أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لفرط حضورك … لا أراك!














المزيد.....

لفرط حضورك … لا أراك!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6432 - 2019 / 12 / 8 - 10:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يسألُ أحدُ التلامذة أستاذَه: "لماذا لا توجّه لي أيَّ سؤال مثل بقية طلاب علمِك ومحاوريك؟" فيجيبُ سقراطُ وقد انتبه لحضوره فجأة: "هل كنتَ معنا؟! لم تتكّلمْ فلم أرك! تكلمْ حتى أراك.”
التلميذُ حاضرٌ حضورًا فيزيقيًّا وجسدُه مرئيٌّ للجميع، لكنّ عقلَه غيرُ مرئي، فغاب الجسد أيضًا. لأن العقل هو أداة الحضور الوحيدة في حلقات النقاش وجلسات الحوار. الكلامُ يمنحُ الإنسانَ حضورا بالقطع. لكن هناك كلامًا يسلبُ قائلَه الحضورَ؛ فيغيب رغما عن /أو بسبب فائض القول والثرثرة. الحضورُ الكثيفُ لونٌ من الغياب، كثيفٌ أيضًا. رُبَّ صَموتٍ حضورُه أكثفُ من اللاغطي؛ إذ يعرف متى يتكلم وكيف وفيمَ يتكلم، ومتى يصمت ويُحسنُ الإنصاتَ والتأمل. الكلامُ فنٌّ، والصمتُ فنٌّ أصعبُ وأرقى.
الغيابُ الكثيف حضورٌ كثيف. ولذلك نتذكر موتانا ونجعل منهم أيقونات بعد رحيلهم. فيغدو حضورُهم أكثفَ من الأحياء ربما. ننسى أخطاءهم ونراهم ملائكة. الموتُ يجمّل البشر ويُلبسهم غلالةً من قداسة وسمو. في رواية "تلصص" للروائي "صنع الله إبراهيم"، كان الطفل يتذكر أمَّه الغائبةَ وأقوالها طوال الوقت. فكانت حاضرةً أكثر من أبيه الحي.
وتقولُ النظرية الماركسية أن أقصى اليسار هو أقصى اليمين. الأبيض في أسفل درجاته أسود، والأسود في أعلى درجاته أبيض. الأبيض يحوي كل الألوان ويعكسها معًا، والأسود يمتصٌّ كل الألوان ولا يعكس شيئًا. الحضورُ المطلق والغياب المطلق شبيهان وصنوان. وبينهما ثالثٌ مرفوع وسيط. وباهت.
"المغامرون الخمسة" مجموعة ألغاز للكاتب الحبيب: "محمود سالم". كنا نقرأها في طفولتنا وصبانا. تعلّمنا فيها لعبةً جميلة. مشبكٌ صغير يخفيه أحد الصبْية، وعلى بقية اللاعبين أن يجدوه. من يجده يفوز ويحلُّ دورُه ليخبئه وهكذا. كان أحد اللاعبين ذكيًّا إذْ شبكَ المشبكَ في صدر قميصه فلم يره أحد. الكلُّ كان يبحث في الأمكنة الخبيئة، ولم يدر بخلد أحد أن تكون ضالتُه شديدةَ الحضور وفي مجال رؤيته!
هذا شرخٌ في الجدار المواجه لمكتبي الآن. موجودٌ منذ سنوات لا شك. موجود لدرجة أنني لم أعد أراه. مثلما لا نرى السلّم الذي نهبطه ونرتقيه يوميًّّا كوسيلة التواصل الوحيدة بالحياة. هو حاضرٌ جدًّا إلى درجة الغياب جدًّا. ومثلها كل أعضاء جسدنا التي لا نشعر بها إلا حين تغيب فننتبه أنها (كانت) موجودة.
مَن منّا أرسل تحية الصباح لقلبه الذي يخفق دون كلل منذ عشرين أو خمسين أو ثمانين عامًا؟ أو رئتيه اللتين تُصفّيان له الأكسجين طوال الوقت دون شكر؟ أو بنكرياسه أو كبده اللذين يخلصانه من سموم الدنيا مجانًا؟ هي أشياء تعودنا وجودها كأنها حتمٌ مقدور وحقٌّ مشروع لا حاجة لنا أن تأمل جمال حضورها. لكن مريض الفشل الكلويّ له رأي آخر حتى لتكاد عيناه تخترقان أجساد البشر لتطمئنا أن ثمة كليتين في الداخل تعملان بكفاءة دون غسيل. كليتان حاضرتان، في مقابل كليتيه الغائبتين. معتادون على حضور أشيائنا فننساها. لأن الاعتيادَ يقتل الحضور. ولذا هو عدو المبدعين الأول فيحاولون دائمًا قتله حتى تحضر الأشياءُ ومن ثم تحضرُ الدهشةُ فالإبداع.
يُقال إن المرأة ترى التفاصيل فيما الرجل يرى الكُليّات وتغيبُ عنه دقائقُ الأشياء. وأقول: "ليس الرجلُ كالمرأة/ النساءُ يعرفن الزهرَ، والرجالُ لا يفطنون إليه/ إلا بعدما يذوبُ بين أصابعهم/ مخلّفًا طيبَه/ فيقولُ واحدُهم:/ كانت هنا زهرة!". (قصيدة "الشرفة"، ديوان "قارورة صمغ" دار ميريت)
وتقول النكتةُ المصرية: "في أحد أكمنة حرس الحدود، كان بيعدي كل يوم راجل راكب دراجة وفيها جردلين رمل. فكان الحراس يفضّوا الجرادل علشان واثقين أن الراجل بيهرب فيها مخدرات. لكن مكانوش بيلاقوا فيها غير رمل بس ...كل يوم ع الحال ده، لغاية ما زهقوا. فين وفين عرفوا أنه كان بيهرّب دراجات!" لفرط حضورها لم يروها. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين حاورتني الصغيرةُ آنجلينا
- الإنسانُ … مفتاحُ السرّ في دولة الإمارات
- هل طفلُك أحمق؟ هل طفلتُك غبية؟
- أولئك كانوا صخرتي … في محنتي
- -وسام زايد- على صدر كل مصريّ
- نبالٌ في يد البرلمان … لقنص العقول!
- كُن متطرّفًا في إيمانك … وانبذِ التطرّف!
- أخطاؤنا الصغيرة .. هدايا وبركةٌ وفرح!
- الأيزيدية شيرين فخرو … العُقبى لداعش
- عيدُ الحبّ المصري … والڤالنتين الإيطالي
- 7 أرطال … من اللحم البشري!
- التذكرةُ قاتلةٌ … لأن القانونَ طيبٌ وأمّي
- سهير العطار … نجوى غراب … أكذوبةُ الخريف
- حتى لا تموتَ الشهامةُ في بلادنا!
- يراقصُ الزهراءَ فوق الثريا | إلى مازن ... فاطيما
- البابا تواضروس … والخاذلون أوطانَهم
- -بين بحرين”: بحر الظلام وبحر النور
- كيف عشتُ طقسَ -الحلول- مع فرجينيا؟
- سانت كاترين: متخافوش على مصر
- اللواء باقي زكي يوسف… كاسر أنف صهيون


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - لفرط حضورك … لا أراك!