مدى تأثير قرارات الحكام على سلوك اللاعبين أثناء مباريات كرة القدم في الجزائر

رشيد محيمدات

الحوار المتمدن-العدد: 6420 - 2019 / 11 / 26 - 00:44
المحور: عالم الرياضة
    

مقدمة
تعتبر كرة القدم واحدة من الرياضات التي استقطبت الأنظار منذ نشأتها، وأججت النفوس عبر مختلف مراحل تطورها، واستهوت العقول من زمن الشول إلى ما هي عليه الآن. إلا أن عدسة التاريخ وشريط أحداثه يؤكدان أن هذه الرياضة لم يكن لحبها يوما معبدا بالورود، ولا مزدانا بالمسرات. فقد شهدت العديد من الهزات والرجات والأهوال التي يشيب لهولها الولدان لكثرة ما شهدته الملاعب (Schalit et Friha 2010) وكانت مادة دسمة للعديد من الأخصائيين كل حسب توجهه كـ : (Beauchard J 1985) (Brohm J. M 1976) و(Magnane G 1964)و(Dehaies J. L 1987) وغيرهم، والتي كثيرا ما تتسبب فيها أحد العناصر الفاعلة في رياضة كرة القدم أو بعضها أوكلها، وإن لم تكن سببا مباشرا أحيانا فإنها الفتيل الذي يوقد مارد عنفها (محمد حسن علاوي 2002).

وتتمثل أهم هذه العناصر الفاعلة التي تسبح في فلك رياضة كرة القدم في اللاعبين والمدربين والمسيرين والأنصار والصحافة والحكام. إنه وبالعودة إلى أهم هذه العناصر الفاعلة، يتضح أن للحكام دورا أساسيا ومباشرا في تسيير المقابلات الرياضية، وتوجيه مسارها بما يصدرونه من أحكام تتماشى وقواعد اللعبة، وهو ما يتطلب تركيزا عاليا ،ودراية واسعة، وإلماما شاملا بحيثيات ودواليب هذه الرياضة حتى يتسنى لهم التحكم في زمام الأمور دون انفلات يمكن أن يجر وراءه أحداثا يندى لها الجبين ( . (Ligue Nord de Calais 2012

وإن كان دور الحكام يبدو للوهلة الأولى ممتعا وهينا إلا أن الواقع يفند هذا لكونهم يقعون أثناء المباريات تحت ضغوطات جمةيمكنها أن تضعف سلوكهم (أحمد يحي الزق 2006) أهمها ضغط اللاعبين وتصرفاتهم، والأنصار وأهوائهم، والمسيرين ورغباتهم، والمدربين واحتجاجاتهم، والصحفيين وانتقاداتهم، والقوانين وسرعة تطبيقها تماشيا مع طبيعة الخطأ الذي يخضع للملاحظة الثاقبة، والرؤية الصحيحة، والتفسير السليم(Derrien B 2009)

1 - مشكلة البحث:
يلعب التحكيم دورا أساسيا في رياضة كرة القدم، فهو المحدد لمدى تطبيق قواعد اللعبة واحترامها من قبل اللاعبين فوق أرضية الميدان، وهو ما يتطلب دراية واسعة للقوانين المسيرة لدواليب هذه الرياضة للمزيد : https://htsportweb.com/ ، وقراءة صحيحة لحركية اللاعبين فرديا وجماعيا، ونظرة ثاقبة يصارع فيها الحكام الزمان والمكان لإصدار الأحكام في أجزاء من الثانية أحيانا .غير أن التوفيق وإن حالف الحكام في بعض قراراتهم فإنهلا يحالفهم في البعض الآخر تقديرا أو تقصيرا، مما يتعارض ورغبات اللاعبين، وميولاتهم، وأهدافهم، وهو ما قد يؤجج أوتار أعصابهم، ويخدش روح الحياء في نفوسهم ،فيخرجون عن مجال النبل ليلجوا مستنقع الرذيلة لكونهم تحت ضغط المؤثرات الناجمة عن المثيرات خارجية الإثابة، وكذلك المثيرات داخلية الإثابة(أحمد أمين فوزي 2003).

ومن خلال هذه المعطيات تتضح معالم مشكلة هذا البحث التي يمكن التعبير عنها بالصيغة الاستفهامية الموالية:

-ما مدى تأثير قرارات الحكام على سلوك اللاعبين أثناء مباريات كرة القدم في الجزائر ؟

-وهل هناك قرارات قانونية تحكيمية مثيرة للجدل أكثر من غيرها ؟

2 - أهداف البحث:
تتمثل أهداف البحث في:

دراسة دور الحكام كعنصر تفاعلي في رياضة كرة القدم.
دراسة علاقة الحكام بسلوك لاعبي كرة القدم.
دراسة طبيعة قوانين كرة القدم.
3- منهج البحث:
إن المنهج الوصفي هو الأنسب والأصوب في مثل هذه البحوث لما ييسره من جمع للمعلومات والبيانات .فبالإضافة إلى دراسته للظواهر الطبيعية والاقتصادية والسياسية الراهنة، فهو يدرس مختلف الظواهر الاجتماعية دراسة كيفية توضح خصائصها ،ودراسة كميه تبين حجمها، وتغيراتها وارتباطها مع الظواهر الأخرى. ومنه سعى الباحث إلى جمع مختلف المعلومات والمعطيات المتعلقة بقرارات الحكام التي يصدرونها خلال المباريات الرياضية ومدى تأثيرها على سلوك وتصرفات اللاعبين.



4- عينة البحث:
4-1- اختيار العينة: تتمثل عينة هذا البحث في لاعبي كرة القدم الذين ينشطون في البطولة المحترفة الأولى، والبطولة المحترفة الثانية، وبطولة القسم الوطني الثاني هواة .

وهي عينة عشوائية طبقية لأنها تأخذ بعين الاعتبار الأقسام التي ينشط فيها اللاعبون. وذلك بتعداد إجمالي فعلي قوامه 136 لاعبا بعد أن كان العدد المبرمج 168 لاعبا بعد تملص 32 لاعبا من الإجابة على الاستبيان.
5- مجالات البحث:
5-1- المجال الجغرافي: لقد امتدت حدود هذه الدراسة شرقا وغربا ووسطا لتشمل الفرق الجزائرية لكرة القدم للرابطة المحترفة الأولى والثانية وكذلك فرق القسم الوطني الثاني هواة التي تنشط في شرق البلاد.

5-2-المجال البشري: لقد انحصر المجال البشري في لاعبي كرة القدم الذين اختلف عددهم حسب طبيعة المستوى الذي يلعبون فيه. وقد بلغ تعداد العينة الفعلي 136 لاعبا يمثلون أكبر مستويات التأهيل الرياضي في الجزائر.

5-3-المجال الزمني: بعد الدراسة النظرية التي شكلت قاعدة الدراسة الميدانية والتي استغرقت ثلاثة (03) أشهر ابتداء من جويلية 2012 ، انطلقت الدراسة الميدانية التي استغرقت سبعة (07) أشهر كاملة تبعا لتعداد الفرق وطبيعة الاستبيان ليكون جمع المعلومات وترتيبها ومعالجتها إحصائيا بعد ذلك.

6- أدوات البحث:
إن أداة البحث التي تم استخدامها في هذه الدراسة هي الاستبيان الذي ضم: 11 بندا: أربعة منها عامة والسبعة الأخرى متعلقة بصلب الموضوع ومحاوره المتمثلة أساسا في:

-المحور الأول: ويتعلق بمدى تأثير قرارات الحكام على سلوك لاعبي كرة القدم في الجزائر.

-المحور الثاني: ويتعلق بمدى تفاوت إثارة قوانين رياضة كرة القدم للجدل في الجزائر.

لقد صمم هذا الاستبيان بشكل مغلق حتى يمكن من الحصول على البيانات بدقة .كما اتسمت أسئلته بالوضوح حتى يسمح للمفحوصين بالإجابة دون إجهاد فكري أو نفسي.

اختبار الصدق: لا يمكن للمقياس الصادق أن يتغير في جوهره ، وذلك في وجود عوامل خارجية صدفة قد تؤثر على النتائج.

لقد تم اعتماد صدق المضمون أو صدق المحتوى للتأكد من صدق الأداة، والمتكون من الصدق الظاهري المعبر عنه بتمثيل البنود مع الغاية من الدراسة. وكذلك الصدق المنطقي المعبر عنه بتمثيل البنود لمحتوى الأداة لتحقيق الصدق بنوعيه، ثم الرجوع إلى احتكام الخبراء من خلال توزيع الاستمارة على مجموعة من أساتذة التعليم العالي للحكم على مدى قياس البنود لما أعدت له.

6-2- اختبار الثبات:

لقد تم الاعتماد على طريقة الاختبار وإعادة الاختبار على عشر (10) لاعبين من فريق جمعية الخروب من الرابطة المحترفة الثانية، حيث سحبوا بطريقة عشوائية، وحذفوا لاحقا من العينة النهائية للدراسة .وكانت المدة الفاصلة بين الاختبار الأول والاختبار الثاني 15يوما.

لقد تم حساب معامل ارتباط بيرسون بين الاستجابتين الأولى والثانية، وكان مساويا لـ 0.65 وهو معامل ثبات مقبول في مثل هذه الدراسات.

7- عرض وتحليل ومناقشة نتائج البحث:
7-1- المحور الأول: ما مدى تأثير قرارات الحكام على سلوك اللاعبين أثناء مباريات كرة القدم في الجزائر.

لقد احتوى هذا المحور أربع بنود أساسية جاءت نتائجها كما يلي:

البند الأول: هل لقرارات الحكام تأثير إيجابي أم سلبي على سلوككم أثناء المباريات ؟

إنه وبالعودة إلى النتائج الإحصائية المحصل عليها والمتمثلة في مربع كاي المحسوبة في البنود الأربعة، وكذلك X2 الحرجة المستخرجة من جدول توزيع مربع كاي، وهي موجودة في تقاطع الصف الأول الذي يدل على درجات الحرية للإحصائي X2 وهو عبارة عن (عدد الفئات -1) وهي هنا فئتان في كل بند، والعمود الذي يدل على مستوى الدلالة المستخدم لاختبار الفرضية وهو هنا( 0.05)، نجد أن القيمة الحرجة لـ X2 هي : 3.84. وبما أن القيم المحسوبة في البنود الأربعة أكبر من القيمة الحرجة، أي أنها تقع في منطقة الرفض، فإننا نرفض الفرضية الصفرية التي تشير إلى أن قرارات الحكام لا تؤثر على سلوك اللاعبين أثناء مباريات كرة القدم، ونقبل الفرضية البديلة التي تشير إلى أن قرارات الحكام تؤثر على سلوك اللاعبين أثناء مباريات كرة القدم.

9-2- المحور الثاني: ما مدى تفاوت قوانين كرة القدم في إثارتها للجدل.

لقد احتوى هذا المحور ثلاث بنود أساسية جاءت نتائجها كما يلي:

البند الأول: كيف يكون إحساسكم و تصرفكم عندما يعلن الحكم عن ضربة جزاء ضد فريقكم حتى و إن كنتم ترون أنها صحيحة ؟
إنه ومن خلال النتائج المحصل عليها للبنود الثلاثة للمحور الثاني ، يتضح أن X2الجدولية أصبحت مساوية لـ 07.81 باعتبار أنها ناتجة عنتقاطع الصف الثالث الذي يدل على درجات الحرية للإحصائي X2وهو عبارة عن (عدد الفئات -1) وهي هنا أربع فئات، والعمود الذي يدل على مستوى الدلالة المستخدم لاختبار الفرضية وهو (0.05).

وبما أن كل القيم المحسوبة لـ: X2أكبر من القيمة الحرجة (07.81) أي أنها تقع في منطقة الرفض، فإننا نرفض الفرضية الصفرية التي تشير إلى أن هناك قوانينا تحكيمية مثيرة للجدل أكثر من غيرها.


خاتمة
إنه ومن خلال إتباع مختلف الخطوات العلمية والمنهجية المتعلقة بموضوع هذه الدراسة اتضح أن للحكام دورا هاما ومؤثرا على سلوك لاعبي كرة القدم في الجزائر باعتبارهم أحد أهم العناصر الفاعلة التي تشرف على إدارة المباريات ، تبعا لما تتركه القرارات التي يصدرونها من أثر في نفوس اللاعبين سواء أكانت هذه القرارات صحيحة أم خاطئة .ويصل هذا التأثير أحيانا إلى حالة الهيجان عندما يشعر اللاعبون بإجحاف الحكام في حقهم. كما بينت هذه الدراسة أن تأثر اللاعبين بقرارات الحكام متفاوت، فهو يصل إلى ذروته عندما يتعلق الأمر بقانون يضر بمصلحة اللاعبين ضررا مباشرا كما هو الحال أثناء تسجيل هدف للمنافس أو منحه ضربة جزاء حتى و إن كان قرارهما صحيحا، بينما لا يتأثر اللاعبون ببعض القرارات حتى وإن كان الحكام مخطئون في إصدارها، لأنها لا تضر بمصلحتهم بشكل مباشر كما هو الحال في رمية التماس.


المراجع:
أحمد أمين فوزي: مبادئ علم النفس الرياضي (المفاهيم والتطبيقات، دار الفكر العربي، القاهرة ،2003.
أحمد حسين الرفاعي : مناهج البحث العلمي ، دار وائل للنشر ، الأردن، 2005.
أحمد يحي الزق: علم النفس ،دار وائل للنشر عمان ، الأردن، 2006.
محمد حسن علاوي: علم النفس التدريب والمنافسة الرياضية، دار الفكر العربي القاهرة .2002
عبد المعطي محمد عساف، يعقوب عبد الرحمان، مازن مسودة: التطورات المنهجية وعملية البحث العلمي ، دار وائل للنشر والتوزيع، عمان، الأردن،2002 .
صدقي نور الدين محمد: علم النفس الرياضي، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، .2004


Schalit, J et Friha K : Pourquoi y a-t-il de la violence sur les stades ? Gallimard 2010.
Derrien ,B : A Bas l’arbitre,Ed. Book Amazon 2009.
Ligue du Nord Pas-de-Calais - Le football et ses règles - Comprendre. Le football et ses règles - Comprendre l arbitrage (Broché). Édition 2012.
Beauchard ,J: La puissance des foules, 1ere édition, Presses Universitaires de France - Puf, Paris (1985)
Brohm, J.M : Sociologie politique du sport. Revue Corps et culture, Numéro 1 -1995.
Magnane, G. Sociologie du sport, Éditions Gallimard, 1964
DeshaiesJ.L: Football, spectacle et violence, Ed. Chiron, Paris, 1987.

#رشيد_محيمدات (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات