نساء القمن -كليب- احجارا

عدنان يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6422 - 2019 / 11 / 28 - 11:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

أما النساء فهن غزالة وهند وأسماء وأما كليب فهو الحجاج بن يوسف الثقفي ، اسمه الحقيقي كليب وله القاب منها المبير والمبيد والسفاح والسفاك ، كتب عنه ابن كثير في البداية والنهاية "وذكر أنه ولد ولا مخرج له حتى فتق له مخرج، وأنه لم يرتضع أياما حتى سقوه دم جدي ، ولطخ وجهه بدمه فارتضع، وكان فيه حب لسفك الدماء"
ذُكر أن الحجاج كان قبيح الوجه وصغير الجسد ، ولكن كان فصيحاً وبليغاً وخطيبا وكان جبارا عنيدا يسفك الدماء بأدنى شبهة ، وكان حقودًا حسودا كما وصف نفسه في رسالة لعبد الملك بن مروان .
قال فيه الخليفة المرواني الخامس عمر بن عبد العزيز "لو جاءت أمم الأرض كل أمه بظلمها و بطشها و جاءت امتنا بالحجاج وحده لرجحت" .
وذكر المؤرخون ان الحجاج الثقفي اتخذ سجونا لا تقي من حر ولا برد ، وقد مات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد. وقد قتل صبرا عدا الذين قتلوا في حروبه ، كما يذكر المؤرخون ١٢٠ الف شخص . كان الحجاج سفاكا بطبعه، يقتل الناس ، لا لشيء إلا حبا بالقتل وإراقة الدماء ، وكان يخبر عن نفسه أن أكثر لذاته سفك الدماء ، فلقد قتل الحجاج الآلاف من الأسرى في دير دابق  حتى أن عبد الملك بن مروان قد اعترض على هذا الإسراف في إراقة الدماء ، وكتب للحجاج أن لا يستمر بمثل هذه المجازر .

لم يكن الحجاج شجاعا ، ولا أدل على جبنه اكثر من هربه من غزالة الشيبانية ، وهي اولى نساء هذا المقال ، اللائي اخرسنه حين جد الجد . هرب من غزالة
فعيره شاعر بقوله :
اسد علي وفي الحروب نعامة
فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت الى غزالة في الوغى
ام كان قلبك في جناحي طائر

وغزالة هي زوجة شبيب (الخارجي) بن يزيد بن نعيم
كانت مقاتلة شجاعة في جيش شبيب ، اقتحمت "عرين" الحجاج في الكوفة فهرب . ونذرت ان تصلي في المسجد وتقرأ في صلاتها البقرة وآل عمران ، اطول سورتين في القرءان . وقد وفت النذر حين احتل شبيب مسجد الكوفة ووقف باربعين فارسا لحمايتها ، ثم انسحب بهدوء ، دون ان يجرؤ الحجاج على ملاحقته . وقد كان متحصنا في قصر الامارة لا يقوى على الخروج ، فشبيب كان قد هزم خمسة جيوش ارسلها الحجاج لقتاله في الموصل وقتل قادتها الواحد تلو الاخر .

والمرأة الثانية زوجته هند بنت النعمان بن بشير ، كانت هند احسن نساء زمانها فخطبها الحجاج وبذل مالا كثيرا وتزوج بها ، وفي حملها منه جلست يوما امام المرآة ، تملكها الحزن فأنشدت
وما هند الا مهرة عربية
سليلة افراس تحللها بغل
فإن ولدت فحلا فلله درها
وإن ولدت بغلا فجاء به البغل
وكان الحجاج قد بث العيون في الارجاء كافة ، حتى في بيته .
وسرعان ما وصله كلام هند فأراد طلاقها ، بعث اليها عبدالله بن طاهر يطلقها ، فدخل هذا عليها يحمل مائتي الف درهم ، مؤخر صداقها وقال قد وكلني الحجاج في الطلاق ، فقالت : "اعلم يا ابن طاهر ما فرحت به يوما قط وان تفرقنا والله لا اندم عليه ابدا وهذه المائتا الف درهم لك هدية بشارة بخلاصي من كلب بني ثقيف"
بلغ عبدالملك بن مروان خبرها وطلب من جلسائه وصفها فكان جوابهم أن يعجز اللسان عن وصف جمالها وأدبها فارسل اليها يخطبها .
اجابته بكتاب تقول فيه : "... فأعلم يا امير المؤمنين ان الكلب قد ولغ في الاناء "ضحك من قولها وكتب اليها "اما بعد ، فقد ورد في الحديث : "اذا ولغ الكلب في اناء احدكم فليغسله سبعا احداهن بالتراب" فأجابت أني لا اجري العقد الا بشرط ان يقود الحجاج محملي الى دمشق ويكون حافيا
وافق الخليفة على ذلك وارسل الى الحجاج يأمره بهذا فلم يستطع الحجاج الرفض . ترجل "امير العراقان" وهو حافي القدمين واخذ بزمام البعير يقوده وسار بها فصارت تسخر منه وتضحك عليه مع جواريها ، ولم تزل على هذه الحال حتى قربت من بلد الخليفة ، فرمت من يدها دينارا على الأرض وقالت: يا غلام ، سقط منا درهم ، فرده إلينا ، فنظر الحجاج إلى الأرض فلم ير إلا دينارا فقال: إنما هو دينار ، فقالت: الحمد لله ، إذ عوضنا بالدرهم دينارا ، فخجل وسكت ولم يردَّ .

السيدة الثالثة ، اسماء بنت ابي بكر .
حين اشتد حصار الحجاج لعبد الله بن الزبير ، ابنها ، وقد هدم الثقفي الكعبة التي تحصن بها ابن الزبير ، بضربها بالمنجنيق ، كثر انسحاب اصحابه بعد ان بذل لهم الحجاج الامان إن استسلموا ، ذهب عبدالله الى امه يستشيرها فيما يتخذ من قرار
فقالت: "أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك ، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد انت ، وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ".
ولم تمض أيام حتى هجم الجيش على مكة، فقاتل قتالاً شديدًا حتى قتل ، وكان ذلك سنة ثلاث وسبعين للهجرة.
فدخلت أسماء مكة بعدما قتل ولدها، وكانت قد ذهب بصرها ، فأرسل الحجاج إليها، فأبت أن تأتيه ، فأرسل إليها رسولا يقول لها : «لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك»، فأبت ، فانطلق الحجاج إليها حتى دخل عليها، فقال: «كيف رأيتني صنعت بعدو الله!»، فقالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، بلغني أنك تقول له يا ابن ذات النطاقين أنا والله ذات النطاقين ، أما إن رسول الله  حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرًا، فأما الكذاب فرأيناه ، وأما المبير فأنت . فقام الحجاج عنها ولم يراجعها.

#عدنان_يوسف (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات