أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ابراهيم محمود - موسم الهجرة الطويل إلى جنوب كردستان















المزيد.....



موسم الهجرة الطويل إلى جنوب كردستان


ابراهيم محمود

الحوار المتمدن-العدد: 1560 - 2006 / 5 / 24 - 06:45
المحور: القضية الكردية
    


الثورة هي الثورة، حيث الحديث عن الثورات بصيغة الجمع، وما تستهدفه الثورة واقعاً: في السلوكين: القولي والفعلي، ما يكونه الذين يجسدونها في أفكارهم وأنفسهم جماهيرياً وتاريخياً وثقافياً وتربوياً، من باب الإشارة إلى أنها ممكنة القيام/ الحدوث في كل تاريخ أوعصر، وبالتواقت في أكثر من مكان، مع اختلاف في الحجم، والتعريف يظل واحداً، كما هو الحديث عن العدالة والديمقراطية والإرهاب والحرية...الخ، إذا انطلقنا من الحقيقة الفعلية لكل ما تقدم.
ليس حديثي هنا عن الثورة، والموقف منها، وما تكونه فعلاً، من جهة التضخيم أو التقزيم، جهة استحقاقها للاسم أم لا، ما يمكن أن تتقبله من معان ٍ، وما لا يدخل في شمولها تصورات ٍودلالات وقيماً، إنني أتحدث عما يتحرك في ظل الثورة، عما تحركه الثورة أماماً ووراء ومتناً، عمن ينظر إليها من بعيد، من يتابعها عن كثب، وعن قرب، من يترقب تحولاً في ظلها، وهو متخف ٍّ تمام التخفي أو نصفه أو بعضاً منه، ليس باعتباره مشاركاً، ويمارس حراسة عليها، وعلى رموزها، ومكاشفة الذين يحاولون النيل منها ومن رموزها، وتحريفها ، وتجييرها، إنما الحديث ينصبُّ، على أكثر من صعيد انتهازي ( حرفياً)، إذ ما إن تلوح ثورة في الأفق، وقد بانت تباشيرها انتصاراً، وبدت علائم النصر، من خلال سيطرة متتالية للذين قاموا بها، في الحلول محل نظام آخر، كان هدفاً لها، واستراح المحاربون في بيوتهم، دون أن ينسوا شهداء ثورتهم، إذ كانوا زملاء لهم، أخوة، رفاقاً، بمعان شتى، والترحم عليهم بطريقتهم طبعاً، واسترداد الأنفاس استعداداً للمرحلة الجديدة، الصعبة، لأن الأهم من الثورة الآن، كيفية تجذيرها، كيفية بناء ذلك النظام الذي يكون ترجماناً لما أرادته وابتغته، ليكون الواقع الجديد ميداناً رحباً، ولكنه وعر وكثير التحدي، من خلال الصعوبات التي ينبغي بذلها عملياً وفكرياً:
من جهة بناء المؤسسات أو إعادة ترتيبها، و( تنظيفها) من الداخل، على صعيد التخلص من الشعارات والصور والرموز والإشارات التي تخص نظاماً سابقاً، أو محو آثاره، كما تقول الثورة في حرفيتها، أعني لما لأجله صارت ثورة.
من جهة الذين يقومون بكل هذه الإجراءات والأعباء الضخمة، وما في ذلك من خطط ، يجب أن توضَع وتنفَّذ بدقة، لئلا تتم خيانة الثورة في صميمها، ولا دماء شهدائها الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة، وهم يستحضرون في لحظة الاحتضار الأخيرة: المقربين منهم: أهلاً مباشرين وغير مباشرين، مستفيدين من مآلات الثورة مع ابتسامة ملحوظة، إفصاحاً عن أمل، على أن الذي كان منتظَراً قد تحقق، وتفتق الحلم الدفين عن يقين حصين.
في الإجراء الأول، ثمة إمكانية سهلة، لمتابعة مكشوفة، كيف أن الاستعداد للتحول العملي، يبشر الناس المعنيين، على أن ساعة الدخول في جنة العهد الجديد قد أزفت، وأن استنشاق هواء نقي، يخص مرحلة جديدة، صار حقيقة.
أما في الإجراء الثاني، فما أصعبه من وضع، وما أخطره من استعداد للتحول إلى تدشين عقد مجتمعي جديد، وبقاء الماضي المؤلم في الخلف، ومن قبل الذين عاشوا الثورة: قلباً وقالباً.
لأن الثورة ليست حدثاً يتم في ساحة مفتوحة ومرئية وضيقة،، إنما تقوم في مدة زمنية، وفي ميدان يغطي مساحة واسعة، غير مرئية، من قبل الذين يقومون بها، منذ بدايتها حتى نهايتها.
ثمة عديدون ، كثيريون، ما إن تتجلى لهم الثورة، كما أسلفت، وقد رجحت كفة القائمين بها، حتى يتحركوا في الاتجاهات كافة، معتمدين خططاً، ليس في وسع الكثيرين ممن شكلوا رموزاً معلومة، اعتماد نظرائها، وينخرطوا في المجتمع، محرضين الناس، والكثيرين ممن كانوا ثواراً، على ضرورة التحرك واليقظة، ليس لأنهم كانوا معهم فعلاً، وإنما، لأنهم كانوا يخططون لأنفسهم بالذات، ولتغطية ذلك الفراغ المرعب، وهو أنهم ما كانوا مع الثورة أصلاً، إنما على النقيض من سلوك أصحابها، كانوا على أشد ما يكون الإخلاص لمصالحهم الشخصية، لمبادئهم التي تنضج أو تستوي في ليل الظلمات، وعلى أنات فقراء الثورة وضحاياها، على نار من أعلنوها، ولديهم المداخل الكثيرة لتأكيد أنهم كانوا ثوريين وأكثر كثيراً من الآخرين، وليندفعوا إلى الأمام، لا بل إلى الاتجاهات كافة، لأنهم منذ البداية، حملوا تصوراً كاملاً عن المجتمع المترقَّب، عما تكون عليه الوظائف الشاغرة، ما تكون عليه مهام المرحلة الجديدة، ما تتجلى به وعليه الثمار الضخمة والمغذية للمرحلة الجديدة، مأخوذين، بإرادة فهلوية معلومة تاريخياً، حيث كانوا في البعض العديد منهم، على أشد ما يكون العداء للثورة، وفي مجملهم غير مكترثين بها، أو يتعاطفون مع أي كان من رموزها، لأنهم يبحثون عن الطريق السالك بسهولة وأمان تامين، وكما هم التجار، وعلى أسوأ ما تكونه التجارة تصوراً أخلاقياً، من جهة تحيَّن الفرص، وتحقيق الأرباح والمكاسب المادية، وكذلك النفوذ الوجاهي، هكذا يديرون الدفة لصالحهم، لتبقى نسبة كبيرة ، وربما كبيرة جداً، من خلصاء الثورة، مسحوبين إلى الخلف، أو معتَّماً عليهم، يتألمون في صمت، لأنهم من ناحية لا يجيدون فن الكلام المعبّر عما قاموا به، ومن ناحية أخرى، ليس لديهم القوة التي تخوّلهم لكي يؤكدوا شرعية مساهمتهم في الوضع الجديد، والأكثر من ذلك، لأن الخوف الكامن في نفوسهم، من شبح النظام السابق، وما فعله ذاك النظام فيهم: نفسياً وجسدياً، يكبح جماحهم، ويردعهم عن القيام بما هو حق لهم، خصوصاً حين يجدون أنفسهم في عراء المجتمع، بعيدين عمن كانوا يمثلونهم، أو يقودونهم من مكان لآخر، في مواجهة موت متتالٍ، مكتفين بمرارات ما جرى، وذاكرة يكر شريطها في الداخل، وربما في دائرة ضيقة من المعنيين بها، والأيام بدورها، تنال منها بطمسها أو إسكاتها تدريجياً.
أحيل القارىء هنا، إلى كتاب ( معذَّبو الأرض)، لفرانز فانون، الذي مضى على ظهوره قرابة نصف قرن، وما زال يؤكد أهميته، بأكثر من معنى، إنه انجيل الثوريين بامتياز، ومن يصنفون في عداد الثوريين، وكيف يجري الالتفاف عليهم، أعني كيف يعاد تركيب ذاكرة الثورة من جهة من يكونون خارجها، أو مرعوبين من الثورة بالذات، ومن الخطوات التي يقوم بها خلافهم، وإن كان يتعلق بمكان وحدث معلومين كبذرة ، بصفته ظهر على خلفية من الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، ولكنه في الآن عينه، إذا كان التعبير جائزاً، الانجيل المعكوس للانتهازيين والمرتزقة وحملة الرايات القوموية والدوغمائيين وخلافهم، في أمكنة وأزمنة مختلفة.
إن إدوار سعيد المفكر الطليعي المعروف جيداً، مقارنة بمن كانوا أنداداً لـه في عهده، ممن يقرأ تاريخ المجتمع، والأفكار في المجتمع، وحركية المجتمع في رؤوس المعنيين بالتحولات الكبرى، والذين يتحركون في فراغات التاريخ ومفاصله للاستيلاء على التاريخ كسلطة، شاهد على أن الثورة ، هي دائماً موجودة، إن لم تكن عملياً فنظرياً، أو في بعض ٍمنها، وفي كل مكان، وأن الاجهاز على الثورة بمبادئها العظيمة، وتفريغها من مضمونها العملي، أو تحويرها، يأتي من قبل جمهرة ودسكرة الذين يتخفون وراء المعنيين بها، لينقضوا عليها، مستأثرين بها، أو على الأقل سريعاً ما يوصلون أنفسهم إلى مواقع متقدمة، معرّفين بقدراتهم وخبراتهم وإخلاصهم للثورة، للذين يعتبرون مقرّري مصيرها، ليحولوا دون ظهور أو تقدم من كانوا وقود الثورة. إدوار سعيد، في ( الثقافة والامبريالية)، رغم كل ما يقال فيه أو عنه من ملاحظات، يظل مرجعاً ثميناً، في جانبه الاجتماعي والفكري والتربوي تحديداً أكثر، ودائماً بخصوص الذين يستعدون للتغيير، ومن يتسلل إلى الداخل، أو يترك ما جاءت الثورة من أجله، كما لو أنه الرمز السابق.
ربما أطلت في الحديث عن ذلك، ولكنه حديث يجر حديثاً، وهو يقابل حدة الموضوع هنا وخطورته، وفي الآن الراهن كردياً، حيث إن ما يجري في الجنوب الكردستاني، ومن جهات عدة، ومن قبل الذين يحاولون الاستئثار بالثورة الكردية التي تخضرمت هناك، وتجلت في تجربة من نوع مختلف، في دولة تستند إلى مؤسسات، ومؤسسات محكومة بقوانين، وقوانين يعنى بها رجالاتها أو مَن يعتبرون القادرين على ذلك، وعبر دوائر مدنية خدمية وإعلامية، وكيف أنها تستقطب الكثيرين، في الداخل، وأعني بهم الذين كانوا يتحركون في ركب النظام المنقرض صدامياً، أو لم يكونوا في تلك المواقع التي تجعل الطريق لهم سالكاً، ليكونوا رموز أمان وأولي أمر هنا وهناك، وفي الخارج كردستانياً، من قبل الذين يُبرزون كرديتهم ولاءً وانتماء، من خلال المزيد من التحرك صوب ما يسمى بـ( القطب) الجاذب، وتأكيد مصداقية المبدأ والعلامة الفارقة للكردية، عبر ذلك الاندفاع إلى حيث تكون الثورة جنوباً، وقد أتت أُكلها، وأن الثمار اليانعة الباتعة الفارعة، أثارت وتثير باضطراد، شهية الذين يتلمسون كرديتهم، ويبرزونها من خلال الاقتراب من تلك الثمار والمعنيين المباشرين بها، لا حباً في هؤلاء، إنما في الثمار، كما تقول الوقائع اليومية، إذ إن الثورة، لحظة التدقيق فيها، تستوجب شروطها المكانية والزمانية، والذين هللوا ويهللون كثيراً، وهم في تصاعد الآن، أكثر من أي وقت مضى، نسوا، أو ينسون، إذا كانوا ذلك فعلاً، أنهم بشر حقيقيون لصيقون بمجتمعاتهم، وكردٌ داخلها، بالقدر الذي يؤكدون حضورهم العملي: السلوكي، وجلاء أفكارهم، في محيطهم الاجتماعي الذي يدركونه مختلفاً بمعنى ما. إن التخلي عن ذلك، يشكل تقزيماً ملحوظاً للثورة( هناك)، وتعبيراً عن تجسيد الكردية ممارسة ً حزبية، وأداء قولياً، وكتابياً، خارج سياق المحور المحلي لها، يشكل طعناً في الثورة، وتعريضاً بالكردية لأن تكون حفارة قبرها بيدها!
أتحدث إذاً، عما أسميه بـ( موسم الهجرة الطويل إلى جنوب كردستان)، عن الهجرة الجسدية والقولية، والمحسوبية والمعطوفة والمستترة، حتى لو تم ذلك على صعيد المتخيل، واتصالاً دورياً عن بُعد، لا إشهاراً بأن كعبة كردية قد ظهرت في الأفق التاريخي للكرد، وأن المطلوب هو الصلاة القومية قبالتها، وإنما ممارسة تنقيب في بنية هذا التحرك إلى هذه الكعبة وما يليها، الكعبة التي تبدو في غالبها التمر الكردي الفائق الحلاوة، بالنسبة للذين يسيل لعابهم من كردنا هنا، حيث نعيش، بالدرجة الأولى: سياسيين وكتاباً وما بينهم من صغار كسبة الفرص، والذين يلتقطون سقط الثمار، والبارعون في التمثيل القوموي الكردي، وكأن الرقعة الجغرافية التي يتحركون عليها، وأن أهدافهم الحزبية للسياسيين، والأخلاقية للكتاب، وكذلك للذين يسعون في مناكبها خارجاً، قد انحلت جنوباً، كما هو السباق المحموم، المتعلق بالتمر الكردي الشديد الخصوصية.
وإذ أتحدث هكذا، أذكّر مَن فقد الذاكرة المكانية، عما كتبت عن ( جنوب كردستان)، والتقدير لهذا الجنوب العزيز، مثلما هو التقدير المعبَّر عنه لكل الجهات الأخرى، لخصوصية كل جهة، وهي معتبرة تاريخياً وحتى ثقافياً، وأنني بصفتي باحثاً، أتحرى حقيقة هذا التحرك، التحرك في إثر ثورة، ومصائر الثورة هذه، والذين يعبّرون عنها حقيقة، والانحسار الجغرافي لها.
إنني لا أمدح أحداً، ولا أقدح في أحد أيضاً، غير أنني أمارس تشريحاً لثورة منهوبة، ثورة خُطّط لها واسعاً، وتم التحرك باسمها ضيّقاً، ولكردية منكوبة، في من كانوا ويكونون على مبعدة عنها، ويتحركون خفافاً، لبراعة تدبير فيهم، للاستئثار بها، حتى لو كان الاستئثار هذا، على حساب القيمة الذاتية، واستقلاليةً، أو الكردية التي تُسمى فيهم واقعاً استعراضياً غالباً.

الكرد الثوريون حقاً
يمكن النظر إلى ما يجري في الجنوب الكردستاني، على أنه وليمة، مائدة نزلت من السماء، وقد تحلَّق حولها المرابون وشذاذ الآفاق وقبضايات القول والمضاربون في بورصة القيم القوموية وتجارالشعارات، ومنتهبو الجهات السانحة والظروف المانحة بعطاءات مقدرة بأفانين سلوك خاصة، والقليل القليل ممن يستحقون الجلوس في الصدر، من الكرد،هؤلاء الذين لا يمكن تجاهل الفرحة المشروعة والمرتسمة عبر ملامحهم، لأن المجسَّد كردياً، قد أوجدته إرادة كردية، وأن الثمن المدفوع من الدماء كان كثيراً وغالياً، وأن التحديات المرئية وتلك المبيَّتة لهذه الثورة في الجنوب القدير، تؤكد حقانية الاحتفاء بما يجري.
ولكن من هم الذين يكونون ثوريين، من هم الثوريون الثوريون هؤلاء الجاري ذكرهم، وضرورة الاقتداء بهم تاريخياً، ويستحقون التكريم، بالجلوس حول المائدة الكردية التي صارت اسطورية حقاً؟ كيف يمكن حصر هذه الأعداد المتزايدة، والمحلقة حول المائدة المباركة، والخطر المحدق داخلاً وخارجاً، يتطلب التخفيف من ضغط الاقتراب والتلمظ برؤية المُعَد على المائدة، لأن الثورة الدسمة هذه ، ببساطة، لم تكتمل، ولأن المائدة التي ترتج تحت ضغط المتدافعين إليها، ليست في مأمن، وأن لا بد من فك الحصار( حصار الأعين والأفواه والأيدي)، حباً بالمبدأ وبالمكان، بالثورة التي يُحتفى بها كردياً، وهذا ما لم ولا يحدث راهناً.
إن الثورة التي تقوم على مبدأ، وباعتبارها ثورة، تتطلب أفراداً، بشراً يؤمنون بها، ويسعون إلى إحداث تغيير في الوضع العام، وهذا لا يتأتَّى أيضاً ،إلا بتضافر جهود، وإرادة حازمة وحاسمة في الانتشار والاقتدار، ولهذا يكون الذين يقومون بها، على أتم الاستعداد لفعل أي شيء، خدمةً لها من خلال استعدادهم لأي احتمال طارىء، مهما كان خطره، وهذا ما نلاحظه، في العنف الموجَّه إلى رموزها، أو الذين يعتَبرون هكذا، وإلى الذين يتعرضون للاعتقال والضرب والزجر، أو صور العنف المختلفة، بما فيها الموت طبعاً.
كما هي الطريدة القوية والخطرة، من خلال صيادها، ليس في وسع أيٍّ كان الاقتراب منها، ولمساحة محسوبة، وعلى هذا الأساس، أو التصور، فإنها ما إن تغدو في فخ الصياد، وهو يجهز عليها، حتى يتقاطر ويزداد اقتراباً منا، وبدرجات شتى، الذين يعظمون الصياد لا تقديراً لجهوده مطلقاً هنا، إنما حباً في الطريدة، أو الغنيمة، وأين تكون اللقمة السائدة والأكثر دسامة، وكيفية الانقضاض عليها غفلة، ونهشها، لأن اللقمة تكون مقدرة سلفاً: حجماً وموقعاً.
يمكن تخيلُ العلاقة بين الثوري وما يريد انجازه، وعلاقة المحيطين به، بالسبع الذي يتربص بفريسته الملحَّمة والمشحمة( من نوع الثور، أو البقر الوحشي)، وفي الجوار، وعلى مراتب، يكون متحينو لحظة التمكن منها، راصدوها، والإيقاع بها أرضاً، فيزول الخطر، وإذ يلهث السبع، نتيجة الجهد المبذول، بعد التمكن من الفريسة، يحاول استرداد أنفاسه، وهو ينظر يميناً ويساراً، بشكل اعتيادي، ليرى أصنافاً من الكائنات الأخرى، دونه مقاماً في الغالب: الضباع التي تتميز برائحة كريهة، والتي تؤازرها الرائحة هذه تلك الذاتية التوالد والمنشأ، لإبعاد السبع ذاك(أسداً، نمراً)، أو مضايقته برائحته، دون الاقتراب المفرط، إيذاناً بأن دوره قد حل، وأنه بوسعه، أن يشكل عائقاً يحول دون دنوّ بقية الأنواع الأخرى، إلا في المرحلة التالية، ومن ثم الكلاب البرية، بخفتها، وجبنها الملحوظين، والثعالب وبنات أوى، والأقل مقاماً، والجوارح التي تستطلع من ( فوق)، حيث لا تخفي مكراً، أو جانب الإزعاج للمتولمين ذاتياً، أو اقتحاماً، لتنتهي الفريسة ممزقة، وبعد مدة زمنية، عظماً ينفخ فيه الريح.
هكذا تكون الثورة تماماً، مع الأشداء والمخلصين لها، وبعد استتباب الوضع، ظهور من ينافس رموزها، إلى درجة، أنه قد يغدو الثوري الذي كان، متهماً أو قيد الاعتقال، لتخلى الساحة لمن كانوا أبعد الناس عن الثورة تلك.
لنسم الأشياء بأسمائها، نذكر الذين قاوموا وناضلوا بالقول والفعل، من الكرد في سبيل قضيتهم الكردية، متحملين المشاق، وفي جنوب كردستان( حيث موضوعنا يتركز عليه محوراً)، وتلك المنغصات التي كانوا يتعرضون لها، وكذلك القلاقل الكبرى، من خلال علاقاتهم بسواهم من الكرد في محيطهم ( نذكر هنا، من تمت تسميتهم حقيقة، بـ" الجحوش"، وما يمكن للتسمية أن تستدبر أو تستحضر أوتسمي أخوتها وأخواتها في أكثر من اتجاه، وإن اختلف الاسم) وما تعنيه التسمية من دلالة قيمة، والذين كانوا يتحولون، زئبقيين، إزاء المتغيّر في الثورة.
الآن ، هل كل الذين كانوا رموز الثورة، في مواقعهم أو أمكنتهم المناسبة، أين ذهب الجحوش، هل اختفى الزئبقيون، أم صاروا في مواقع أخرى، أصحاب مبادىء صارمة، طالما الظرف يسمح لهم بذلك؟

فاصل حركي
في الثورة الكردية، ذات الصلة بالتحولات والمستجدات الاجتماعية والتاريخية، والذين يعملون باسمها تحديداً،، ومن ناحية التنظيم السياسي، تكون السياسة كممارسة فكرية مدنية الطابع، لاحقة على التركيب الاجتماعي غالباً، للذين قاموا بالثورة كردياً. إن الروح الكاريزمية، تكون مجالاً رحباً لوجود المخلصين وبالمقابل للمتزلفين والمساومين، خصوصاً حين تنفتح الكاريزمية تلك على تلك العشائرية ذات الصلة بعلاقات القربى والدم، والتسامح المستند إلى اعتبارات ذاتية: مشيخية، أو زعاماتية قبلية أو كرامتية، تكون المحاسبة بصفتها مكاشفة للمقصر والمجد معاً، وإذ يقوم التسامح على اعتبار زعاماتي قبلي، وقصور في التحليل استراتيجياً، للذين أساءوا ويسيئون إلى الثورة ومجتمعها المؤسَّس باسمها، وصيت يذاع( شاباشية مستحدثة) بـ( أوباشية مستخبثة)، تكون الفراغات كبيرة، ومجالاً ليتسلل كل الذين يتميزون بتلك الروح الضباعية والكلابية والثعلبية وما دونها، إلى داخل العقل الناظم للمجتمع الحديث النشأة، وتُترك ثغور كثيرة لهذا الغرض، كما لو أو المجتمع مجتمع رحالة، إذا تعرَّض لجائحة يمكنه إيجاد الفضاء المناسب في مكان آخر، فيكون المنافقون والمطبلون ووهَّابو المخيلة المشوبشة والموبَّشة، وحملتها أهل مكرمة وحظوة.

ما يكونه الجنوب الكردستاني: جغرافيا فكرية واجتماعية
في الوقت الذي أثمّن فيه التجربة الكردية في الجنوب الكردستاني، بسيناريوها النضالي الجلي القدر، لأنها تخص شعباً في جهة منه، ولم أخف يوماً، وحتى اللحظة، تقديري النفسي والفكري معاً لتاريخها النضالي المشروع، لا يمكنني، على صعيد المتابعة والمكاشفة النقديتين تاريخياً، غض النظر عن الأرضية الزلقة التي تبدى عليها، من جهة الذين يريدون الدفع بمجتمع الثورة الكردي الطليعي تاريخياً، إلى الوراء، والتغافل عن الخطورة التي تتهدده في صميمه، إنها الأرضية التي تتمثل في نوعية العلاقات التي تشكل النسيج المجتمعي كردياً، مثلما تفصح عن حالة الما قبل مؤسساتية مدنياً، لما يدار داخل هذا المجتمع.
