أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - هندسة وصفية














المزيد.....

هندسة وصفية


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6411 - 2019 / 11 / 17 - 19:32
المحور: الادب والفن
    


وكان في مدينة لاذقية العرب ثمة مكتبة بالقرب من مدخل جامعة تشرين، على زاوية شارع شعبة التجنيد، لعلها كانت المكتبة الأقدم هناك ولعلها تأسّست مع تأسيس كليّات الهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية، وكان مالكها مهندساً حاقداً على نفسه اسمه على ما أذكر لطفي الأجرب، وكان يعمل لديه أو معه ثلاثة مهندسين، كانوا جميعهم يشتغلون في المكتبة وفي الجامعة كمهندسين مفرزين إلى كلية الهندسة الميكانيكية، في الوقت نفسه.
كانوا يصوّرون المحاضرات والأوراق والهويات والوثائق ويبيعون القرطاسية بأكملها والمساطر الهندسية بأنواعها ولا سيما مسطرة (حرف التي)، والتي كان حملها على الكتف هو حلم كل طالب هندسة مستجد، وكانوا يتاجرون كذلك بمعدات الرسم الهندسي واحتياجات مخابر الكيمياء والفيزياء.
كانت ملابسهم أنيقة على غير المعتاد، خاصة بالقياس لزملائهم من القرى البعيدة، وفي معاصمهم ساعات جميلة وأساور ذهبية وفي رقابهم سلاسل من ذهب أيضاً.
ولا عجب في ذلك فكلنا عرف أنهم كانوا يعملون أيضاً في المساء في مجال إعطاء الدروس الخصوصية.
كانوا بحكم قدمهم يعطون الدروس العملية خاصة في المجالات المهمة نسبياً مثل الهندسة الوصفية والرسم والميكانيك النظري والتبريد والتكييف، حيث عدد الطلاب والطالبات كبير بالإضافة إلى تواجد الكثير من الطلبة العرب ذوي الحالات الميسورة.
وذات يوم تحقَّق حلم المهندس لطفي - بسبب سفر أو مرض أحد أعضاء الهيئة التدريسية لست أذكر تماماً - فصار التاجر لطيف الأجرب مدرساً لمادة الهندسة الوصفية (جزء 1 و2) والتي هي في الحقيقة مادة ذات محتوى معقد نوعاً ما، فصار جميع الطلبة ملزمين أخلاقياً بشراء معدّات الرسم الهندسي والهندسة الوصفية والمساطر غالية الثمن من مكتبته حصراً، ولا سيما أنَّ الأجرب ومساعديه كانوا مسؤولين أيضاً عن القسم العملي في مادة الرسم الهندسي.
بعض الطلبة اضطروا لمغادرة الجامعة بسبب صعوبة هذا المقرّر. وكان التاجر لطيف يعي هذه الحقيقة تماماً، فكانت امتحاناته صعبة للغاية وكان تصليحه للإجابات قاسياً، وبهذا أَخافَ الطلبة الضعفاء ودعاهم بشكل غير مباشر للدروس الخصوصية عنده وعند مساعديه أو ببساطة لدفع ثمن النجاح دون تعب.
ويوماً بعد يوم ازدادت أموال ومشاريع التاجر لطيف الأجرب وعصابته، وخاصة بفعل بيع الأسئلة مع الأجوبة، تجارته الرابحة.
الأنكى من هذا وذاك كله هو نفسيته الحقيرة والحامضة، إذ كان يتعامل مع معظم الطلبة من مناخيره البشعة، وكان حليق الذقن والشارب، حنطي البشرة ولون بنطلونه القماشي أخضر فاتح وكان قميصه المفضّل مزيجاً من الأصفر والبني والأخضر.
وخلال الدراسة الجامعية في تلك الفترة كان لدينا زميلة مؤدبة وشاطرة ومحترمة وخجولة من أسرة كبيرة العدد وفقيرة ومتعلمة وعصامية. وكان لدينا مدرس فقير النفس لمادة الرسم الهندسي واسمه على ما أذكر نوّاف - وأنا اليوم بحكم خبرتي ومعرفتي واثق وعلى يقين من أنه لم يكن يفقه بماهية الرسم الهندسي - وكان هذا المقرّر يتألف من قسم عملي 40% وقسم نظري 60 %، ولم يكن هناك فرق جوهري بينهما، وكانت ثمة مقابلات فصلية بين المدرس شخصياً والطلاب.
وذات يوم دخلت زميلتنا الطالبة - مرعوبة مثل حالتنا جميعاً - إلى مكتبه بلباسها المتواضع ووجهها الطبيعي الطيب والخجول مصطحبة معها كل الرسوم الهندسية المطلوبة لإجراء المقابلة.
في المقابلة حملّق المدرس في وجهها وقال لها بغباء مطلق دون مقدمات: أنت واحدة برجوازية لا تستحقين أن تكوني طالبة عندي ولا في جامعة تشرين، لملمي رسومك واخرجي من مكتبي في الحال.
خرجت الطالبة وهي تبكي بصمت وحرقة شاكيةً أمرها لله.
وكنا نعيش في ظلّ قيدّ دكتاتوي مطلق فلم نجرأ على الصراخ في وجوههم اللئيمة.
بالمناسبة: لم أشتر في حياتي الجامعية هناك من دكان لطفي الاجرب ولا حتى تلك المسطرة التائية، بل تمكّنت من استعارة هذه الأشياء من طلاب قدامى.
بالمناسبة: لقد تم - منذ أكثر من عشرين عاماً - إلغاء مادة الهندسة الوصفية من كليات الهندسة الميكانيكية في كل جامعات ألمانيا، لأسباب لست الآن بصدد نقاشها.
بالمناسبة: لقد نسيت الفكرة التي ودّدت أن أنقلها لكم.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البيان الطلابيّ
- هكذا يفكر جورج
- برغل ناعم
- تربية سوداء
- حوار قصير عن حجر الجلخ
- اعترافات لم تكتمل
- روائح طيبة
- غسيل زيزفون
- اعتقال الفصول
- عن الرأسمالية الشريفة
- قصيدة أبراهام
- قصيدة إِنْزيغْتن
- المِلزَمة
- صلولين
- نشرة أخبار
- كيف صار المُهَنْدِس كاتباً -2-
- كيف صار المُهَنْدِس كاتباً -1-
- ملعب مقبرة الشهداء
- كيف لا ترون؟
- من شبَّ على شيءٍ شاب عليه


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - هندسة وصفية