أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - اللهب المزدوج














المزيد.....

اللهب المزدوج


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 6414 - 2019 / 11 / 20 - 14:16
المحور: الادب والفن
    


يعتبر أوكتافيو باث الشاعر المكسيكي واحدا من أهم شعراء القرن العشرين، بالإضافة إلى هذا فهو أديب وسياسي وناقد وكاتب، وله العديد من الدراسات النقدية والأبحاث التاريخية والمقالات السياسية، ودبلوماسي ومعارض شرس للفاشية، وحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1990.
في كتابه «اللهب المزدوج» الذي ترجمه المهدي اخريف، يأخذنا باث إلى عوالم النفس الإنسانية الخفية العميقة، في الجانب الإيروتيكي، العامل الأكثر حضورًا في الحياة والأكثر غموضًا أيضًا، يقول في هذا الصدد:
إن اللهب هو الجزء الأكثر إشعاعًا في النار.
إنه يربط الجنس بالنار، أو النار بالجنس لأنهما خالدان في الخلود، في بدائيتهما الأصلية، أنهما اللون الأحمر المشع، بيد أن هذا اللون يصبح أزرق في توهجه في رأس الهرم، تسند وترف لهب آخر، أو رق اللون ليصبح مرتعشًا، هو لهب الحب.
الجنس، الإيروسية، والحب، حوامل هذه الحياة وأعمدتها، عبر العلاقة الحميمة. هذا الثلاثي المفتوح على بعضه والمتداخل يبقي الجذوة متقدة، كالموسيقى في تناغمها المتكامل، التي تتكئ على ثلاث قواعد، النوتة، الآلة، العزف، لبلورة حالة وجدانية تقودنا إلى النيرفانا، أي انصهار الذات في الخلود المتاخم للوجود، منبع الشعر والوجدان والأمل.
إن الكتابة عن «اللهب المزدوج» محفوف بالمخاطر، يشعر المرء أنه يمشي على حد السكين، عندما يدخل في لب أو جوف الكلمات والمفاهيم والأبعاد، التي يستخدمها الشاعر والكاتب والفيلسوف والمفكر والإنسان، أوكتافيو باث، بلغته السحرية واستخداماته للمفاهيم الخالدة بدقة وأناة وانتقائية رفيعة. إن الخلود، يخضعنا بسر خلوده، يسرق منّا راحتنا لأنه يذكرنا بذاتنا، يطلب منا أن نعود إليه وندخل في ممراته لنتحول إلى إنسان.
هذا الكتاب يطلق العنان للمخيلة، أن تصعد إلى الذروة لإنتاج اللذة من الغايات التي تتلون في النصوص: لقد كان الواقع المحسوس دائمًا بالنسبة لي منبعًا للمفاجآت والبديهيات، إلى الشعر باعتباره شهادة للحواس.
يقول على لسان رامبو: لقد رأيت لأحيان ما توهم الإنسان إنه رآه، أي انصهار الرؤية والظن.
إن باث يلعب بالرموز الماورائية بفنية عالية، وكأنه صانع محترف يربط الرؤية والظن، يرتقي عاليًا عندما يربط الشعر بالعالم المجرد، أو العالم الملموس داخل العالم الآخر، عالم الخلود الذي نسبح فيه عبر الحواس، التي تمدنا بطاقة معرفة لا تنضب. إن ما يميز الإنسان عن بقية الكائنات هي الحواس التي تربطنا بهذا العالم وتفصلنا عنه، هذا التباعد والتداخل جزء من جدلية الوجود: نسمع ما لا يسمع وندرك ما لا يدرك باللمس. يسقط، باث، الشعر ككتلة حواس على اللقاء الإيروتيكي، في اللحظة الحميمة: نحن نعانق أشباحًا، سواء عندما نحلم أو في لحظة المضاجعة، الشريك المجسد يتحول في لحظة العناق إلى شلال من الإحساسات، يتبدد أو يتلاشى، وكأن الحبيب يعانق ذاته في الآخر المجسد، في الأحاسيس المرتبطة بما يقطن خلف اللوحة البعيدة عن الملموس:
إن الأدباء والفنانين، كلاهما انتماء وانطواء تحت عباءة إيروس، إيروس في التقليد الفلسفي الذي هو مزيج من إله وظل، رابط وشيج بين النور والظلمة، والمادة والروح، والجنس والفكرة، والـ»هنا» والـ»هناك». يذهب باث بعيدًا عندما يربط الإيروسية بالشعر، يعتبر الأولى هي شعر جسدي والثانية إيروتيكية لفظية، كلاهما مكون من تعارض تكاملي.
إن الحداثة حررت الحواس وتوابعها من القوالب الجامدة في الجوانب الفنية، وفي الأدب كالرواية والشعر تحديدًا. أدخلت الإنسان في العالم الآخر الذي يعتبره باث العالم الحقيقي الذي يكمن فيه السر الحقيقي للحقيقة، كالحرية والحب والصدق. إنه عالم متكامل من الاستعارات اللفظية والرموز والأحجية التي لا ترى بالعين المجردة، لهذا تحتاج إلى المخيلة، إلى صهوة حصان يدخل ممرات هذا العالم المخفي، لنصل إلى الحقيقة الكامنة في الأبدية: الإيروسية ليست جنسًا حيوانيًا بحتًا، بل هي طقس وتمثيل، والمخيلة هي الوسيط الذي يحرك الفعل الإيروتيكي والشعري معًا، هي القوة التي تحول الجنس إلى طقس وشعيرة، واللغة إلى إيقاع واستعارة.
إن حاجة الإنسان إلى الاستعارة أكثر من ضرورة وحاجة، لأنها الحمولة أو المركب الذي يأخذنا إلى الجنة أو الخلود، دون الرموز ستكون الحياة قاسية وباردة، مملكة مقيدة بالرتابة والتكرار.
يولد الحب طبيعيًا، ينهض من غفوته، وينتقل إلى الآخر بفوضويته المعتادة، ليحط رحاله فيه بدون منّة. يلتقطه هذا الآخر، يفككه، يجرده من أحماله الثقيلة، يفكك رموزه برموز من خارجه ليحول إلى كائن آخر، كائن جميل. الحب يولد هادئًا، يسير في مراعي الحياة، يحلق في الفضاء كالغيم الناضج، يسرح ويسوح ويبحث عن من يقبله. لهذا لدينا سؤال: هل لدينا القدرة على قبوله والتماهي معه؟ أم يبقى سائحًا غريبًا يعيش وحدته، يجول في هذا العالم الغريب بحثًا عن نفسه؟
الواقع عاجز، لأن حمولاته ثقيلة جدًا، والإنسان كائن طائر في تكوينه، في ظل الحواس والأخيلة والحلم، يبحث عن السماء وما وراءها، ممتطيًا ظهر الحواس، في أعماقه رغبة في الوصول إلى النهايات الجميلة، بيد أن الزمن الأجمل لا يمكن تحقيقيه مهما حاول أو طال مكوثه في المحاولات اللامجدية، لهذا فإن استعارة الرموز يحملانه على أجنحتهما بعيدًا عن العجز. ربما يكون الحلم أو جزء من حلم، شيئا جديدا ومختلفا عن الألفاظ التي تكونها كما قال غونغورا: «ثلج أرجواني يتهاطل»، أي ابتكار أو اكتشاف، واقع آخر ليس دمًا أو ثلجًا وإن كان مكونًا من كليهما، الشيء نفسه يحدث مع الإيروسية: فهي تقول، أو هي ذاتها بالأحرى، شيء مختلف عن الفعل الجنسي المحض. شيء فيه خيال، تتحول اللذة غاية في ذاتها، يلعب الخيال والحواس فعلهما في الوصول إلى الغايات النهائية، بعد الانتقال من المحسوس إلى المجرد.
«اللهب المزدوج» عمل أدبي وفكري وفلسفي، فيه عمق، يأخذ المرء من ذاته ويحلق به بعيدًا عن المكان وينتقل به إلى فضاء الفكر والتجريدات العليا بعيدًا عن ثقل المحسوس للوصول إلى الحقيقة. وهل تؤطر الحقيقة؟



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عزلة صاخبة جدًا
- مذكرات نعيم أفندي
- الراقدة على الصليب
- في البادية السورية
- التمرد 5
- التمرد 4
- ذكريات من القامشلي 2
- التمرد 3
- لماذا الغرب متسامح مع الإسلام؟
- التمرد 2
- من ذاكرتي في القامشلي
- إعادة هيكلة الدولة
- التمرد
- استانبول
- من ذاكرة الجزيرة السورية 3
- الخروج من الذاكرة 2
- الحسكة
- أمي
- سعرت باتمان والسلطنة
- السفينة والبطيخ


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - اللهب المزدوج