إن قرابة عقدين من الزمن، لا تشكل رقماً معتبراً، في سلم تقديرات المنجَز والمطلوب تحقيقه كردياً في الجنوب المذكور، إذا روعيت نوعية المخاطر والتحديات المتعددة المستويات التي يواجهها، ولكنها من جهة أخرى، تكون رقماً لا يستهان به، من ناحية المتوفر من الإمكانات المادية، والممكن تنفيذه، في ظل المتاح راهناً.
إن الجمهرة الضخمة من الألقاب الكردية، ذات الصلة بالأنساب العشائرية والمشيخية والعائلية أو الدينية، لا يمكنها أن تخفي طبيعة الولاءات القائمة، ولا الجنوح بالثورة، وصرفها خارج سكتها المرسومة، وما تعنيه مفردة الولاء، من زخم وتزاحم ذوي النفوس التي تتراجع كردستانيتها لحساب( نقدستانيتها) الشخصية والفئوية، إنما تعزز هذه الاعتبارات حصصاً، تخص نفوذات موزعة سياديةً وخدمية، ووفق أسهم لا ترفع من شأنها الكفاءةُ الذاتية بالذات.
الجنوب الكردستاني شغل الكردي طويلاً، من خلال الدم الكردي الذي كان يهدر، ولا زال، مذ وجد الكردي، إنما دون أن ننسى ، أنه في قلب التراجيديا الكردية، تراجيديا العلاقة بين الكردي المهدَّد بالتصفية وتشويه الصورة، وتلغيم الذاكرة، كانت ولا زالت التراجيكوميديا الكردية الصارخة، وربما هي الكوميديا السوداء، حيث أريق الكثير من الدم الكردي، من خلال الكردي ، وباسمه، ليزيد ليس في حقد الكردي على أعدائه، وإنما على الكردي الآخر، الكردي الجار، وفي ذات الدار، أو في حدود المرئي، الذي هو ابن عشيرة أخرى( والذاكرة التحزبية مثقلة بالثمار المرة، وربما المسمومة في عروق موزعة منها للعشيرة التي لم تمت كقيمة)، أو من مذهب آخر، أو جماعة مختلفة: سلوكاً أو اعتقاداً، أو ربما من داخل الجماعة بالذات. قد يقول أحدهم أن ذلك بداهة تاريخ اجتماع، وثقافة ليست خيّرة تماماً، ولكن حين يحيل الكردي كل ما يخصه، أو معظمه إلى عدو ما، تكون الطامة الكبرى قائمة، ليصدق هنا ما قاله نزار قباني ذات يوم( لم يدخل العدو من حدودنا قد دخل العدو من عيوبنا).
إنه الجنوب الكردي، الجنوب العاصف بثورته المديدة العديدة، إنما علينا ألا ننسى البتة الجنوب المجبول بجراحاته النازفة، بمن فعَّل فيه خرائب ومصائب مختلفة كردياً كردياً، إنه الجنوب الذي يكوى جنوب أبنائه بأبنائه، جنونهم المفعَّل فيهم، وهم بجنوبهم منقادون دون إدراك متطلبات جهته، تمعنوا في تاريخه قليلاً، تجدوا ذلك، وكم جنوباً هو ذاك الجنوب !
يتقدم الجنوب المذكور، بسلسلة متنوعة، بيّنة العلو من الجبال، سلسلة جبال تبقي كردستان، وكأنها في قلب بحر هائج تحملها أمواجه دون استقرار، جبال تواجه أو توازي أو تتحدى جبالاً بالمقابل أو ودياناً تعثّر مسيرها، أو تقف عند مد من النظر، من خلال سهوب متفاوتة المساحات، وكأنها تشهد على هذا التمزق الجغرافي باعتباره تمزيقاً لكينونة الكردي، دون أن تكون الجغرافيا هذه الوحيدة من نوعها في العالم طبعاً، سوى من تجريد جلي الأبعاد، وبرودة وحرارة متضادتين متنافستين نافذتين ، تتقاسمان المقيم فيها، وطي الجبال هذه وما بينها، وفي الأعماق تكون الضمائر المستترة والخيرة، كنوز الأرض من النفط وسواه، وكذلك ذهب المستقبل الحيوي المتدفق: الماء، ليكون الموقع الاستثنائي، والخيرات الاستثنائية، والبشر الاستثنائيين، كما يبدو، بقدرتهم على المضاربة فيما بينهم، والانزلاق على سطح التاريخ الذي ينزف داخلهم، وظاهراً، يكون الكرد رُحّلاً في تاريخ، بجغرافيا منهوبة داخلهم وتنتهبهم بتقسيماتها المضاربية الجدودية المتقابلة، غير قادرين حتى اللحظة، على الاستقرار بالمعنى الحضاري، أو بطريقة توحي أنهم مجتمع موسوم مدنياً، أو قيد التحول مدنياً.
لكأن التمزق الجغرافي، كما ذكرت سالفاً، استوجب ظهور عشائر لا تقبل التوحد، حتى وهي محكومة بالخطر الواحد، وأبقى تلك العشائر إخلاصاً لذاك التمزق، ضماناً لاستمرار العشائرية فعلياً، وإن لم يكن، فعبر أنظمة سلوك( سيكولوجيا الجماعات العصية على التآلف حقيقةً)، تخص الخيمة كفضاء مغلق للتفكير، مسوّر عليه، ولحامل الخيمة، كمجسد لقيمة العشيرة، مثلما منع ويمنع الكرد، حتى وهم في أقصى أقاصي الأرض، منقادين بقطبانية الذاكرة تلك، في المجمل، تعبيراً عن خصوصة ممهورة بقدرية مستهجنة، أبرزها الكردُ كثيراً.

الاستقطاب المبلبل للجنوب
خمسة عشر عاماً ونيّف، عمر الدولة الكردية من إحدى جهاتها، كما هو معلوم، دولة تعرّف بنفسها، مؤسساتية، تفتخر بمدنها ذات السيماء الكردية، بشوارعها ودوائرها ومطاعمها وحدائقها ولغتها وحتى بأزيائها، دون نسيان ريفها، من جهة إدارته كردياً، مع التشديد على العلم الكردي، والنشيد الوطني الكردي... الخ.
ولكن من يستطيع التأكيد على أن الدولة الكردية هذه التي يُفتخر بها، باسمها، والآمال المترتبة عليها، هل هي حقاً دولة قائمة حازمة بمؤسساتها المدنية، ولغتها المدنية، وعلمها الموحَّد، ونفوسها المختومة بالمدنية كقيمة متجذرة، لا خلافها؟
تبدو الاستجابة لذلك الماضي الذي كان، ولا زال مستمراً في الحاضر، باعتباره الماضي المائز عشائرياً، أو التاريخ الذي يزين الأمور في ميزان الاعتبارات النَّسبية، بالنسبة للذين يسيّرون أمور الدولة ( الفتية) والمجتمع الذي يريد، أو يراد لـه أن يشب عن طوق التقويمات العشائرية، حقيقة ملموسة بمقاييس الصادر والوارد:
أولاً ، داخل الذهنية، التي لا تزال تقدر الفنون والآداب والعلوم، والذين يقفون وراءها، أو العاملين في ميادينها، اعتماداً على مدى تحرك المعنيين بها، في الحاضنة الرسمية والصريحة، لأولي أمر الدولة والمجتمع.
ثانياً، في ميدان العلاقات الاجتماعية، وكيفية تسويق القدرات والأفكار، وتحديد مكانتها، إذ لا يمكن الموافقة على أي موضوع يثار، أو مادة تُطرح للنقاش، إلا في ضوء المعطيات المعتبرة والمقننة بإحكام.
صحيح أن الحدود الكردستانية، في جزئها الجنوبي، محروسة، وأن مؤسسات مسماة داخلها، ولكن هل زالت الإشارات والعلامات والتعابير الدارجة ذات الدلالة، من جهة التفريق بين الـ(حدك) و الـ(أوك)؟ إذ يستمد الاستقطاب الكاريزمي مرجعيته، من طبيعة المحاصصة والخصخصة اللتين لا علاقة لهما ، بتكافؤ الفرص، إنما بتكافؤ المغانم، كون الاقتصاد والسياسة كرافعتي مجتمع متقابلتين، لم يتجذرا عِلماً فعلياً.
كل حزب، يرسم الدائرة التي يتحرك داخلها، ومن الصعب هنا، الزعم بأن الحزبية تراجعت إلى الوراء، أو الحزبية قد غيَّبت داخلها كل أثر من آثار العشائرية والمذهبية، زعم ما يقال عن توحيد الإدارتين، واللقاءات المتلفزة المفرحة حقاً، ولكنها في الداخل، تبقي الحِصصية قائمة، كما في القناتين التلفزيونيتين( كردسات، وكردستان TV)، حيث لكل حزب عدته وعتاده الدعائيان، وأطقمه الإيديولوجية، والذين يحرسون كل متغير في الطرف الآخر ، لتبقى مجموعة الأحزاب الأخرى، وليبقى ممثلو الجماعات المختلفة داخل عباءة الحزبين.
في ضوء هذه العلاقات، يبدو الجنوب الكردستاني، على غاية من التماسك والإثارة من خلال المتحقق فيه، وهذا ما شأنه أن يدفع بكل الذين يتحركون في الإقليم الكردي، كما يسمى، وخصوصاً من يمارسون أعمالاً حزبية أو مؤسساتية معلومة وكتابية أو صحفية، إلى التباهي بما يجري، إلى التفاخر أن اليوم المحتفى به، هو الذي ( أُكمِل فيه دين الكردي قد تم وخُتِم قومياً)!
على أرض الواقع، تتحرك غالبية الأحزاب الكردية في سوريا، باعتبارها تبصر قبلتها هناك !
وإذا كان لا بد من التنويه إلى الذين عبَّروا عن كردية مهيوبة الجانب، وقدرة في التفاني، والتضحية بالذات بحماس ملحوظ، عندما تشكل أول حزب كردي، ذو قاعدة عريضة جماهيرية حقاً، سنة 1957، وجسدوها خير تجسيد، وهم يتعرضون للاعتقالات وصنوف الإهانات والنيل منهم، على مدى سنوات، وخصوصاً في ستينيات القرن الماضي، وهي عملية لم تتوقف حتى اللحظة، وهذا ما لا يمكن التنكر لـه أو إنكاره، إلا أنه في قلب هذا التاريخ من المواجهة مع الأعداء القوميين للكرد، والتحدي للخصوم والمناوئين لهم، برز مجمل الذين مثلوا الكردية في نفوسهم قومياً، خارج متطلبات اللحظة التاريخية وفرصها المواتية بعد سنين معدودة، اعتماداً على تلك العقلية المنقسمة على نفسها، تلك التي تُبنى على إثارة الشبهات فيما حولها، باعتبارها سياسة معتمدة، والتحرك في القطار البطيء والمكربن، ذي الفاركونات الضيقة، وأعني بذلك : العشائرية في ممارسة التفكير، التفكير في اللاتفكير. أهي أحجية/ لغز؟
إبقاء الماضي ( التليد)، من جهة الحمية العشائرية، في التفريق بين رموز الأحزاب التي توالدت وولدت أفكارها التي تشكل بدورها ممهّدات لسوادها سماداً يخصب مخيلتها، حيث الإخلاص لخلفيتها العشائرية تلك حتى الآن، كون البنية التي أقامت عليها حركتها، مفارقة لخصوصية المنشود، إذ طالما القومية كمفهوم اجتماعي سياسي، تستوجب بشراً من لحم ودم، متراصين، يجيدون التعامل مع بعضهم بعضاً على تعميق الألفة وبقاء الاختلاف المحفّز لتوسيع القاعدة الشعبية لها، ونبذ الخلاف الذي هو خصلة عير محمودة ، عشائرية المنبت والمهوى، فإن الحاصل هو إبقاء العربة( التفكير العشائري، الحسابات العشائرية الصورة، المحسوبيات العشائرية...الخ)، أمام الحصان( القومية+ العقل الموحد مع ذاته، في قواه المعرفية)، نزوعاً إلى بقاء هزيل، وتيمناً بأحزاب وجِدت هكذا، ولما تزل( الحزب الشيوعي، حزب البعث)، في تلك النعوت التي شكلت مفردات لم تستهلكها كثرة الاستعمال، إنما جددت، ولا تزال، دورتها الدموية: القدرة الهائلة على النيل من الخصوم الداخليين الذين كانوا رفاق الأمس، بالتخوين والتقريع والتهكم ومحاولة النيل بكل الوسائل الممكنة، ومن ذلك التصفية المعنوية والجسدية ، إن لزم الأمر( وهي لم تمارس الجانب هذا كثيراً، كما يبدو، ليس لأنها ترفعت عن ذلك، وقطعت شوطاً في المدنية، وتقدراحترام الآخر: المثيل الكردي، وإنما لجبنها الذاتي، إذ استلذت بمجموعة وحداتها الزعاماتية المتتالية( كلما كان هناك كثرة، زادت السكرة، وماعت الفكرة)، ولأنها في صميمها، كما يظهر، راعت أعرافها القبلية أو العشائرية، وهي أن تبقى مخلصة لنبالة الأعراف تلك، وضاربة بعرض الحائط ما نوت عليه قومياً، أن تكون قابلة للتزايد السلبي، حيث كل حزب يكون القابلة التاريخية لولادة حزب آخر، والمتقبل للانقسام دون الالتحام الفعلي، مع تنامي موسوعة الشتائم والتسفيهات، وإلا كيف يمكن تبرير كم الكم اللامحترم من الأحزاب الحراب الموجهة إلى الكرد في حضورهم القومي الفعلي، وغيابهم أو تغييبهم الكيفي، ضماناً للمزيد من التشرذم والتبلغم الداخليين، كما هو معهود من قبل مجملها؟1
استخدام أكثر المفردات الدالة على المدنية والحضارة والثقافة الجادة، في الاجتماعات الحزبية، وفي مكاشفة المحيط الخارجي، كما في الرأي والرأي الآخر، والتقدم ، وضرورة التغيير، والبناء الذاتي، والحفاظ على الشخصية، واحترام الحزبي لرفيقه ولسواه، والدخول في العصر ومستوجباته... الخ، وهي علامات/ مدماكات للتفكير السليم، ولكنها ماء النبع الزلال الداخل، أو المنصب في المستنقع الحرام، وأعني بذلك ركود الذهنية وانغلاقها، ورفضها الفعلي للروافع القيمية في التفكير السليم ذاك، لأنها آلت على نفسها، كما هو المشهود له، على ألا تقبل ( كائنات غريبة: أعني المفردات، التي يتم التفقه والتشدق بها) داخل أقبية الذهنية المستأنسة بعتمة النظر، خوفاً من فضيلة الرؤية الداخلية، ومهزلة التكوين والمثابرة في السلب، ليكون التفكير العليل في الجسم الذليل، وإلا فكيف نفسّر هذا التواصل، هذا التجاور المثبط للهمم، بين مجموعة: تقليعة الأحزاب الكردية، وهي تتبادل المناوشات، حيث يعلو عثار النقع المستهجن فوق رؤوسها، وكل تبرير من أي كان، هو في حقيقة أمره، التفافاً على الحقيقة، وهي أنها ليست حريصة حتى على نفسها، إنما مأخوذة بضيم الأعادي لها، عبر فزاعاتها المتبادلة التي باتت تخيف بعضها بعضاً، وتزيد من شهية الأعادي هؤلاء، منتقلة من سيء المعنى إلى أسوأ المبنى؟ 2
كيف وجدت، أو أوجدت الأحزاب/ الحراب الخبيرة بضعف بعضها بعضاً أكثر من قوتها المحدودة التي كانت سبباً للضعف: القاسم الأبوي المشترك ذاك، في ظل تاريخ، يستقبح كل ما صدر عنها من مبررات التكاثر، وأفانين القول في الرد والرد المضاد، في تبرير الأسماء المستحدثة، وتعيين أسماء الأمناء العامين، والنواب،وسكرتارية اللجان والمتابعة والإعلام والثقافة... الخ، كما لو أنها كاملة القوام، تاريخ يكشف عوراتها بذاتها، وهي تدير ظهورها( إن كان لها ظهور حقاً، من خلال المثار عنها منها!)، للمسحوقة بها: جماهيرها، والمنسحقة بأعدائها، عبر بوابة عيوبها/ مثالبها الكبرى، وهي ماضية في إبراز غلها بالتساوي، أو بنسَب ٍ، لا تبقي أي منها محروماً من فصيلة ذم الآخر( رفيق الأمس القريب جداً)، معلنة عن محاسن رموزها، وما تقوم به، وكأن المضي في الخطأ( خطأ التشرذم والتهيؤ للانقسام التاريخيين)، بات اللحظة المرتقبة للجماهير هذه، والذين يعنون بأمرها، وليس من أمر آخر، كأن الذين يتعرضون لمضايقات واعتقالات، وهم خلصاء المبدأ، ثم يتم نسيان أمرهم، في تنامي الجفاء والعداء العريقين، كأن هؤلاء لا يحركون فيهم شعرة القومية التي شابت في مهدها؟
كان على هذه الأحزاب أن تؤكد مرجعيتها القومية، ارتباطها بقدوة، وهي تنظر إلى خارجها، رغم أن داخلها كان المؤثر في وجودها، وظهورها حزباً كردياً يستجيب لمكونات ومقومات الكرد في سوريا، دون نسيان امتدادهم خارجاً، إنما دون اعتماد التعكيز والتعجيز، في تجويز النظر إلى الخارج، بصفته الدعامة الكبرى لها.
عند النظر في بنيتها، والذين أخلصوا لها، تبدو الوقائع مزيجاً من البطولة الحميدة التي لا تعدم أبطالها من المتفانين باسمها، ومن يجدُّ باسمها، بطولة يفرزها الواقع التاريخي، كما هو مسمى، ولكنها في كل مرة، في كل خطة خمسية مشؤومة، أو أقل، في ظل الأرقام التي تنذر بانقسام وشيك، وانقسام نطفي، بين صلب الأعداء التاريخيين وترائب الأهلين، إن جاز التعبير، تعلن ساعة الصفر، وهي تعود إلى الصفر التاريخي، بولادة جديدة: بليدة، تبشر: تنذر بلاحقتها بجانبها أومن داخلها، اقتداء بسابقتها، حيث خصوبة الرحم التاريخي للحركة المقضّة للجسم التاريخي للحركة، دون نسيان النطفة المجرثمة لأولي أمر الحركة المميعة للجسم، يحفزان مَن بنفسه شهوة الانفصال، وتشكيل خانة حزبية جديدة، مثلما يحفزان الأعداء، إذا أرادوا تعميق النخر فيها، على بقاء الباب مشرعاً لكل الأهواء والأصداء التي تعدم في الحركة اسمها الذي يجلوها هنا وهناك3.
لكأن الأحزاب هذه، أدركت، وعبر منطقها المخل لها وفيها، أن انفتاحها غير المحمود، على خارج كردي، يشكل شفاعة لها، ومجالاً رحباً لتتنفس أكثر، وهي تؤسس لمرجعيتها في دوامها، في جلوسها وقيامها، عبر الارتباط بالجنوب الكردستاني، ارتباط، أُعطي المجال لـه، ليكون لـه صدى محلي، وهو الاسترشاد بحكمة ثورة تفتح الطريق إلى المستقبل، وكأنها بذلك، آمنت، ولا تزال على هذا الإيمان،وأمنت على نفسها في ظل إيمانها ذاك، معتقدة أن وعيها لذاتها، ولجماهيرها، ولواقعها، وكذلك انتصارها على أعدائها المحليين وأضرابهم، يكون بالمزيد من الارتباط المصيري : التبعي بالجنوب.
حزبان، هما الـ( حدك)والـ(أوك)، يلخصان تاريخاً دون أن يبرر وجود هذا الكم من الوثائق والبيانات والمرافعات والقرارات ومحاضر الاجتماعات الحزبية، ووقائع الجلسات، وسخونة الموضوعات المتداولة، والمداولات السرية، ومجريات اللقاءات الجانبية وسواها، هذه التي تشكل بدورها ذاك التاريخ( الملخَّص)، وما في الداخل من مخارج أغلقت، و( خوارج ) اُتهموا أو زجروا أو أُبعدوا أو عتّم عليهم، حزبان يقفان وراء هذا الكم الكبير الخطير على بني قوم الكردي دون أن يكونا سبباً طبعاً، إنما القدوة التي لا ترغب نسيان أنها قدوة، وإبقاء الموصى عليه قاصراً إلى ما شاء ممثلها، تجاه الأحزاب التي سيقت كردية، فكانت كرديتها التي أُزهقت روحها عن طريقها، أكثر من كرديتها التي أرهقت روحها مجموعة القوى المعادية لها من الخارج حقاً!4
ماالذي يقف وراء التشرذم الحاصل في العدد والعدة، ماالذي يلهم الحزب، الحزبين، الثلاثة أحزاب، العشرة أحزاب كردية، ما يبقيها مضاعفة، وهي تبحث عن قدوتها خارجاً؟
هل حقاً، هو البحث عن الاقتداء، القدوة الحسنة، ونسيان أن القدوة الحسنة لا تكون إلا بوجود من يحس ويحسّن فعل الاقتداء، من خلال الاستمرارية في التنامي الداخلي، وتوسيع الوعي التاريخي بخاصية الاقتداء، ليكون المقتدي قدوة ذات، ويخرج من جهالة الاستتباعية إلى نبالة الاستقلالية؟ إذ لا قيمة لقدوة، بوجود مقتدٍ، لا تمارس فيه تنويراً على أنه يجب أن يتهيأ لقدوة مماثلة ذات يوم، وعلى أنها ( أي القدوة الأولى)، لا يمكنها أن تكون قدوة، إلا إلى حين معين، لأنها لا تريد أن تبقى في صورة من يهدي الآخر، أو يقوّمه، أو يعلمه إلى يوم الدين، شعوراً منها باستقلاليتها، واختلاف ظرفَي الزمان والمكان، وأن القدوة هذه، إذا كانت تجد في المقتدي بها، ما يعزز ثقتها بنفسها، فإن المهم تاريخياً بالمقابل، هو أن تردع هذا الذي يريد الاقتداء بها دون حساب، أن تضعه في صورته التاريخية، وهي أنها غير ملزمة به لزوم الصورة للإطار، ضماناً لها على التحرك ضمن محيطها، دون نسيان الصلات القائمة بين الطرفين وأكثر( على الصعيد الكردستاني)، وهذا يعني أن المسؤولية التاريخية للقدوة كتفكير عملي، وذهنية متفاعلة مع الأحداث الجارية في محيطها المحلي والخارجي، لكبيرة جداً، إنها تكمن في الدفع بالمقتدي، الذي يبدو في حكم الموصى عليه، وتحت الرعاية، ليشب عن الطوق، كون القدوة تستهلك في ذاتها اهتماماً، تكون هي أَولى به، وتأثيراً ينعكس عليها سلباً، إذا بقيت العلاقة في سياق القاطر والمقطور، مثلما أن المقتدي الذي يظن أنه العاجز أبداً( أو هكذا يكون التفكير إيحاءً) عن الوقوف على قدميه، عن اتخاذ أي قرار يخصه، يبقى منظوراً من الخارج، بسبب هذا التعكيز، ولأنه تدريجياً يفقد القوة المعرفية التي كونتها ظروف المحيط المحلي وتحدياته، وفي الوقت نفسه، لا يعود في مستطاعه توليد واستيلاد الطاقات التي تتواصل تاريخياً، أو تباعاً، من خلال الشعور بالتمايز، دون الانفصال عمن كان القدوة ذات يوم،( يكون التثاقف والتآخذ المتبادلان : اللحظة المنتظرة)، وبالتالي لا يعود هذا المقتدي، بكامله، قادراً على الارتباط بالمكان، والوحدة في الذات. إن هذه التبعية المفرطة من قبل المقتدي بالقدوة في متبوعيتها اللافتة، تشكل مدخلاً لرؤية مدى الشلل الحاصل في الدماغ المحرك، ليس للحركة الكردية في سوريا، وإنما لجملة الأحزاب الكردية التي تقبل على نفسها مثل هذا الدخول التبعي، بوصفه فضيلة من خلف لم ولا يبلغ سن الرشد التاريخي، لجميلة سلف مرئي صارم ولم يتعتق ، إن راعينا المسافة التاريخية، فلا يكون الاقتداء اقتداء، إنما اعتداء على جملة الحركة بالذات، باعتبارها تضم إليها الأحزاب والذين يعملون خارجها، باسم الكرد، بوصفهم شعباً وقومية، وفي إطار مجموع عام، يعني بشراً آخرين: قوميات وما دونها، وهو اعتداء غير مباشر، طالما أن العلاقة لا تتم دون معرفة مسبقة بخصوصية كل جانب، ويعني ذلك ، أنه لا توجد علاقات، بالمعنى الفعلي للكلمة، بين القدوة والمقتدي، لأنها تذكّربنوع من تبادل المؤثرات، بينما هي تكون تعليماً بوجود معلّم، لمتعلم لا يصبح معلماً، وربما يحلم أن يكون هكذا، ولكن إرادة التبعية تبقيه تلميذ المعلم رغم تقدمه في العمر، فالتابعية أكثر دقة من مفهوم العلاقة، لأن المعلمية تفترضها واقعاً.
هنا يمكن الجهر بهذه الحقيقة الصارخة والتي قد تبدو مستفزة، لمن يقتدي دون وعي بحقيقة ما هو عليه: إذا كان ممثل القدوة يلام إزاء تبعية كهذه، مضى عليها دهر ثقيل الوطء( إذا راعينا صعوبة الحالة وحساسية المرحلة)، لوم يطالها في أنها تستجيب للمقتدي بالتوجيه للأوامر والتعليمات، وتقبُّل المديح، تجاوباً مع ذات مهيأة لذلك، ذات زعاماتية عائلية العلامة ، سليلة عشائريات القول والفعل في نهاية المطاف، وإلا لما كان من لزوم لكل هذا الود المُكلِف، والمديح المفرط والمحبط، بخصوص علاقة يكون طرف هو المتحكم بالحركة، حركة تأتي من الجنوب، وبوسع الجنوب هذا، أن يعزز فضيلة الاستقلالية، من خلال مراعاة الجهات، وبنية كل جهة، ولئلا يكون التداخل، مجالاً لإضعاف الحركة في عمومها في الجهات كافة، وبالمقابل فإن المقتدي يضام( وأشدد على هذه المفردة شخصانياً، تأكيداً على القيمة النابتة في العلاقة المختلة)، بسبب استمراريته في الانضواء تحت عباءة المقتدي، شعوراً بأمان وهمي، يفسره وعيٌ توقف في حدود الاقتداء السلبي، فتكون المسؤولية التاريخية أكبر وأخطر هنا.
لقد حوَّلت غالبية الأحزاب الكردية في سوريا جماهيرها، إلى قطيع محكوم بالتحرك وفق خطوات راع ٍ قادم من الخارج، راع، هو مستقدم، راع مبتدع أومختلق، بوصفه يدرك المكان أكثر من ممثليها، ولتفصح بالتالي، عن مدى هشاشتها، وعطبها من الداخل، حين تقدم مسوغات للاقتداء، وحين تمضي في الطريق الذي ينغلق عليها تدريجياً.

مسالك موسم الهجرة إلى جنوب كردستان
ليس موسم الهجرة حديث العهد، كما أسلفت، وعندما أتحدث عن موسم الهجرة هذا، فإنني أشير إلى خط الترانزيت الشغال، ومن جهة واحدة، تسلكه الأحزاب الكردية في مجملها، باتجاه الجنوب: ملخص الجهات في المجمل بالمقابل، يقيناً منها، أنها تقطع شك حزبيّها الكردي، وحتى كرديها اللاحزبي، بيقينها التاريخي المعلَّب، وهو أنها تسلك الطريق الصواب، ممررّة عبر هذا الطريق كل ما يخصها، باعتبارها تريد مكاشفة لما يجري حولها.
إن انشغالها بذاتيتها الزعاماتية الضيقة، والفكرة التي تمحورت حولها( اعتبار المسؤول الأول، هو الزعيم الذي لا يأتيه الباطل لا من أما مه ولا من خلفه)، وبكيفية تأكيد هذه الذاتية الموسومة، عبر عملية ارتباط مصيرية، هو الذي أشغلها عن حقيقة ما هي فيه وعليه، أشغلها عن أنها وجدت لتبقى لسان شعب، وليس أن ترقى إلى العبء الذي يثقل كاهله، وتفتيته كثيراً من الداخل، اعتماداً على متوالية ضخمة من الحجج والذرائع والوقائع الموجهة، للتأكيد على أنها في مجموعها( رغم انشقاقاتها" الموضوعية دائماً" لوجود شقوق في ذهنيتها لما يعنيها)، على حق، ولكنها في مجموعها العام، مجموعها المنفصل وحدات دون توحُّد، وبالصورة التي تكاشف نفسها، وتتبادل الاتهامات، تكون غير شرعية.
كل الأحزاب الكردية، ودون استثناء، ومن خلال منطقها بالذات، تكون عميلة ومتآمرة على الكرد عموماً والحركة الكردية خصوصاً، وليس من حزب، بقادر على إثبات أنه خلاف ما يتردد هنا:
- يكون الحزب الأول، الذي ظهرت منه، أو خرجت من ( رأسه) التاريخي( الكرونوسي) بقية الأحزاب الأخرى، الحزب الذي رضي أن يبقى في مكانه، موسوماً بالرجعية والممالأة للسلطة، وكذلك الانبطاحية والجبن والتخاذل...الخ.
- يكون الحزب هذا، مستعداً للرد على المجموع المتَّهِم، بأنه غير قادر على ضبط نفسه، وأنه هو الذي يرمي بنفسه في هاوية التاريخ، عندما مارس انشقاقاً، ليكون أداة إضعاف للحركة، وتشويه سمعة الكرد.
- كل خارج من الحزب، هو عميل لاحقاً، وقد كان رفيقاً يقتد به سابقاً، لأنه يكون في مركز قيادي غالباً، وكل خروج يترافق بكيل سيل من الاتهامات المتبادلة: العمالة، التقاعس، الخيانة، التواطؤ، الانتهازية، الأنانية..الخ.
- كل من يحاول توجيه نقد إلى الحزب، أي حزب، تبدو الأحزاب الأخرى على غاية من التوثب والحذر في مواجهته، إنها بالذات نخوة البطرياركية العشائرية، لأنه يتهدد الجميع، ويحرض آخرين بالتحرك مثله، وهنا نجد كيف أن منطق ( أنا ضد أخي، وأنا وأخي ضد ابن عمي، وأنا وأخي وابن عمي ضد الغريب)، بحسب العلاقة القائمة، والخطر المهدّد. الرفيق الحزبي بمثابة الأخ، الرفيق الحزبي الآخر، بمثابة ابن العم، وما تبقَّى يكون في موقع الغريب، دون أن يكون ذلك ثابتاً، فالرفيق الحزبي، حتى إذا كان أخاً، عندما يتجاوز الدائرة المرسومة لـه، سرعان ما يصبح الغريب البغيض/ تجسيداً لنجاسة، يُرمى إلى التخلص منها، ومن ثم التطهر بالمزيد من التعاويذ والطقوس الخاصة بالتطهر من رجسه هنا: تعديم ماضيه، نبذه كلياً، التحذير منه، والتأريخ لذلك، بعد الموافقة عليه بالإجماع، والويل لمن لا يوقّع، ليُرفع كل ذلك إلى من يهمه الأمر، ربما إلى ماوراء النهر( الماء الكبير)، كما هو معلوم، إيماناً بحسن سلوك المقتدي، والمصداقية المستثناة للقدوة.
هنا يمكن القول، بشكل آخر، بأن الكرد يمتلكون قضيلة مميَّزة، وهي سهولة النيل من الآخر، حتى لو كان أقرب المقربين منهم، داخل فاركونات الأحزاب الكردية، والذين رضوا ويرضون: أنصاراً أو أنصاف أنصار، من العامة والكتاب وسواهم، على أن يكونوا معهم، إنما في الملحق بالقطار الحزبي في المؤخرة. ولو أننا تمعنا في الجانب هذا، لرأينا أن التسفيهات والكلمات البذيئة وتلك التي تنال من الشخص الحزبي بالذات، لحظة اختلال العلاقة، وظهور الخلاف المباشر داخلاً، ومن قبل القيادي( العبارة التي تثير التهكم، بسبب ضخامة المعنى وقزامة المبنى)، لهي أكثر من تلك التي ( يُفتص) بها من الأعداء الأعداء، وثمة تراث ضخم من الكلمات هذه، وهي كلمات شغَّالة، يجري العمل بها حتى يومنا هذا، وهذا مرده إلى أنها لم تتفرغ للمبدأ القويم الذي عهدت بها نفسها، أو وعدت به جماهيرها البائسة التاعسة الناعسة، ولا تنبَّهت إلى خطورة ما هي مقدمة عليه، أو تتحرك به ونحوه، مأخوذة بقطبانيتها، وإلا لما كان هذا الانقسام: الانهدام، فالأحزاب أسماء، والأسماء أشلاء، باعتبارها أجزاء ترفض الانصهار في وحدة عضوية: قومية العلامة، هي حجتها في الأصل، ويعني ذلك أيضاً، وكما هو مقاس في مكان آخر، يكون حزبيه هنا( أي متحزب الكرد) خمسة عشر كردياً، ينتهون برؤوس غاية في التصلب، والحسية التي تبقيها في دائرة العلاقات الضيقة، حيث اعتبار ما يعني المسؤول يعني الجميع، وربما الذين ينشقون، ويشتقون انشقاقهم من المشقوقين أصلاً، وما في الانشقاق الأول من شقاق، يعلمون، وهم على بيّنة، مما يقدمون عليه، أن الطنجرة الحزبية التي تعِد فقراءها بغذاء قومي دسم في المربع الكردستاني الموصوف( ذخيرة العجائب الكردية)، إذ يدركون ما هو تحت الغطاء، لا تضم سوى حجارة تسخن، كل من أمسك بواحدة منها احترقت به، أو أصابته لوثة جنوح في معرفة ما هو عليه وهزاله، وكل من أصابته حجرة عن بُعد، تعرَّض لعاهة في ذاكرته القومية، وكلم من أبصر حجرة مرشوقة، ناله خبل أو هبل( مع فارق في الاختلاف العقلي والتصدع النفسي)، من هذا المشهد التحزبي الملحوظ، وحدهم يدركون مهزلة المقامات، من خلال هذا الخروج أو( شق غصا الطاعة)، والذي يتم بأسهل مما يمكن تصوره، ضحكاً على لحى من لا لحى لهم حقيقةَ واقع، وإذا كان الواقع خلاف ما يتردد ويثار هنا، إذاً ما الذي يبرر كل هذا الانقسام والتبعية، وممارسة خداع تلو خداع، دون رادع من ضمير؟
كل حزب لا يتردد، بكيل سيل من التهم الجاهزة المحضَّرة، لأي طرف: شخصاً أو طرفاً آخر، أو جماعة، أو حزباً بالمقابل، من خلال مجموعة من الأوراق أو الوثائق التي يجري إعدادها، أو تكون معدة زمنياً، لكل( رفيق)، وفق آلية عمل خاصة داخل الحزب نفسه، وإظهارها للملأ في الوقت المعتبَر مناسباً، ولا أحد بمنجى من هذه( اللوثة) المعممة، حيث يكون لكل حزب، ودون استثناء جهاز عمل مخابراتي النشأة والتكوين والممارسة، مع فارق وحيد، هو أن هذا الجهاز لا يمتلك الإمكانات التي تجعله نداً لغيره من الأجهزة المخابراتية المعروفة عالمياً أو محلياً، من جهة رصد حركات شخص أو طرف ما، بأساليب مختلفة، وبالإمكانات المتاحة، إذ ما الذي يميز هذا الجهاز المعتبر( مخابراتياً أو استخبارتياً)، بوصفه( الكريات البيضاء) في الجسم الحزبي المدافع عنه، إزاء الموسوم غريباً أومعادياً أو مشبوهاً في الجسم ذاك، عن الجهاز الذي يجري التخوف منه، طالما أن المشترك هو:
إثارة الشبهات المختلفة عنه، دون أي تردد، تطاله في ماله وعرضه ودينه.
