مدن عديدة في محافظات وسط وجنوب العراق ,فخرجت الألوف لتهز الأرض تحت أرجل الطغاة وتطيح بعروشهم وتفقدهم الشرعية السياسية والاجتماعية.وارتفع سقف مطاليبهم باسقاط الحكومة وحل المجلس النيابي وإعادة النظر في النظام السياسي وتركيبة هيئة النزاهة وبنود الدستور وقانون الانتخابات وغير ذلك. كما طالبوا بمحاسبة من أمر ومن قام بفتح النار بوجه المتظاهرين . وفي كل مرة تقمع المظاهرات بشكل وحشي همجي على الرغم من أن الدستور يسمح بالتظاهر المطلبية السلمية فإن عدد المتظاهرين يزداد ويتصاعد سقف مطاليبهم , والنتيجة سقوط ما يزيد على 500 شهيداً إضافة إلى أكثر من 20000 جريحاً لحد كتابة هذا المقال إستشهد كثير منهم بعد نقله إلى المستشفى بوساطة سواق التكتك البواسل بينما عاد من تم شفاؤه إلى ساحة التظاهر. ولعل واحدة من علامات ودلالات إنهيار السلطات الجائرة هي أنها عطلت الأنترنت ما يدل على خوفهم من الشعب , واعتقلت الألاف منهم وخطف وغيبت آعداداً كبيرة من الشباب والشابات وهم في طريق عودتهم من ساحة التحرير إلى بيوتهم. ومم زاد في إرتباك هؤلاء اللصوص المتخلفين إنضمام جموع طلبة وطالبات المدارس والجامعات ,فيما دعت النقابات المختلفة وشرائح اجتماعية أخرى إلى إعلان الاضراب والاعتصام .
الانتفاضة التي ما زالت مستمرة رغم قساوة القمع وهمجيته وما رافقها من اعتصامات أحيت في نفوس الشباب حب الوطن وأيقضت الوعي الوطني لدى أطياف الشعب العراقي بعد أن اهتزت تلكم المشاعر نتيجة الدمار الذي شمل كل مناحي الحياة. وانتقل إشعاع اليقظة الجماهيرية في العراق إلى شعوب دول الجوار منها إيران والكويت فضلاً عن دول في مختلف بقاع العالم , إذ نظمت هناك مظاهرات شعبية مطلبية واحتجاجية. كما أن الانتفاضة قلبت الحقيقة القديمة التي تقضي بقيادة الأولاد من قبل الأباء وجعلت الآباء يتبعون الأبناء ويساندونهم في مطاليبهم بكل فخر واعتزاز ,ولم نلحظ أي مبادرة تسلط أو رفض أومنع من لدن الآباء لأبنائهم وبناتهم من المشاركة في الانتفاضة,لابل سارعوا لمشاركتهم في نهضتهم التي أحدثت الصحوة الوطنية بأعلى المستويات, وأرسلوا رسالة براءة من الأحزاب المتأسلمة الماسكة للسلطة لما سببوه من دمار وتأجيج للروح الطائفية العفنة وتداعياتها ,وما سنوه من قوانين مجحفة . وهي أيضاً رسالة رفض لمحاولات بعض دول الجوار التي تسعى لتحقيق أطماعها التوسعية ,وجاء هذا الرفض صريحاً لإيران في الهتافات واللافتات التي رفعها المنتفضون منددة بتصريحات بعض المسئولين الايرانيين العلنية في إحتواء العراق,و من خلال التدخل السافر للجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي بسط نفوذه وسيطرته على المسئولين العراقيين بأعلى المستويات من خلال التدخل في إختيار رئيساً لمجلس الوزراء في العراق وتحديد مسار الحكومة العراقية.ومما يؤكد هذا التدخل هو ما نشرته النيويورك تايمز من وثائق (700 صفحة كدفعة أولى) تثبت فيها التدخل والتغلغل الإيراني في مفاصل الدولة العراقية الذي تصاعد منذ رحيل القوات الأمريكية عام 2010 وحصول إيران على أسرار الدولة من خلال تعاون ذيولها في الحكومة الخانعة ,ومن فلول الدوائر الأمنية في العهد السابق المجندين لخدمتها ,إلى جانب عملائها المنتمين للمليشيات المسلحة الخاضعة لها.
لعلنا نستطيع أن نؤشر على بعض من أهم النتائج التي حققتها هذه الانتفاضة منها تحرير جيل الآباء من سلبياتهم التي رافقتهم منذ عقود كالتطرف والتعصب الديني والطائفي ,والعقلية القبلية والعشائرية والمناطقية, وفرض الرأي على الآخرين وعدم إحترام الرأي الآخر وغيرها من أنواع التخلف والتراجع الاجتماعي . كما حررت الناس من عقدة الخوف من السلطات الحاكمة ورفض التزلف والتملق والولاء المطلق للحاكم وأسرته وأقاربه ,ورفض التبعية المطلقة للاسترقاق والعبودية للقائد المفدى المقدس.وأفقدت الملايين المنتفضة في العراق شرعية السلطات الحالية برمتها, ورفعت بوجهها الكارت الأحمر. كما أن الاستبسال والاستعداد العالي للفداء والتضحية التي أبداها الأبطال في ساحات الاعتصام والذي تجلى في تحديهم للقتلة المجرمين بالوقوف بصدورعارية أمام رصاص القتلة سبب إحراجاً وإنهياراً لهم وأشعرهم بقساوة سوط الاحتقار المسلط من لدن المنتفضين عليهم.وفي الجانب الآخر أحيا هؤلاء الأشاوس كل سمات الشخصية العراقية من كرم ومروءة وطيبة وحنية وصدق وتعاون ونكران ذات وقيم أخلاقية أخرى عرف بها العراقيون, وتجاوزوا كل الهويات الطارئة التي عملت على تفريقهم والتي برزت في أعقاب سيطرة أحزاب الاسلام السياسي على سدة الحكم عام 2003 لعل أخطرها هو شيوع التفرقة الطائفية بكل عنفها وعفنها, وقد شعر الجميع بهذه السلوكيات من خلال تصرفات من حضر في ساحة التحرير ساحة الشرف دون تكلف .كالتعاون والكرم والتضحية والفداء والجرأة والاقدام والصدق وكل سمات الشخصية العراقية التي تكلمنا عنها والتي شعت من مكان الانتفاضة,وأخذ كل من حضرهناك يبحث عن عمل أو مهمة يؤديها بكل نكران ذات لنيل شرف المشاركة في هذه الانتفاضة الجبارة. منهم من أعد الطعام داخل الساحة ,وآخرون جلبوا من بيوتهم المياه والأطعمة والفواكه والحلويات المتنوعة وصناديق مشروب الكولا الذي أستعمل في علاج حالات الاصابة بغازات القنابل المسيلة للدموع ,الفنانون التشكيليون حولوا جدران الساحة والنفق إلى لوحات فنية زاهية, فيما إنشغلت كثير من الفتيات طواعية بكنس وغسل أرضية المكان يشاركهن الشباب هناك. ولم يلحظ أحد من الموجودين أية ظاهرة تحرش أو تجاوز من قبل الشباب على أية فتاة إطلاقاً بعد أن حضرت الشخصية العراقية الأصيلة التي تحدثنا عنها.حضر حلاقون لتقديم خدماتهم المجانية,ومواطنون أخرون تطوعوا لشحن التلفونات المحمولة ,ونساء أحضرن التنانير لاعداد الخبز الحار وتوزيعه على المعتصمين , بعضهن إفترشن الأرض لعمل الوجبات الشعبية وغيرها, وتوزع آخرون على تجهيز البطانيات لمن يحتاجها ,وجلب مواد الاسعافات وألأدوية لاسعاف الجرحى الذين يتم نقلهم إلى خيمة الإسعافات بالتكتك لاجراء اللازم من قبل كوادرطبية من أطباء ومضمدين وفنيين من الجنسين تطوعوا لهذه المهمة. نقل الجرحى والمصابين بالرصاص المطاطي والحي, والمختنقين جراء القنابل المسيلة للدموع إلى خيمة الاسعافات هي مهمة سواق التكتك البواسل المنتشرون في الساحة وهم على أتم إستعداد لنقل المتوجهين إلى داخل الساحة أوالذين يرومون المغادرة مجاناً لعدم تمكن سيارات النقل العادية من الولوج إلى تلك الساحة,إلى جانب قيامهم بسحب جثث الشهداء من مناطق الموت والخطرالتي تفصل القوات الأمنية عن المعتصمين بشجاعة نادرة ونقلها إلى المستشفيات, وتطوعهم في نقل المؤن ومتطلبات إدامة الاعتصام والمواطنين مجاناً إلى داخل الساحة .