التضييق حوله، من خلال إثارة واستثارة الشبهات تلك: إعلامياً ودعائياً، بغية تمويته بأكثر من معنى.
الإساءة إليه، بكل ما هو ممكن، أو متوافر، من خلال القدح الكلامي الملفَّق والمنمَّق، والجرح والتجريح الجسديين إن اقتضت الضرورة. إن لدى حزب مجوعة عمل مخصصة لهذا العرض، تذكرنا بـ( اللومبن بروليتاريا)، وهي تترجم بـ( حثالة البروليتاريا)، تلك التي وصفها انجلس ذات يوم، بانها قادرة على أن تقوم بأكثر الأعمال اتصافاً بالسمو الأخلاقي، مثلما يمكنها القيام بأكثر الأعمال خساسة وانحطاط أخلاق، وأعتقد أن لدى أحزابنا الكردية في كليتها( مجموعة الطوارىء) هذه، وهي على علم بذلك، وتعرف جيداً ما هو مشار إليه، كما تعلمنا الوقائع اليومية لمسيرتها زرافات ووحدانا، إزاء بعضها بعضاً، فكيف الحال إزاء المعتبر غريباً 5.
إن ذلك يذكرنا بالذهنية التي تشكل ميكانيزم ما تقول وما تقوم به، وهي تقودها من أزمة فادحة، إلى فداحة أزمة أكبر، تجاوباً مع العشائرية التي تكون أرضيتها الزلقة، إنها لم تتشكل، وفق المعلوم، خدمة للجماهير التي سمتها( أعني سممتها)، إنما لتكون الجماهير هذه : الأرواح الميتة، ذات الصيت المؤلم( كما عبّر عنها غوغول الروسي في رائعته المشهورة)، ذلك في أغلب المراحل التي مرت بها، وكما تدل وقائع جلساتها ( التاريخية)، اعتماداً تبادلياً سننياً:
أنا أخوّن إذاً أنا موجود، أنا أسفّه إذاً أنا موجود، أنا أكيد لهذا أو ذاك، إذاً أنا موجود!
أنا أرد على الخيانة بخيانة، إذاً أنا موجود، أنا أرد على التسفيه بتسفيه مواز ٍ، إذا أنا موجود، أنا أكيد بكيد مقابل، إذاً أنا موجود... وهكذا دواليك!
الواقع المحسوس هو الذي يتم تبنّيه، إنما بتحويره، تجاوباً مع ضيق أفق المفكَّر فيه، كما تتصرف الإرادة الحزبية، إذ ما إن تقول ( واحد)، حتى ينبري أحدهم( أي منهم يكون مثالاً دقيقاً هنا): مهلاً، نحن لا نتعامل بالمجردات، حدد من يكون الواحد هنا؟! ثمة زعيم واحد، حزب واحد، قيادة واحدة..الخ، وهذا ينطبق على الاثنين والثلاثة والأربعة وما يلي ذلك، حيث إن الرياضيات لا قيمة لها في العرف الحزبي الكردي، إنها العلم الأكثر منبوذية، لأنها تبعد المرء عن الواقع الذي يحتَكم إليه، والتجريد يقصي الفرد عن المشخص، يفضي به إلى واقع يخصه، يكتشف به سر ما هو عليه داخلاً، يبعده عن الزعيم الذي يبقى مشخصاً، حساباً لا هندسة، كما تقول لغة العلاقات اليومية المفرطة في حساسيتها، أعني تعبويتها وشعبويتها، والحالتان حسابيتان مشخصتان، وإن قلت واحد زائد واحد، كان الاعتراض في لا شعور المتحزب: حدد المقصود، من يتم ضمنه إلى من؟ إن الزعيم( زعيمه الحزبي)، لا يقبل ضماً بقدر ما يريد انضماماً إليه، فيكون الجمع مرفوضاً هنا، والحساب ذاك فقط متداول في إطار العد والعدة التحزبيين ،وهنا أيضاً لا مكان للقسمة أو الطرح ، لأن الذهنية الحزبية الكردية، وكما هو مأثور متَّبع، تحيل القسمة إلى افتئات مجتمع، والطرح، إلى تقليل من هيبته، وفي مطلق الأحوال، لا تقبل الذهنية الحزبية إلا ما يعزز مكانة الزعيم، وكما يريد الزعيم هذا، وما عدا ذلك يكون في حساب المرفوض عددياً، أعني في خانة الإقصاء والإلغاء: صفراً على الشمال: تجريداً من كل قيمة في الحالة هذه 6.
هذه العقلية ليست محلية العلامة، لقد ترعرت خارجاً وداخلاً، كان لها صولاتها وجولاتها في الجنوب وما يليه، ليكون الاعتماد، حتى بعد التوحد الإداري، إخلاصاً يستمر لزمن غير معلوم، ولأن ثمة من يصحو على صوت الكارثة التي يكون السبب المباشر لها داخل حزبه، أو حركته، أو بصفته كردياً، كما يزعم، أو كما يقول بالكردية الدارجة( Serê wî li heda neketiye)، ومن الصعب، في المدى القريب أيضاً، ارتطام رأسه المتضخم بعضاضة التاريخ الواطئة، إنها العقلية المعبّرة عن الروح التي لما تزل، تتحرك بعيداً عن حدة الشعار وحيويته في آن.
تبدو الأحزاب الكردية، وفق المشار إليه، في مجملها المتكرر، تنام وتستيقظ على جنابة تاريخية، من جهة التفكير الظني المتبادل فيما بينها، ومن جهة شعور كل معني بحزب، أنه الفحل الأكثر طراً، وأن البقية دونه ذكورة، أي يكونون منزوعي الذكورة، وهي في علاقاتها مع بعضها بعضاً، تمثل مجموعة المكعبات ( من الهرم الحزبي الكبير والمتورم في رأسه والمعدم للرؤية، حتى القاعدة الواهنة ركيزةً)، تلك التي تتمايز، إنها لا تنصهر في كل واحد، إنما تتفاوت أحجاماً وألواناً، ولهذا يسهل تفككها أو تفكيكها، كما هو الحلف العشائري، الذي يقوم على الالتزام بتحرك في ساحة مسوَّرة، وفق صلاحيات موزعة، وما إن يتغير المزاج، أو علاقات القوى، حتى ينهار الحلف مفهوماً حيوياً في الواقع، حيث تتراوح بين الإفراط اللافت والتفريط المتهافت. إذ في الحالة الأولى، تبلغ بها العصبية القومية درجة من التعالي، لتكون متطرفة، غير قادرة على التحرك والتحاور مع الآخرين، بينما في الحالة الثانية، تكون مفرطة، إلى درجة أنها تتخلى عن كونها موجودة باسمها، من أجل مبدأ قومي، وبه تقوم.
في الحالات جميعاً، تكون الأحزاب في مجموعها( مجموعها الجمعي) طليعية، حيث لا حزب يتقدم الآخر، أو يتخلف عنه، في الاعتبار القيمي، لا زعيم حزب، بملتفت إلى الوراء، استناداً إلى تجذير الذهنية التليدة التي تلصقها بأرض الوهم، وهي أنها موجودة، مجسَّدة في الزعيم الكاريزمي، وحوله القطيع، الزعيم الذي لا ينظرإلى الأمام ولو مرة واحدة، على الأقل، ليلاحظ مدى ارتباطه بالمكان، ومدى تأثير الزمان فيه، ليكون على بيّنة من حقيقة ما يقوم به وما أنجزه، لهذا، ينعدم وجود أي زعيم حزبي، مهما ضؤل شأنه، الاعتراف بأن له ماضياً منغّصاً لـه، أن ثمة خطأ يمكن أن يكدر صفوه، لأن الشعور بقطيعية الرفاق هو الذي يحيل الرفاق، بدءاً من الوزير في لعبة الشطرنج الكردية، وانتهاء بالجندي الذي يكثر عدده، إلى حالة النفي لمحاكمة موازية، أو محاسبة رفاقية مشتركة أو متبادلة، مع بقاء النظر في الخارج عنه أو عليه محكوماً بماض لا يستحق أي اعتبار، ليكون الشطرنج لعبة الملك، والملك لعبة الشطرنج، باعتباره الوحيد الأوحد الذي يسمى، ومَن حوله موجودون من أجله، رغم أنه ملك بوجودهم، وهم الذين أوجدوه، وإلا لكان فرداً مجرداً من الاسم، أي اسم. هنا كل اسم مأخوذ بجريرة معناه، فيتبدى إزاء الشعار الذي يوهمه ولا يلهمه، على أن الجاري العمل به مضمون النتائج، وهو خلافه، كما هو معهود في مجريات الأحداث اليومية الخاصة بالأحزاب هذه، وأولي أمرها.
وهي في ضوء ذلك، بالكاد تجد من يردعها، من يلزمها بمراجعة معينة،( ولو في السنة مرة)، لا تجد مساءلة من ذاتها، أو ممن هو حريص عليها، على أن هذا التواصل في كرسي ( العرش الحزبي المهزوز الناتىء)، مدة عقود زمنية، قد كربنت الدماء، وجلطت الدماغ تاريخياً، ولكم هو مناسب أن يبرز من هو متمتع بقوة الشباب، ليجرب حظه في ( الزعامة) المزعومة، ولكن يظهر أن ( لا ولد في هذا البلد)، وأن الكرد لم ينجبوا منذ عقود زمنية من هو كفؤ لقيادة حزبية، يميناً ويساراً، ولهذا فهم جميعاً مشتركون على منع أي تغيير، يؤكدون إعجابهم بعدوهم الأقرب منهم إليهم، وأنهم بالتالي، يضللون أنفسهم قبل غيرهم، في نقدهم لأبدية القيادة هنا وهناك.
لهذا، فإن الأساليب التي لا زالت غالبية أحزابنا الكردية تعتمدها، في النيل من المعتبر خصماً أو عدواً مغرضاً، لم تعد خافية بغباء منطقها، إنه الغباء لسان حال الذهنية التي يتغير محيطها الخارجي، دون أن تتغير هي، وإن تغيرت ففي القشور، كأن تُحل البنطال محل الجلباب، ولكن تبقى صورة الجلباب من جهة الدلالة، واستتباعاتها، التعبير الأكثر إثارة للتهكم، وإفصاحاً عن بؤس التفكير، وفي إدارة الأمور.
فأن يُتهم أحدهم، على أنه مدسوس، ومأجور، ومشبوه، من الأدوات التي استحالت خردة، هذا في الوقت الذي يكون متهمه الأكبر، ذاك الذي يحيله إلى لعبة بيد من هم معروفون، المتردد عليه مساء، أو خفية، أو يكون معلوماً فيما يقوم به، وحتى يخطط لـه، وفيما يصدره من قرارات. هنا أسأل في السياق ذاته: أين صفت الرجعية، تلك السُّبة التهمة، البذاءة التي كانت شائعة وذائعة في خمسينيات القرن الماضي، وحتى الآن عند أولئك الذين لا زالوا سكنة الثكنات الموبوءة تفكيراً وتدبيراً؟ إن رجعيي اليوم، لم يعد أولئك الذين كانوا معروفين بتسميتهم أعداء للعمال والفلاحين والمعتبرين يساريين، أو تقدميين، إنما أولئك الذين كانوا يستسهلون إطلاق واستعمال السبة تلك يميناً ويساراً، ربما لأن وضعاً استوجب ذلك، وها هم الآن في بطر الحالة، وفي تجاوز النطاق المرسوم لهم، وخيانة الفكرة التي على أساسها، استخدموا كلمات حادة من العيار الثقيل ذاك، رجعيو اليوم أكثر خبثاً وإساءة إلى المجتمع، وإلى أقرب المقربين إليهم، ومن داخل الشبكة الهوائية التي تستقطب الأخبار المصورة، كما يريدونها، من أولئك الذين لوحقوا بالتقريعات تلك، لأن رجعيي اليوم، لم يخلصوا لما أرادوه، بقدر ما اغتنوا وأعماهم المقام المحمود، بفضل الحزب والذين ساروا ولا زالوا في ركابهم.
ورغم كل ذلك، لا زالوا حريصين على تقديم أنفسهم على أنهم أقوياء، وقادرون على النيل من أي كان، كما في تمديد وتوسيع رقعة نفوذهم الرمزي إلى ماوراء النهر، أي من خلال ( تمتين) العلاقات بـ( حدك) و( أوك)، وهي العلاقات التي ترمي بظلالها الثقيلة الوطء، على مجتمع بكامله، من خلال التعامل بالذهنية ذاتها، والإيحاء إلى كل الذين يعتقدون أنهم مؤثرون خارج مضاربها، كم أنهم واهمون، كما هو ملحوظ اليوم أكثر من أي وقت مضى!
لكن ما أشبههم هؤلاء اليوم ، بالنسبة للذين يمثلون الأحزاب هذه، بملالي الأمس، أولئك الذين كانوايتحركون في وسط من الأمية كردياً، وكان بوسعهم أن يقولوا ما يشاؤون بصدد الدين، أن يكونوا كتاب وقراء رسائل الأهلين، ومتدخلين في شؤونهم الدنيوية والأخروية، الملالي هؤلاء بقوا محافظين على الذهنية ذاتها، وما زالوا في معظمهم مثابرين عليها، رغم التحصيل العلمي المتزايد وظهور الجامعيين والكتاب، دون أن يعترفوا بتجلي الفارق، أو يتلمسوه، وممثلو الأحزاب، الذين كانوا يقدمون صورة عن العالم، وعما يجري فيه، والتعريف بالحقيقة باعتبارها تحت جبة الملا: الزعيم الحزبي، ظلوا ولا زالوا يؤكدون على أن الحقيقة كما يتصرف أحدهم، وكما هو نظامه الداخلي: الموسوعة المعرفية لمن يريد أن يكون كردياً حقاً، ومناضلاً كردياً فعلياً، ومساجلاً لا يُهزَم، دون أي اعتبار للتغير الحاصل في الميادين كافة، حيث الأمية السياسية مستفحلة، ويبدو الرفاق الذين يأتون تالياً في ( الرتبة)، كما همو مريدو الملالي، يمارسون دعاية للزعيم، دون أي دخول في الحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي العصري، ودون أي قدرة فعلية في التواصل والتحاور الثقافيين، طالما أنهم يؤكدون أن الكردية حيث يكون حزبهم، ولكن أي حزب وأي زعيم؟ ورغم ذلك تكون الجسور وطيدة بين مجمل الأحزاب التي ترضى بتبعية آلتها على نفسها، لترضى بترقية في غير محلها، من خلال الجنوب الموسوم، اعتماداً على رجالات خاصين يمثلونها، بمثابة السفراء أو القناصل وسواهم من رجالاتهم، الذين يبثون هناك كل ما هو جار هنا، فيكون لكل ناشط أو معروف في المجال السياسي والثقافي أرشيفه من خلال هذا أو ذاك من المعنيين بهم، ومن خلال تزكيات مقررة، ورحلات مقررة، إلى هذا المؤتمر أو ذاك،,هذه الندوة أو تلك، هذا اللقاء أو ذاك، مع اعتداد بالذين يديرون الأنشطة هذه، ويمثلونها، مع التأكيد على الألقاب الفخرية، بغية التوادد زلفى، فتتقدم أسماء، أسماء أعلام معتبرة، أو تتأخر، أو يجري التعتيم عليها، والإعلاء من شأن أسماء تختلف في مهامها، ولكنها مقربة من هذا الحزب أو ذاك، وفق علاقات محروسة، ونكاية بآخرين، فيكون المعتبَر هناك منبوذاً، أو غير مرغوب فيه، مقصياً عن أي نشاط، أو يتم الحذر منه أو ضرورة تجنبه، معرَّفاً به هكذا هنا، ولتبرز الذهنية العشائرية المستحدثة مدى تفانيها في خدمة الخيمة المشَحورة التي تمنعها من رؤية الفضاء الرحب، لأن المهم ليس رؤية هذا الفضاء، إنما من هو داخل الخيمة المذكورة، وفي الظل تتشكل أسماء، ووروابط ثقافية هنا وهناك، تغظيماً للجنوب، أعني تعظيماً للذات التي ترى في الجنوب الفرصة السانحة لاحتياز ما ترغب فيه، من ظهور متلفز، أو نيل حظوة، أو تحقيق مكسب وصيت معنويين وماديين، على الضد من الآخرين المعروفين بأسمائهم ومواقعهم وعناوينهم تماماً، ليكتمل الطاقم المركب الجامع بين ما هو حزبي، وما يتحرك في ظله أوفي جواره، داعماً له أو مدعوماً به 7.
تتبدى الأحزاب الكردية في عِقدها التالي على خاتمة الألفية الثانية، ومطلع الثالثة منها، على غاية من التفكك، وهي تنكفىء على نفسها غاية الانكفاء، وخصوصاً بعد الحدث الآذاري، حيث الجبهة والتحالف في حقيقة أمرهما ليسا سوى وجهين لعملة واحدة، هي وجه الرجل الكردي الذي أثقلت عليه علته، وفقد حس الاتصال بالواقع.
والمتتبع لما يجري، ومن خلال تعليق مرساته بالجنوب، إعلاء من شأنها محلياً، يلاحظ مدى التعمية والاستعماء الجماهيريين من خلالها،! إنها تمارس تعمية لجماهيرها التي تقلصت كثيراً، من جهة الطمس على قلوبها وإبعادها عن حقيقة الواقع، وما هي عليه( الأحزاب عبر رموزها)، حيث تعدم من ينتشلها من مستنقع تاريخها المطحلب راهناً أكثر، واستعماء من خلال إبقائها في حدود التعمية تلك، والإيحاء إلى أنها نِعم الجماهير، في نعم القيادة( أي قيادة يا ترى، وهي تتقاسمها بؤساً على بؤس؟)، لينطبق عليها قول ماركس الذي تردد ذات يوم، ومن خلال علاقة ممثلي هذه القيادات( الفاركونات الصدئة كثيراً من الداخل): إنهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم، إنهم بحاجة لأن يمثَّلوا.
ورغم ذلك، فإن الرموز هؤلاء لا يكلون ولا يملون ، وخصوصاً راهناً، في إبراز ( محاسن) الذهنية المستتبعة تلك، من خلال الإعلاء من شأن هذا أو ذاك، بصفته الجدير بالتقدير في الوسط الاجتماعي، باحثاً أو كاتباً، دون أن يكون لـه أي صيت أو مكانة فيما جرى مؤخراً، وتبذل قصارى جهدها في التعتيم على هذا أو ذاك، وفتح المجال واسعاً للنيل منه في الشارع، وفي البيوتات القيادية والبيوتات المختصة في هذا الشأن، اعتماداً على من لديهم الاستعداد الكامل للتطوع في خدمة الذهنية تلك، دون أي اعتبار لما عليه تاريخ الأشخاص والوقائع المؤرشفة، دون معرفة ما يقوله أو يقومه هذا أو ذاك، وهو البعيد كلياً عما كان يجري، ليكون المدلل هنا، والممدوح هناك، إعلاماً بأن الأحزاب الكردية، وعبر حامليها دائماً، تملك القدرات الكافية، لتحيي الميت وتعطّره مهما كانت رائحته لا تطاق اجتماعياً، تميت الحي، وتزعم أنها قادرة على ذلك، في وسطها الجماهيري المعطوب، الوسط المتنامي أميةً، كما يُراد لها ذلك، مهما كان ذلك الحي حياً بقدراته واسمه.
وتبرز الأنشطة التي تتم هنا وهناك، كما لو أنها ساحة النزال، وفي صمت، بين الذين يدركون خطورة ما هي عليه هاتيك الأحزاب، وعبر قياداتها، والذين تلمسوا في ظلها الوهمي، ما من شأنه تحقيق المراد، سواء بعقد ندوات أو تنظيمها والدعوة إليها، وتكليف المعتبر لائقاً بإدارتها أو الإشراف عليها، أو بتصويرها، ومن ثم إرسالها إلى ذوي الشأن، لتلتقي الثقافة والسياسة الحزبية هنا في لعقة الدم الوفاقية، ولتكون الحقيقة الكردية، من يكون الكردي ومن لا يكون، في ضوء الجاري تصويره أو العمل به.
إنه استمرار في الدفاع، دفاع المهزوم عن هزيمته، وتجلي الذهنية المسواقة والمرممة بين الحين والآخر، لتبقى هي، بصفتها التجسيد الأعظمي للكردية المطلوبة، نضالياً وعقائدياً وثقافياً في الداخل الكردي وخارجه.
بينما في الجنوب الكردستاني، يزداد الضغط على ( الكعبة) الكردية، ويبرز العبء من جهة إدارة الأمور المتعلقة بهذه الكعبة وكيف يتم الطواف إليها وحولها زلفى، حيث تتخصص رفوف لأرشفة كل ما يتردد هنا، هناك، ودون التأكد مما إذا كان ذلك صحيحاً أم لا، إذ المهم هو إن هناك من يبايع، من يرفع صوته عالياً، أن الكردية المتحققة في أعلى صورها، قد تجلت في الجنوب المعظَّم، وأن ليس من كردية أخرى سواها،ليكون المعظّم معظَّماً بدوره، دون التأكد مما يقوم به، أو دون متابعة ما تكون عليها كرديته حيث يعيش قولاً وفعلاً، وفي سباق محموم مع الوقت، لكأن المهم هو ما يتم سماعه ليس إلا، ليكون الشعار هو المطلوب، ويبقى المبدأ، مبدأ أن تكون كردياً فاعلاً حيث تكون إقامتك، وليس أن تعلي من تعتبره زعيماً استثنائياً، وأنت في عطالة تاريخ فيما أنت عليه، وليكون المعني والمأخوذ بما يتردد، كما هو ( صالبا)في رواية يلماز غوني، حيث من خلاله، وعنه يقول بأنه كلما ازداد قراءة ازداد أمية، وابتعد عن الواقع، طبعاً من خلال من يوجهه، ويسطح تفكيره، معطّلاً قواه المعرفية: في التفكير والمساءلة والمحاكمة المنطقية...الخ.
تُرى موسم الهجرة الطويل الطويل إلى الجنوب، إلى متى يستمر، ومتى يكون الجنوب الكردستاني، حداً جغرافياً واعتبارياً، لتكون الحدود الأخرى معتبرة، من خلال أناس معتبرين جديرين بحفظ ووعي حدودهم تمايزاً أيضا؟
= = = = = = = = = =

إضاءات
1- كل حزب يدعي أنه ولد في ظروف استثنائية، كما هي القوانين الاستثنائية التي تنال منه، وأن ولادته، كما هي ولادة الأبطال في الميثولوجيا، والرموز الدينية المعتبرة، مشفوعة بعلامات فارقة، ومن قلب معاناة الجماهير التي يئست مما يجري، تمهيداً وتبريراً لنشوئه، حيث المرحلة التي يمر بها ( شعبنا) حاسمة، لهذا يتم تبشير الجماهير المسحوقة والمخدوعة بأن ساعة الفرج دقت، ليغدو الحزب تالياً، وبعد زمن محدود، في عداد الأحزاب التي اعتبرت متخلفة عن واقعها، تيمُّناً بالعقلية التي تؤمُّ الجميع، وليكون الشعار الرافعةَ الثقيلة الوطء، التي سرعان ما تقع على هامة البسطاء ممن يرنون إليها، منتظرين ( غودو:ها) الكردي، الذي لن يأتي هكذا بالتأكيد. وبدلاً من الشد من أزرهم ، يصار إلى الزيادة في وزرهم.