التكتك عربة بثلاث عجلات ,ظهرت في بغداد في أعقاب الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003 بعد أن أغلق شارع الرشيد بوجه السيارات فوجد الفتيان الذين تسربوا من المدارس بسبب فقدانهم لأولياء أمورهم واضطرارهم للعمل حمالين لإعالة عوائلهم المعدمة ,وجدوا ضالتهم في وسيلة النقل تلك لرخص ثمنها وسهولة حركتها ودخولها شارع الرشيد وتنقلها في محيط سوق الشورجة التجاري وتفرعاته الضيقة. والعجيب في أمر سواق هذه التكتوكات أنهم تحولوا تماماً في طريقة تعاملهم وأخلاقهم وتصرفاتهم مع بعضهم ومع الآخرين في ساحة التظاهر والإعتصام مما حير الناس من حولهم.
لغرض وأد الانتفاضة سعت المليشيات المسلحة التابعة لأحزاب السلطة إلى محاولات فاشلة ومفضوحة لتشويه سمعة المنتفضين وتشويه سلمية إنتفاضتهم المباركة وذلك بزج الذيول ومليشيات أحزابهم التابعين الملثمين للقيام بأعمال تخريب مشينة من إعتداءات وحرق مبان ودوائر حكومية وسرقة محلات أو ممارسة تصرفات مخجلة لا تليق بالموقف,يساندهم المتفيدون من المال الحرام والسحت ,والعصابات من دولة الجوار المعروفة بحقدها وعدائها للعراقيين وإستطاع المواطنون من تسجيل هذه التصرفات بالصوت والصورة ونشرها على وسائل الاعلام. ولعل آخر هذه الجرائم هي زج الآلاف من المأجورين في ساحة التحرير على هيئة مجاميع يتألف كل منها من 100 شخص يتصرفون بحقد ويهتفون باسم المرجعية على الرغم من تحذيرها بعدم زجها في مثل تلك الأعمال .وكان هؤلاء يحملون السكاكين وشفرات الحلاقة يطعنون ظهور وأكتاف ورقاب كل من يسألهم عن هويتهم. وقد تم إسعاف العشرات من المنتفضين ومن الجنسين .خرج هؤلاء المعتدين بعد مرور ساعة لشعورهم بأنهم غير مرحب بهم. ولعل آخر محاولات الأنذال ما جرى وأنا أعد هذا المقال من هجوم لقوات أمنية بالرصاص الحي حملتهم أربع سيارات بيضاء مجهولة أمطرت المعتصمين في منطقة جسر السنك وفي ساحة الخلاني وحواليهما أودت بحياة أكثر من 25 شهيداً وحوالي 139 جريحاً في محاولة لقمع الانتفاضة وإنهاء الاعتصام بأسرع وقت بعد أن سقطوا عالمياً وانفضحت أهدافهم ورفضهم المجتمع الدولي الذي إصطف مع الشعب العراقي المظلوم.