2- لا يتورع زعيم حزب معتد بنفسه، كماهم الآخرون، لكنه يبزهم بدرجة، عن الإشارة إلى زعيم آخر، يجده خصماً مرئياً لـه، وحجر عثرة في طريقه، أكثر من حديثه عن ( عدوه) الفعلي، وليبتكر في خطابه اليومي الاجتماعاتي المعهود، ما يؤكد نباهة التفكير، نبالة الأصول المعتبرة فيه، والنيل العشائري من المثيل، دون أي اعتبار للموجودين الذي يصغون إليه، دون أي تقدير لأخلاقية المكان، وهو يقول من أن عدد رفاق الزعيم المذكور، لا يتجاوز عدد أصابع ( القدم) الواحدة، وسط استغراب من بعض الحاضرين، إلا واقعة من سلسلة الوقائع التي أحتفظ بها، معروفة بمفارقاتها، وليست مركَّبة طبعاً.
3- لا مجال، ولا مفر من التوقف، عند تلك النرجسية ذات الصبغة العشائرية، التي تبقي الجماعة الحزبية العاملة، وكأنها تستمد حقيقة تكوينها من الزعيم، بصفته النرجسية الملهمة للبقية، نرجسية تجد مثاليتها في المزيد من صد الآخر: الكردي، في حزب آخر، في خندق القومية المرسوم، لا يفسرها سوى التعصب التليد، لآبائية تتجدد، كما هو المألوف والمقلق، بين المعنيين بها.
4- في روايته ( Fîlozof)، للكاتب الكردي Loqman Polat، والتي صدرت في ستوكهولم سنة 2000، ثمة مفارقات هائلة تخص الكردي بصفته حزبياً، وعلاقته بنفسه ومن هم أمثاله، حيث يصور مشهداً طريفاً مؤلماً ، يخص المعنيين بالأحزاب الكردية وخلافها، وكيف أنهم يحملون خلافاتهم معهم حتى إلى جهنم، حيث يحلون فيها، كما جاء ذلك في القسم20 من الرواية، والتي تقع ما بين صفحتي( 116-125)، ولأن الرواية هذه غير متوافرة، سأقوم بنشر ترجمتي لهذا القسم بالعربية لاحقاً، نظراً لأهميته ودلالته بالتأكيد.
5- أشدد دائماً على بنية المفارقة في الذهنية العشائرية( المغردة) في خرائب الذات النرجسية المتحزبة كردياً، وما في إطارها خارجاً، وبتأثير منها، بسبب الدور المروع لها. ففي الوقت الذي تكون الديمقراطية( شيطان الشعر القومي الكردي) الذي ألهمها، وحثتها على أن تكون خميرة أول حزب منذ قرابة نصف قرن، من اللهاث ركضاً في طريق التمايز الأثني المشروع، حاثة على الديمقراطية، تظهر انشقاقاتها نقيضاً وتكذيباً لها، على مدى بعدها عن الديمقراطية. إنها تذكّر بالديمقراطية اليونانية القديمة، في بعض منها ذات يوم، ديمقراطية أحرار، ولكنهم هنا ليسوا كذلك إزاء أنفسهم ذاتها. وفق التقسيم الأفلاطوني، تكون ثلاث قوى: القوة العقلية، تخص من يحكم ويفكر معاً، وهنا نتذكر الزعيم تجاوزاً، والقوة الغضبية، وتخص من يحرس ويحرص على سلامة الحزب ، أيضاً تجاوزاً، والقوة الشهوية، وتخص من يعمل ويخدم، وهنا نتذكر غالبية العاملين التابعين للـ(قيادة) الحزبية.
لا فصل في السلطات هنا، إن الزعيم، وباعتباره عشائري المنبت تدبيراً وتفكيراً، أو تصوراً، لا تهدأ نفسه، إلا حين يمارس حراسة على نفسه، ويشك في من يقومون على حراسته بصورة ما، فتتزعزع العلاقة بين القوى الثلاث، وهذا يثير القوتين الأخريين، حيث الانقسام أو الانقلاب على الزعيم، تعبير عن هذا التداخل، وعدم وجود ضابط قيمي يُحتكم إليه هنا.
6- لا توجد الوحدة في الحزب، إنما الواحدية فيه، من خلال التفرد بالرأي، بالحزب الذي يتعدد أسماء وألقاباً. وثمة مؤثرات أخرى في الاسم، من جهة الترقيم. إن الحزب لا يشكل في مضمونه كياناً مجتمعياً يريح النفس، ويطَمئِن الفكر قليلاً، الحزب اشتراط وانقسام داخل الوحدة المجتمعية، مناصرة لحقيقة مشترطة، وما في ذلك من تحييد للحقيقة بصورة مشوهة. إن Parti، تعني حزباً، شيعة، طائفة، فريقاً، وأن Partie، تعني جزءاً ، حصة، فرعاً، بالفرنسية، وهذا غير بعيد عن الكردية، إذ إن Par، هي حصة، قسمة، نسبة، وأن Hevpar، هي مشترك، وأن مفردة البارتي لا تعني سوى هذه النسبة، أو الحصة، أي الحزب، أي ليست الواحد، إنما الجزء من الواحد، أي إن ثمة مجموعة الأجزاء التي تكوّن الواحد الصحيح، ويعني أيضاً، أن البارتي، من حيث المفهوم تغليب قسري للواحد المتصوَّر، على الجزء( حقيقته) في الواقع، وعندما أقول البارتي، لا أشير إلى الحزب الحامل لهذا الاسم، وخصوصاً، حين يقال هكذا( حزب البارتي)، أي ترجمةَ لافتة تثير التساؤل( حزب الحزب)، والديمقراطية، باعتبارها واحدة واقعاً واحداً، بسبب سوء استخدام المفهوم، كما هو في سوء استخدام مفهوم الحزب. ألا يعني كل ذلك، أن الذين يمارسون الحزبية، يكونون على الضد مما ينتهجونه، ضعفاء في الحساب، ملحقين مجرده بمحسوسهم الافتئاتي؟
7- لمن يعلم، أو يريد أن يعلم، أعترف هنا، أن تجربتي مريرة مع غالبية الأحزاب الكردية، معها بإطلاق، من جهة معرفة ما يمكن أن يكون عليه المرء حراً في تفكيره، وفي الوقت نفسه، تكون له خصوصيته، دون أن يؤثر ذلك في علاقاته مع مجتمعه، ومع الذين ينتمون إلى هذا المجتمع المتعدد الألسن والتصورات والمعتقدات و( الأحزاب) هذه التي في جوهرها تطبق ذلك دون أن تسميه، مع غالبيتها، وهي تفترض الكردية من خلال التزام( إلزام واقعاً)، بعلاقة حزبية( تابعية حزبية، كما هي في حقيقتها مع سواها)، تكون الدليل العملي لوعي الكردايتي، مع العديد الوفير منها، بشكل مرعب، من جهة قائمة التهم والتسفيهات، لأن ثمة من يريد الكتابة والتفكير خارج حظيرة الحزبية الموسومة، وراهناً أكثر.
أهو اعتراف، أم بعض يسير جداً من تاريخي الشخصي أم المجتمعي، أم الثقافي، أم ماذا ؟ إن أنا قلت، إن هذه العلاقة تعود إلى أكثر من ربع قرن، كوني أعيش ككردي، دون أن أفكر وأتصرف كالذين دخلوا أو انخرطوا، و( تطوعوا) في سلك الحزبية الكردية، إنما أعيش كرديتي، كما أعيها وأعرّبها قولاً وفعلاً، حيث لم أقيّمها هنا، وكنت هكذا بداية: الخارج عن الرف، المشكوك بأمره، وتالياً، المقلق بما يقوم به، عند تناولي مسائل تخص ما هو كردي، إلى جانب اهتماماتي بقضايا فكرية ونقدية تاريخية أخرى، وغيرها، عامة، والممكن التعامل معه، إنما بحذر ملحوظ، بعد نشري لكتابي( صورةالأكراد عربياً بعد حرب الخليج)، حيث شهدت الفترة تلك اهتماماً بالكتاب، وبمؤلّفه، ولكن للأسف، كان ذلك مؤقتاً، إذ كان محاولة لاستدراج حزبيٍّ، كما هو معلوم، حيث تقييمي للجميع، ودون استثناء، دون نسيان التقدير الأولي، بغض النظر عما يقوله أو يقوم به، هذا أو ذاك، أما في النقد، فهذا شيء آخر، لا يقلل من قيمته الاعتبارية. وأرى أن المعنيين بالموضوع لم يكونوا هكذا، وليسوا هكذا حتى اللحظة، وكتابي( الكرد في مهب التاريخ)، كان أيضاً منغّصاً، من خلال التعامل معه، طبعاً، من جديد أقول، لأن مؤلفه لم يكن حزبياً، وحافظ على مسافة معينة بينه وبين من يمثلونها حتى اللحظة، وأن كتاباً لي كان من المفترض أن يقوم طرف ما بطباعته وتوزيعه، عن ( الكرد في خضم حروب الآخرين)، حيث تشجع لذلك، ولكنه بعد فترة محسوبة، تراجع، معتبراً الكتاب غير مستحق النشر، وهو الذي تشجع لـه بداية، وأن طرفاً آخر، أبدى استعداده لطبعه خارجاً،( في جنوب كردستان)، ولكنه أُغلق عليه هناك بالمقابل، وهو في انتظار فرصة أخرى ، في مكان آخر، خارجاً. وما تلا الحدث الآذاري، وما قمت به من نقد موجه لمجموعة ضخمة من الكتاب الكرد، ومن ثم لجوانب في الحركة الكردية من بعدهم، أو معهم، استنفر غالبية الأحزاب هذه، وبدا ما أقوم به وأكتبه، مشروعاً مخططاً، لا يخلو من شبهات، مدفوع الأجر خارجاً، كما هي عادة الذهنية تلك التي أكدتُ عليها سالفاً، وأن ما يجري الآن، من قيل وقال( لا أحد يجهله)، يتحرك في إطار هذه العلاقة- الصورة، التي تعتبر عبرها الأحزاب الكردية هذه، أنها لا تتوانى عن فعل أي شيء، وبث أي قول، إزاء من تعتبره يتحرك بملء حرية غير معهودة من قبلها، ويظهر أن سلوكه : قولاً وفعلاً، ينعكس عليها واقعاً ومآلات، ولا داعي لذكر الأمثلة.
ولكن في الحالات جميعاً، لا أعدم وجود أسماء وحالات( وهي محدودة، ولكنها مؤثرة بالمقابل) داخل الأحزاب وخارجها معاً، تمارس كرديتها في فضائها المجتمعي، بعيداً عن الثكناتية في التفكير والتقدير، وربما تشكّل عزاء ملهماً لي، وبأساً محفزاً للمزيد من العمل، ومتابعة ما انتهجته منذ البداية، وربما لولا ذلك، لما كان كل هذا الجهد، وتحمل مشاق الاختلاف!



#ابراهيم_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكردي مؤرّخاً
- الدوغماتيكي رغم أنفه
- -النقلة باعتبارها تمرداً في الأدب: سليم بركات في روايته الجد ...
- أهي نهاية المرأة ؟
- منغّصات الترجمة
- الكردي الرشيد: رشيد كرد
- مغزل الكردي
- هل يصلح الرمز الديني موضوعاً للسخرية؟
- الدولة العشائرية الموقَّرة
- دولة قوية دون شعبها
- السورية تيتانيك 3- مرسى تيتانيك مرسومة
- السورية تيتانيك2- الإبحار الكارثي
- السورية تيتانيك 1- لحظة الإبحار
- عمر الشريف بارزانياً
- فجيعة نفسي بنفسي- من وراء البللور السميك
- رسالة مفتوحة إلى صبحي حديدي: العربي الأثير في مزيج من كرديته ...
- الارتحال إلى الدكتور نورالدين ظاظا 13- دعوا جنازتي تمشي بمفر ...
- تصريح: الكتاب الكردي الأسود
- خارج الجوقة، بحثاً عن جوقة : خدام نموذجاً
- خارج الجوقة، بحثاً عن جوقة: خدام نموذجاً


المزيد.....




- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - ابراهيم محمود - موسم الهجرة الطويل إلى جنوب كردستان