مع كل مجزرة تقوم بها السلطات المرعوبة لقمع الاعتصامات, تزداد همة وحماس وإصرارالشباب على الاستمرار في التظاهر والإعتصام في ساحات المجد,وتتصاعد معها روح الفداء والتضحية والجود بالنفس التي هي غاية الجود ,ويعلوا صوتهم المنادي بسلمية المظاهرات. ويلاحظ إزدياد عدد المعتصمين الأباة ,وكثر مؤيديهم والمتابعين لأخبارهم في أنحاء العالم. وتدخلت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان ومنظمات أخرى منادية بوقف إبادة المعتصمين الذي تحول إلى ثورة جبارة تقض مضاجع القتلة دعاة الدين. وصارصمودهم وإستبسالهم حديث وسائل الإعلام حول الكرة الأرضية.وبذلك أحدث الثوار ومناصريهم منعطفاً حاداً في مسيرة الشعب العراقي وكتبوا صفحة زاهية في تاريخ العراق الجديد.
مطالب المعتصمين استقرت على إسقاط حكومة عادل عبد المهدي وطرد الوجوه الكالحة التي باعت الوطن بعد أن نهبت ثرواته ,وقتلت أبنائه بالرصاص الحي لمجرد مطالبته بحقوقه المشروعة في العيش الكريم.ومحاسبة كل من ساهم في هذه المجازر بتوجيه الأوامر أو باطلاق الرصاص وكل من رضي بذلك.إننا واثقون كل الثقة على أن الانتصار قريب ,فلقد بدأ المشوار وسينتهي كما يشتهي الثوار لكي تبدأ حملة بناء وإعمار الوطن على أيدي هؤلاء الأبطال بعد (انتصار الدم على السيف) . وسيتم إختيارالحكومات بالطرق والوسائل السلمية عن طريق صناديق الاقتراع بدون عنف وفرض إرادات أو تزوير. وستكون هذه الثورة بمثابة منعطف كبير في تاريخ العراق الحديث . أسقطت العروش وأسست لمبدأ فصل الدين عن الدولة وعدم إقحامه بتزوير إنتخابات ولا إراقة دماء لأن الدين الحقيقي يرفض الظلم والقتل والكذب والمراوغة والدجل وغيرها من الآثام التي تمارس من قبل السياسيين . لقد بدأ الثوار بقطف ثمار ثورتهم بإجبار رئيس مجلس الوزراء على الإستقالة ,والتعهد بمراجعة مطاليب الجماهيرمن قبل مجلس النواب. وسيبقى المعتصمون في ساحات الإعتصام لحين تحقيق الأهداف التي ضحوا من أجلها.
النصر للشعب العراقي الثائر على طغمة الفساد ,والمجد لشهداء ثورة تشرين والشفاء التام لجرحانا. والخزي والعار لقتلة الثوار, سارقي ثروات الشعب ,وخونة الوطن.



#صباح_راهي_العبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيف الدين ولائي شاعر الأغنية العراقية الذهبية
- عشية أربعينية شيخ الملحنين عبد الحسين السماوي
- نشوء مدينة الكوفة الحديثة وتطورها
- وداعاً ستيفن هوكنك .. لقد أنجزت وأنت المعاق ,ما عجز عنه كثير ...
- الغناء الممنوع ....
- الريم التي أخرجت الشعر والفن السعودي إلى كل العرب
- من الماضي.... الحمامات العمومية في مدينة الكوفة .
- النوستالجيا والحنين لزمن صدام
- من أجل السلام العالمي إذا لم تضع البشرية حدا للحرب ... فإن ا ...
- منتصف الليلة البارحة لمحت شبحاً ...
- رحيل العامل الباسل عبد زيد حمد
- تقوس الزمنكان ..... وموجة الجاذبية
- الباحث والأديب الدكتور كامل سلمان الجبوري ..... السنبلة المُ ...
- مؤتمر أنصار السلام في قرية السهيلية بالكوفة
- من إغتنى بالرشوة ... أفتقر في عرضه
- سراق خبز الفقراء
- سهران لوحدي
- إنقلاب المجال المغناطيسي للأرض والدمار المنتظر.
- سماع الرأي الآخر لايعني بالضرورة إحترامه.
- تكاثف بوز - أنشتاين.


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - صباح راهي العبود - منتفضون ... سلاحهم علم ,وهمرهم تكتك.